سورة الأعلى ([1])

مكية (2)، وقيل: مدنية (3)، تسع عشرة آية.

في حديث أبي: " من قرأها أعطاه الله من الأجر عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله على إبراهيم وموسى ومحمد (عليهم السلام) " (4).

وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأ (سبح اسم ربك الاعلى) في فريضة أو نافلة قيل له يوم القيامة: ادخل من أي أبواب الجنان شئت " (5).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿سبح اسم ربك الاعلى (1) الذي خلق فسوى (2) والذي قدر فهدى (3) والذي أخرج المرعى (4) فجعله غثآء أحوى (5) سنقرئك فلا تنسى (6) إلا ما شآء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى (7) ونيسرك لليسرى (8) فذكر إن نفعت الذكرى (9) سيذكر من يخشى (10) ويتجنبها الأشقى (11) الذي يصلى النار الكبرى (12) ثم لا يموت فيها ولا يحيى (13) قد أفلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى (15) بل تؤثرون الحيوة الدنيا (16) والاخرة خير وأبقى (17) إن هذا لفي الصحف الاولى (18) صحف إبرا هم وموسى (19)﴾

عن ابن عباس: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قرأ (سبح اسم ربك الاعلى) قال: " سبحان ربي الأعلى " (6).

ومعناه: نزه ربك عن كل ما لا يليق به من الصفات التي هي إلحاد في أسمائه: كالجبر والتشبيه ونحو ذلك.

و (الاعلى) يجوز أن يكون صفة للرب وللاسم، وهو بمعنى العلو الذي هو القهر والاقتدار.

وفي الحديث: لما نزل: (سبح اسم ربك الاعلى) قال: اجعلوها في سجودكم، ولما نزلت: (فسبح باسم ربك العظيم) (7) قال: اجعلوها في ركوعكم (8).

(الذي خلق) كل شيء (فسوى) خلقه تسوية، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام وانتظام ليدل على أنه صادر من عالم حكيم.

(والذي قدر) لكل حيوان ما يصلحه (فهدا) ه وعرفه وجه الانتفاع به، حتى إنه هدى الطفل إلى ثدي أمه، والفرخ إلى طلب الزق من أمه.

وهدايات الله للإنسان إلى ما لا يحد ولا يعد من مصالحه في أغذيته وأدويته، وفي أمور دنياه وآخرته، وإلهامات البهائم والطيور والحيوانات باب واسع لا يحاط بكنهه، فسبحان ربنا الأعلى تبارك وتعالى.

وقرئ: " قدر " بالتخفيف (9)، وهو قراءة علي (عليه السلام) (10) والمعنى واحد.

(أحوى) صفة لـ (غثاء)، أي: (أخرج المرعى فجعله) بعد خضرته ورفيفه (غثاء أحوى) أي: درينا أسود، ويجوز أن يكون (أحوى) حالا من (المرعى) أي: أخرجه أحوى: أسود من شدة الخضرة والري، فجعله غثاء بعد حوته.

(سنقرئك فلا تنسى) هذه بشارة بشر نبيه عليه الصلاة والسلام بها، وهو أن يقرأ عليه جبرائيل (عليه السلام) ما يقرؤه من الوحي، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، فيحفظه ولا ينساه.

(إلا ما شآء الله) فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته، كما قال: (أو ننسها نأت بخير منها) (11)، وهذه آية بينة ومعجزة دالة على نبوته.

(إنه يعلم الجهر وما يخفى) معناه: أنه يعلم ما تجهر بقراءته مع جبرائيل مخافة التفلت وما تخفي في نفسك، أو: يعلم ما أعلنتم وما أخفيتم من أقوالكم وأفعالكم وأعمالكم، وما ظهر وما بطن من أحوالكم، وما هو مصلحة في دينكم وما هو مفسدة فيه.

(ونيسرك لليسرى) معطوف على: (سنقرئك)، وقوله: (إنه يعلم الجهر وما يخفى) اعتراض، والمعنى: ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، يعني: حفظ الوحي وتسهيله، وقيل للشريعة الحنيفية: السمحة التي هي أيسر الشرائع وأسهلها مأخذا.

