سورة لقمان

مكية (1) سوى أربع آيات، وهي أربع وثلاثون آية، (ألم) كوفي، (مخلصين له الدين) (2) بصري.

في حديث أبي: " من قرأ سورة لقمان كان له لقمان رفيقا يوم القيامة، وأعطي من الحسنات عشرا عشرا بعدد من عمل بالمعروف ونهى عن المنكر " (3).

وعن الباقر (عليه السلام): " من قرأ سورة لقمان في ليلة وكل الله به في ليلته ثلاثين ملكا يحفظونه من إبليس وجنوده حتى يصبح، فإن قرأها بالنهار حفظوه من إبليس وجنوده حتى يمسي " (4).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ألم (1) تلك ءايت الكتب الحكيم (2) هدى ورحمة للمحسنين (3) الذين يقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة وهم بالأخرة هم يوقنون (4) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون (5) ومن الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين (6) وإذا تتلى عليه ءايتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم (7) إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت لهم جنت النعيم (8) خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم (9) خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دآبة وأنزلنا من السمآء مآء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم (10) هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلل مبين (11)﴾

(هدى ورحمة) بالنصب على الحال في الآيات، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة.

وقرئ بالرفع (5) على أنه خبر بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف (للمحسنين) للذين يعملون الحسنات، وهم الذين وصفهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيقان بالآخرة، كما يحكى (6) عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي، فأنشد قول أوس بن حجر: الألمعي الذي يظن بك الظن * كأن قد رأى وقد سمعا (7) ولم يزد، أو: للذين يعملون ما يحسن من الأعمال، ثم خص منهم القائمين بهذه الثلاث لفضلها.

واللهو: كل باطل ألهى عن الخير، و (لهو الحديث): هو الطعن في الحق والاستهزاء به، والتحدث بالخرافات والمضاحيك، والغناء والمعازف.

والإضافة بمعنى " من " ومعناها التبيين، والمعنى: (من يشترى) اللهو من الحديث، وهو إضافة الشيء إلى ما هو منه كباب ساج وثوب خز.

وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، وكان يتجر إلى فارس فيشتري كتب الأعاجم ويحدث بها قريشا ويقول: إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود، فأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار والأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن (8).

فعلى هذا يكون (يشترى) من الشراء، وعلى الأول يكون من قوله: (اشتروا الكفر بالأيمان) (9) أي: استبدلوه منه واختاروه عليه، وعن قتادة: اشتراؤه: استحبابه، أي: يختار حديث الباطل على حديث الحق (10)، وقرئ: (ليضل) بضم الياء وفتحها (11)، وقرئ: (يتخذها) بالرفع (12) والنصب، فالرفع للعطف على (يشترى)، والنصب للعطف على (ليضل) والضمير ل? " السبيل " لأنها مؤنثة.

وقوله: (بغير علم) معناه: بغير علم بالتجارة، وبغير بصيرة بها حيث يشتري الباطل بالحق، والضلال بالهدى، ونحوه قوله: (فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) (13) أي: ما كانوا بصراء بالتجارة.

(ولى مستكبرا) رافعا نفسه فوق مقدارها، لا يعبأ بآياتنا، يشبه حاله حال من لم يسمعها وهو سامع (كأن في أذنيه) ثقلا.

وقوله: (كأن لم يسمعها) في محل نصب حال من (مستكبرا) و (كأن) مخففة، والأصل: كأنه، والضمير للشأن (وكأن في أذنيه وقرا) حال من (كأن لم يسمعها)، ويجوز أن يكونا جميعا استئنافين.

(وعد الله حقا) مصدران مؤكدان، الأول مؤكد لنفسه والثاني مؤكد لغيره، لأن قوله: (لهم جنت النعيم) في معنى: وعدهم الله جنات النعيم، فأكد معنى الوعد بالوعد.

