سورة الجمعة

مدنية (1)، وهي إحدى عشرة آية.

في حديث أبي: " ومن قرأ سورة الجمعة أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد من أتى الجمعة وبعدد من لم يأتها في أمصار المسلمين " (2).

وعن الصادق (عليه السلام): " من الواجب على كل مؤمن أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة و (سبح اسم ربك الأعلى) وفي صلاة الظهر في الجمعة بالجمعة والمنافقين، فإذا فعل ذلك فكأنما يعمل بعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان ثواب جزائه على الله الجنة ".

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم (1) هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم ءايته ى ويزكيهم ويعلمهم الكتب وا لحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلل مبين (2) وءاخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم (3) ذا لك فضل الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم (4) مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بايت الله والله لا يهدى القوم الظلمين (5)﴾

في قوله: (سبح) تارة، و (يسبح) أخرى إشارة إلى دوام تنزيهه عز اسمه في الماضي والمستقبل.

والأميون هم العرب، لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرؤون من بين الأمم، وقيل: بدئت الكتابة بالطائف، أخذوها من أهل الحيرة (3).

والمعنى: أنه بعث في قوم أميين رجلا أميا (منهم) أي: من أنفسهم، يعلمون نسبه وأحواله (يتلوا) يقرأ (عليهم ءايته) مع كونه أميا مثلهم، لم يعهد منه قراءة ولم يعرف بتعلم، وقراءة أمي أخبار القرون الماضية بغير تعلم على وفق ما في الكتب آية معجزة (ويزكيهم) ويطهرهم من الشرك وأدناس الجاهلية (ويعلمهم الكتب والحكمة) القرآن والشرائع (وإن كانوا) هي " إن " المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، أي: كانوا (في ضلل) لا ضلال أعظم منه.

(وءاخرين) عطف على (الأميين) أي: بعثه في الأميين الذين على عهده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي آخرين لم (يلحقوا بهم) بعد وسيلحقون بهم.

وروي: أنه لما قرأ هذه الآية قيل له: من هؤلاء؟فوضع يده على كتف سلمان فقال: " لو كان الإيمان في الثريا لناله رجال من هؤلاء " (4).

وقيل: هم الذين يأتون بعده إلى يوم القيمة (5).

ويجوز أن يكون نصبا عطفا على الضمير في (ويعلمهم) أي: ويعلمهم ويعلم آخرين، لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان وكان كله مستندا إلى أوله فكأنه (عليه السلام) تولى كل ما وجد منه (وهو العزيز الحكيم) في تمكينه رجلا أميا من هذا الأمر العظيم، واختياره إياه من بين سائر الخلق.

(ذلك) الفضل الذي أعطاه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو النبوة لكافة خلق الأولين والآخرين إلى يوم القيامة هو (فضل الله يؤتيه) يعطيه (من يشآء) إعطاءه وتقتضيه حكمته (والله ذو الفضل العظيم) على خلقه ببعثه.

و (مثل الذين حملوا التورة) وهم اليهود الذين قرؤوها وحفظوها (ثم لم يحملوها) بكونهم غير عاملين (6) بها، ولا منتفعين بآياتها، لأن فيها صفة نبينا ونعته والبشارة به ولم يؤمنوا به (كمثل الحمار يحمل أسفارا) أي: كتبا كبارا من كتب العلم، فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد، وكذا كل من علم علما ولم يعمل بموجبه فهذا مثله، و (بئس) مثلا (مثل القوم الذين كذبوا بيت الله) وهم اليهود كذبوا بالتوراة، أو: بالقرآن، أو: بآيات الله الدالة على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومعنى قوله: (حملوا التورة): كلفوا علمها والعمل بها (ثم لم يحملوها) ثم لم يعملوا بها، فكأنهم لم يحملوها.

