أهمية الأخلاق في حياة الإنسان

وفي كل هذا، دليل واضح على أهمية وحساسية القيم والمعايير التي يتحرّك الإنسان على أساسها؛ حيث إنها تنشأ في الغالب عن الحالة الأخلاقية حسبما أوضحناه. وذلك يؤكد خطورة وأهمية دور الأخلاق التي تغرس في النفس المعاني الإنسانية وصفات الخير، وتنشِّؤها، وترشِّدها. وكم لها من تأثير على مستقبل الإنسان، بسبب عمق تأثّر الحالة الفكرية والإيمانية والمعرفية، بالميزات الروحية، وبالأخلاق. حتى أن فقدها (أي القيم والمعايير) يؤثر على سلامة المعرفة لدى الإنسان ويؤدي إلى أن يجحد بيوم الدين. وهذا يفسّر لنا: أن من الناس من يضلّه الله على علم، كما أنه يعرفنا كيف أن الطهارة من الذنوب تعين على فهم القرآن حسبما روي عن الإمام السجّاد. وكذا الحال في ما ورد من أن العلم ليس بكثرة التعلّم، وإنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء.

والمقصود ليس هو العلوم المادية طبعًا، فإنها مما يصل إليه المؤمن وغير المؤمن. فإذا كان العلم نورًا، فذلك يعني: أن القضيّة ليست في أن يتعلّم الإنسان في المدرسة، أو لا يتعلّم فيها، بل القضية هي أن هناك درجات من العلم، لا يحصل عليها المتعلم إلاّ من خلال الأخلاق والإيمان والسلوك المستقيم، حتى إذا أخلّ بهذا الجانب، وحرم من الصفاء الروحي، فإنه يحرم من درجات وأنواع من العلوم.

وقد ألمحنا فيما سبق إلى قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (الأعراف/175)، فكم هو دقيق ولطيف هذا التعبير بالانسلاخ الذي يشير إلى أن هذه الآيات ملتصقة في فطرته، ناشئة معه، حتى أصبحت جزءًا من كيانه، حتى ليحتاج إلى الانسلاخ منها؛ (فانسلخ منها). وهذا ما يشير إليه أيضا قوله تعالى: ﴿ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة. وقوله تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ (الفرقان/44) هم أضلُّ سبيلاً، وأمثال هذه الآيات كثير.