تابع لسورة المائدة
﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكلا من الله والله عزيز حكيم (38) فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم (39) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شئ قدير (40)﴾ هما مرفوعان على الابتداء والخبر محذوف، كأنه قيل: ﴿و﴾ فيما فرض عليكم: ﴿السارق والسارقة﴾ أي: حكمهما، ويجوز أن يكون الخبر ﴿فاقطعوا أيديهما﴾ ودخلت الفاء لأنهما قد تضمنا معنى الشرط، فإن المعنى: والذي سرق والتي سرقت فاقطعوا أيديهما أي: يديهما، ونحوه ﴿فقد صغت قلوبكما﴾ (1) اكتفى بتثنية المضاف إليه عن تثنية المضاف (2)، والمراد باليدين اليمينان، بدليل قراءة عبد الله بن مسعود: " والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم " (3).
والمقدار الذي يجب به (4) القطع ربع دينار إذا سرق من الحرز (5) وإليه ذهب الشافعي (6) ومالك (7)، إلا أن المقطع عندهم هو الرسغ (8)، وعندنا: أصول الأصابع ويترك الإبهام والكف وفي المرة الثانية تقطع رجله اليسرى من أصل الساق ويترك عقبه يعتمد عليها في الصلاة فإن سرق بعد ذلك خلد في السجن، هذا هو المشهور من مذهب علي (عليه السلام) (9).
- 41 وقوله: ﴿جزاء﴾ مفعول له وكذا قوله: ﴿نكلا﴾، ﴿فمن تاب﴾ من السراق ﴿من بعد ظلمه﴾ أي: سرقته ﴿وأصلح﴾ أمره بالتفصي عن التبعات ﴿فإن الله يتوب عليه﴾ ويسقط عنه عقاب (10) الآخرة.
﴿يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسرعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سمعون للكذب سمعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم (41)﴾ وقرئ: " لا يحزنك " بضم الياء (11) أي: لا يهمنك مسارعة المنافقين ﴿الذين يسرعون في﴾ إظهار ﴿الكفر﴾ بما يلوح من (12) حالهم من آثار الكيد للإسلام ﴿ومن الذين هادوا﴾ أي: ومن اليهود قوم ﴿سمعون﴾ فيكون منقطعا عما قبله، ويجوز أن يكون عطفا على قوله: ﴿من الذين قالوا﴾ وارتفع ﴿سمعون﴾ على " هم سماعون "، والضمير للمنافقين واليهود أو لليهود (13)، ومعنى ﴿سمعون للكذب﴾: قابلون لما يفتريه الأحبار من الكذب على الله وتحريف التوراة، ونحوه: " سمع الله لمن حمده "، ﴿سمعون لقوم آخرين لم يأتوك﴾ يعني: اليهود الذين لم يصلوا إلى مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) لشدة عداوتهم إياه، أي: قابلون من الأحبار ومن أولئك المفرطين في العداوة، وقيل: معناه: سماعون إليك ليكذبوا عليك بأن يزيدوا فيما سمعوا منك وينقصوا ويغيروا، سماعون منك لأجل قوم آخرين من اليهود وجهوهم عيونا ليبلغوهم ما سمعوا منك (14)، ﴿يحرفون الكلم﴾ يميلونه ويزيلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيهملونه بغير مواضع بعد أن كان ذا مواضع (15) ﴿يقولون إن أوتيتم هذا﴾ المحرف المزال عن مواضعه ﴿فخذوه﴾ واعملوا به ﴿وإن لم تؤتوه﴾ أي: إن أفتاكم محمد (صلى الله عليه وآله) بخلافه ﴿فاحذروا﴾ فهو الباطل.
وروي: أن شريفا من خيبر زنى بشريفة وهما محصنان وحدهما الرجم في التوراة فكرهوا رجمهما لشرفهما، فبعثوا نفرا منهم إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله عن ذلك، وقالوا: إن أمركم محمد (صلى الله عليه وآله) بالجلد فاقبلوا، وإن أمركم بالرجم فلا تقبلوا وأرسلوا الزانيين معهم، فأمرهم بالرجم، فأبوا أن يأخذوا به، فقال له جبرئيل: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا، فقال: هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له: ابن صوريا، قالوا: نعم، وهو أعلم يهودي على وجه الأرض، ورضوا به حكما، فقال له رسول الله: أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي فلق البحر ورفع فوقكم الطور وأنزل عليكم كتابه، هل تجدون فيه الرجم على من أحصن؟قال: نعم، فوثبت عليه سفلة اليهود، فقال: خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب، ثم سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أشياء كان يعرفها من أعلامه وأسلم، وقال: أشهد أنك رسول الله النبي المبشر به، وأمر رسول الله بالزانيين فرجما عند باب مسجده (16) (17).
﴿ومن يرد الله فتنته﴾ أي: تركه مفتونا وخذلانه ﴿فلن تملك له﴾ أي: فلن تستطيع له ﴿من﴾ لطف ﴿الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن﴾ يمنحهم من ألطافه ما ﴿يطهر﴾ به ﴿قلوبهم﴾ لأنهم ليسوا من أهلها لعلمه أنها لا تنجع فيهم.
﴿سمعون للكذب أكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين (42) وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين (43) إنا أنزلنا التورية فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (44)﴾ السحت: كل مالا يحل كسبه، وهو من سحته: إذا استأصله، لأنه مسحوت البركة كما قال الله: ﴿يمحق الله الربوا﴾ (18)، وقرئ: " السحت " مخففا ومثقلا (19).
وفي الحديث: " كل لحم نبت على السحت فالنار أولى به " (20).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا تحاكم إليه أهل الكتاب مخيرا بين أن يحكم بينهم وبين أن لا يحكم، وهذا التخيير عندنا ثابت للأئمة في الشرع (21).
﴿وإن تعرض﴾ عن الحكم بينهم ﴿فلن يضروك شيئا﴾ أي: لا يقدرون على إضرار بك في دين أو دنيا ﴿بالقسط﴾ أي: بالعدل كما حكم (عليه السلام) بالرجم ﴿وكيف يحكمونك﴾ تعجيب
من تحكيمهم لمن لا يؤمنون به وبكتابه مع أن الحكم منصوص عليه في كتابهم ﴿ثم يتولون من بعد ذلك﴾ وهو إشارة إلى حكم الله في التوراة، ويتركون الحكم به، وقيل: ثم يتولون من بعد تحكيمك عن حكمك الموافق لما في كتابهم لا يرضون به (22) ﴿وما أولئك بالمؤمنين﴾ بكتابهم كما يدعون ﴿فيها هدى﴾ يهدي للحق والعدل ﴿ونور﴾ يبين ما استبهم (23) من الأحكام ﴿الذين أسلموا﴾ صفة للنبيين على سبيل المدح، وفيه تعريض باليهود وأنهم بعداء عن الإسلام الذي هو دين الأنبياء كلهم قديما وحديثا، وقوله: ﴿للذين هادوا﴾ يدل على ذلك ﴿والربانيون والأحبار﴾ أي: والزهاد والعلماء من ولد هارون الذين التزموا طريقة النبيين وجانبوا دين اليهود ﴿بما استحفظوا من كتب الله﴾ بما سألهم أنبياؤهم حفظه من التوراة، أي: بسبب إيصائهم إياهم أن يحفظوه من التغيير والتبديل، و ﴿من﴾ في ﴿من كتب الله﴾ للتبيين ﴿وكانوا عليه شهداء﴾ أي: رقباء لئلا يغيروا المعنى (24) ﴿يحكم﴾ بأحكام التوراة ﴿النبيون﴾ بين موسى وعيسى وكان بينهما ألف نبي ﴿للذين هادوا﴾ يحملونهم على أحكام التوراة ولا يتركونهم أن يعدلوا عنها كما فعله رسول الله من حملهم على حكم الرجم، وكذلك حكم ﴿الربانيون والأحبار﴾ المسلمون بسبب ما استحفظهم أنبياؤهم ﴿من كتب الله﴾ وبسبب كونهم ﴿عليه شهداء﴾، ﴿فلا تخشوا الناس﴾ نهي للحكام عن خشيتهم غير الله في حكوماتهم وإدهانهم فيها ﴿ولا تشتروا﴾ أي: لا تستبدلوا ولا تستعيضوا بآيات الله وأحكامه ﴿ثمنا قليلا﴾ وهو الرشوة وابتغاء الجاه وطلب الرياسة كما فعله اليهود ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله﴾ مستهينا به ﴿فأولئك هم الكافرون﴾ والظالمون والفاسقون وصف لهم بالعتو في كفرهم وظلمهم بآيات الله بالاستهانة بها وتمردهم في فسقهم بأن حكموا بغيرها، وعن ابن عباس: من جحد حكم الله كفر، ومن لم يحكم به وهو مقر فهو ظالم فاسق (25).
وعن حذيفة: أنتم أشبه الأمم سمتا ببني إسرائيل، لتركبن طريقهم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة (26)، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا (27).
﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاذن بالاذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون (45)﴾ المعطوفات كلها قرئت بالنصب والرفع (28)، وقرئت بالنصب إلا " والجروح قصاص " فإنه بالرفع (29)، فالرفع للعطف على محل ﴿أن النفس﴾ لأن المعنى: ﴿وكتبنا عليهم فيها﴾ النفس بالنفس: إما لإجراء ﴿كتبنا﴾ مجرى " قلنا "، وإما لأن معنى الجملة التي هي قوله: ﴿النفس بالنفس﴾ مما يقع عليه الكتاب كما يقع عليه القراءة تقول: كتبت " الحمد لله " وقرأت " سورة أنزلناها "، ولذلك قال الزجاج: لو قرئ: " إن النفس " بالكسر لكان صحيحا (30).
والمعنى: فرضنا عليهم فيها ﴿أن النفس﴾ مأخوذة ﴿بالنفس﴾ مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق، ﴿والعين﴾ مفقوءة ﴿بالعين﴾، ﴿والأنف﴾ مجدوع ﴿بالأنف﴾، ﴿والاذن﴾ مصلومة ﴿بالاذن﴾، ﴿والسن﴾ مقلوعة ﴿بالسن﴾، ﴿والجروح﴾ ذات ﴿قصاص﴾ وهو المقاصة فيما يمكن فيه القصاص ﴿فمن تصدق﴾ من أصحاب الحقوق بالقصاص وعفا عنه ﴿فهو كفارة له﴾ يكفر به من سيئاته بقدر ما تصدق.
﴿وقفينا على اثرهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين (46) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (47)﴾
قفاه بفلان: عقبه به، تعدى إلى المفعول الثاني بالباء، والمفعول الأول في الآية محذوف سد مسده الظرف الذي هو ﴿على اثرهم﴾ لأنه إذا قفى به على أثره فقد قفى به إياه، والضمير في ﴿آثارهم﴾ للنبيين في قوله: ﴿يحكم بها النبيون﴾ (31)، ﴿ومصدقا﴾ نصب على الحال عطف على محل ﴿فيه هدى﴾، ﴿وهدى وموعظة﴾ يجوز أن ينتصبا على الحال وعلى المفعول له لقوله: ﴿وليحكم﴾ (32)، وقرئ: ﴿وليحكم﴾ على الأمر (33) بمعنى وقلنا: " ليحكم "، ﴿بما أنزل الله فيه﴾ في الإنجيل.