وقوله: (يحمل أسفارا) في محل نصب على الحال، أو: جر وصفا لـ (الحمار) لأنه مثل " اللئيم ? (7) في قول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني (8)

﴿قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أوليآء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صدقين (6) ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظلمين (7) قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملقيكم ثم تردون إلى علم الغيب والشهدة فينبئكم بما كنتم تعملون (8) يأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذا لكم خير لكم إن كنتم تعلمون (9) فإذا قضيت الصلواة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون (10) وإذا رأوا تجرة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قآئما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجرة والله خير الرازقين (11)﴾

(هادوا) تهودوا وسموا يهودا وكانوا يقولون: (نحن أبناء الله وأحباؤه) (9) يعني: إن كان قولكم حقا (فتمنوا الموت) وأن ينقلكم الله إلى دار كرامته التي أعدها لأوليائه.

ثم قال: (ولا يتمنونه أبدا) بسبب ما قدموه من الكفر، وقد قال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " والذي نفسي بيده لا يقولها أحد منهم إلا غص بريقه " (10).

فلولا أنهم عرفوا صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنهم لو تمنوا لماتوا من ساعتهم لتمنوا، ولم يتمن أحد منهم، فكان هذا أحد معجزاته (صلى الله عليه وآله وسلم).

(قل إن الموت الذي) لا تجرؤون (11) أن تتمنوه (فإنه ملقيكم) لا تفوتونه، والفاء لتضمن الذي معنى الشرط، يعني: إن رمتم الفرار منه فإنه ملاقيكم (ثم تردون إلى) الله سبحانه فيجازيكم (بما) تستحقونه.

و (الجمعة) كان يقال لها العروبة (12)، وقيل: إن أول من سماها جمعة كعب بن لؤي (13)، وقيل: إن الأنصار قالوا: إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام، فهلموا نجعل لنا يوما نجتمع فيه فنذكر الله عز وجل ونصلي، فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى، فاجعلوه يوم العروبة، فاجتمعوا إلى سعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه، فأنزل الله تعالى آية الجمعة، فهي أول جمعة كانت في الإسلام (14).

فأما أول جمعة جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه فهي أنه لما قدم المدينة نزل قباء على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول وأسس مسجدهم، وأقام بها إلى يوم الجمعة، ثم خرج عامدا إلى المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن العوف في بطن واد لهم - قد اتخذ اليوم هناك مسجد - فخطب وصلى الجمعة (15).

(إذا نودى) معناه: إذا أذن لصلاة الجمعة (فاسعوا) أي: فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين (16)، وقرأ عمر وابن مسعود وابن عباس: " فامضوا " (17)، وروي ذلك عن أئمة الهدى (عليهم السلام)، وعن الحسن: ليس السعي على الأقدام ولكنه على النيات والقلوب (18).

وفي الحديث: " إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد، بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب، يكتبون الأول فالأول على مراتبهم " (19).

وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج، وقيل: أول بدعة أحدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة (20)، وعن ابن مسعود: أنه بكر فرأى ثلاثة نفر سبقوه فاغتم وأخذ يعاتب نفسه يقول: أراك رابع أربعة وما رابع أربعة بسعيد (21).

(إلى ذكر الله) إلى الخطبة التي تتضمن ذكر الله (وذروا البيع) وتجارة الدنيا وبادروا إلى تجارة الآخرة.

فالظاهر يقتضي: أن البيع في وقت النداء فاسد؛ لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه، وكذا جميع التصرفات، وإنما خص البيع بالنهي عنه لكونه من أعم التصرفات في أسباب المعائش.

وفرض الجمعة يلزم جميع المكلفين إلا أصحاب الأعذار من: السفر والمرض والعمى، والنساء، والشيوخ الذين لا حراك بهم، والعبيد، ومن كان على رأس أكثر من فرسخين.

وعند حصول الشروط لا تجب إلا عند حضور السلطان العادل أو من نصبه للصلاة.

ولا تنعقد إلا بثلاثة سوى الإمام عند أبي حنيفة (22)، وبأربعين عند الشافعي (23)، وبسبعة (24) عند أهل البيت (25) (عليهم السلام) (26).

(فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض) هذا إطلاق بعد الحظر في الانتشار وابتغاء الرزق مع الوصية بإكثار ذكر الله، وأن لا يلهيهم شىء من تجارة ولا غيرها عنه؛ لأن الفلاح منوط به، وعن ابن عباس: لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا، إنما هو عيادة المرضى، وحضور الجنائز، وزيارة أخ في الله (27).

