سورة القدر

خمس آيات، مختلف فيها (1).

في حديث أبي: " من قرأها أعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر " (2).

وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأ (إنا أنزلنه) في فريضة من الفرائض نادى مناد: يا عبد الله قد غفر لك ما مضى، فاستأنف العمل " (3).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إنآ أنزلنه في ليلة القدر (1) ومآ أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر (3) تنزل الملئكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر (4) سلم هى حتى مطلع الفجر (5)﴾

الضمير في (أنزلنه) للقرآن، وعن ابن عباس: أنزل الله القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم كان ينزله جبرائيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نجوما في ثلاث وعشرين سنة (4).

وعن الشعبي: إنا ابتدأنا إنزاله (في ليلة القدر) (5).

وقد عظم الله عز اسمه القرآن هنا من ثلاثة أوجه: وهو إسناد إنزاله إليه، والإتيان بضميره دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة، والرفع من قدر الوقت الذي أنزله فيه وهو ليلة القدر.

واختلف فيها، والأظهر الأصح من الأقوال: أنها في شهر رمضان في العشر الأواخر في أوتارها، ثم قيل: إنها ليلة إحدى وعشرين منه وهو اختيار الشافعي (6).

وعن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها، ورأيتني أسجد في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر، قال: فأبصرت عيناي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انصرف وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين.

أورده البخاري في الصحيح (7).

وقيل: إنها ليلة ثلاث وعشرين منه، وهي ليلة الجهني واسمه عبد الله بن أنيس الأنصاري، قال: يا رسول الله، إن منزلي ناء عن المدينة، فمرني بليلة أدخل فيها، فأمره بليلة ثلاث وعشرين (8).

وعن ابن عمر في حديث آخر: فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " فمن كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئا فليقم ليلة ثلاث وعشرين " (9).

وسأل عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ليلة القدر فأكثروا القول فيه، فقال ابن عباس: رأيت الله أكثر ذكر السبع في القرآن، وعدد ذلك، ثم قال: فما أراها إلا ليلة ثلاث وعشرين لسبع بقين، فقال عمر: عجزتم أن تأتوا بما جاء به هذا الغلام الذي لم يجتمع شؤون رأسه، وقال له: وافق رأيي رأيك (10).

وسئل الصادق (عليه السلام) فقال: هي ليلة إحدى وعشرين، أو ليلة ثلاث وعشرين، فقال السائل: فإن لم أقو على كلتيهما؟فقال: ما أيسر ليلتين فيما تطلب، فقال: ربما ما رأينا الهلال وجاءنا من يخبرنا بخلافه في أرض أخرى؟فقال: " ما أيسر أربع ليال فيما تطلب (11).

وقيل: إنها ليلة سبع وعشرين، وروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وأبي بن كعب (12).

والفائدة في إخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في العبادة، ويحيوا الليالي الكثيرة طمعا في إدراكها، كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، واسمه الأعظم في الأسماء، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة.

ومعنى ليلة القدر: ليلة تقدير الأمور وقضائها، من قوله: (فيها يفرق كل أمر حكيم) (13)، أو: ليلة الشرف والخطر وعظم المقدار على سائر الليالي.

(ومآ أدرك ما ليلة القدر) يعني: ولم تبلغ درايتك غاية علو قدرها، ثم بين له ذلك فقال: (ليلة القدر خير من ألف شهر) أي: قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.

(تنزل الملئكة) إلى السماء الدنيا، وقيل: إلى الأرض (14) (والروح) جبرائيل (عليه السلام)، وقيل: خلق من الملائكة لا يراهم الملائكة إلا تلك الليلة (15) (من كل أمر) من أجل كل أمر قضاه الله لتلك السنة إلى قابل (سلم هى) أي: ما هي إلا سلامة، والمعنى: لا يقدر الله فيها إلا السلامة والخير، ويقضي في غيرها البلاء والسلامة، أو: ما هي إلا سلام لكثرة سلامهم على أولياء الله وأهل طاعته، وقرئ: (مطلع) بفتح اللام وكسرها (16).


1- وبالكسر قرأه الكسائي وأبو عمرو برواية عبيد عنه. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 693.

2- في نسخة: " سورة لم يكن ".

3- مدنية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ثمان آيات في الكوفي والمدنيين، وتسع في البصري. وفي تفسير الماوردي: ج 6 ص 315: مكية في قول يحيى بن سلام، وعند الجمهور مدنية وهو الصواب. وفي الكشاف: ج 4 ص 781: مكية، وقيل: مدنية وآياتها |

4|، نزلت بعد الطلاق.

5- الآية: 5.

6- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 783 مرسلا.

7- ثواب الأعمال للصدوق: ص 152.

8- قرأه نافع وابن عامر برواية ذكوان عنه. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 693.

9- أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ج 2 ص 366 ح 1146 و 1148، وأبو نعيم الحافظ في ما نزل من القرآن في علي: ص 73، وفي خصائص الوحي المبين: ص 131، والحافظ السروي في مناقب آل أبي طالب: ج 2 ص 266. وفي الباب أيضا عن جابر وأبي برزة الأسلمي ويزيد بن شراحيل الأنصاري فيما تقدم من مصادر.

10- في بعض النسخ: " سورة الزلزال ".

11- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 392: مدنية في قول ابن عباس، وقال الضحاك: مكية. وهي ثمان آيات في الكوفي والمدني الأول، وتسع آيات في البصري والمدني الأخير. وفي تفسير الماوردي: ج 6 ص 318: مدنية في قول ابن عباس وقتادة وجابر. وفي الكشاف: ج 4 ص 783: مدنية، وقيل: مكية، وآياتها |

12|، نزلت بعد النساء.

13- الآية: 6.

14- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 785 مرسلا.

15- ثواب الأعمال للصدوق: ص 152.

16- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 516.