﴿وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة وا حدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون (48) وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون (49) أفحكم الجهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (50)﴾ ﴿وأنزلنا إليك الكتاب﴾ أي: القرآن، والتعريف فيه للعهد، وفي ﴿الكتب﴾ بعده للجنس، لأن المعنى: ﴿مصدقا لما بين يديه من﴾ التوراة والإنجيل وكل كتاب أنزل من السماء سواه ﴿ومهيمنا عليه﴾ أي: رقيبا على سائر الكتب لأنه يشهد لها بالصحة ﴿ولا تتبع أهواءهم﴾ ضمن معناه معنى لا تنحرف ولذلك عدي ب? " عن " كأنه قيل: ولا تنحرف ﴿عما جاءك من الحق﴾ متبعا أهواءهم ﴿لكل جعلنا منكم﴾ أيها الناس ﴿شرعة﴾ أي: شريعة ﴿ومنهاجا﴾ طريقا واضحا في الدين تجرون عليه (34)، وفيه دليل على أنا غير متعبدين بشرائع من كان قبلنا من الأنبياء ﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة وا حدة﴾ أي: جماعة متفقة على شريعة واحدة أو ذوي أمة واحدة أي: دين واحد لا اختلاف فيه، ﴿ولكن﴾ أراد ﴿ليبلوكم في ما آتاكم﴾ من الشرائع المختلفة، هل تعملون بها معتقدين أنها مصالح لكم قد اختلفت بحسب اختلاف الأحوال أو تتبعون الشبه (35) وتفرطون في العمل ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ فابتدروها ﴿إلى الله مرجعكم﴾ استئناف في معنى التعليل لاستباق الخيرات ﴿فينبئكم﴾ فيخبركم بما اختلفتم فيه من أمر دينكم، ويفصل بين محقكم ومبطلكم، ويجازيكم على حسب استحقاقكم ﴿وأن احكم بينهم﴾ معطوف على ﴿الكتب﴾، أي: وأنزلنا إليك أن احكم، وصلت ﴿أن﴾ بالأمر، ويجوز أن يكون معطوفا على ﴿بالحق﴾ أي: أنزلناه بالحق وبأن احكم (36) ﴿واحذرهم أن يفتنوك﴾ (37) أن يضلوك ويستزلوك ﴿عن بعض ما أنزل الله إليك﴾ بأن يطمعوك منهم في الإجابة إلى الإسلام ويقولوا: إنا إن اتبعناك اتبعنا اليهود كلهم وإن بيننا وبين قومنا خصومة فاحكم لنا عليهم ونحن نؤمن بك ونصدقك، فأبى رسول الله ذلك ﴿يريد الله أن يصيبهم﴾ بذنب التولي عن حكم الله فوضع ﴿ببعض ذنوبهم﴾ موضع ذلك، والمراد: أن لهم ذنوبا جمة، هذا الذنب بعضها ﴿أفحكم الجهلية يبغون﴾ هذا تعيير لليهود بأنهم أهل الكتاب (38) وهم يبغون حكم الملة الجاهلية التي هي هوى وجهل لا يصدر عن كتاب ولا يرجع إلى وحي، وقرئ: " تبغون " بالتاء (39) على معنى " قل لهم "، واللام في قوله: ﴿لقوم يوقنون﴾ للبيان كاللام في (40) ﴿هيت لك﴾ (41) أي: هذا الاستفهام لقوم يوقنون، فإنهم هم الذين يتبينون أن لا أعدل ولا أحسن حكما من الله تعالى.
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين (51) فترى الذين في قلوبهم مرض يسرعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين (52) ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمنهم إنهم لمعكم حبطت أعملهم فأصبحوا خاسرين (53)﴾ نهى سبحانه المؤمنين عن اتخاذهم أولياء ينصرونهم ويستنصرونهم ويوالونهم، ثم علل النهي بقوله: ﴿بعضهم أولياء بعض﴾ أي: إنما يوالي بعضهم بعضا لاجتماعهم في الكفر ﴿ومن يتولهم منكم فإنه﴾ من جملتهم وحكمه حكمهم، وهذا تشديد من الله في وجوب مجانبة المخالف في الدين كما جاء في الحديث: " لا تراءى ناراهما " (42) ﴿إن الله لا يهدى القوم﴾ الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكافرين يمنعهم ألطافه ويخذلهم ﴿فترى الذين في قلوبهم﴾ شك ونفاق ﴿يسرعون فيهم﴾ في موالاتهم ويرغبون فيها، ويعتذرون بأنهم لا يأمنون أن تصيبهم ﴿دائرة﴾ من دوائر الزمان أي: صرف من صروفه فيحتاجوا إليهم وإلى معونتهم ﴿فعسى الله أن يأتي بالفتح﴾ لرسول الله على أعدائه ﴿أو أمر من عنده﴾ بقتل اليهود وإجلائهم عن ديارهم فيصبح المنافقون ﴿نادمين﴾ على ما أسروه ﴿في أنفسهم﴾ من النفاق، وقيل: أو أمر من عنده وهو أن يؤمر (43) النبي بإظهار أسرار المنافقين فيندموا (44) ﴿ويقول الذين آمنوا﴾ قرئ بالنصب (45) عطفا على ﴿أن يأتي﴾ أو على ﴿بالفتح﴾ أي: وبأن يقول، وبالرفع على أنه كلام مبتدأ أي: ويقول الذين آمنوا في ذلك الحال، وقرئ: " يقول " بغير واو (46) ﴿أهؤلاء الذين أقسموا﴾ أي: حلفوا ﴿بالله﴾ أغلظ الأيمان ﴿إنهم﴾ أولياؤكم ﴿حبطت أعملهم﴾ من جملة كلام المؤمنين، أي: بطلت أعمالهم التي كانوا يتكلفونها في مرأى الناس ﴿فأصبحوا خاسرين﴾ خسروا الدنيا والآخرة.
﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله وا سع عليم (54)﴾
قرئ: " من يرتدد " (47) و " من يرتد " وهو (48) من الكائنات التي أخبر عنها في القرآن قبل كونها، وهو أن قوما يرتدون بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنه سبحانه ينصر دينه بقوم لهم هذه الصفات المذكورة، قيل: هم أهل اليمن (49) ولما نزلت أشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أبي موسى الأشعري (50) فقال: " هم قوم هذا " (51)، وقال: " الإيمان يمان (52) والحكمة يمانية " (53)، وقيل: هم أهل الفرس (54) وأن رسول الله ضرب بيده على عاتق سلمان فقال: " هذا وذووه "، وقال: " لو كان الدين معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس " (55).
وعن أئمة الهدى (عليهم السلام) وعمار وحذيفة: أنهم علي (عليه السلام) وأصحابه حين قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (56)، ويؤيده الحديث: " لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله " ثم قال من بعد: " إنه خاصف النعل في الحجرة " وكان علي (عليه السلام) يخصف نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) (57).
و ﴿أذلة﴾ جمع ذليل، أي: عاطفين على المؤمنين على وجه التذلل والتواضع أشداء ﴿على الكافرين﴾ واللومة المرة من اللوم، وفيه أنهم لا يخافون شيئا قط من لوم أحد من اللوام ﴿ذلك﴾ أي: محبتهم ولين جانبهم (58) على المؤمنين وشدتهم على الكفار ﴿فضل﴾ من ﴿الله﴾ ومنة ولطف من جهته يعطيه ﴿من﴾ يعلم أنه أهل له ﴿والله وا سع﴾ كثير الفواضل والألطاف ﴿عليم﴾ بمن هو من أهلها.
﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (55) ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون (56)﴾
- 57 نزلت في (59) علي (عليه السلام) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فأومأ بخنصره اليمنى إليه فأخذ السائل الخاتم من خنصره (60)، ورواه الثعلبي (61) في تفسيره (62)، والحديث طويل رويناه في الكتاب الكبير (63)، وفيه: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي اشدد به ظهري " قال أبو ذر (64): فوالله ما استتم الكلمة حتى نزل جبرئيل فقال: يا محمد اقرأ: ﴿إنما وليكم الله﴾ الآية، والمعنى: ﴿إنما وليكم﴾ أي: الذي يتولى تدبيركم ويلي أموركم ﴿الله ورسوله والذين آمنوا الذين﴾ هذه صفاتهم ﴿وهم راكعون﴾ حال من ﴿يؤتون الزكاة﴾ أي: يؤتونها في حال ركوعهم.
قال جار الله: وإنما جئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن يكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان (65).
وأقول: قد اشتهر في اللغة العبارة عن الواحد بلفظ الجمع على سبيل التعظيم فلا يحتاج (66) إلى الاستدلال عليه، وإذا ثبت أنه المعني في الآية على ما ذكرناه صحت إمامته بالنص الصريح.
﴿فإن حزب الله هم الغالبون﴾ من إقامة الظاهر مقام المضمر، أي: فإنهم هم الغالبون.
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين (57) وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون (58)﴾ وقرئ: ﴿والكفار﴾ بالجر (67) ويعضده قراءة أبي: " ومن الكفار " (68)، وفي القراءة بالنصب يكون الهزؤ من أهل الكتاب خاصة، وفصل بين المستهزئين منهم والكفار وإن كانوا - أيضا - كفارا إطلاقا للكفار على المشركين خاصة ﴿واتقوا الله﴾ في موالاة الكفار ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ حقا ﴿اتخذوها﴾ الضمير للصلاة أو للمناداة، وكانوا إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم ﴿لا يعقلون﴾ لأن هزؤهم ولعبهم من أفعال السفهاء فكأنه لا عقل لهم.
﴿قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون (59)﴾ أي: ما تعيبون منا وتنكرون ﴿إلا﴾ الإيمان ﴿بالله﴾ والكتب المنزلة كلها ﴿وأن أكثركم فاسقون﴾ فيه وجوه: أن يكون عطفا على ﴿أن آمنا﴾ أي: ما تنقمون منا إلا مخالفتكم حيث دخلنا في الإيمان وأنتم خارجون منه، ويجوز أن يكون عطفا على المجرور أي: إلا الإيمان بالله وبأن أكثركم فاسقون، ويجوز أن يكون تعليلا معطوفا على تعليل محذوف أي: ما تنقمون منا إلا الإيمان لقلة إنصافكم ولأنكم فاسقون (69).
﴿قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل (60)﴾
- 61 ﴿ذلك﴾ إشارة إلى المنقوم ولابد من حذف مضاف، والتقدير: هل أنبئكم بشر من أهل ذلك أو بشر من ذلك دين من لعنه الله، وضعت المثوبة موضع العقوبة، ومنه قوله: ﴿فبشرهم بعذاب أليم﴾ (70)، وكان اليهود يزعمون أن المسلمين مستوجبون للعقاب، فقيل لهم: من لعنه الله شر عقوبة في الحقيقة من أهل الإسلام في زعمكم، و ﴿من لعنه﴾ في موضع الرفع أي: هو من لعنه الله، أو في محل الجر على البدل من " شر "، و ﴿عبد الطاغوت﴾ عطف على صلة ﴿من﴾ أي: ومن عبد الطاغوت، وقرئ: " وعبد الطاغوت " بضم الباء والإضافة (71) أي: وجعل منهم عبد الطاغوت، وهو للمبالغة في العبودية نحو حذر ويقظ، والمعنى فيه أنه خذلهم حتى عبدوها، والطاغوت: الشيطان، وقيل: إن من جعل منهم القردة هم أصحاب السبت، والخنازير: كفار أهل مائدة عيسى (72)، وقيل: إنهما معا أصحاب السبت مسخ شبانهم قردة وشيوخهم خنازير (73) ﴿أولئك شر مكانا﴾ جعلت الشرارة للمكان وهي لأهله للمبالغة وهو داخل في باب الكناية.
﴿وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون (61) وترى كثيرا منهم يسرعون في الاثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون (62) لولا ينهيهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون (63)﴾ نزلت في ناس من اليهود كانوا يظهرون الإيمان نفاقا ﴿وقد دخلوا بالكفر﴾ أي: دخلوا كافرين وخرجوا كافرين، والتقدير ملتبسين بالكفر، فقوله: ﴿بالكفر﴾ و ﴿به﴾ حالان وكذلك قوله: ﴿وقد دخلوا﴾ و ﴿هم قد خرجوا﴾ ولذلك دخلت ﴿قد﴾ تقريبا للماضي من الحال أي: ﴿قالوا آمنا﴾ وهذه حالهم ﴿الإثم﴾ الكذب بدليل قوله: ﴿عن قولهم الاثم﴾، و ﴿العدوان﴾: الظلم، وقيل: الإثم: كلمة الشرك نحو قولهم: ﴿عزير ابن الله﴾ (74) (75)، وقيل: الإثم: ما يختص بهم والعدوان ما يتعداهم إلى غيرهم (76) ﴿لبئس ما كانوا يصنعون﴾ كأنهم جعلوا آثم من مرتكبي الكبائر، لأن كل عامل لا يسمى صانعا حتى يتمكن فيه ويمهر، وعن ابن عباس: هي أشد آية في القرآن (77).
﴿وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيمة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين (64)﴾
غل اليد مستعار للبخل وبسط اليد للجود، ومن تكلم به لا يقصد إثبات يد ولا يريد حقيقة غل ولا بسط وإنما هما عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود، وقد استعملوا اليد حيث لا يصح اليد نحو قول الشاعر: جاد الحمى بسط اليدين بوابل * شكرت نداه تلاعه ووهاده (78) وقول لبيد: قد أصبحت بيد الشمال زمامها (79) ﴿غلت أيديهم﴾ يجوز أن يكون دعاء عليهم بالبخل والنكد ولذلك كانوا أبخل خلق الله، ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغل الأيدي حقيقة يغلون في الدنيا أسارى وفي الآخرة بالأغلال في النار، ويجوز أن يكون إخبارا بأنهم ألزموا البخل وجعلوا بخلاء (80) ﴿ولعنوا بما قالوا﴾ أي: أبعدوا عن رحمة الله وعذبوا ﴿بل يداه مبسوطتان﴾ ثنيت اليد هنا ليكون الإنكار لقولهم أبلغ وعلى إثبات غاية السخاء أدل، وذلك أن غاية ما يبذله السخي أن يعطي باليدين جميعا، وقوله: ﴿ينفق كيف يشاء﴾ تأكيد أيضا للوصف بالسخاء ودلالة على أنه لا ينفق إلا ما تقتضيه الحكمة والصلاح ﴿وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا﴾ أي: يزدادون عند إنزال (81) القرآن تماديا في الجحود وحسدا ﴿وكفرا﴾ بآيات الله ﴿وألقينا بينهم العداوة﴾ فكلماتهم مختلفة وقلوبهم شتى فلا يقع بينهم موافقة ﴿كلما أوقدوا نارا للحرب﴾ أي: كلما أرادوا محاربة النبي (صلى الله عليه وآله) غلبوا ولم يكن لهم ظفر قط، وقد أتاهم الإسلام وهم في ملك المجوس، وفي هذا دلالة على صحة نبوة نبينا (82) لأن اليهود كانوا في أشد بأس وأمنع دار حتى أن قريشا كانت تعتضد بهم، وكان الأوس والخزرج تتكثر بمظاهرتهم، فذلوا وقهروا وقتل النبي (عليه السلام) بني قريظة وأجلى بني النضير وغلب على خيبر وفدك (83) فاستأصل الله شأفتهم (84) حتى أن اليوم تجد اليهود في كل بلدة من أذل الناس ﴿ويسعون في الأرض فسادا﴾ بمخالفة أمر الله والاجتهاد في محو ذكر الرسول من كتبهم.