وعن الحسن وسعيد: طلب العلم (28).

وعن الصادق (عليه السلام): " الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت " (29).

وعن جابر بن عبد الله: أقبل عير ونحن نصلي مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجمعة، فانفض الناس إليها، فما بقي غير اثني عشر رجلا أنا منهم (30).

وعن الحسن: قدم دحية بن خليفة الكلبي بتجارة من زيت الشام والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يخطب يوم الجمعة، فقاموا إليه بالبقيع خشية أن يسبقوا إليه، فلم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا رهط، فنزلت الآية، فقال (عليه السلام): " والذي نفس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي نارا " (31).

وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق، وهو المراد باللهو، وعن قتادة: فعلوا ذلك ثلاث مرات في كل مقدم عير، كل ذلك يوافق يوم الجمعة (32).

والتقدير: (وإذا رأوا تجرة) انفضوا إليها (أو لهوا) انفضوا إليه، فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه، وعن الصادق (عليه السلام): انصرفوا إليها (33) (وتركوك قآئما) تخطب على المنبر (قل) لهم (ما عند الله) من الثواب على سماع الخطبة والثبات والصلاة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (خير) وأحمد عاقبة.

1- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 347.

2- رواه الزمخشري بهذا اللفظ في الكشاف: ج 4 ص 533، وأخرج نحوه النسائي في السنن: ج 3 ص 97 عن أبي هريرة.

3- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 534.

4- أخرجه عنه ابن ماجة في السنن: ج 1 ص 348 ح 1094 بالإسناد إلى علقمة. وفيه: " ببعيد " بدل " بسعيد ".

5- المبسوط للسرخسي: ج 2 ص 24، بداية المجتهد: ج 1 ص 153.

6- كتاب الأم: ج 1 ص 190، الاستذكار: ج 2 ص 324.

7- وإنما تنعقد الجمعة بخمسة نفر جوازا وبسبعة تجب عليهم عند أصحابنا. أنظر الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 598 المسألة (359).

8- أما على السبعة ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال: " تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم " أنظر من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 267 ح 1222. وأما على الخمسة ما رواه الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أدنى ما يجزي في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه ". أنظر الكافي: ج 3 ص 419 ح 5.

9- في نسخة زيادة: " أو بخمسة ".

10- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 536.

11- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 348، والكشاف: ج 4 ص 536.

12- أخرجه الصدوق في من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 424 ح 1253 عن أبي أيوب الخزاز.

13- أخرجه عنه مسلم في الصحيح: ج 2 ص 590 ح 36.

14- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 348 - 349.

15- حكاه عنه الرازي في تفسيره الكبير: ج 30 ص 10.

16- رواه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره: ج 2 ص 367.

17- كذا في المصحف الشريف، وفي النسخ: " المنافقين ".

18- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 10: مدنية بلا خلاف، وهو قول ابن عباس وعطاء والضحاك، وهي احدى عشرة آية بلا خلاف. وفي الكشاف: ج 4 ص 538: مدنية، وهي إحدى عشرة آية، نزلت بعد الحج. وفي تفسير الآلوسي: ج 28 ص 108: مدنية، وعدد آياتها إحدى عشرة آية بلا خلاف، ووجه اتصالها - في المصحف - أن سورة الجمعة ذكر فيها المؤمنون، وهذه ذكر فيها أضدادهم وهم المنافقون.

19- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 545 مرسلا.

20- حكاه عنه ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 157.

21- التوبة: 66.

22- التوبة: 74.

23- قرأه ابن كثير وأبو عمرو والكسائي والمفضل عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 636.

24- وهي قراءة نافع والمفضل عن عاصم. راجع المصدر السابق.

25- أسباب النزول للواحدي: ص 366 ح 875 عن زيد بن أرقم.

26- أورده الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 543، والرازي في تفسيره الكبير: ج 30 ص 17، وابن شهر آشوب في المناقب: ج 4 ص 9.

27- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 544.

28- قرأه أبو عمرو وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 637.

29- تفسير ابن عباس: ص 473.

30- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 110.

31- وهو قول ابن عباس. راجع البحر المحيط: ج 8 ص 274.

32- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 544.

33- وهي قراءة أبي بكر عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 637.