سورة التغابن
مختلف فيها (1)، وهي ثمان عشرة آية.
وفي حديث أبي: " ومن قرأ سورة التغابن رفع عنه موت الفجأة ? (2) وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأ سورة التغابن في فريضته كانت شفيعة له يوم القيامة، وشاهد عدل عند من يجيز شهادتها، ثم لا تفارقه حتى يدخل الجنة " (3).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير (1) هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير (2) خلق السموات والارض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير (3) يعلم ما في السموات والارض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور (4) ألم يأتكم نبؤا الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم (5) ذا لك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينت فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غنى حميد (6) زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذا لك على الله يسير (7) فامنوا بالله ورسوله ى والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير (8) يوم يجمعكم ليوم الجمع ذا لك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صلحا يكفر عنه سياته ى ويدخله جنت تجرى من تحتها الانهر خلدين فيهآ أبدا ذا لك الفوز العظيم (9) والذين كفروا وكذبوا بايتنآ أولئك أصحب النار خلدين فيها وبئس المصير (10)﴾
(له الملك) على الحقيقة دون غيره لأنه مبدئ كل شيء ومبدعه، والمهيمن عليه (وله الحمد) دون غيره لأن أصول النعم وفروعها منه (4)، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء، وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده.
(فمنكم) آت بالكفر وفاعل له (ومنكم) آت بالإيمان وفاعل له (والله بصير) بكفركم وإيمانكم اللذين هما من جملة أعمالكم.
والمعنى: هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الإيجاد عن العدم، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح فتكونوا مؤمنين موحدين، فما فعلتم ذلك مع تمكنكم، بل تفرقتم أمما (فمنكم كافر ومنكم مؤمن)، وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم.
(بالحق) أي: بالغرض الصحيح والحكمة البالغة (وصوركم فأحسن صوركم) بأن جعلكم أحسن الحيوان وأبهاه، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن يكون صورته على صورة جنس آخر من الحيوان.
نبه سبحانه بعلمه (ما في السموت والأرض) ثم بعلمه ما يسره العباد وما يعلنونه ثم بعلمه ذوات الصدور أن شيئا من الكليات والجزئيات لا يعزب (5) عن علمه ولا يخفى عليه، فحقه أن يتقى ويحذر من معصيته.
(ألم يأتكم) خطاب للكفار.
و (ذلك) إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا، وما أعده الله لهم من عذاب الآخرة (بأنه) بأن الشأن والحديث (كانت تأتيهم رسلهم بالبينت)، (أبشر يهدوننا) أنكروا أن يكون الرسل بشرا، ولم ينكروا أن يكون الله (6) حجرا.
و " البشر " يقع على الواحد والجمع (قالوا مآ أنتم إلا بشر مثلنا) (7)، (واستغنى الله) أطلق اللفظ ليتناول كل شيء، ومن جملته: إيمانهم.
وطاعتهم، والمراد: وظهر استغناء الله حيث لم يضطرهم إلى الإيمان مع قدرته على ذلك.
الزعم: ادعاء العلم.
وفي الحديث: " زعموا " مطية الكذب (8).
(أن لن يبعثوا) أنهم لن يبعثوا، أو: سد مسد مفعولي (زعم)، (بلى) إثبات لما بعد (لن) وهو البعث (وذلك على الله يسير) لا يصرفه عنه صارف.
(والنور الذي أنزلنا) هو القرآن.
وقرئ: " نجمعكم " (9)، و " نكفر عنه "، " وندخله " بالياء والنون (10)، (يوم يجمعكم) ظرف لقوله: (لتنبؤن) أو: لـ (خبير) لما فيه من معنى الوعيد، كأنه قال: والله معاقبكم يوم يجمعكم (ليوم الجمع) ليوم يجمع فيه الأولون والآخرون، و (التغابن) مستعار من: تغابن القوم في التجارة، وهو أن يغبن بعضهم بعضا.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة " (11).
وهو من معنى (ذلك يوم التغابن) فيظهر في ذلك اليوم الغابن والمغبون، فالتغابن فيه هو التغابن على الحقيقة لا التغابن في أمور الدنيا وإن عظمت وجلت (صلحا) صفة للمصدر، أي: عملا صالحا.