﴿ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنت النعيم (65) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون (66)﴾ ﴿ولو أن أهل الكتاب آمنوا﴾ بمحمد (صلى الله عليه وآله) ﴿واتقوا﴾ وقرنوا إيمانهم بالتقوى ﴿لكفرنا عنهم﴾ تلك السيئات ولم نؤاخذهم بها ﴿ولأدخلنهم﴾ مع المسلمين ﴿جنت النعيم﴾، ﴿ولو أنهم أقاموا﴾ أحكام ﴿التوراة والإنجيل﴾ وحدودهما وما فيهما من نعت رسول الله ﴿وما أنزل إليهم من﴾ سائر كتب الله لأنهم كلفوا الإيمان بجميعها فكأنها نزلت إليهم، وقيل: هو القرآن (85) ﴿لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم﴾ المعنى: لوسع الله عليهم الرزق وكانوا قد قحطوا، والمراد: لأفضنا عليهم بركات السماء وبركات الأرض ولأكثرنا ثمرات أشجارهم وغلات زروعهم، أو لرزقناهم الجنان اليانعة الثمار يجتنون ثمار أشجارها ويلتقطون ما سقط منها على الأرض ﴿منهم أمة﴾ أي: طائفة ﴿مقتصدة﴾ مسلمة آمنت بالنبي (صلى الله عليه وآله) ﴿وكثير منهم ساء ما يعملون﴾ فيه معنى التعجب، أي: ما أسوأ عملهم (86)! وهم الذين أقاموا على الكفر والجحود بالنبي (صلى الله عليه وآله).
﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين (67)﴾ روى الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله: أن الله تعالى أمر نبيه أن ينصب عليا (عليه السلام) للناس ويخبرهم بولايته، فتخوف (عليه السلام) أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يشق ذلك على جماعة من أصحابه، فنزلت هذه الآية، فأخذ بيده يوم غدير خم وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " (87).
وقرئ: " فما بلغت رسالاته " (88) أي: إن لم تبلغ هذه الرسالة ﴿فما بلغت﴾ إذا ما كلفت به من الرسالات وكنت كأنك لم تؤد منها شيئا قط لأنك إذا لم تؤدها فكأنك أغفلت أداءها جميعا ﴿والله يعصمك من الناس﴾ هذا وعد من الله بالحفظ والكلاءة، ومعناه: والله يضمن لك العصمة من أن ينالوك بسوء فما عذرك في مراقبتهم (89) ﴿إن الله لا يهدى القوم الكافرين﴾ يريد أن لا يمكنهم من إنزال مكروه بك.
وعن أنس: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحرس حتى نزلت الآية، فأخرج رأسه من قبة أدم فقال: انصرفوا فقد عصمني الله من الناس (90).
﴿قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين (68)﴾ عن ابن عباس: نزلت في جماعة من اليهود قالوا للنبي (عليه السلام): ألست تقر بأن التوراة من عند الله؟قال: بلى، قالوا: فإنا نؤمن بها ولا نؤمن بما عداها (91).
والمعنى: ﴿لستم على﴾ دين يعتد به حتى يسمى شيئا لفساده وبطلانه، كما يقال: هذا ليس بشئ يراد به التحقير ﴿حتى تقيموا التوراة والإنجيل﴾ بالتصديق لما فيهما من البشارة بمحمد والعمل بما فيهما ﴿وما أنزل إليكم من ربكم﴾ وهو القرآن ﴿فلا تأس﴾ أي: فلا تتأسف عليهم لزيادة طغيانهم وكفرهم فإن ضرر ذلك يرجع إليهم لا إليك.
﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صلحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (69)﴾
﴿والصابئون﴾ رفع على الابتداء وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في حيز ﴿إن﴾ أي: والصابئون كذلك، واستشهد لذلك سيبويه (92) (93) بقول الشاعر: وإلا فاعلموا أنا وأنتم * بغاة ما بقينا في شقاق (94) أي: فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك، وقول الآخر: فإني وقيار بها لغريب (95) وإنما سموا صابئين لأنهم صبأوا عن الأديان كلها أي: خرجوا، و ﴿من آمن﴾ مبتدأ وخبره ﴿فلا خوف عليهم﴾ والتقدير: من آمن منهم، والجملة كما هي خبر ﴿إن﴾، ويجوز أن يكون ﴿من آمن﴾ منصوبا على البدل من اسم ﴿إن﴾ وما عطف عليه أو من المعطوف عليه.
﴿لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون (70) وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون (71)﴾ أي: ﴿أخذنا﴾ ميثاقهم بالتوحيد والبشارة بمحمد (صلى الله عليه وآله) ﴿وأرسلنا إليهم رسلا﴾ ليقفوهم على الأوامر والنواهي ﴿كلما جاءهم رسول﴾ جملة شرطية، وجواب الشرط محذوف يدل عليه قوله: ﴿فريقا كذبوا وفريقا يقتلون﴾ لأن التقدير: كلما جاءهم رسول من تلك الرسل ناصبوه وخالفوه، وقوله: ﴿فريقا كذبوا﴾ كأنه جواب سائل يسأل عنهم: كيف فعلوا برسلهم؟و ﴿يقتلون﴾ حكاية حال ماضية استحضارا لتلك الحال الشنيعة ليتعجب منها.
وقرئ: ﴿ألا تكون﴾ بالنصب والرفع (96)، والرفع على تقدير: وحسبوا أنه لا تكون فتنة، فخففت " أن " وحذف ضمير الشأن وجعل الحسبان بمنزلة العلم حيث أدخل على " أن " التي هي للتحقيق لقوته في صدورهم، والمعنى: وحسب بنو إسرائيل أنهم (97) لا تصيبهم من الله ﴿فتنة﴾ أي: بلاء وعذاب في الدنيا والآخرة ﴿فعموا﴾ عن الدين ﴿وصموا﴾ عن الحق ﴿ثم تاب الله عليهم﴾ لما تابوا ﴿ثم عموا وصموا كثير منهم﴾ هو بدل من واو الضمير، أو هو على قولهم: أكلوني البراغيث، أو هو على " أولئك كثير منهم " والمعنى: أن كثيرا منهم عادوا كما كانوا، وقيل: يعني بالكثير منهم من كان في عصر نبينا (عليه السلام) (98) ﴿والله بصير بما يعملون﴾ أي: عالم بأعمالهم، وفيه وعيد لهم.
﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يبنى إسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظلمين من أنصار (72) لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله وا حد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم (73) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم (74)﴾
- 74 احتج سبحانه على النصارى بقول عيسى (عليه السلام): ﴿اعبدوا الله ربى وربكم﴾ إذ لم يفرق بينه وبينهم في أنه عبد مربوب مثلهم ﴿إنه من يشرك بالله﴾ في عبادته أو فيما يختص به من صفاته أو أفعاله ﴿فقد حرم الله عليه الجنة﴾ التي هي دار الموحدين، أي: حرمه دخولها ومنعه منه كما يمنع المحرم من المحرم عليه ﴿وما للظلمين من أنصار﴾ يخلصونهم من عذاب الله، وظلمهم أنهم عدلوا عن سبيل الحق فيما تقولوا على عيسى، و ﴿من﴾ في قوله: ﴿وما من إله إلا إله وا حد﴾ (99) للاستغراق والعموم، وهي المقدرة مع " لا " التي لنفي الجنس في قولك: " لا إله إلا الله " والتقدير: وما (100) إله قط في الوجود إلا إله (101) موصوف بالوحدانية لا ثاني له في القدم، وهو الله وحده لا شريك له ﴿ليمسن الذين كفروا منهم﴾ " من " للتبيين فكأنه قال: ليمسنهم، ولكن أقام الظاهر موقع المضمر لتتكرر شهادته عليهم بالكفر، ويجوز أن يكون " من " للتبعيض أيضا على معنى: ليمسن الذين بقوا على الكفر منهم (102) ﴿أفلا يتوبون﴾ بعد هذا الوعيد الشديد مما هم عليه، وفيه تعجيب من إصرارهم على الكفر ﴿والله غفور رحيم﴾ يستر الذنوب على العباد ويرحمهم.
﴿ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون (75) قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم (76) قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل (77)﴾
- 78 أي: ﴿ما﴾ هو ﴿إلا رسول﴾ من جنس الرسل الذين خلوا (103) قبله، أتى بمعجزات باهرة من فعل الله تعالى كما أتوا بأمثالها ﴿وأمه صديقة﴾ صدقت بكلمات ربها وكتبه وما هي إلا كبعض النساء المصدقات ﴿كانا يأكلان الطعام﴾ هذا تصريح ببعدهما عما نسب إليهما، لأن من احتاج إلى الغذاء وما يتبعه من الهضم والنفض (104) لم يكن إلا جسما مؤلفا محدثا (105)، وقيل: إنه كناية عن قضاء الحاجة فكأنه ذكر الأكل وقصد بذلك الإخبار عن عاقبته (106) ﴿انظر كيف نبين لهم﴾ الأعلام من الأدلة الظاهرة على بطلان قولهم ﴿ثم انظر أنى يؤفكون﴾ أي: كيف يصرفون عن استماع الحق وتدبره! والمعني في قوله: ﴿ثم انظر﴾ تراخي ما بين العجبين، بمعنى: أنه نبين لهم الآيات بيانا عجبا، ثم إن إعراضهم عنها أعجب منه، والمراد بقوله: ﴿مالا يملك﴾ عيسى (عليه السلام)، أي: شيئا لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضركم الله به من البلاء والنقص من الأموال والأنفس، ولا أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم الله به من الصحة والسعة والخصب، وصفة المعبود أن يكون قادرا على كل شئ ﴿والله هو السميع﴾ لما يقولون ﴿العليم﴾ بما يعتقدون.
﴿لا تغلوا في دينكم﴾ أي: لا تتجاوزوا الحد الذي حده الله لكم إلى الازدياد ﴿غير الحق﴾ صفة للمصدر، أي: لا تغلوا غلوا غير الحق، أي: غلوا باطلا وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه ﴿قد ضلوا من قبل﴾ هم أئمتهم في النصرانية كانوا على الضلال قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله) ﴿وأضلوا كثيرا﴾ ممن تابعهم على التثليث ﴿وضلوا﴾ لما بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿عن سواء السبيل﴾ حين كذبوه وبغوا عليه.
﴿لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79) ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خلدون (80)﴾ لعنوا ﴿على لسان داوود﴾ لما اعتدوا في سبتهم، فقال: اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء، فمسخهم الله قردة ﴿و﴾ على لسان ﴿عيسى ابن مريم﴾ لما كفروا بعد نزول المائدة، فقال عيسى: اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابا لا تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت، فصاروا خنازير، وكانوا خمسة آلاف رجل ﴿ذلك بما عصوا﴾ أي: ذلك اللعن الشنيع بمعصيتهم واعتدائهم، ثم فسر المعصية والاعتداء بقوله: ﴿كانوا لا يتناهون﴾ أي: لا ينهى بعضهم بعضا ﴿عن منكر فعلوه﴾ ثم قال: ﴿لبئس ما كانوا يفعلون﴾ للتعجب من سوء فعلهم مؤكدا لذلك بالقسم، ويجوز أن يكون المعنى: كانوا لا يتناهون أي لا ينتهون ولا يمتنعون عن منكر فعلوه بل يصرون عليه ويداومون على فعله ﴿ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا﴾ أي: يوالون المشركين ويصادقونهم ﴿لبئس ما قدمت لهم أنفسهم﴾ أي: لبئس زادهم إلى الآخرة ﴿أن سخط الله عليهم﴾ أي: سخط الله عليهم وهو المخصوص بالذم والمعني بذلك كعب بن الأشرف وأصحابه حين استجاشوا (107) المشركين على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقالوا: ﴿هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا﴾ (108).
