سورة الطارق
مكية (1)، وهي سبع عشرة آية.
في حديث أبي: " من قرأها أعطاه الله بعدد كل نجم في السماء عشر حسنات " (2).
وعن الصادق (عليه السلام): " من كانت قراءته في الفريضة بـ (السمآء والطارق) كان له يوم القيامة عند الله جاه ومنزلة، وكان من رفقاء النبيين وأصحابهم " (3).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿والسمآء والطارق (1) ومآ أدراك ما الطارق (2) النجم الثاقب (3) إن كل نفس لما عليها حافظ (4) فلينظر الانسن مم خلق (5) خلق من مآء دافق (6) يخرج من بين الصلب والترآئب (7) إنه على رجعه ى لقادر (8) يوم تبلى السرآئر (9) فما له من قوة ولا ناصر (10) والسمآء ذات الرجع (11) والارض ذات الصدع (12) إنه لقول فصل (13) وما هو بالهزل (14) إنهم يكيدون كيدا (15) وأكيد كيدا (16) فمهل الكفرين أمهلهم رويدا (17)﴾
لطارق: الذي يجيء ليلا، كأنه عز اسمه أراد أن يقسم ب? " النجم الثاقب " أي: المضيء الذي يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه، لما فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة، فأتى بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره، وهو (الطارق) ثم فسره بقوله: (النجم الثاقب) إظهارا لفخامة شأنه.
وجواب القسم قوله: (إن كل نفس لما عليها حافظ) لأن من قرأ (لما) مشددة ف? (إن) هي النافية.
و " لما " بمعنى: " إلا "، ومن قرأها مخففة (4) ف? " ما " صلة، و " إن " هي المخففة من الثقيلة، وكلاهما مما يتلقى به القسم، والمعنى: ما كل نفس إلا عليها حافظ من الملائكة، يحفظ عملها ويحصي عليها ما كسبت من خير أو شر، أو: حافظ رقيب عليها وهو الله عز وجل (وكان الله على كل شىء رقيبا) (5) (فلينظر الانسن مم خلق) هذه توصية للإنسان بالنظر في بدء أمره حتى يعلم أن من أنشأ النشأة الأولى قادر على إعادته، فيعمل ليوم الإعادة، و (مم خلق) استفهام، جوابه: (خلق من مآء دافق) أي: ذي دفق، كاللابن والتامر، والدفق: صب فيه دفع، ولم يقل: ماءين، لامتزاجهما في الرحم واتحادهما حين ابتدئ في خلقه.
(يخرج من بين) صلب الرجل وترائب المرأة، وهي عظام الصدر.
(إنه) الضمير للخالق لدلالة (خلق) عليه، ومعناه: أن ذلك الذي خلق الإنسان ابتداء من نطفة (على رجعه) على إعادته خصوصا (لقادر) لبين القدرة، لا يعجز عنه.
(يوم تبلى السرآئر) منصوب بـ (رجعه)، وعن مجاهد: أنه على رد الماء إلى مخرجه من الصلب والترائب لقادر (6).
وعلى هذا فيكون الظرف منصوبا بمضمر (يوم تبلى السرآئر) أي: تختبر السرائر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها، وما أسر وما أخفى من الأعمال، فيميز بين ما طاب منها وما خبث.
(فما له) أي: فما للإنسان (من قوة) من منعة في نفسه يمتنع (ولا ناصر) يمنعه.
(والسماء ذات الرجع) وهو المطر، سمي بالمصدر لأن الله يرجعه وقتا فوقتا.
و (الصدع) ما يتصدع الأرض عنه من النبات.
(إنه) الضمير للقرآن (لقول فصل) فاصل بين الحق والباطل، كما قيل له: فرقان.
(وما هو بالهزل) بل هو الجد لا هوادة فيه، فمن حقه أن يكون معظما في القلوب مهيبا في الصدور، ومن حق قارئه وسامعه أن لا يلم بهزل ولعب، ويقرر في نفسه أن إلهه وربه جل جلاله يخاطبه، فيأمره وينهاه، ويعده ويوعده، فإذا مر بآية الوعد تضرع إليه راجيا أن يكون من أهلها، وإذا مر بآية الوعيد تعوذ به خائفا أن يكون من أهلها.
(إنهم يكيدون) يحتالون في إيقاع المكروه بك وبمن معك.
(وأكيد كيدا) أدبر ما ينقض كيدهم واحتيالهم من حيث يخفى عليهم، (فمهل الكفرين) لا تدع بهلاكهم ولا تستعجل به، وارض بتدبير الله فيهم و (أمهلهم) أراد التوكيد وكره التكرير، فخالف بين اللفظين، ولما زاد في التوكيد أتى بالمعنى وترك اللفظ فقال: (رويدا) أي: إمهالا يسيرا.
1- قاله ابن عباس. راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 548.
2- قاله أبو الأحوص وقتادة. راجع المصدر السابق: ص 547.
3- وهو قول أبي العالية. راجع المصدر نفسه.
4- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 740.
5- وهي قراءة أبي عمرو وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 680.
6- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: ج 3 ص 370 عن أبي موسى الأشعري.