سورة الماعون ([1])

مكية (2)، وقيل: مدنية، سبع آيات.

في حديث أبي: " من قرأها غفر الله له إن كان للزكاة مؤديا " (3).

وعن الباقر (عليه السلام): " من قرأها في فرائضه ونوافله قبل الله صلاته وصيامه، ولم يحاسبه بما كان منه في الحياة الدنيا " (4).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أرءيت الذي يكذب بالدين (1) فذا لك الذي يدع اليتيم (2) ولا يحض على طعام المسكين (3) فويل للمصلين (4) الذين هم عن صلاتهم ساهون (5) الذين هم يرآءون (6) ويمنعون الماعون (7)﴾

أي: هل عرفت (الذي يكذب) بالجزاء والحساب وينكر البعث؟من هو، إن لم تعرفه (فذلك) الذي يكذب بالجزاء هو (الذي يدع اليتيم) أي: يدفعه دفعا عنيفا بجفوة وغلظة، ويرده ردا قبيحا بزجر وخشونة.

(ولا يحض) ولا يبعث أهله (على) بذل (طعام المسكين) فلا يطعمه ولا يأمر بإطعامه، جعل سبحانه علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، يعني: أنه لو آمن بالجزاء، وأيقن بالحساب، ورجا الثواب، وخاف العقاب لما أقدم على ذلك، فحين اجترأ على ذلك علم أنه مكذب.

فما أشد هذا من كلام! وما أخوفه من مقام! وما أبلغه في التحذير من ارتكاب المعاصي والآثام! وإنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان.

ثم وصل به قوله: (فويل للمصلين) كأنه قال: وإذا كان الأمر كذلك فويل للمصلين (الذين) يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها حتى تفوتهم أو يخرج وقتها، أو: يستخفون بأفعالها فلا يصلونها كما أمروا في تأدية أركانها والقيام بحدودها وحقوقها، ولكن ينقرونها نقر الغراب من غير خشوع وإخبات واجتناب المكروهات من: العبث بالشعر والثياب، وكثرة التثاؤب، والتمطي، والالتفات، الذين عادتهم الرياء والسمعة بأعمالهم، ولا يقصدون به الإخلاص والتقرب إلى الله سبحانه على وجه الاختصاص (ويمنعون) حقوق الله تعالى في أموالهم.

والمعنى: أن هؤلاء هم الأحقاء بأن يكونوا ساهين عن الصلاة التي هي عماد الدين، والفارق بين الإيمان والكفر، وملتبسين بالرياء الذي هو شعبة من الشرك، ومانعين للزكاة التي هي قنطرة الإسلام، وتكون صفاتهم هذه علما على أنهم مكذبون بالدين مفارقون لليقين.

وعن أنس: الحمد لله على أن لم يقل: في صلاتهم (5).

والمراءاة: مفاعلة من الاراءة، لأن المرائي يري الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة، فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقوله (عليه السلام): " ولا غمة في فرائض الله ? (6) لأنها شعائر الدين وأعلام الإسلام.

وقوله (عليه السلام): " من صلى صلاة الخمس جماعة فظنوا به كل خير " (7).

وقوله (عليه السلام) لأقوام لم يحضروا الجماعة: " لتحضرن المسجد أو لأحرقن عليكم منازلكم " (8).

ولأن تاركها يستحق الذم والتوبيخ فوجب إماطة التهمة بالإظهار.

وإن كان تطوعا فالأولى فيه الإخفاء، لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فيكون أبعد من الرياء، فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان حسنا، فإنما الرياء أن يقصد بإظهاره أن يراه الناس فيثنوا عليه بالصلاح، على أن اجتناب الرياء أمر صعب إلا على المخلصين، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على المسح الأسود " (9).

واختلف في (الماعون) فقيل: هو الزكاة المفروضة (10)، وهو المروي عن علي (عليه السلام) وجماعة (11)، قال الراعي: قوم على الإسلام لما يمنعوا * ماعونهم ويضيعوا التهليلا (12) وعن ابن مسعود: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الدلو والفأس والقدر، وما لا يمنع كالماء والملح (13).

وعن الصادق (عليه السلام): " هو القرض تقرضه، والمعروف تصنعه، ومتاع البيت تعيره، ومنه الزكاة " (14).


1- رواه الصدوق أيضا في الفقيه: ح 1092، ونحوه مسلم في الصحيح: ج 1 ص 452 ح 252.

2- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 805 مرسلا.

3- قاله الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد وسعيد بن جبير. راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 710 - 711.

4- كابن الحنفية وابن عمر. راجع المصدر السابق.

5- للراعي واسمه عبيد بن حصين النميري، من قصيدة له طويلة في وصف قومه وإبله، راجع جمهرة اشعار العرب: ص 432.

6- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 712.

7- رواه الكليني في الكافي: ج 3 ص 499 ضمن ح 9 عن أبي بصير عنه (عليه السلام).

8- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 417: مكية في قول ابن عباس، وقال الضحاك: مدنية. وهي ثلاث آيات بلا خلاف. وفي الكشاف: ج 4 ص 806: مكية، وآياتها |

9|، نزلت بعد العاديات.

10- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 808 مرسلا.

11- ثواب الأعمال للصدوق: ص 155.

12- صحيح مسلم: ج 1 ص 300 ح 400 عن أنس.

13- رواه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 718 و 720.

14- حكاه الرازي في تفسيره: ج 32 ص 124.