وأما (حقا) فدال على معنى الثبات، أكد به معنى الوعد، ومؤكدهما جميعا قوله: (لهم جنت النعيم)، (وهو العزيز) الذي يقدر على كل شيء فيعطي النعيم من يشاء والبؤس من يشاء (الحكيم) الذي لا يشاء إلا ما توجبه الحكمة.

هذا إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته.

والخلق بمعنى المخلوق، و (الذين من دونه): آلهتهم بكتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله (فأروني) ماذا خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة.

ثم أضرب عن تبكيتهم إلى الشهادة عليهم بالتورط في ضلال ظاهر وعدول عن الحق.

﴿ولقد ءاتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غنى حميد (12) وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يبنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم (13) ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصله في عامين أن اشكر لي ولوا لديك إلى المصير (14) وإن جهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون (15) يبنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير (16) يبنى أقم الصلواة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على مآ أصابك إن ذا لك من عزم الامور (17) ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور (18) واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير (19)﴾

الأظهر أن لقمان لم يكن نبيا وكان حكيما، وقيل: كان نبيا (14)، وقيل: خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة، وكان ابن أخت أيوب أو ابن خالته (15)، وقيل: إنه عاش ألف سنة وأدرك داود (عليه السلام) وأخذ منه العلم (16)، وقيل: إنه دخل عليه وهو يسرد الدرع وقد لين الله له الحديد، فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت، فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت، فقال لقمان: الصمت حكم، وقليل فاعله، فقال داود: بحق ما سميت حكيما (17).

(أن) هي المفسرة؛ لأن إيتاء الحكمة في معنى القول، وقد نبه عن اسمه على أن الحكمة الحقيقية والعلم الأصلي هو العمل بما هو عبادة الله والشكر له، حيث فسر إيتاء الحكمة بالبعث على الشكر (فإن الله غنى) لا يحتاج إلى الشكر (حميد) حقيق بأن يحمد وإن لم يحمده أحد.

وقرئ: (يبنى) بفتح الياء وكسرها (18) كل القرآن، و " يا بني " (19)، ومن كسر فهو على قولك: يا غلام أقبل، ومن فتح على قولك: يا غلاما، أبدلت الألف من ياء الإضافة ثم حذفت الألف للتخفيف، ومن أسكن الياء في الوصل فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف (إن الشرك لظلم عظيم) لأن التسوية بين من لا نعمة إلا هي منه وبين من لا نعمة منه البتة ولا يتصور أن يكون منه نعمة ظلم لا يحاط بكنهه.

(حملته أمه) تهن (وهنا على وهن) وهو مثل قولك: رجع عودا على بدء.

وهو في موضع الحال، أي: يتزايد ضعفها ويتضاعف، لأن الحمل كلما عظم ازدادت المرأة ثقلا وضعفا (أن اشكر) تفسير لـ (وصينا).

(ما ليس لك به علم) أراد بنفي العلم به نفيه، أي: لا تشرك بي ما ليس بشيء، كقوله: (ما يدعون من دونه من شىء) (20).

(معروفا) أي: صحابا معروفا حسنا بخلق جميل واحتمال وبر وصلة وما تقتضيه المروة (واتبع سبيل من أناب إلى) من المؤمنين في دينك، ولا تتبعهما في دينهما وإن أمرت بحسن مصاحبتهما (في الدنيا)، (ثم إلى) مرجعك ومرجعهما فأجازيهما على كفرهما وأجازيك على إيمانك.

وهذا كلام وقع في أثناء وصية لقمان على سبيل الاستطراد، تأكيدا لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك.

ولما وصى بالوالدين ذكر ما تقاسيه الأم من المشاق في مدة الحمل والفصال؛ إيجابا للتوصية بالوالدة خصوصا وتذكيرا بعظيم حقها مفردا.

وقرئ: (مثقال حبة) بالرفع (21) والنصب، فمن نصب كان الضمير للهنة من الإساءة أو الاحسان، أي: إن كانت مثلا في الصغر كحبة الخردل وكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة (أو) حيث كانت (في السموات أو في الأرض يأت بها الله) يوم القيامة فيحاسب بها عاملها (إن الله لطيف) يصل علمه إلى كل خفي (خبير) عالم بكنهه.