(فذكر إن نفعت الذكرى) أي: ذكر الخلق وعظهم، وكرر التذكير بعد إلزام الحجة إن نفعت ذكراك وإلا فأعرض عنهم، وقيل: معناه: ذكرهم ما بعثتك له إن نفعت ذكراك وإن لم ينفع، فإن إزاحة علتهم تقتضي تذكيرهم وإن لم يقبلوا (12).

(سيذكر) سيقبل التذكرة وينتفع بها (من يخشى) الله، فينظر ويفكر حتى تعوده النظر إلى اتباع الحق.

(ويتجنبها) ويتجنب الذكرى ويتحاماها (الأشقى) الذي كفر بالله وبتوحيده.

(الذي يصلى النار الكبرى) نار جهنم، والصغرى نار الدنيا.

(ثم لا يموت فيها) فيستريح، (ولا يحيى) حياة ينتفع بها.

(قد أفلح من تزكى) أي: تطهر من الشرك وقال: لا إله إلا الله، وقيل: (تزكى) تطهر للصلوات فصلى الصلوات الخمس (13)، وقيل: أعطى زكاة ماله (14)، وقيل: أراد زكاة الفطر وصلاة العيد (15).

وعن الضحاك: (وذكر اسم ربه) في طريق المصلى (فصلى) صلاة العيد (16).

(بل تؤثرون) تختارون (الحياة الدنيا) على الآخرة، ولا تتفكرون في أمور الآخرة.

وقرئ: " يؤثرون " بالياء على الغيبة (17)، (والآخرة خير وأبقى) أفضل في نفسها وأدوم.

وفي الحديث: " من أحب آخرته أضر بدنياه، ومن أحب دنياه أضر بآخرته " (18).

(إن هذا) الذي ذكر من قوله: (قد أفلح) إلى قوله: (وأبقى) والمراد: أن معنى هذا الكلام وارد في تلك (الصحف)، وقيل: (هذا) إشارة إلى ما في السورة كلها (19).

وعن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كم الأنبياء؟قال: مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، قلت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كم المرسلون منهم؟قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر، قلت: كم أنزل الله من كتاب؟قال: مائة وأربعة كتب: أنزل منها على آدم عشر صحف، وعلى شيث خمسين صحيفة، وعلى أخنوخ - وهو إدريس - ثلاثين صحيفة، وهو أول من خط بالقلم، وعلى إبراهيم عشر صحف، والتوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان ? (20)


1- قاله ابن العربي في أحكام القرآن: ج 4 ص 382.

2- أخرجه الطبري في تاريخه: ج 1 ص 151 و 152 و 312 - 313 عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر.

3- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 333: مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ست وعشرون آية بلا خلاف. وفي الكشاف: ج 4 ص 741: مكية، وآياتها (26)، نزلت بعد الذاريات.

4- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 745 مرسلا.

5- ثواب الأعمال للصدوق: ص 150 وفيه: " آتاه " بدل " أعطاه ".

6- قاله سعيد بن جبير. راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 550.

7- إبراهيم: 50.

8- قاله ابن عباس. راجع تفسير البغوي: ج 4 ص 478.

9- آل عمران: 22.

10- الكهف: 104.

11- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 4 ص 478.

12- رواه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: ج 2 ص 419 باسناده عن أبي حمزة، والصدوق في ثواب الاعمال: ص 247 ح 3 باسناده عن أبان بن تغلب.

13- وبضم التاء قرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 681.

14- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 5 ص 317.

15- والياء مبنيا للمفعول قرأه ابن كثير وأبو عمرو، وبالتاء كذلك قرأه نافع وابن كثير برواية شبل عنه. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 681.

16- التكوير: 14.

17- قاله الفراء في معاني القرآن: ج 3 ص 258.

18- الظمء: ما بين الوردين، وهو حبس الإبل عن الماء إلى غاية الورد، والجمع: أظماء. (الصحاح: مادة ظمأ).

19- حكاه عنه (عليه السلام) ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 173.

20- الشورى: 48.