سورة الفيل

مكية (1)، خمس آيات.

في حديث أبي: " من قرأها عافاه الله أيام حياته من القذف والمسخ " (2).

وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأها في فرائضه شهد له كل سهل وجبل يوم القيامة أنه كان من المصلين وينادي له يوم القيامة مناد: صدقتم على عبدي، قبلت شهادتكم له وعليه، أدخلوه الجنة ولا تحاسبوه فإنه ممن أحبه وأحب عمله، وكان من الآمنين " (3).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ألم تر كيف فعل ربك بأصحب الفيل (1) ألم يجعل كيدهم في تضليل (2) وأرسل عليهم طيرا أبابيل (3) ترميهم بحجارة من سجيل (4) فجعلهم كعصف مأكول (5)﴾

بنى أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن كنيسة بصنعاء، وأراد أن يصرف إليها الحاج، فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلا، فأغضبه ذلك وأزمع أن يهدم الكعبة، فخرج بالحبشة ومعه فيل اسمه محمود، وكان قويا عظيما، وقيل: كان معه اثنا عشر فيلا غيره، فلما بلغ المغمس (4) خرج إليه عبد المطلب وقد أخذ له مائتا بعير، وكان رجلا جسيما وسيما، فقيل له: هذا سيد قريش، فأعظمه ونزل من سريره وجلس على الأرض وأجلسه معه، ثم قال: ما حاجتك؟قال: حاجتي مائتا بعير أصابتها مقدمتك، فقال له: لقد سقطت من عيني، جئت لأهدم البيت الذي هو عزكم وشرفكم ودينكم، فألهاك عنه ذود أخذ لك ؟! فقال: أنا رب الإبل، وللبيت رب سيمنعه، فراع ذلك أبرهة وأمر برد إبله عليه، ورجع وأتى إلى باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول: لا هم إن المرء يم?.

نع أهله * فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم * ومحالهم عدوا محالك إن كنت تاركهم وكعبتنا * فأمر ما بدا لك وقال أيضا: (5): يا رب لا أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا فالتفت وهو يدعو فإذا هو بطير من نحو اليمن، فقال: والله إنها لطير غريبة، ما هي ببحرية بنجدية ولا تهامية.

(6) (ألم تر) معناه: أنك رأيت آثار فعل الله بالحبشة الذين قصدوا تخريب الكعبة (بأصحاب الفيل) وكان ذلك العام الذي ولد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

و (كيف) في موضع نصب بـ (فعل ربك) لا بـ (ألم تر)؛ لما في " كيف " من معنى الاستفهام.

(ألم يجعل كيدهم) وإرادتهم السوء في تخريب بيت الله وقتل أهله واستباحتهم (في تضليل) في تضييع وإبطال، يقال: ضلل كيده: إذا جعله ضالا ضائعا.

(وأرسل عليهم طيرا أبابيل) حزائق (7)، الواحدة: إبالة، وفي المثل: " ضغث على إبالة " (8)، وهي الحزقة الكبيرة، شبهت الحزقة من الطير في تضامها بالإبالة، وقيل: أبابيل مثل " عباديد " وشماطيط لا واحد لها (9).

(ترميهم) تقذفهم تلك الطير (بحجارة من سجيل) من جملة العذاب المكتوب المدون، واشتقاقه من " الإسجال " وهو الإرسال، لأن العذاب موصوف بذلك، وقيل: من طين مطبوخ كما يطبخ الآجر (10)، وقيل: هو معرب من سنك كل (11)، وقيل: كانت طيرا بيضاء، مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة (12).

وقيل: كانت طيرا خضراء لها مناقير صفر (13).

وعن ابن عباس: أنه رأى منها عند أم هاني نحو قفيز، مخططة بحمرة كالجزع الظفاري (14).

فكان الحجر يقع على رأس كل رجل فيخرج من دبره (فجعلهم كعصف مأكول) شبههم بورق الزرع إذا أكل، أي: وقع فيه الأكال، وهو أن يأكله الدود، أو: بتبن أكلته الدواب وراثته، ولكنه من كنايات القرآن اللطيفة.

وهذه السورة من قواصم الظهور للملاحدة والفلاسفة المنكرة للمعجزات الخارقة للعادات، فإنه لا يمكن أن ينسب شيء من أمر أصحاب الفيل إلى طبع وغيره (15)، وكيف يكون في أسرار (16) الطبيعة أن تأتي جماعات من الطير معها أحجار معدة لإهلاك أقوام معينين فترميهم بها حتى تهلكهم بأعيانهم؟ولا يمكن أحد جحده والشك فيه؛ لأن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) تلاها على أهل مكة فلم ينكروه، بل أقروا به مع شدة حرصهم على تكذيبه، وكيف وقد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة وغيره؟


1- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 519.

2- وهو قول ابن عباس برواية عكرمة عنه وعكرمة وجابر بن سابط. راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 693 - 694.

3- قاله قتادة. راجع المصدر السابق: ص 694.

4- قاله سعيد بن جبير. راجع المصدر نفسه: ص 693.

5- أخرجه السيوطي في الدر: ج 8 ص 633 عن أبي صالح - أحد تلاميذه - وعزاه إلى ابن مردويه وأبي نعيم. والقفيز: من المكاييل تتواضع الناس عليه، والجزع: خرز فيه بياض وسواد تشبه به الأعين، تجلب من اليمين، وظفار: موضع في اليمن.

6- كما نسبوا الصيحة والريح العقيم والخسف وغيرها مما أهلك الله تعالى به الأمم الخالية إلى ذلك.

7- في بعض النسخ: " أسوار ".

8- في نسخة: " سورة لايلاف ".

9- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 412: مكية في قول ابن عباس، وقال الضحاك: هي مدنية. وهي أربع آيات في الكوفي والبصري، وخمس في المدنيين. وفي تفسيره الماوردي: ج 6 ص 345: مكية في قول الأكثرين، ومدنية في قول الضحاك. وفي الكشاف: ج 4 ص 800: مكية، وآياتها |

10|، نزلت بعد التين.

11- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 803 مرسلا.

12- رواه العياشي في تفسيره عن المفضل بن صالح عنه (عليه السلام)، كما في المجمع. ورواه السخاوي في جمال القراء: ج 2 ص 182 عنه (عليه السلام) وعن أبي نهيك.

13- في المجمع: عن أبي العباس عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (ألم تر كيف) و (لإيلاف قريش) سورة واحدة.

14- رواه الهذلي في الكامل: ج 2 ص 204، والقرطبي في تفسيره ج 20 ص 200.

15- قاله أبو عبيدة والأخفش. راجع مجاز القرآن: ج 2 ص 312، ومعاني القرآن للأخفش: ج 2 ص 743.

16- قرأهما أبو جعفر المدني وابن فليح. راجع تفسير البغوي: ج 4 ص 529 والتبيان: ج 10 ص 413.