﴿ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون (81) لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون (82) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين (83) وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصلحين (84)﴾ ولو كانوا يؤمنون (109) إيمانا حقيقيا ما اتخذوا المشركين أولياء كما لم يوالهم المسلمون ﴿ولكن كثيرا منهم﴾ متمردون في كفرهم، ثم ذكر شدة عداوة اليهود للمؤمنين ولين عريكة النصارى وميلهم إلى الإسلام، وقرن اليهود بالمشركين في العداوة، ونبه على تقدم قدمهم فيها بتقديم ذكرهم، وعلل سهولة مأخذ النصارى وقرب مودتهم للمؤمنين ﴿بأن منهم قسيسين ورهبانا﴾ أي: علماء وعبادا ﴿وأنهم﴾ قوم فيهم تواضع وإخبات ولا كبر فيهم، واليهود على خلاف ذلك، وفيه دلالة على أن العلم يهدي إلى الخير وينفع في أبواب البر، وكذلك التأله والتفكر في أمر (110) الآخرة والبراءة من الكبر، ثم وصفهم برقة القلوب والبكاء عند استماع القرآن، وذلك نحو ما حكي عن النجاشي أنه قال لجعفر بن أبي طالب حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة وعمرو بن العاص (111) مع من معه من المشركين وهم يغرونه عليهم: هل في كتابكم ذكر مريم؟فقال جعفر: فيه سورة تنسب إليها، وقرأها إلى قوله: ﴿ذلك عيسى ابن مريم﴾ (112) وقرأ سورة طه إلى قوله: ﴿وهل أتيك حديث موسى﴾ (113) فبكى النجاشي (114)، وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم سبعون رجلا حين قرأ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) سورة يس فبكوا (115).
واللام في ﴿للذين آمنوا﴾ يتعلق ب? ﴿عداوة﴾ و ﴿مودة﴾، ووصف اليهود بالعداوة والنصارى بالمودة ووصف العداوة بالأشد والمودة بالأقرب يؤذن بتفاوت ما بين الفريقين ﴿يقولون ربنا آمنا﴾ المراد به إنشاء (116) الإيمان والدخول فيه ﴿فاكتبنا مع الشاهدين﴾ مع أمة محمد (صلى الله عليه وآله) الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿لتكونوا شهداء على الناس﴾ (117) وإنما قالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك ﴿وما لنا لا نؤمن﴾ إنكار واستبعاد لانتفاء الإيمان مع ثبوت موجبه وهو الطمع في أن ينعم الله عليهم بصحبة الصالحين، ومحل ﴿لا نؤمن﴾ النصب على الحال بمعنى: غير مؤمنين، والواو في ﴿ونطمع﴾ واو الحال، والعامل في الأولى معنى الفعل في اللام، والمعنى: وأي شئ حصل لنا غير مؤمنين، وفي الثانية معنى هذا الفعل مقيدا بالحال الأولى، لأنك لو قلت: مالنا ونطمع لم يكن كلاما (118)، ويجوز أن يكون ﴿ونطمع﴾ حالا من ﴿لا نؤمن﴾ (119).
﴿فأثابهم الله بما قالوا جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها وذلك جزاء المحسنين (85) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب الجحيم (86)﴾
﴿بما قالوا﴾ أي: بما تكلموا به عن اعتقاد وإخلاص، من قولك: هذا قول فلان أي: مذهبه واعتقاده، وذكر مجرد القول هنا لأنه قد سبق وصفهم بما يدل على معرفتهم وإخلاصهم، وهو قوله: ﴿مما عرفوا من الحق﴾ (120)، والقول إذا اقترن به المعرفة فذلك الإيمان الحقيقي.
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبت ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (87) وكلوا مما رزقكم الله حللا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون (88)﴾ روي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر أصحابه يوما ووصف القيامة لهم فبالغ في الإنذار، فرقوا، واجتمع عشرة في بيت عثمان بن مظعون (121) واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفرش ولا يأكلوا اللحم ولا الودك (122) ولا يقربوا النساء ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لهم: " إني لم أؤمر بذلك، إن لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا وأفطروا، وقوموا وناموا، فإني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني " ونزلت (123) الآية.
﴿لا تحرموا﴾ أي: لا تمنعوا أنفسكم ما طاب ولذ من الحلال، ولا تقولوا: حرمنا الحلال على أنفسنا تزهدا ومبالغة منكم في العزم على تركه ﴿ولا تعتدوا﴾ أي: لا تتعدوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم، أو جعل تحريم الطيبات اعتداء فنهي عن الاعتداء ليدخل تحته النهي عن تحريمها، أو أراد: ولا تسرفوا في تناول الطيبات ﴿وكلوا مما رزقكم الله﴾ أي: من الوجوه الطيبة التي تسمى رزقا، وقوله: ﴿حللا﴾ حال من ﴿مما رزقكم الله﴾، ﴿واتقوا الله﴾ تأكيد للوصية بما أمر به، وقوله: ﴿أنتم به مؤمنون﴾ استدعاء إلى التقوى بألطف الوجوه.
وتدل الآيتان على كراهية التفرد والخروج مما عليه الناس في التأهل وطلب الولد وعمارة الأرض.
﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمن فكفارته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفرة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون (89)﴾
اللغو في اليمين (124): هو الساقط الذي لا يتعلق به حكم ويقع من غير قصد، مثل قول القائل: " لا والله " و " بلى والله " ﴿بما عقدتم الأيمن﴾ أي: بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها بالقصد والنية، وقرئ: " عقدتم " بالتخفيف (125) و " عاقدتم " (126)، والمعنى: ولكن يؤاخذكم بنكث ما عقدتم فحذف المضاف، أو بما عقدتم إذا حنثتم فحذف وقت المؤاخذة لكونه معلوما ﴿فكفارته﴾ أي: فكفارة حنثه ﴿إطعام عشرة مسكين﴾ يعطى كل واحد منهم مدين أو مدا، والمد: رطلان وربع ﴿من أوسط ما تطعمون أهليكم﴾ أي: من أقصده، لأن من الناس من يسرف في إطعام أهله ومنهم من يقتر، وأفضله الخبز واللحم وأدونه الخبز والملح، وعن الصادق (عليه السلام) أنه قرأ: " أهاليكم " بسكون الياء (127) وهو اسم جمع لأهل كالليالي والأراضي، وأما تسكين الياء في حال النصب فللتخفيف كما قالوا: رأيت معدي كرب تشبيها للياء بالألف ﴿أو كسوتهم﴾ عطف على ﴿إطعام﴾ والكسوة عندنا (128) ثوبان: مئزر وقميص، وعند الضرورة قميص ﴿أو تحرير رقبة﴾ عبد أو أمة، وهذه الثلاثة واجبة على التخيير (129) ﴿فمن لم يجد﴾ إحداها ﴿فصيام ثلاثة أيام﴾ متتابعات، وكذلك هو في قراءة أبي وابن مسعود (130) ﴿ذلك﴾ المذكور ﴿كفرة أيمانكم إذا حلفتم﴾ وحنثتم، ترك ذكر الحنث لحصول العلم بأن الكفارة إنما تجب بالحنث لا بنفس الحلف ﴿واحفظوا أيمانكم﴾ فبروا فيها ولا تحنثوا، وقيل: احفظوها بأن تكفروها (131)، وقيل: احفظوا كيف حلفتم بها ولا تنسوها تهاونا بها (132) (133) ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك البيان ﴿يبين الله لكم آياته﴾ أي: أحكام شريعته ﴿لعلكم تشكرون﴾ نعمته فيما يعلمكم ويبينه لكم.
﴿يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون (91)﴾ أكد سبحانه تحريم الخمر والميسر بوجوه من التأكيد: منها: أنه قرنهما بعبادة الأنصاب التي هي الأصنام، ومنه قوله (عليه السلام): " شارب الخمر كعابد الوثن " (134)، ومنها: أنه جعلهما رجسا كما قال: ﴿فاجتنبوا الرجس من الأوثان﴾ (135)، ومنها: أنه جعلهما من عمل الشيطان، ومنها: أنه أمر بالاجتناب، ومنها: أنه جعل الاجتناب من الفلاح، والهاء في ﴿فاجتنبوه﴾ تعود إلى عمل الشيطان أو إلى مضاف محذوف كأنه قيل: إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطي الخمر والميسر ونحو ذلك، ومنها: أنه ذكر نتائجهما من المفاسد التي هي وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر (136) وما يؤديان إليه من الصد ﴿عن ذكر الله وعن الصلاة﴾ التي هي عماد الدين، وقوله: ﴿فهل أنتم منتهون﴾ نهي بليغ، أي: فهل أنتم مع ما تلي عليكم من هذه الصوارف منتهون؟﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلغ المبين (92) ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين (93)﴾
- 94 ﴿واحذروا﴾ أي: كونوا حذرين خائفين، أو واحذروا ما عليكم في ترك طاعة الله والرسول ﴿فإن توليتم﴾ ولم تعملوا بما أمرتكم به ﴿فاعلموا﴾ أنكم لم (137) تضروا الرسول بتوليكم عما أداه إليكم، لأن الرسول لم يكلف إلا ﴿البلغ المبين﴾ وإنما أضررتم أنفسكم، وهذا وعيد ﴿ليس على﴾ المؤمنين الصالحين ﴿جناح﴾ في أي شئ طعموه من المطاعم المستلذة ﴿إذا ما اتقوا﴾ ما حرم عليهم منها، وثبتوا على الإيمان والعمل الصالح وازدادوه ﴿ثم اتقوا وآمنوا﴾ أي: ثم ثبتوا على التقوى والإيمان ﴿ثم اتقوا وأحسنوا﴾ أي: ثم ثبتوا على اتقاء المعاصي وأحسنوا أعمالهم، أو أحسنوا إلى الناس يواسونهم بما رزقهم الله من الطيبات، وقيل: إن الاتقاء الأول هو اتقاء المعاصي العقلية التي تختص المكلف ولا تتعداه، والاتقاء الثاني هو اتقاء المعاصي السمعية، والاتقاء الثالث اتقاء مظالم العباد وما يتعدى إلى الغير من الظلم والفساد (138).
﴿يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (94)﴾ نزلت (139) عام الحديبية، ابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون وكان قد كثر عندهم حتى أنه كان يغشاهم في رحالهم فيتمكنون من صيده أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم ﴿بشئ من الصيد﴾ أي: بتحريم بعض الصيد، لأنه عنى صيد البر خاصة (140)، وأنهم ابتلوا بذلك كما ابتلي أمة موسى (عليه السلام) بصيد البحر وهو السمك ﴿ليعلم الله من يخافه بالغيب﴾ أي: ليتميز من يخاف عقاب الآخرة وهو غائب منتظر فيتقي الصيد ممن لا يخافه فيقدم عليه ﴿فمن اعتدى﴾ فصاد ﴿بعد ذلك﴾ الابتلاء فالوعيد لاحق به.
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بلغ الكعبة أو كفرة طعام مسكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام (95) أحل لكم صيد البحر وطعامه متعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون (96)﴾
﴿الصيد﴾ ما يصاد من الوحش، أكل أم لم يؤكل ﴿وأنتم حرم﴾ أي: محرمون بحج أو عمرة، جمع حرام ﴿ومن قتله منكم متعمدا﴾ وهو أن يقتله وهو ذاكر لإحرامه، أو عالم بأن ما يقتله مما يحرم عليه قتله، وعن الزهري (141): نزل الكتاب بالعمد وجرت السنة في الخطأ (142) ﴿فجزاء مثل ما قتل﴾ برفع ﴿جزاء﴾ و ﴿مثل﴾ معناه: فالواجب عليه جزاء يماثل ما قتل من الصيد، وقرئ: " فجزاء مثل ما قتل " على الإضافة (143)، والأصل فيه: " فجزاء مثل ما قتل " بنصب " مثل " ومعناه: فعليه أن يجزى مثل ما قتل، ثم أضيف المصدر إلى المفعول به ﴿من النعم﴾ وهي الإبل والبقر والغنم، ويقال للإبل أيضا: نعم وإن انفرد، وهذه المماثلة عند أئمة الهدى (عليهم السلام) إنما تعتبر في الخلقة، ففي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش وبقر الوحش بقرة، وفي الظبي والأرنب ونحوهما شاة (144) ﴿يحكم به﴾ أي: بمثل ما قتل ﴿ذوا عدل منكم﴾ أي: حكمان عدلان من الفقهاء ينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به، وقراءة السيدين: الباقر والصادق (عليهما السلام): " ذو عدل منكم " (145) المراد به الإمام ﴿هديا﴾ حال من ﴿جزاء﴾ لأنه تخصص بالصفة فأشبه المعرفة، أو حال من الضمير في ﴿به﴾، أو بدل من محل ﴿مثل﴾ إذا جررته (146)، و ﴿بلغ الكعبة﴾ وصف له، أي: هديا يبلغ الكعبة، ومعنى بلوغه الكعبة أن يذبح بالحرم، وقال أصحابنا: إذا كان محرما بالعمرة ذبح أو نحر بمكة، وإن كان محرما بالحج فبمنى (147) ﴿أو كفرة﴾ معناه: أو الواجب عليه كفارة، وقرئ: " أو كفارة طعام مساكين " على الإضافة (148) وتقديره: أو كفارة من طعام مساكين، كقولك: " خاتم فضة " والمعنى: خاتم من فضة، وهو أن يقوم الجزاء ويفض ثمنه على الحنطة ويتصدق به على كل مسكين نصف صاع ﴿أو عدل ذلك صياما﴾ وعدل الشئ ما عادله من غير جنسه، وصياما تمييز للعدل، و ﴿ذلك﴾ إشارة إلى الطعام وهو أن يصام عن كل نصف صاع يوما.