﴿مآ أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شىء عليم (11) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلغ المبين (12) الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون (13) يأيها الذين ءامنوا إن من أزواجكم وأولدكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم (14) إنمآ أموا لكم وأولدكم فتنة والله عنده أجر عظيم (15) فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه ى فأولئك هم المفلحون (16) إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم (17) علم الغيب والشهدة العزيز الحكيم (18)﴾
(بإذن الله) بتقديره ومشيئته، كأنه أذن للمصيبة أن تصيبه (يهد قلبه) يلطف به ويشرحه للازدياد من الطاعة والخير، وعن ابن عباس: يهد قلبه للاسترجاع عند المصيبة (12).
وعن مجاهد: إن ابتلي صبر، وإن أعطي شكر، وإن ظلم غفر (13).
وعن الضحاك: يهد قلبه حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه (14).
(إن من أزوجكم) أزواجا يعادينكم ويخاصمنكم، ومن (أولدكم) أولادا يعادونكم ويعقونكم (فاحذروهم) الضمير للعدو أو للأزواج والأولاد جميعا، أي: فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرورهم (وإن تعفوا) عنهم إذا اطلعتم منهم على عداوة، وتتجاوزوا عنهم، وتستروا ما فرط منهم عليهم (فإن الله) يغفر لكم ذنوبكم، ويكفر عنكم سيئاتكم.
(إنما أمولكم وأولدكم فتنة) (15) أي: بلاء ومحنة وسبب لوقوعكم في الجرائم والعظائم، وقيل: إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتننكم الميل إلى الأموال والأولاد (16).
(فاتقوا الله ما استطعتم) جهدكم ووسعكم، أي: ابذلوا فيها جهدكم واستطاعتكم (واسمعوا) ما توعظون به (وأطيعوا) فيما تؤمرون به وتنهون عنه (وأنفقوا) في الوجوه التي تجب عليكم النفقة فيها (خيرا) منصوب بمحذوف، والتقدير: ائتوا خيرا لأنفسكم، أي: افعلوا ما هو خير لها وأنفع.
وهذا تأكيد للحث على امتثال هذه الأوامر وبيان، لأن هذه الأمور خير لأنفسكم من الأموال والأولاد، وما أقبلتم عليه من زبارج الدنيا ولذاتها الفانية.
وذكر القرض تلطف في الاستدعاء (يضعفه لكم) يكتب لكم بالواحد عشر أو (17) سبعمائة إلى ما شاء من الأضعاف المضاعفة (شكور) مجاز، أي: يفعل بكم ما يفعله المبالغ في الشكر من الأجر الجزيل والثواب العظيم (حليم) لا يعاجل بالعقوبة مع كثرة ذنوبكم.1- في المجمع: وتسمى سورة النساء القصرى.
2- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 27: مدنية في قول ابن عباس وعطاء والضحاك وغيرهم، وهي اثنتا عشرة آية في الكوفي والمدنيين، وعشر في البصري. وفي الكشاف: ج 4 ص 551: مدنية وهي إحدى عشرة أو اثنتا عشرة أو ثلاث عشرة آية، نزلت بعد الإنسان.
3- الآية: 2.
4- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 561 مرسلا.
5- ثواب الأعمال للصدوق: ص 146.
|
6- المائدة: 6.
7- الاسراء: 45.
8- كتاب الأم للشافعي: ج 5 ص 180، ومختصر المزني: ص 191.
9- الخلاف للشيخ الطوسي: ج 4 ص 446 المسألة |
10|، الانتصار للشريف المرتضى: ص 132.
11- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 552.
12- المبسوط للسرخسي: ج 6 ص 8.
13- في بعض النسخ: " تسكنها ".
14- وهي قراءة ابن كثير وأبي بكر عن عاصم. راجع العنوان في القراءات لابن خلف: ص 192.
15- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 351، وتفسير مجاهد: ص 663.
16- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 6 ص 29 وزاد: والشافعي.
17- أنظر التبيان: ج 10 ص 31.