ومن رفع ف? (تك) تامة، وأنث (مثقال) لإضافته إلى (حبة) كما قيل: كما شرقت صدر القناة من الدم (22) وهو من باب ما اكتسب فيه المضاف من المضاف إليه التأنيث.

الصادق (عليه السلام): " إياكم والمحقرات من الذنوب فإن لها من الله طالبا، لا يقولن أحدكم: أذنب وأستغفر الله، إن الله تعالى يقول: (إن تك مثقال حبة) الآية " (23).

(واصبر على ما أصابك) من الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (إن ذا لك) مما عزمه الله من الأمور، أي: قطعه قطع إيجاب وإلزام.

ومنه الحديث: " إن الله يحب أن يؤخذ برخصته كما يحب أن يؤخذ بعزائمه " (24).

وقيل: من الأمور التي يجب الثبات عليها (25).

وأصله من معزومات الأمور ومقطوعاتها، أو: من عازمات الأمور، من قوله: فإذا عزم الأمر، كقولك: جد الأمر وصدق القتال، فهو مصدر وصف به الفاعل أو المفعول، وفيه دلالة على أن هذه الطاعات كانت مأمورا بها في سائر الأمم.

وقرئ: " تصاعر ? (26) و (تصعر) من صاعر خده وصعرها.

ومعناه: أقبل على الناس بوجهك تواضعا ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعل المتكبر (مرحا) نصب على الحال بمعنى: ولا تمش تمرح مرحا، أو أراد: ولا تمش لأجل المرح والأشر، لا يكن غرضك في المشي البطر والبطالة لا لكفاية مهم ديني أو دنيوي، والمختال: مقابل للماشي مرحا، و " الفخور " للمصعر خده كبرا.

(واقصد في مشيك) إعدل فيه حتى يكون مشيا بين مشيين، لا تدب دبيب المتماوتين، ولا تثب وثوب الذعار (واغضض من صوتك) أنقص منه (إن أنكر الأصوات) أي: أوحشها من قولهم: شيء نكر: إذا أنكرته النفوس ونفرت واستوحشت منه.

﴿ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجدل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتب منير (20) وإذا قيل لهم اتبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ءابآءنآ أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير (21) ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عقبة الأمور (22) ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور (23) نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ (24) ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (25) لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغنى الحميد (26) ولو أنما في الأرض من شجرة أقلم والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمت الله إن الله عزيز حكيم (27) ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير (28)﴾

(ما في السموات) الشمس والقمر والنجوم (وما في الأرض) الحيوان والنبات والبحار والأنهار وغير ذلك، وقرئ: " نعمة ? (27) و (نعمه)، والنعمة: كل نفع قصد به وجه الإحسان، والله سبحانه خلق العالم كله نعمة، فما ليس بحيوان نعمة على الحيوان ينتفع به، وأما الحيوان فإيجاده حيا نعمة عليه، لأنه لولا إيجاده حيا لما صح منه الانتفاع، وكل ما أدى إلى الانتفاع وصححه فهو نعمة، والنعمة الظاهرة: كل ما يعلم بالمشاهدة، والباطنة: ما لا يعلم إلا بدليل أو غاب عن العباد علمه فلا يهتدون إليها.

(أولو كان الشيطان) معناه: أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم إلى العذاب؟أي: في حال دعاء الشيطان إياهم.

(ومن يسلم وجهه إلى الله) أي: يفوض أمره إليه ويتوكل عليه (فقد استمسك بالعروة الوثقى) هو من باب التمثيل، مثلت حال المتوكل بحال من تدلى من موضع عال فاستمسك بعروة حبل وثيق يأمن انقطاعه.

وقرئ (فلا يحزنك) و " يحزنك ? (28) من حزن وأحزن، والذي عليه الاستعمال: أحزنه، ويحزنه، والمعنى: لا يهمنك كفر من كفر وكيده للإسلام، فإن الله سبحانه ينتقم منه (إن الله) يعلم ما في صدور عباده، لا يخفى عليه شيء.