والخيار في هذه الكفارات الثلاث إلى قاتل الصيد (149)، وقيل: هي مرتبة (150)، وكلا القولين رواه أصحابنا (151) ﴿ليذوق﴾ متعلق ب? ﴿جزاء﴾ والمعنى: فالواجب عليه أن يجازى أو يكفر ليذوق سوء عاقبة فعله ﴿عفا الله عما سلف﴾ لكم من الصيد في حال الإحرام يعني الدفعة الأولى، ومن عاد ثانية إلى قتل الصيد محرما ﴿فينتقم الله منه﴾ تقديره: فهو ينتقم الله منه ويعاقبه بما صنع ولا كفارة عليه.
﴿أحل لكم صيد البحر﴾ أي: مصيداته ﴿وطعامه﴾ وما يطعم من صيده، والمعنى: أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر وأحل لكم أكل المأكول منه وهو السمك وحده ﴿متعا لكم﴾ مفعول له، أي: تمتيعا (152) لكم، والمعنى: وأحل لكم طعام البحر تمتيعا (153) لتنائكم (154) تأكلونه طريا ولسيارتكم يتزودونه قديدا، ص (155): " وطعامه حل لكم وللسيارة ".
- 100 ﴿جعل الله الكعبة البيت الحرام قيما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شئ عليم (97) اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم (98) ما على الرسول إلا البلغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون (99) قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون (100)﴾ ﴿البيت الحرام﴾ عطف بيان لـ ﴿الكعبة﴾ (156)، ﴿قيما للناس﴾ أي: لمعايش (157) الناس ومكاسبهم ليستقيم به أمور دينهم ودنياهم لما يتم به من أمر حجهم وعمرتهم وتجارتهم وأنواع منافعهم، وجاء في الأثر: أنه لو ترك عاما واحدا لم يحج إليه لم يناظروا ولم يؤخروا (158)، ومعناه: يهلكوا ﴿والشهر الحرام﴾ أي: والشهر الذي يؤدى فيه (159) الحج وهو ذو الحجة، وقيل: عني به جنس الأشهر الحرم الأربعة، واحد فرد وثلاثة سرد (160)، وهو عطف على ﴿الكعبة﴾ كما تقول: ظننت زيدا منطلقا وعمرا ﴿والهدى والقلائد﴾ أي: والمقلد من الهدي خصوصا، لأن الثواب فيه أكثر ﴿ذلك﴾ إشارة إلى جعل الكعبة قياما للناس ﴿لتعلموا أن الله يعلم﴾ كل شئ فيعلم ما يصلحكم مما أمركم به ﴿ما على الرسول إلا البلغ﴾ فيه تهديد وإيذان بأن الرسول قد بلغ ما وجب عليه تبليغه وقامت عليكم الحجة فلا عذر لكم في التقصير، أي: لا يستوي الحلال والحرام والصالح والطالح والصحيح من المذاهب (161) والفاسد، ولا تعجبوا بكثرة الخبيث حتى تؤثروه لكثرته على الطيب القليل ﴿فاتقوا الله﴾ واختاروا الطيب وإن قل على الخبيث وإن كثر.
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم وإن تسلوا عنها حين ينزل القرآن تبدلكم عفا الله عنها والله غفور حليم (101) قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كفرين (102)﴾ أي: لا تكثروا مسألة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تسألوه عن تكاليف شاقة إن أفتاكم بها وكلفكم إياها وجبت وربما غمكم (162) ذلك وشق عليكم، وذلك نحو ما روي: أن سراقة بن مالك أو عكاشة بن محصن قال: يا رسول الله أفي كل عام كتب الحج علينا؟فأعرض عنه حتى أعاد المسألة ثلاثا، فقال: ويحك وما يؤمنك أن أقول: نعم!! والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، فإنما هلك من هلك قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه (163).
﴿وإن تسلوا﴾ عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي ﴿تبد لكم﴾ تلك التكاليف التي ﴿تسؤكم﴾ وتؤمروا بتحملها، وقيل: إن رجلا يقال له: عبد الله سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: من أبي؟وكان يطعن في نسبه، فقال له (عليه السلام): " حذافة "
فنزلت (164) ﴿عفا الله﴾ عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها ﴿والله غفور حليم﴾ لا يعاجلكم بعقوبته ﴿قد سألها﴾ أي: قد سأل هذه المسألة قوم من الأولين ﴿ثم أصبحوا بها﴾ أي: بمرجوعها أو بسببها ﴿كفرين﴾ وذلك أن بني إسرائيل كانوا يسألون أنبياءهم عن أشياء فإذا أمروها تركوها فهلكوا.
﴿ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون (103) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون (104)﴾ البحيرة: الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن، فإن كان آخرها ذكرا بحروا أذنها أي: شقوها وحرموا ركوبها، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى، ولو لقيها المعيى (165) لم يركبها.
والسائبة: ما كانوا يسيبونه، كان الرجل يقول: إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة، فكانت كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، وكان الرجل إذا أعتق عبدا قال: هو سائبة ولا عقل بينهما ولا ميراث، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم ولسدنة الأصنام.
والوصيلة في الغنم: كانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم، وإذا ولدت ذكرا ذبحوه لآلهتهم، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لأجلها.
والحامي: هو الفحل إذا نتجت من صلبه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى (166).
ومعنى ﴿ما جعل الله﴾: ما شرع ذلك ولاأمر بالتبحير ولا بالتسييب ولاغير ذلك، ولكنهم بتحريمهم ما حرموا ﴿يفترون على الله الكذب﴾ يدعون أن الله حرمها ﴿وأكثرهم لا يعقلون﴾ أن ذلك افتراء وكذب، يعني الاتباع للذين يقلدون في تحريمها رؤساءهم (167)، والواو في قوله: ﴿أولو كان آباؤهم﴾ واو الحال دخل عليه همزة الاستفهام التي للإنكار (168)، والتقدير: أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم ﴿لا يعلمون شيئا ولا يهتدون﴾ والاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدي ولا يعرف ذلك إلا بالدليل.
﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون (105)﴾
﴿عليكم﴾ من أسماء الأفعال ومعناه: الزموا إصلاح أنفسكم، وقوله: ﴿لا يضركم﴾ جواب الأمر وهو مجزوم، وإنما ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد، والأصل: " لا يضرركم "، وقرئ: " لا يضركم " بكسر الضاد وضمها (169) من ضاره يضيره ويضوره، ويجوز أن يكون خبرا مرفوعا (170)، والمعنى: لا يضركم ضلال ﴿من ضل﴾ عن دينكم ﴿إذا﴾ كنتم مهتدين، وهو مثل قوله: ﴿فلا تذهب نفسك عليهم حسرا ت﴾ (171)، وكان المؤمنون يتأسفون حسرة على أهل العناد من الكفار يتمنون دخولهم في الإسلام فخوطبوا بذلك.
وعن ابن مسعود أنها قرئت عنده فقال: إن هذا ليس بزمانها (172) إنها اليوم مقبولة ولكن يوشك أن يأتي زمان تأمرون فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم (173)، فهو على هذا تسلية لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فلا يقبل منه وبسط لعذره (174).
﴿يا أيها الذين آمنوا شهدة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهدة الله إنا إذا لمن الاثمين (106)﴾ ﴿شهدة بينكم﴾ مبتدأ و ﴿اثنان﴾ خبره، والتقدير: شهادة بينكم شهادة اثنين، وأضيف المصدر الذي هو ﴿شهدة﴾ إلى " بين " فجعل الظرف اسما اتساعا، و ﴿إذا حضر﴾ ظرف للشهادة و ﴿حين الوصية﴾ بدل منه، وفي إبداله منه دلالة على وجوب الوصية عند حضور الموت وظهور أماراته، لأن زمان حضور أسباب الموت جعل زمان الوصية ﴿إن أنتم ضربتم في الأرض﴾ يعني: إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم رجلان عدلان ﴿منكم﴾ أي: من المسلمين فاستشهدوا على الوصية آخرين ﴿من غيركم﴾ أي: من أهل الذمة، وروي: أن ثلاثة نفر خرجوا تجارا من المدينة إلى الشام: تميم بن أوس وعدي (175) وهما نصرانيان وابن أبي مارية (176) مولى عمرو بن العاص، فمرض ابن أبي مارية وكتب كتاب وصية (177) فيه ما معه من المتاع ودس كتابه في متاعه لم يخبر به صاحبيه، وأمرهما أن يدفعا متاعه إلى أهله ومات، ففتشا متاعه وأخذا إناء من فضة ثم رجعا بالمال إلى الورثة، فوجدوا الكتاب فطالبوهما بالإناء فجحدا، فرفعوا أمرهم (178) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فنزلت (179).
قوله: ﴿تحبسونهما﴾ معناه: تقفونهما ليحلفا ﴿من بعد الصلاة﴾ أي: من بعد صلاة العصر (180) وقت اجتماع الناس، وقيل: أو الظهر (181)، وقيل: من بعد صلاة أهل دينهما يعني: الذميين (182) ﴿فيقسمان بالله إن ارتبتم﴾ في شهادتهما وشككتم واتهمتموهما، فقوله: ﴿إن ارتبتم﴾ اعتراض بين القسم والمقسم عليه وهو قوله: ﴿لا نشتري به ثمنا﴾ أي: لا نستبدل بتحريف شهادتنا ذا ثمن، فحذف المضاف في الموضعين، لأن من المعلوم أن المبيع يشترى دون ثمنه، وقيل: إن الضمير في ﴿به﴾ للقسم (183)، يعني: لا نستبدل بالقسم بالله عوضا (184) من الدنيا، أي: لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال ﴿ولو كان ذا قربى﴾ الضمير في ﴿كان﴾ للمقسم له، أي: ولو كان من نقسم له قريبا منا، ولا نحابي في شهادتنا أحدا ﴿ولا نكتم شهدة الله﴾ التي أمرنا الله بحفظها وألزمنا أداءها، ورووا عن علي (عليه السلام) والشعبي الوقف على ﴿شهدة﴾ وابتداء " أألله " بالمد على طرح حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه (185)، وروي أيضا بغير مد (186)، وذلك على ما ذكره سيبويه: أن منهم من يحذف حرف القسم ولا يعوض منه همزة (187) الاستفهام فيقول: الله لقد كان كذا (188)، ﴿إنا إذا﴾ أي: إن فعلنا ذلك ﴿لمن الاثمين﴾.
﴿فإن عثر على أنهما استحقا إثما فاخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأولين فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهدتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين (107) ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمن بعد أيمنهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدى القوم الفسقين (108)﴾ أي: ﴿فإن﴾ اطلع ﴿على أنهما استحقا إثما﴾ أي: فعلا ما أوجب (189) إثما واستوجبا أن يقال: إنهما من ﴿الاثمين﴾ بخيانتهما ﴿فاخران﴾ أي: فشاهدان آخران ﴿يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم﴾ الإثم، والمعنى: من الذين جني عليهم وهم أهل الميت وعشيرته، وفي الحديث: أنه لما عثر على خيانة الرجلين ووجد الإناء بمكة بعد أن استحلفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند المنبر حلف رجلان من ورثته أنه إناء صاحبهما وأنهما خانا وكذبا فدفع الإناء إليهما (190)، و ﴿الأولين﴾ الأحقان بالشهادة لقرابتهما، وارتفاعها (191) على أنها بدل من ﴿فاخران﴾ أو من الضمير في ﴿يقومان﴾ أو على " هما الأوليان " كأنه قيل: ومن هما؟فقيل: ﴿الأولين﴾، وقرئ: " الأولين " (192) على أنه وصف لـ ﴿الذين استحق عليهم﴾ ومعنى الأولية: التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها، وفي هذا دلالة على جواز رد اليمين على المدعي، وقرئ: ﴿استحق عليهم الأولين﴾ على البناء للفاعل (193)، ومعناه: من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما عن القيام بالشهادة، ويظهروا بهما كذب الكاذبين ﴿فيقسمان﴾ أي: يحلفان ﴿بالله لشهادتنا﴾ وقولنا في وصية صاحبنا ﴿أحق﴾ بالقبول ﴿من شهدتهما﴾ وقولهما ﴿وما اعتدينا﴾ وما جاوزنا الحق فيما طلبناه من حقنا ﴿ذلك﴾ الذي تقدم من بيان الحكم ﴿أدنى﴾ أي: أقرب إلى أن يأتي الشهداء على نحو تلك الحادثة ﴿بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمن﴾ أي: أو أقرب إلى أن يخافوا أن تكر (194) أيمان شهود آخرين ﴿بعد أيمنهم﴾ فيفتضحوا بظهور كذبهم كما جرى في هذه القصة، فربما لا يحلفون كاذبين ويتحفظون في الشهادة مخافة رد اليمين إلى المستحق عليهم ﴿واتقوا الله﴾ أن تخونوا وتحلفوا كاذبين ﴿واسمعوا﴾ سمع إجابة وقبول.
