سورة الغاشية

مكية (1) وهي ست وعشرون آية.

في حديث أبي: " من قرأها حاسبه الله حسابا يسيرا " (2).

وعن الصادق (عليه السلام): " من أدمن قراءة الغاشية في فريضة أو نافلة غشاه الله رحمته في الدنيا والآخرة، وأعطاه الأمن يوم القيامة من عذاب النار " (3).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿هل أتلك حديث الغشية (1) وجوه يومئذ خشعة (2) عاملة ناصبة (3) تصلى نارا حامية (4) تسقى من عين ءانية (5) ليس لهم طعام إلا من ضريع (6) لا يسمن ولا يغنى من جوع (7) وجوه يومئذ ناعمة (8) لسعيها راضية (9) في جنة عالية (10) لا تسمع فيها لغية (11) فيها عين جارية (12) فيها سرر مرفوعة (13) وأكواب موضوعة (14) ونمارق مصفوفة (15) وزرابى مبثوثة (16) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السمآء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20) فذكر إنمآ أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر (22) إلا من تولى وكفر (23) فيعذبه الله العذاب الأكبر (24) إن إلينآ إيابهم (25) ثم إن علينا حسابهم (26)﴾

(الغشية) القيامة تغشى الناس بأهوالها وشدائدها، وقيل: هي النار (4)، من قوله: (وتغشى وجوههم النار) (5).

(يومئذ) يوم إذ غشيت، (خشعة) ذليلة بالعذاب الذي يغشاها.

(عاملة ناصبة) عاملة في النار عملا تتعب فيه، وهو جرها في السلاسل والأغلال، وارتقاؤها دائبة في صعود منها وهبوطها في حدور منها، وقيل: عملت ونصبت في الدنيا في أعمال لا تجدي عليها في الآخرة (6) (أولئك الذين حبطت أعملهم) (7) (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) (8)، عن سعيد بن جبير: وهم الرهبان وأصحاب الصوامع وأهل البدع، لا يقبل الله أعمالهم (9).

وعن الصادق (عليه السلام): كل عدو لنا وإن تعبد واجتهد يصير إلى هذه الآية (10).

قرئ: (تصلى) بفتح التاء وضمها (11) (حامية) حميت فهي تتلظى على أعداء الله.

(عين ءانية) حارة بلغت منتهاها في الحر.

الضريع: يبيس الشبرق، وهو جنس من الشوك ترعاه الإبل ما دام رطبا، فإذا يبس تحامته، وهو سم قاتل.

(لا يسمن) مرفوع المحل أو مجروره، على وصف (طعام) أو (ضريع)، يعني: أن طعامهم من شيء ليس من مطاعم الإنس وإنما هو شوك، والشوك مما ترعاه الإبل، وهذا نوع منه تنفر عنه ولا تقربه، ومنفعتا الغذاء منتفيتان عنه، وهما: إماطة الجوع وإفادة القوة والسمن في البدن، وقيل: إن كفار قريش قالت: إن الضريع لتسمن عليه إبلنا، فنزلت: (لا يسمن ولا يغنى من جوع) (12).

(ناعمة) منعمة من أنواع النعيم، أو: ذات بهجة وحسن.

(لسعيها راضية) رضيت بعملها لما رأت ما أداهم إليه من الكرامة والثواب.

(في جنة عالية) مرتفعة القصور والدرجات، أو: عالية المقدار.

(لا تسمع) الوجوه، أو: هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (لغية) أو لغوا، أو: كلمة ذات لغو، أو: نفسا تلغو، لا يتكلم أهل الجنة إلا بالحكمة وحمد الله، وقرئ: " لا يسمع " على البناء للمفعول بالياء والتاء (13).

(فيها عين جارية) يريد: عيونا في غاية الكثرة، كقوله: (علمت نفس) (14).

(سرر مرفوعة) مرتفعة المقدار أو السمك ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوله ربه من الملك.

(وأكواب موضوعة) على حافات العيون الجارية، أو: كلما أراد المؤمن شربها وجدها مملوءة حاضرة لا يحتاج إلى أن يدعو بها.

