سورة الشرح ([1])
مكية (2)، ثماني آيات.
في حديث أبي: " ومن قرأها أعطي من الأجر كمن لقي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) مغتما ففرج عنه " (3).
وروي عن أئمتنا (عليهم السلام): أن " الضحى "، و (ألم نشرح) سورة واحدة، وكذلك: (ألم تر كيف) و (لإيلاف) سورة واحدة (4).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ألم نشرح لك صدرك (1) ووضعنا عنك وزرك (2) الذي أنقض ظهرك (3) ورفعنا لك ذكرك (4) فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا (6) فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب (8)﴾
هذا استفهام عن انتفاء " الشرح " على وجه الإنكار، فأفاد إثبات الشرح وإيجابه، فكأنه قال: " شرحنا لك صدرك " ولذلك عطف عليه (وضعنا) اعتبارا للمعنى، ومعنى " شرحنا لك صدرك ": فسحناه حتى وسع دعوة الثقلين، أو: فسحناه بما أودعناه من العلوم والحكم، وعن الحسن: ملئ حكمة وعلما (5).
والوزر (الذي أنقض ظهرك) أي: حمله على النقيض وهو صوت الانتقاض والانفكاك، مثل لما كان يثقل على رسول الله من تحمل أعباء النبوة، وما كان يصيبه من أذى الكفار مع شدة حرصه على إسلامهم، ووضع ذلك عنه بأن أيده بالمعجزات، وأنزل السكينة عليه، وعلمه الشرائع ومهده عذره بعد أن بلغ.
ورفع ذكره وهو أن قرن ذكره بذكر الله في كلمة الشهادة والأذان والإقامة والتشهد والخطب وفي القرآن، وبأن ذكره في الكتب المتقدمة، وأخذ على الأنبياء والأمم أن يؤمنوا به.
والفائدة في زيادة (لك) وإن كان المعنى يستقل بدونه، هي ما في طريقة الإبهام والإيضاح، فكأنه لما قال: (ألم نشرح لك) فهم أن ثم مشروحا، ثم قال: (صدرك) فأوضح ما كان مبهما.
وكذلك قوله: و (لك ذكرك) و (عنك وزرك).
ولما ذكر سبحانه ما أنعم به على رسوله من جلائل النعم، وقد كان المشركون عيروه بالفقر حتى ظن أنهم إنما رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم عقب ذلك بقوله: (فإن مع العسر يسرا) فكأنه قال: خولناك ما خولناك تفضلا وإنعاما فلا تيأس من فضلنا، فإن مع العسر الذي أنت فيه يسرا.
وقرب " اليسر " المترقب بلفظة (مع) التي هي للصحبة، حتى جعله كالمقارن للعسر زيادة في تسليته وتقوية لقلبه.
والجملة الثانية تكرير للجملة الأولى لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب، وعلى هذا فيكون معنى ما روي في الحديث أنه (عليه السلام) خرج ذات يوم وهو يضحك ويقول: " لن يغلب عسر يسرين ? (6) أن يكون قوله: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) موعدا من الله سبحانه مكررا.
وينبغي أن يحمل وعده على أبلغ ما يحتمله اللفظ، وقد علمنا أن الجملة الأولى عدة بأن العسر مردوف بيسر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأن العسر متبوع بيسر، فهما يسران على تقدير الاستئناف، وإنما كان العسر واحدا؛ لأنه لا يخلو: إما أن يكون تعريفه للعهد وهو العسر الذي كانوا فيه، فهو هو لأن حكمه حكم " زيد " في قولك: إن مع زيد مالا، إن مع زيد مالا، وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد فهو هو أيضا.
وأما " اليسر " فمنكر متناول بعض الجنس، وإذا كان الكلام الثاني مستأنفا غير مكرر فقد يتناول بعضها غير البعض الأول بغير إشكال.
ويجوز أن يراد باليسرين: يسر الدنيا ويسر الآخرة، والمعنى في التنكير: التفخيم، كأنه قال: إن مع العسر يسرا عظيما وأي يسر! (فإذا فرغت فانصب) هذا بعث له (عليه السلام) على الشكر، والاجتهاد في العبادة والنصب فيها، وأن لا يخلو منها.
وعن ابن عباس: فإذا فرغت عن صلاتك فاجتهد في الدعاء وارغب إلى ربك في المسألة (7)، وهو المروي عن الصادق (عليه السلام) (8).
وعن الحسن: فإذا فرغت من الغزو فاجتهد في العبادة (9).
وعن مجاهد: فإذا فرغت من دنياك فانصب في صلاتك (10).
وعن الشعبي أنه رأى رجلا يشيل حجرا فقال: ليس بهذا أمر الفارغ (11).
ومعنى تقديم الظرف الذي هو (إلى ربك): أن المراد خصه بالرغبة: ولا ترغب إلا إليه، ولا تعول إلا على فضله، ولا ترفع حوائجك إلا إليه.
1- قاله ابن عباس. راجع تفسير الرازي: ج 32 ص 9.
2- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 4 ص 505.
3- النحل: 100.
4- قاله قتادة. راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 642.
5- أخرجه الترمذي في السنن: ج 5 ص 443 ح 3347 عن أبي هريرة موقوفا.
6- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 378: مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي
تسع عشرة آية في الكوفي والبصري، وعشرون في المدنيين. وفي الكشاف: ج 4 ص 775: مكية، وآياتها (19)، وهي أول ما نزل من القرآن.
7- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 779 مرسلا.
8- ثواب الأعمال للصدوق: ص 151، وفيه بعد " بعث شهيدا ": " وأحياه شهيدا ".
9- قاله أبو ميسرة الهمداني. راجع تفسير القرطبي: ج 20 ص 117.
10- قاله أبو سلمة وحكاه عن جابر بن عبد الله. راجع التبيان: ج 10 ص 171.
11- في نسخة: " أي " بدل الواو، وفي الكشاف: " أو ".