(نمتعهم) زمانا قليلا بدنياهم (ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) شبه إلزامهم التعذيب باضطرار المضطر إلى الشيء الذي لا يقدر على الانفكاك منه، والمراد بالغلظ: الشدة والثقل على المعذب.

(قل الحمد لله) إلزام لهم على إقرارهم بأن الذي خلق السماوات والأرض هو الله وحده، وأنه يجب أن يكون له الحمد والشكر، وأن لا يعبد معه غيره (بل أكثرهم لا يعلمون) أن ذلك يلزمهم.

(إن الله هو الغنى) عن حمد الحامدين، المستحق للحمد وإن لم يحمدوه.

وقرئ: " والبحر " بالنصب (29) عطفا على اسم " إن "، وبالرفع عطفا على محل " إن " ومعمولها، أي: ولو ثبت كون الأشجار أقلاما، وثبت البحر ممدودا بسبعة أبحر، أو: على الابتداء والواو للحال على معنى: ولو أن الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدودا، وهي من الأحوال التي حكمها حكم الظروف، ولا يعود منها ضمير إلى ذي الحال، كبيت امرئ القيس: وقد أغتدي والطير في وكناتها * بمنجرد قيد الأوابد هيكل (30) جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادا، فهي تصب فيه مدادها أبدا صبا لا ينقطع، فمعناه: ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر، وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله، لنفدت الأقلام والمداد وما نفدت كلمات الله.

وقرأ الصادق (عليه السلام): " والبحر مداده ? (31) ويقوي الوجه الثاني.

والأولى أن يكون (كلمات الله) عبارة عن مقدوراته ومعلوماته، لأنها إذا كانت لا تتناهى فالكلمات التي تقع عبارة عنها أيضا لا تتناهى.

(ما خلقكم ولا بعثكم إلا) كخلق نفس واحدة وبعثها، والمعنى: أنه يستوي في قدرته القليل والكثير، والواحد والجمع، إذ لا يشغله فعل عن فعل وشأن عن شأن (إن الله سميع) يسمع كل مسموع (بصير) يبصر كل مبصر في حال واحدة لا يشغله بعض عن بعض، فكذلك الخلق والبعث.

﴿ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجرى إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير (29) ذا لك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه البطل وأن الله هو العلى الكبير (30) ألم تر أن الفلك تجرى في البحر بنعمت الله ليريكم من ءايته إن في ذلك لايت لكل صبار شكور (31) وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجلهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بايتنآ إلا كل ختار كفور (32) يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحيواة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور (33) إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا وما تدرى نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير (34)﴾

أي: كل واحد من (الشمس والقمر) يجري في فلكه على وتيرة واحدة، ويقطعه إلى وقت معلوم: الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر، وعن الحسن: الأجل المسمى: يوم القيامة، لأنه لا ينقطع جريهما إلا حينئذ (32).

(ذا لك) الذي وصف من آثار صنعته وحكمته بسبب أن الله هو الحق، الثابت إلهيته، وأن الذي يدعونه من دونه باطل، وأنه (العلى الكبير) عن أن يشرك به.

(بنعمت الله) أي: بإحسانه ورحمته ليريكم بعض دلالاته على كمال قدرته (إن في ذا لك لايت لكل صبار شكور) أي: لكل مؤمن صبار على بلائه شكور لنعمائه.

الظلل: جمع الظلة، وهي كل ما أظلك من جبل أو سحاب (فمنهم مقتصد) في الإخلاص الذي كان عليه، وقيل: مؤمن قد ثبت على ما عاهد عليه الله في البحر (33)، والختار: الغدار، والختر: أسوأ الغدر وأقبحه.

(لا يجزى) أي: لا يقضي (والد عن ولده شيئا): والمعنى: " لا يجزي فيه " فحذف، و (الغرور): الشيطان.