﴿يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لاعلم لنا إنك أنت علم الغيوب (109) إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين (110)﴾ ﴿يوم يجمع﴾ ظرف (195) لقوله: ﴿لا يهدى﴾ أي: لا يهديهم طريق الجنة يومئذ كما يهدي غيرهم، أو يوم يجمع الله الرسل يكون كذا وكذا، أو نصب (196) ب? ﴿أذكر﴾ (197)، ﴿ماذا أجبتم﴾ أي: أي إجابة أجبتم؟وهذا السؤال توبيخ لقومهم، ولذلك ﴿قالوا لاعلم لنا﴾ وكلوا الأمر إلى علمه بسوء إجابتهم ولجأوا إليه في الانتقام منهم، وقيل: معناه: أنت أعلم بحالهم منا فعلمنا مغمور بعلمك وساقط معه لأنك ﴿علم الغيوب﴾ (198)، وقيل: معناه: لاعلم لنا بما كان منهم بعدنا (199) ﴿إذ قال الله﴾ بدل من ﴿يوم يجمع﴾ والمعنى: أنه يوبخ (200) الكافرين يومئذ بسؤال الرسل عن إجابتهم وبتقرير ما أظهر على أيديهم من الآيات والمعجزات فكذبوهم أو (201) اتخذوهم آلهة ﴿أيدتك﴾ قويتك ﴿بروح القدس﴾ بجبرئيل (عليه السلام)، وقيل: بالكلام الذي يحيا به الدين (202) ﴿تكلم الناس﴾ طفلا ﴿وكهلا﴾، و ﴿في المهد﴾ في موضع الحال، والمعنى: تكلمهم في هاتين الحالتين من غير أن يتفاوت كلامك حين (203) الطفولة وحين الكهولة الذي هو وقت بلوغ الأشد، والحد الذي يستنبأ فيه الأنبياء ﴿وإذ علمتك الكتاب﴾ أي: الكتابة ﴿والحكمة﴾ الكلام المحكم، وقيل: المراد بهما جنس الكتاب والحكمة ﴿و﴾ خص ﴿التوراة والإنجيل﴾ مما تناولاه (204) ﴿وإذ تخلق﴾ أي: تصور وتقدر ﴿من الطين كهيئة الطير﴾ أي: هيئة مثل هيئة الطير الذي تريد ﴿بإذني﴾ بأمري وتسهيلي ﴿فتنفخ فيها﴾ الضمير للكاف، لأنها صفة الهيئة التي كان يخلقها عيسى وينفخ فيها، ولا يرجع إلى الهيئة المضاف إليها لأنها ليست من خلقه ونفخه في شئ، وكذلك الضمير في ﴿فتكون﴾، ﴿و﴾ إذ ﴿تبرئ الأكمه والأبرص﴾ نسب ذلك إليه لما كان بدعائه وسؤاله ﴿وإذ تخرج الموتى﴾ من القبور حتى يشاهدهم الناس أحياء ﴿وإذ كففت بني إسرائيل عنك﴾ يعني: اليهود حين هموا بقتله.
﴿وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون (111) إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين (113)﴾ ﴿وإذ أوحيت إلى الحواريين﴾ أي: ألهمتهم، وقيل: ألقيت إليهم بالآيات التي أريتهم إياها (205)، وقيل: أمرتهم على ألسنة الرسل (206) ﴿مسلمون﴾ أي: مخلصون، من أسلم وجهه لله ﴿هل يستطيع ربك أن ينزل﴾ معناه: هل يفعل ذلك ربك بمسألتك إياه ليكون علما على صدقك (207)، وقيل: معناه: هل يقدر ربك (208)، وإنما قالوه قبل أن تستحكم معرفتهم بالله وصفاته، ولذلك قال عيسى (عليه السلام) لهم: ﴿اتقوا الله﴾ ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته، ولا تقترحوا عليه ما تشتهون (209) من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها (210)، وقرأ الصادق (عليه السلام): " هل تستطيع ربك " (211) أي: هل تستطيع سؤال ربك، والمائدة: الخوان يكون عليه الطعام، وهي من مادة أي: أعطاه ﴿ونكون عليها من الشاهدين﴾ نشهد عليها عند الذين لم يحضروها من بني إسرائيل، أو من الشاهدين لله بالوحدانية ولك بالنبوة عاكفين عليها، ﴿ونكون عليها﴾ في موضع الحال.
﴿قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين (114) قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العلمين (115)﴾ ثم سأل عيسى (عليه السلام) وأجيب إلى ذلك ليلزموا الحجة ويرسل عليهم العذاب إذا خالفوا ﴿اللهم﴾ أصله يا الله (212) ﴿ربنا﴾ نداء ثان ﴿تكون لنا عيدا﴾ أي: يكون يوم نزولها عيدا وهو يوم الأحد ومن ثم اتخذه النصارى عيدا (213)، وقيل: العيد: السرور العائد ولذلك يقال: يوم عيد، أي: تكون لنا سرورا وفرحا (214) ﴿لأولنا وآخرنا﴾ بدل من ﴿لنا﴾ بتكرير العامل، أي: لمن في زماننا من أهل ديننا ولمن يأتي بعدنا، وقيل: معناه: يأكل منها آخر الناس كما يأكل أولهم (215)، وقيل: للمتقدمين منا والأتباع (216) ﴿وآية منك﴾ أي: ودلالة منك عظيمة الشأن تدل على توحيدك وصحة نبوة نبيك ﴿فمن يكفر بعد منكم﴾ أي: بعد إنزالها (217) عليكم ﴿فإني أعذبه عذابا﴾ أي: تعذيبا ﴿لا أعذبه﴾ الضمير للمصدر، ولو أريد ما يعذب به لم يكن (218) بد من الباء.
وروي: أن عيسى (عليه السلام) لبس صوفا وقال: اللهم أنزل علينا مائدة، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون إليها، فبكى عيسى (عليه السلام) وقال: اللهم اجعلني من الشاكرين، وكشف المنديل وقال: باسم الله خير الرازقين، فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان (219) البقول ما عدا الكراث (220)، وقيل: نزلت الملائكة بها، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم (221)، وعن الحسن: أن المائدة ما نزلت، ولو نزلت لكان عيدا إلى يوم القيامة لقوله: ﴿وآخرنا﴾ (222).
﴿وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علم الغيوب (116) ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد (117) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (118)﴾ المعنى: ﴿إذ﴾ يقول ﴿الله﴾ يوم القيامة: ﴿يا عيسى﴾ وهو استفهام يراد به التقريع لمن ادعى ذلك عليه من النصارى، واستعظام لذلك القول ﴿قال سبحانك﴾ من أن يكون لك شريك ﴿ما يكون لي﴾ ما ينبغي لي ﴿أن أقول﴾ قولا لا يحق لي أن أقوله وأنا عبد مثلهم، وإنما تحق العبادة لك وحدك ﴿تعلم ما في نفسي﴾ أي: في قلبي، والمعنى: تعلم معلومي ولا أعلم معلومك، وإنما قال: ﴿في نفسك﴾ سلوكا بالكلام طريق المشاكلة ﴿إنك أنت علم الغيوب﴾ تقرير للجملتين معا، لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ولا ينتهي علم أحد إلى ما يعلمه سبحانه ﴿أن اعبدوا الله﴾ هي " أن " المفسرة، ومعناه: ما أمرتهم إلا بما أمرتني به ﴿وكنت عليهم شهيدا﴾ أي: رقيبا كالشاهد على المشهود عليه أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويعتقدوه ﴿فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم﴾ تمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلة، وأرسلت إليهم من الرسل ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك﴾ الذين عرفتهم عاصين مكذبين لرسلك منكرين بيناتك ﴿وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز﴾ القادر على العقاب والثواب ﴿الحكيم﴾ الذي لا يفعلهما إلا عن حكمة وصواب، والمعنى: إن غفرت لهم مع كفرهم فالمغفرة حسنة في العقل لكل مجرم، وكلما كان الجرم أعظم فالعفو عنه أحسن.
﴿قال الله هذا يوم ينفع الصدقين صدقهم لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم (119) لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شئ قدير (120)﴾
قرئ: ﴿هذا يوم﴾ بالرفع والإضافة، وبالنصب (223): إما على أنه ظرف لـ ﴿قال﴾ وإما على أن ﴿هذا﴾ مبتدأ والظرف خبر، والمعنى: ﴿هذا﴾ أي: الذي ذكرناه من كلام عيسى واقع يوم ﴿ينفع﴾، ولا يجوز أن يكون فتحا كقوله تعالى: ﴿يوم لا تملك﴾ (224) لأنه مضاف إلى متمكن (225)، والمعنى: ﴿ينفع الصدقين﴾ ما صدقوا فيه في دار التكليف، وقيل: تصديقهم لأنبياء الله وكتبه (226)، وقيل: صدقهم في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ (227).
﴿لله ملك السماوات والأرض﴾ نزه سبحانه نفسه عن قول النصارى، وإنما قال: ﴿وما فيهن﴾ ولم يقل: " ومن فيهن " تغليبا للعقلاء، لأن " ما " يتناول الأجناس كلها تناولا عاما، فلو أبصرت شخصا من بعيد قلت: " ما هو؟" قبل أن تعرف أمن العقلاء هو أو من غيرهم، فكان لفظة " ما " بإرادة العموم أولى.
1- انظر تفصيل ذلك في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 37.
2- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 34 وفيه أيمانهما، والزمخشري في كشافه: ج 1 ص 632.
3- في نسخة: فيه.
4- أو ما قيمته ربع دينار، سواء كان درهما أو غيره من المتاع. قال الشيخ في الخلاف: ج 5 ص 411: وبه قال في الصحابة: علي (عليه السلام) وأبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وعائشة، وفي الفقهاء: الأوزاعي وأحمد وإسحاق وهو مذهب الشافعي.
5- الام: ج 6 ص 147، مختصر المزني: ص 263، السراج الوهاج: ص 525، كفاية الأخيار: ج 2 ص 116، المغني لابن قدامة: ج 10 ص 235 و 239، نيل الأوطار: ج 7 ص 298.
6- الموطأ: ج 2 ص 833، أسهل المدارك: ج 3 ص 177، المدونة الكبرى: ج 6 ص 265 و 266، حلية العلماء: ج 8 ص 49 و 50، نصب الراية: ج 2 ص 355، البحر الزخار: ج 6 ص 176.
7- قال به جميع الفقهاء من العامة: أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي. انظر: الام: ج 6 ص 150، وكفاية الأخيار: ج 2 ص 118، ومختصر المزني: ص 264، ومغني المحتاج: ج 4 ص 178، والسراج الوهاج: ص 531، والمجموع: ج 20 ص 97، واللباب: ج 3 ص 100، وبدائع الصنائع: ج 7 ص 88.
8- راجع الخلاف: ج 5 ص 436 مسألة 30، والتبيان: ج 3 ص 518.
9- في نسخة: عذاب.
10- قرأه نافع. راجع تفسير القرطبي: ج 6 ص 181.
11- في نسخة: في.
12- في نسخة بزيادة: منفردا.
13- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 174.
14- في نسخة: موضع.
15- في نسخة زيادة: الشريف.
16- رواه الطبري في تفسيره: ج 4 ص 572 - 573 ح 11926، والبغوي أيضا: ج 2 ص 37.
17- البقرة: 276.
18- وهي قراءة ابن كثير والبصريين والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 386، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 243.
19- الكامل في الضعفاء لابن عدي: ج 5 ص 1936.
20- راجع التبيان: ج 3 ص 529. قال الزجاج في معاني القرآن ما لفظه: أجمعت العلماء على أن هذه الآية تدل على أن النبي مخير بها في الحكم بين أهل الذمة.
21- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 636.
22- استبهم عليه الكلام أي: استغلق. (الصحاح: مادة بهم).
23- في نسخة: الحكم.
24- تفسير ابن عباس: ص 179.
25- القذذ: ريش السهم، الواحدة قذة، وحذوت النعل بالنعل حذوا: إذا قدرت كل واحدة على صاحبتها، يقال: حذو القذة بالقذة. (الصحاح: مادتي قذذ وحذا).
26- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 638.
27- قرأ الكسائي وحده بالرفع والباقون بالنصب. راجع التبيان: ج 3 ص 535، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 386.
28- وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 244، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 386.
29- معاني القرآن واعرابه: ج 2 ص 179.