(ونمارق مصفوفة) أي: وسائد صف بعضها إلى جنب بعض، مساند ومطارح أينما أراد أن يجلس جلس على مسورة، واستند إلى أخرى.

(وزرابى) بسط عراض فاخرة، وقيل: طنافس لها خمل رقيق (15)، جمع زريبة (مبثوثة) مبسوطة، أو: مفرقة في المجالس.

(أفلا ينظرون إلى الإبل) نظر اعتبار (كيف خلقت) خلقا عجيبا، فهي تنقاد لكل من اقتادها بأزمتها، وتبرك حتى تحمل أحمالها، ثم تنهض بها إلى البلاد الشاسعة، وليس ذلك في غيرها من ذوات الأربع، وصبرت على احتمال العطش حتى أن أظماءها (16) ترتفع إلى العشر فصاعدا، إذ جعلت سفائن البر.

(كيف رفعت) رفعا بعيد المدى بلا مساك وبغير عمد.

(كيف نصبت) نصبا ثابتا فهي راسخة لا تزول.

(كيف سطحت) سطحا فهي مهاد يتقلب عليها.

وروي: أن عليا (عليه السلام) قرأ: " خلقت " و " رفعت " و " نصبت " و " سطحت " على البناء للفاعل وتاء الضمير (17)، والتقدير في الجميع: فعلتها، فحذف المفعول.

والمعنى: أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الدالة على الصانع القادر العالم حتى لا ينكروا اقتداره على البعث والإعادة، ويؤمنوا برسوله، ويستعدوا للقائه؟(فذكر) يعني: أنهم لم ينظروا فذكرهم ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يذكرون، و (إنما أنت مذكر) كقوله: (إن عليك إلا البلغ) (18).

(لست عليهم بمصيطر) أي: بمتسلط، كقوله: (ومآ أنت عليهم بجبار) (19) (إلا من تولى) استثناء منقطع، أي: لست بمستول عليهم، ولكن من تولى منهم فإن لله الولاية والقهر، فهو يعذبه (العذاب الأكبر) الذي هو عذاب جهنم، وقيل: هو استثناء من قوله: (فذكر) إلا من انقطع طمعك عن إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر، وما بينهما اعتراض (20).

وقرئ: " إيابهم " بالتشديد (21)، وأصله: أواب، من: أوب، ثم قلب الواو ياء ك? " ديوان "، ثم فعل به ما فعل بأصل " سيد " و " هين "، والمعنى في تقديم الظرف: التشديد في الوعيد، وإن (إيابهم) ليس إلا إلى القهار المقتدر على الانتقام، وإن (حسابهم) ليس بواجب إلا عليه.


1- ق: 45.

2- قاله الفراء في معاني القرآن: ج 3 ص 258.

3- وهي قراءة أبي جعفر المدني. راجع شواذ القرآن: ص 173.

|

4- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 340: مكية في قول ابن عباس، وقال الضحاك: هي مدنية. وهي ثلاثون آية في الكوفي، وتسع وعشرون في البصري، واثنتان وثلاثون في المدنيين. وفي الكشاف: ج 4 ص 746: مكية، وآياتها (30) وقيل: (29)، نزلت بعد الليل.

5- الآية: 29.

6- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 753 مرسلا.

7- ثواب الأعمال للصدوق: ص 150 وزاد: " إن شاء الله ".

8- المدثر: 34.

9- التكوير: 18.

10- قاله ابن عباس برواية أبي ظبيان عنه. راجع تفسير البغوي: ج 4 ص 481.

11- الظاهر أن المصنف (رحمه الله) قد اعتمد هنا على قراءة كسر الواو تبعا للكشاف، وهي قراءة حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 683.

12- المدثر: 33.

13- قاله القتبي. راجع تفسير السمرقندي: ج 3 ص 475.

14- قاله قتادة. راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 566.

15- قرأه ابن الزبير والحسن، إلا أن الثاني فتح " عاد ". راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 173.

16- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 748.

17- رواه ابن كثير في تفسيره: ج 4 ص 509 عن وهب بن منبه عنه وعزاه إلى الثعلبي وابن أبي حاتم.

18- الشعراء: 149.

19- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 417.

20- في الكشاف: " يترتب ".

21- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 748.