المقدمة

مهمة النقد الادبي تعنى بتمييز جيد القول من رديئه شعراً كان أو نثراً، والنص الادبي هو المضمار الذي يرتاده فن النقد.والناقد الموضوعي هو الذي يخضع هذا النص في التمييز لمقاييس فنية تحكم على جودته أو رداءته، فلا يكون حكمه اعتباطياً، ولا تقويمه كيفياً، وإنما يخلص إليه بموازين ومعايير تتكفل بالأصالة والإنصاف.

النص الأدبي عبارة عن لفظ ومعنى، وهناك من النقاد من تعصب للفظ وهناك من فضل المعنى، وهناك من ترك هذا وذاك، وقال بالعلاقة القائمة بين الفظ والمعنى وهي الصورة، وهناك من بحث دلالة الألفاظ في ضوء المعاني.كل ذلك من أجل تقويم النص الأدبي، ومقايسة الفن القولي.

هذه الاعتبارات المختلفة كانت مجالاً خصباً لآراء علماء العروبة والإسلام في النقد فنشأت عنها جملة من المدارس النقدية الملتزمة حيناً، والمتطرفة حيناً آخر، والسائرة بين بعض الأحيان.

لقد أدى هذا التنوع في الآراء، والتعدد في وجهات النظر، إلى تنوع وتعدد المذاهب النقدية القديمة والمعاصرة، وحينما ألقينا نظرة فاحصة على الموضوع، وجدنا النص الأدبي إما خاضعاً لصورته الفنية، فبحثناها في فصل قائم بذاته، وإما أن يكون مقترناً بجودة اللفظ ودقة المعنى، فخصصنا لذلك فصلاً متميزاً، وإما أن يكون معتمداً على دلالة اللفظ وما توحي من معنى فكان فصل دلالة الألفاظ.

هذا البحث إذن في فصول ثلاثة تمثل المظاهر الأولى للنقد العربي:

1 - مصطلح الصورة الفنية.

2 - قضية اللفظ والمعنى.

3 - دلالة الألفاظ.

ولقد عرضت في الفصل الأول للصورة في اصطلاح النقاد العرب القدامى والمحدثين وقارنتها بآراء الغربيين من أوروبيين ومستشرقين فانتهيت إلى أنها جزء لا يتجزأ من حضارة الأمة العربية في الوقت الذي كان فيه أبناء الغرب والشرق يدرسون ويتلقون العلم في حواضرنا العربية في كل من القاهرة والقيروان وأشبيلية وغرناطة وبغداد والبصرة والكوفة والموصل ودمشق، وكان ذلك في حدود القرن الخامس الهجري.

وعرضت لقضية اللفظ والمعنى بأبعادهما المختلفة عند النقاد العرب القدامى والم والقرأن حدثين وعند الأوروبيين وانتهيت فيها إلى ما تجده من نتائج في الموضوع تنتهي بوحدة اللفظ والمعنى بإطار متميز لا ينفصل.

وعرضت لدلالة الألفاظ بأقسامها وأخصصت نماذجها وأمثلتها عند التطبيق لآيات القرآن الكريم ونماذج أمثال القرآن بخاصة اعتماداً على ما استنبطته من رسالتي (الصورة الفنية في المثل القرآني: دراسة نقدية وبلاغية) مع الإضافة للطروح المعاصرة بعيدة عن الفهم الدلالي اللغوي عند الأوروبيين، فهي شيء والنظر الأوروبي شيء آخر.إذ يتعلق بالقضية اللغوية دون النظرية النقدية التي تتحدث عنها.

لقد اتسمت هذه المحاضرات الثلاث على وجزاتها بالدقة والشمول والتجديد الذي سيعين على البحث الجامعي في مستقبل حياته العلمية، وسيقربه شوطاً من الدراسات الأكاديمية المتطورة، ولا سيما وأن هذه المباحث هي خلاصة ما توصل إليه الفكر النقدي عند العرب وفي أوروبا قديماً وحديثاً.فهي محاور ثلاثة متأصلة يبدو لي سبق العرب في التوصل إليها، وإرساء قواعدها في ضوء القرآن الكريم.

وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم توكلت وإليه أنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الجامعة المستنصرية

كلية الفقه / النجف الاشرف الدكتور

محمد حسين علي الصغير