30- الآية: 44.
31- انظر تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 43.
32- قرأه حمزة. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 244، والكشف عن وجوه القراءات السبع للقيسي: ج 1 ص 410، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 387.
33- راجع الأقوال الواردة فيهما اعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 23 - 24، وفي معناهما اللغوي التبيان: ج 3 ص 544.
34- في نسخة: الشبهة.
35- انظر تفصيل ذلك في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 46.
36- في نسخة زيادة: في موضع نصب على البدل من " هم " أو على أنه مفعول له أي: كراهة.
37- في نسخة: كتاب.
38- قرأه ابن عامر. راجع كتاب التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 387.
39- في نسخة زيادة: قولهم، وأخرى: قوله.
40- يوسف: 23.
41- المعجم الكبير للطبراني: ج 2 ص 343، سنن البيهقي: ج 8 ص 131 و ج 9 ص 142، الكشاف: ج 1 ص 642.
42- في نسخة: يأمر.
43- قاله الحسن والزجاج على ما حكاه عنهما الشيخ في التبيان: ج 3 ص 552.
44- قرأه البصريان (أبو عمرو ويعقوب). راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 388.
45- وهي قراءة ابن كثير وابن عامر ونافع. راجع التبيان: ج 3 ص 552، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 411. وحكاها الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 643 وقال: وهي في مصاحف مكة والمدينة والشام.
46- قرأه نافع وابن عامر. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 388.
47- في نسخة: هي.
48- قاله مجاهد وشريح. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 48.
49- هو عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى الأشعري، صحابي، قدم مكة بعد ظهور الاسلام فأسلم، استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) على زبيد وعدن، وولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة 17 ه?، وعثمان الكوفة، فأقام بها إلى أن قتل عثمان، فأقره أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عليها، وعزله الإمام علي (عليه السلام) عندما كان يحرض أهل الكوفة على القعود عن نصرته في وقعة الجمل، فأقام إلى أن كان التحكيم، وخدعه عمرو بن العاص، فعاد أبو موسى إلى الكوفة ومات فيها سنة 44 ه?. (أسد الغابة: ج 3 ص 245، طبقات ابن سعد: ج 4 ص 79).
50- تفسير الطبري: ج 4 ص 624 ح 12193 - 12199، طبقات ابن سعد: ج 4 ص 107، مستدرك الحاكم: ج 2 ص 313.
51- قال الجوهري: اليمن بلاد للعرب، والنسبة إليها يمني ويمان مخففة والألف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان. (راجع الصحاح: مادة يمن).
52- صحيح البخاري: ج 4 ص 217 و ج 5 ص 219، مسند أحمد: ج 2 ص 235 و 252 و 258 و 257 و 270، سنن الدارمي: ج 1 ص 37، مشكل الآثار: ج 1 ص 347 و 349 و ج 2 ص 233.
53- أورده المصنف في مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 208.
54- تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 6 ص 203، مشكل الآثار للطحاوي: ج 3 ص 31.
55- راجع التبيان: ج 3 ص 555 - 556.
56- أوردها المصنف في مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 208.
57- في نسخة: إجابتهم.
58- في نسخة زيادة: حق أمير المؤمنين.
59- العياشي: ج 1 ص 327 ح 137، التبيان: ج 3 ص 558 - 559 وقال: رواه أبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن على ما حكاه المغربي عنه والطبري والرماني ومجاهد والسدي، وهو قول أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وجميع علماء أهل البيت. وانظر إحقاق الحق: ج 20 ص 17 - 22.
60- هو أبو إسحاق، أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، مفسر، مقرئ، واعظ، أديب، توفي سنة 427 ه?. (معجم المؤلفين: ج 2 ص 60).
61- تفسير الكشف والبيان: ص 167 مخطوط.
62- مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 210.
63- هو جندب بن جنادة من كنانة بن خزيمة، أحد الأركان الأربعة، من كبار الصحابة، أسلم بعد أربعة وكان خامسا، وهو أول من حيا رسول الله بتحية الإسلام. نفاه عثمان إلى الشام وأخذ يجتمع إليه الفقراء والصعاليك، فيروي لهم أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويعيب على معاوية والي الشام الترف والاسراف بمال المسلمين، فشكاه إلى عثمان فاستقدمه إلى المدينة، واستأنف في نشر رأيه بين الناس، فنفاه عثمان إلى الربذة، ومات فيها سنة 32 ه?. (طبقات ابن سعد: ج 4 ص 161 - 175، حلية الأولياء: ج 1 ص 156، أعيان الشيعة: ج 4 ص 236).
64- الكشاف: ج 1 ص 649.
65- في نسخة: نحتاج.
66- قرأه البصريان والكسائي. راجع التبيان: ج 3 ص 567، وتفسير البغوي: ج 2 ص 48، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 389.
67- حكاه عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 650، وابن خالويه في شواذ القرآن: ص 39.
68- راجع تفصيل ذلك في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 55.
69- آل عمران: 21، التوبة: 34، الانشقاق: 24.
70- قرأه حمزة. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 389، والتبيان: ج 3 ص 572.
71- قاله البغوي في تفسيره: ج 2 ص 49.
72- قاله ابن عباس. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 49، والبحر المحيط: ج 3 ص 518.
73- التوبة: 30.
74- وهو قول ابن عباس كما في تفسيره: ص 97.
75- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 654، والرازي في تفسيره: ج 12 ص 39.
76- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 654، والماوردي في تفسيره: ج 2 ص 50.
77- لم نعثر على قائله فيما توفرت لدينا من مصادر، وأنشده الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 655. يقول: إن السحاب ارسل إلى أرض الحمى بمطر كثير فأنبتت هذه الأرض وأزهرت، وهذا معنى شكرها.
78- ديوانه: ص 176 وصدره: وغداة ريح قد وزعت وقرة.
79- راجع تفصيل ذلك في اعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 30.
80- في بعض النسخ: إنزاله.
81- في نسخة زيادة: محمد.
82- وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسألونه أن ينزلهم على الجلاء ففعل، وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك. فهي مما لم يرجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله). انظر معجم البلدان للحموي: ج 3 ص 855 - 858، وكتاب فدك في التاريخ للشهيد الصدر.
83- الشأفة: قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب، يقال في المثل: استأصل الله.
84- قاله ابن عباس وأبو علي على ما حكاه عنهما الشيخ في التبيان: ج 3 ص 585.
85- في نسخة: أعمالهم. شأفته، أي أذهبه الله كما أذهب تلك القرحة بالكي. (الصحاح: مادة شأف).
86- تفسير العياشي: ج 1 ص 331 - 332 ح 152، وعنه البحار: ج 9 ص 207.
87- وهي قراءة نافع وعاصم برواية أبي بكر وابن عامر ويعقوب والمفضل. راجع التبيان: ج 3 ص 587، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 389.
88- في نسخة: من مراقبتك.
89- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 660، وأخرجه عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وأبو نعيم والبيهقي وابن مردويه عن عائشة كما في الدر المنثور: ج 3 ص 118، وفي تفسير الماوردي: ج 2 ص 54 عنها أيضا.
90- حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 589 - 590.
91- هو عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر، فارسي الأصل وينتمي بالولاء إلى الحارث بن كعب ابن أدد، وسيبويه لقب عرف به ولم يلقب به أحد، ولد بالبيضاء بفارس، وقيل: في الأهواز، ثم هاجر مع أهله إلى البصرة فنشأ بها، وطفق يطلب العلم، وعنى عناية شديدة بعلم النحو، توفي سنة 180 ه? على الأرجح بشيراز وقبره بها، وقيل: بالأهواز، وقيل: بساوة. (طبقات النحاة: ج 2 ص 206، طبقات النحويين للزبيدي: ص 73).
92- كتاب سيبويه: ج 2 ص 156.
93- البيت من الوافر، وهو من قصيدة لبشر بن أبي خازم الأسدي، مطلعها: أهمت منك سلمى بانطلاق * وليس وصال غانية بباقي وسبب هذا الشعر كما نقله ابن السيرافي في شرح أبيات سيبويه: أن قوما من آل بدر الفزاريين جاوروا بني لأم من طي، فعمد بنو لأم إلى الفزاريين فجزوا نواصيهم وقالوا: قد مننا عليكم ولم نقتلكم، وبنو فزارة حلفاء بني أسد، فغضب بنو أسد لأجل ما صنع بالبدريين، فأنشأ بشر هذه القصيدة يذكر فيها ما صنع ببني بدر ويقول للطائيين: فإذ قد جززتم نواصيهم فاحملوها إلينا وأطلقوا من قد أسرتم منهم، وإن لم تفعلوا فاعلموا أنا نبغيكم ونطلبكم، فإن أصبنا أحدا منكم طلبتمونا به، فصار كل واحد منا يبغي صاحبه، فنبقى في شقاق وعداوة أبدا. راجع ديوان بشر الأسدي: ص 165 يهجو أوس بن حارثة وفيه " ما حيينا " بدل " ما بقينا "، وشرح السيرافي: ج 2 ص 14، وخزانة الأدب للبغدادي: ج 10 ص 297.
94- لضابئ بن حارث البرجمي. تقدم ذكره وشرحه في ص 448 فراجع.
95- وهي قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي. راجع التبيان: ج 3 ص 596، واعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 32، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 247.
96- في بعض النسخ: أنه.
97- قاله البغوي في تفسيره: ج 2 ص 53.
98- قال الهمداني في الفريد في اعراب القرآن: ج 2 ص 67 ما لفظه: وقوله: * (إلا إله) * بدل من موضع * (من إله) *، والمعنى: وما إله لنا قط، أو في الوجود إلا إله موصوف بالوحدانية لا ثاني له، وهو الله لا شريك له، وأجاز الكسائي * (إلا إله) * بالجر على البدل من اللفظ وليس بالمتين، لأن " من " لا تزاد في الواجب. ويجوز في الكلام " إلها " على الاستثناء، ولا يجوز لأحد أن يقرأ به، لأن القراءة سنة متبعة لا يجوز فيها القياس.
99- في بعض النسخ زيادة: من.
100- في بعض النسخ: إلا الله.
101- انظر تفصيل ذلك في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 68.
102- في نسخة زيادة: من.
103- استنفض بالحجر: استنجى، وهو من نفض الثوب لأن المستنجي تنفض عن نفسه الأذى بالحجر. (القاموس المحيط: مادة نفض).
104- قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في التبيان: ج 3 ص 605: قوله: * (كانا يأكلان الطعام) * فيه احتجاج على النصارى، لأن من ولدته النساء، وكان يأكل الطعام لا يكون إلها للعباد، لأن سبيله سبيلهم في الحاجة إلى الصانع المدبر، لأن من فيه علامة الحدث لا يكون قديما، ومن يحتاج إلى غيره لا يكون قادرا لا يعجزه شئ. وقال العلامة الطباطبائي (قدس سره) الشريف: هو رد لقولهم: * (إن الله ثالث ثلاثة) * أو قولهم هذا وقولهم المحكي في الآية السابقة: * (إن الله هو المسيح ابن مريم) * جميعا، ومحصله اشتمال المسيح على جوهر الألوهية، بأن المسيح لا يفارق سائر رسل الله الذين توفاهم الله من قبله كانوا بشرا مرسلين من غير أن يكونوا أربابا من دون الله سبحانه، وكذلك أمه مريم كانت صديقة تصدق بآيات الله تعالى وهي بشر، وقد كان هو وأمه جميعا يأكلان الطعام، وأكل الطعام مع ما يتعقبه مبني على أساس الحاجة التي هو أول أمارة من أمارات الإمكان والمصنوعية، فقد كان المسيح (عليه السلام) ممكنا متولدا من ممكن، وعبدا ورسولا مخلوقا من أمه كانا يعبدان الله، ويجريان في سبيل الحاجة والافتقار من دون أن يكون ربا. فهذه الأمور صرحت به الأناجيل، وهي حجج على كونه (عليه السلام) عبدا رسولا. انظر الميزان: ج 6 ص 73.
105- قاله الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 56.
106- استجاشه: أي طلب منه جيشا. (الصحاح: مادة جيش).
107- النساء: 51.
108- في نسخة زيادة: بالله.
109- في بعض النسخ: أمور.
110- هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي، أحد عظماء العرب ودهاتهم، وأولي الرأي والحزم والمكيدة فيهم، كان في الجاهلية من الأشداء على الاسلام، أسلم في هدنة الحديبية، ولاه النبي (صلى الله عليه وآله) إمرة جيش ذات السلاسل، ثم استعمله على عمان، ولما كانت الفتنة بين أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعاوية كان مع معاوية حتى ولاه معاوية على مصر سنة 38 ه?، وأطلق له خراجها ست سنين فجمع أموالا طائلة، مات بمصر سنة 43 ه?. (الاستيعاب بهامش الإصابة: ج 2 ص 501، الأعلام للزركلي: ج 5 ص 79).
111- مريم: 34.
112- طه: 9.