(إن الله عنده علم الساعة) استأثر به ولم يطلع عليه أحدا (وينزل الغيث) في أيامه (34)، ويعلم نزوله في مكانه وزمانه (ويعلم ما في) أرحام الحوامل، أتام أو ناقص، أذكر أم أنثى، أواحد أم أكثر (وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا) من خير أو شر (وما تدرى نفس) أين (تموت) وجعل العلم لله، والدراية للعبد لما في الدراية من معنى الختل والحيلة، أي: لا تعرف نفس وإن عملت حيلتها ما يختص بها من كسبها وعاقبتها، فمن أين له معرفة ما عداهما؟وعن النبي (صلى الله عليه وآله): " مفاتيح الغيب خمس " وتلا هذه الآية (35).


1- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 8 ص 268: هي مكية في قول مجاهد وقتادة، ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، وقال الحسن: هي مكية إلا آية واحدة وهي قوله: (الذين يقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة) لأن الصلاة والزكاة مدنيتان، وهي ثلاث وثلاثون آية حجازي، وأربع وثلاثون آية فيما عدا الحجازي. وفي الكشاف: ج 3 ص 489: مكية إلا الآيات 27 و 28 و 29 فمدنية، وآياتها 34 وقيل: 33، نزلت بعد الصافات.

2- الآية: 32.

3- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 505 مرسلا.

4- ثواب الأعمال للصدوق: ص 136.

5- قرأه حمزة وحده. راجع التبيان: ج 8 ص 268.

6- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 489.

7- وهو من قصيدة يرثي بها أحد بني أسد وهو فضالة بن كلدة ومطلعه: أيتها النفس أجملي جزعا * إن الذي تحذرين قد وقعا ومعناه واضح. أنظر الكامل للمبرد: ج 3 ص 1400، وديوان أوس: ص 53.

8- وهو قول الفراء في معاني القرآن: ج 2 ص 326.

9- آل عمران: 177.

10- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 10 ص 202.

11- وبالفتح قرأه ابن كثير وأبو عمرو. راجع كتاب العنوان في القراءات لابن خلف: ص 152.

12- وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 512.

13- البقرة: 16.

14- قاله عكرمة. راجع التبيان: ج 8 ص 275.

15- قاله قتادة. راجع تفسير الماوردي: ج 4 ص 331.

16- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 492.

17- المصدر السابق: ص 493.

18- وهي قراءة نافع وأبي عمرو وحمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 513.

19- وهي قراءة ابن كثير. راجع المصدر السابق.

20- العنكبوت: 42.

21- قرأه نافع. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 544.

22- والبيت للأعشى، وصدره: وتشرق بالقول الذي قد أذعته انظر ديوان الأعشى: ص 186 تحقيق كامل سليمان.

23- رواه العياشي في تفسيره عن ابن مسكان كما في كنز الدقائق: ج 8 ص 32.

24- أخرجه الهيثمي في المجمع: ج 3 ص 163.

25- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 4 ص 338.

26- قرأه نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 513.

27- وهي قراءة أبي عمرو برواية علي بن نصر وعبيد بن عقيل عنه. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 513.

28- وهي قراءة نافع وحده. راجع كتاب التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 365.

29- قرأه البصريان (أبو عمرو ويعقوب). راجع كتاب العنوان في القراءات لابن خلف: ص 152.

30- والبيت من معلقته المشهورة، وفيه يتمدح بالفروسية ويتفاخر بها، يقول: ربما باكرت الصيد قبل نهوض الطير من أوكارها على فرس ماض في سيره، قليل شعره، عظيم لوحه. راجع ديوان امرئ القيس: ص 51.

31- حكاها عنه (عليه السلام) القرطبي في تفسيره: ج 14 ص 77.

32- حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 8 ص 285.

33- قاله ابن عباس والنقاش. راجع تفسير القرطبي: ج 14 ص 80.

34- في نسخة: " آياته ".

35- أخرجه البخاري في الصحيح: ج 6 ص 71 ح 144، وأحمد في المسند: ج 2 ص 122.