113- تفسير القمي: ج 1 ص 176 - 178.
114- انظر تفسير الطبري: ج 5 ص 6 ح 12328، وتفسير القمي: ج 1 ص 178 - 179 وفيه: " ثلاثين رجلا ".
115- في نسخة: إفشاء.
116- البقرة: 143.
117- انظر تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 670.
118- وهو اختيار النحاس. راجع إعراب القرآن: ج 2 ص 37.
119- الآية: 83.
120- هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب القرشي الجمحي، أبو السائب، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا، هاجر الهجرتين، وشهد بدرا، وهو أول من مات في المدينة سنة اثنتين للهجرة، وأول من دفن بالبقيع. (أسد الغابة: ج 3 ص 385، حلية الأولياء: ج 1 ص 102).
121- الودك: دسم اللحم. (الصحاح: مادة ودك).
122- انظر تفسير البغوي: ج 2 ص 59، وأسباب النزول للواحدي: ص 169.
123- في نسخة: الأيمان.
124- وهي قراءة عاصم برواية أبي بكر وحمزة والكسائي. راجع التبيان: ج 4 ص 10، وتفسير البغوي: ج 2 ص 60، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 247.
125- قرأه ابن عامر وحده على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 10، والبغوي في تفسيره: ج 2 ص 60، وابن غلبون في تذكرته: ج 2 ص 390، وابن مجاهد في كتاب السبعة في القراءات: ص 247.
126- حكاه عنه (عليه السلام) القرطبي في تفسيره: ج 6 ص 279.
127- انظر التبيان: ج 4 ص 13.
128- انظر فقه الرضا (عليه السلام): ص 270، والتبيان: ج 4 ص 14.
129- حكاه السمرقندي في تفسيره ج 1 ص 456 ونسبه إلى أبي، وفي تفسير القرطبي: ج 6 ص 283: قرأها ابن مسعود وبه قال أبو حنيفة والثوري، وهو أحد قولي الشافعي، واختاره المزني.
130- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 63.
131- قاله النحاس في اعراب القرآن: ج 2 ص 38، واختاره الشيخ في التبيان: ج 4 ص 15، والبغوي في تفسيره: ج 2 ص 62.
132- قال البغوي: فالمراد منه حفظ اليمين عن الحنث، هذا إذا لم يكن يمينه على ترك مندوب أو فعل مكروه، فإن حلف على فعل مكروه أو ترك مندوب فالأفضل أن يحنث نفسه ويكفر: (تفسيره: ج 2 ص 62). قال الشيخ الطوسي (قدس سره): وهذا يدل على أن اليمين في المعصية منعقدة، وعندنا أن اليمين في المعصية غير منعقدة لأنها لو انعقدت للزم حفظها. راجع تفصيل ذلك في التبيان: ج 4 ص 14 - 15.
133- المطالب العالية لابن حجر: ج 2 ح 1777، اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 9 ص 152.
134- الحج: 30.
135- في بعض النسخ: القمار.
136- في بعض النسخ: لن.
137- حكاه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 20. وراجع الأقوال الأخرى الواردة فيه في اعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 39 - 40.
138- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 677.
139- وهي إحدى الأقوال الثلاثة التي ذكرها الشيخ في التبيان: ج 4 ص 21 - 22 فراجع. وانظر اعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 40.
140- هو أبو بكر، محمد بن مسلم بن عبيد الله الزهري، عالم الحجاز والشام، روى عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن جعفر، وغيرهما، وروى عنه عطاء بن أبي رباح وأبو الزبير وعمر بن عبد العزيز وعمر بن دينار وصالح بن كيسان وغيرهم، مات سنة 123 ه?. (تذكرة الحفاظ: ج 1 ص 102، تهذيب التهذيب: ج 9 ص 445).
141- حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 6 ص 308.
142- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 247، والتبيان: ج 4 ص 23.
143- انظر الفقه المنسوب للرضا (عليه السلام): ص 272، والنهاية للشيخ الطوسي: ص 222 وما بعدها، والمبسوط: ج 1 ص 339، والتبيان: ج 4 ص 25.
144- انظر شواذ القرآن لابن خالويه: ص 41، والكشاف: ج 1 ص 679 وفيه: محمد بن جعفر والظاهر هو وهم منه.
145- راجع تفصيل ذلك في إعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 40 - 41.
146- ذهب إليه الشيخ في الخلاف: ج 2 ص 373 مسألة (216)، والنهاية ونكتها: ج 1 ص 529، وابن البراج في المهذب: ج 1 ص 230، وأبو الصلاح في الكافي في الفقه: ص 200، وسلار في المراسم: ص 121، وابن إدريس في السرائر: ج 1 ص 594.
147- قرأه نافع وابن عامر. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 390.
148- وهو ما ذهب إليه ابن عباس وعطاء والحسن وإبراهيم واختاره الجبائي على ما حكاه عنهم الشيخ في التبيان: ج 4 ص 27، وبه قال الشافعي ومالك كما في الخلاف: ج 2 ص 398، وانظر الام: ج 2 ص 207، والموطأ: ج 1 ص 355، والمجموع: ج 7 ص 438، وعمدة القارئ: ج 10 ص 161.
149- وهو قول ابن عباس في رواية أخرى والشعبي وإبراهيم والسدي على ما حكاه عنهم الشيخ في التبيان: ج 4 ص 27.
150- ذهب إلى الأول الشيخ في الخلاف: ج 2 ص 397 مسألة (260)، والتبيان: ج 4 ص 25، وذهب إلى الثاني العلامة في مختلف الشيعة: ج 4 ص 89 وقال: وهو مذهب الشيخ المصنف في النهاية وابن أبي عقيل وابن بابويه والسيد المرتضى.
151- و.
152- في نسخة: تمتعا.
153- التانئ: أي المقيم، تنأ في المكان إذا أقام فيه. (القاموس المحيط: مادة تنأ).
154- كذا في جميع النسخ.
155- قال الشيخ في التبيان: ج 4 ص 31: وقال أهل اللغة: وإنما قيل: كعبة البيت وأضيف لأن كعبة تربع أعلاه، والكعوبة: النتوء، فقيل للتربيع: كعبة لنتوء زوايا المربع، ومنه كعب ثدي الجارية إذا نتأ، ومنه كعب الانسان لنتوئه. وسميت الكعبة حراما لتحريم الله إياها أن يصاد صيدها أو يخلى خلاءها أو يعضد شجرها.
156- في نسخة: لمعاش.
157- قاله عطاء بن أبي رباح. راجع الكشاف: ج 1 ص 681.
158- في نسخة: به.
159- قاله الحسن على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 31.
160- في بعض النسخ: المذهب.
161- في بعض النسخ: عنكم.
162- رواه الطبري في تفسيره: ج 5 ص 84.
163- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 70 - 71، ورواه الطبري في تفسيره: ج 5 ص 81 - 83 مطولا، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج 3 ص 204 - 206 عن ابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.
164- المعيى: المتعب. (لسان العرب: مادة عيى).
165- راجع تفصيل ذلك في معاني القرآن للزجاج: ج 2 ص 213.
166- قال الشيخ في التبيان: ج 4 ص 37: هذه الآية من الأدلة الواضحة على بطلان مذهب المجبرة من قولهم: من أن الله تعالى هو الخالق للكفر والمعاصي وعبادة الأصنام وغيرها من القبائح، لأنه تعالى نفى أن يكون هو الذي جعل البحيرة أو السائبة أو الوصيلة أو الحام، وعندهم: أن الله هو الجاعل له والخالق، تكذيبا لله تعالى وجرأة عليه، ثم بين تعالى أن هؤلاء بهذا القول قد كفروا بالله وافتروا عليه بأن أضافوا إليه ما ليس بفعل له، وذلك واضح لا إشكال فيه.
167- انظر تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 685، والفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 91.
168- قرأ يحيى وإبراهيم بكسر الضاد، والحسن بضمها على ما حكاه ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 41.
169- وهو اختيار الأخفش وقال: لأنه ليس بعلة لقوله: * (عليكم أنفسكم) * وإنما أخبر انه لا يضرهم. انظر معاني القرآن: ج 2 ص 478، وعنه التبيان: ج 4 ص 41.
170- فاطر: 8.
171- في نسخة: بزماننا.
172- رواه عنه القرطبي في تفسيره: ج 6 ص 343.
173- قال الشيخ في التبيان: ج 4 ص 41 ما لفظه: وفي الآية دلالة على فساد مذهب المجبرة في تعذيب الأطفال، لأنه لو كان الأمر على ما قالوه لم يأمن المؤمنون أن يؤخذوا بذنوب آبائهم، وقد بين الله تعالى أن الأمر بخلافه مؤكدا لما في العقل.
174- في الكشاف: عدي بن زيد.
175- في الكشاف: بديل بن أبي مريم.
176- في نسخة: وصيته.
177- في نسخة: أمرهما، وكذا في الكشاف.
178- سنن أبي داود: ج 3 كتاب القضايا ص 307 ح 3606، أسباب النزول للواحدي: ص 175، الكشاف: ج 1 ص 687، تفسير القرطبي: ج 6 ص 346.
179- وذهب إليه شريح وسعيد بن جبير وإبراهيم وقتادة، وهو قول أبي جعفر (عليه السلام) على ما حكاه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 45، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 216، والنحاس في اعراب القرآن: ج 2 ص 46.
180- وهو قول الحسن. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 76، والتبيان: ج 4 ص 45، والكشاف: ج 1 ص 687.
181- قاله ابن عباس والسدي على ما حكاه عنهما الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 76، والشيخ في التبيان: ج 4 ص 45.
182- قاله النحاس في اعراب القرآن: ج 2 ص 46، والزمخشري في كشافه: ج 1 ص 688.
183- في بعض النسخ: عرضا، وكذا في الكشاف.
184- رواه عنهما المصنف في مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 254 وزاد: ونعيم بن ميسرة وهو قراءة يعقوب برواية روح وزيد. وحكاه أبو حيان في البحر المحيط: ج 4 ص 44 عنهما.
185- قرأه الشعبي على ما حكاه عنه أبو حيان في البحر المحيط: ج 4 ص 44.
186- في نسخة: حرف.
187- انظر كتاب سيبويه: ج 3 ص 499.
188- في بعض النسخ: يوجب.
189- رواه الحسن البصري في تفسيره: ج 1 ص 345 - 346، والقرطبي في تفسيره أيضا: ج 6 ص 346.
190- في جميع النسخ: " ارتفاعهما " والصحيح المناسب لسياق العبارة ما أثبتناه.
191- قرأها يحيى وحمزة ويعقوب على ما حكاها عنهم ابن غلبون في التذكرة: ج 2 ص 391، ونسبها أبو حيان في البحر المحيط: ج 4 ص 46 إلى ابن سيرين.
192- وهي قراءة حفص والأعشى الا النفار والكسائي عن أبي بكر. راجع التبيان: ج 4 ص 47، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 419.
193- في نسخة: تكرر.
194- وهو ما ذهب إليه النحاس. راجع اعراب القرآن: ج 2 ص 48.
195- ذهب إليه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 689.
196- انظر تفصيل ذلك في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 102.
197- قاله ابن عباس. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 76، وتفسير الرازي: ج 12 ص 123.
198- قاله ابن جريج على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 78، والبغوي أيضا في تفسيره: ج 2 ص 76.
199- في نسخة: توبيخ.
200- في بعض النسخ: و.
201- قاله الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 691.
202- في نسخة: حال.
203- قاله الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 691.
204- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 220.
205- قاله الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 692.
206- اختار هذا القول الحسن على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 59، والزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 220.
207- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 220.
208- في نسخة: تشبهون.
209- راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 78، والكشاف: ج 1 ص 693.
210- تفسير العياشي: ج 1 ص 350، وأوردها المصنف في مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 264.
211- تقدم تفصيله في آل عمران: 26 في ص 229 فراجع.
212- وهو قول السدي وقتادة وابن جريج والجبائي. راجع التبيان: ج 4 ص 61.
213- قاله البغوي في تفسيره: ج 2 ص 78.
214- وهو قول ابن عباس. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 84، والبغوي: ج 2 ص 78.
215- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 693.
216- في نسخة: إنزال المائدة.
217- في نسخة زيادة: له.
218- في نسخة: أنواع.
219- رواها البغوي في تفسيره: ج 2 ص 79 عن سلمان الفارسي.
220- وهو قول ابن عباس على ما حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 6 ص 369.
221- راجع تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 348، وحكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 5 ص 135، والزمخشري في كشافه: ج 1 ص 694.
222- وهي قراءة نافع. راجع التبيان: ج 4 ص 72، وتفسير البغوي: ج 2 ص 82، والتذكرة لابن غلبون: ج 2 ص 364.
223- الانفطار: 19.
224- راجع تفصيل ذلك في اعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 53.
225- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 90.
226- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 90، والقرطبي أيضا في تفسيره: ج 6 ص 379، وأبو حيان في بحره: ج 4 ص 64.
227- الآية: 66.