سورة المائدة

مدنية (1) وهي مائة وعشرون آية كوفي، ثلاث وعشرون بصري، ﴿بالعقود﴾ (2) ﴿ويعفوا عن كثير﴾ (3) ﴿فإنكم غلبون﴾ (4) بصري.

في حديث أبي: " ومن قرأ سورة المائدة أعطي من الأجر بعدد كل يهودي ونصراني يتنفس في دار الدنيا عشر حسنات، ومحي عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات " (5).

أبو الجارود (6) عن الباقر (عليه السلام): " من قرأ سورة المائدة في كل يوم خميس لم يلبس إيمانه بظلم ولا يشرك أبدا " (7).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد (1)﴾ وفى بعهده وأوفى بمعنى، والعقد: العهد، بمعنى المعقود، والعقود: عهود الله التي عقدها على عباده وألزمها إياهم من الإيمان به وتحليل حلاله وتحريم حرامه، وقيل: هي العقود التي يتعاقدها الناس من المبايعة والمناكحة وغيرهما (8).

ثم أخذ سبحانه في تفصيل العقود التي أمر بالوفاء بها فقال: ﴿أحلت لكم بهيمة الأنعام﴾ والبهيمة: كل ذات أربع من دواب البر والبحر، وإضافتها إلى ﴿الانعام﴾ للبيان كـ " خاتم فضة "، ومعناه: البهيمة من الأنعام ﴿إلا ما يتلى عليكم﴾ إلا محرم ما يتلى عليكم في القرآن من نحو قوله: ﴿حرمت عليكم الميتة﴾ الآية (9)، أو إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه، والأنعام: الأزواج الثمانية، وقيل: بهيمة الأنعام هي الظباء وبقر الوحش ونحوهما (10)، كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس البهائم فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه ﴿غير محلى الصيد﴾ نصب على الحال من الضمير في ﴿لكم﴾ أي: أحلت لكم هذه الأشياء لامحلين الصيد، وقال الأخفش (11): انتصب عن قوله: ﴿أوفوا بالعقود﴾ (12)، ﴿وأنتم حرم﴾ حال عن ﴿محلى الصيد﴾ كأنه قيل: أحل لكم بعض الأنعام في حال امتناعكم من الصيد وأنتم محرمون لئلا يحرج عليكم ﴿إن الله يحكم ما يريد﴾ من الأحكام، وحرم: جمع حرام وهو المحرم.

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوا نا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب (2)﴾

الشعائر: أعلام الحج وأعماله، جمع شعيرة وهي ما جعل شعارا وعلما للنسك من المواقف والطواف والسعي وغيرها، و ﴿الشهر الحرام﴾ شهر (13) الحج، و ﴿الهدى﴾ ما أهدي إلى البيت وتقرب به إلى الله من النسائك، وهو جمع هدية كجدي في جمع جدية السرج، و ﴿القلائد﴾ جمع قلادة (14) وهي ما يقلد به الهدي من نعل أو غيره، والآمون: القاصدون، وآمو البيت الحرام هم الحجاج والعمار، وإحلال هذه الأشياء: أن يتهاون بحرمتها وتضيع، وأن يحال بينها وبين المتنسكين، وأن يحدث في شهر الحج ما يصد الناس عن الحج، وأن يتعرض للهدي بالغصب أو بالمنع من بلوغ محله.

وفي إحلال القلائد وجهان: أحدهما: أن يراد ذوات القلائد من البدن والبقر، وإنما عطف بها على الهدي للاختصاص وزيادة التوصية بها كأنه قيل: والقلائد منها خصوصا، والثاني: أن ينهى عن التعرض لقلائد الهدي، مبالغة في النهي عن التعرض للهدي، كأنه قيل: ولا تحلوا قلائدها فضلا عن أن تحلوها كقوله تعالى: ﴿ولا يبدين زينتهن﴾ (15) نهي عن إبداء الزينة فضلا عن إبداء مواقعها (16) ﴿ولا آمين﴾ أي: ولا تحلوا قوما قاصدين المسجد الحرام ﴿يبتغون فضلا من ربهم﴾ وهو الثواب ﴿ورضوا نا﴾ وأن يرضى عنهم، أي: لا تتعرضوا لقوم هذه صفتهم تعظيما لهم ﴿وإذا حللتم فاصطادوا﴾ هو إباحة للاصطياد بعد الحظر، كأنه قيل: وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا.

وجرم مثل كسب في تعديه إلى مفعول واحد واثنين، تقول: جرم ذنبا وجرمته ذنبا، وكسب شيئا وكسبته إياه، وأول المفعولين في الآية ضمير المخاطبين، والثاني ﴿أن تعتدوا﴾، و ﴿أن صدوكم﴾ بفتح الهمزة متعلق بالـ ﴿شنان﴾ وهو شدة البغض، وقرئ بسكون النون أيضا (17)، والمعنى: ولا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء، ولا يحملنكم عليه لأن صدوكم عن المسجد الحرام وهو منع أهل مكة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة، ومعنى الاعتداء: الانتقام منهم بإلحاق المكروه بهم ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾ أي: على العفو والإغضاء ﴿ولا تعاونوا على الاثم والعدوان﴾ على الانتقام والتشفي، والأولى أن يكون محمولا على العموم فيتناول كل بر وتقوى وكل إثم وظلم.

﴿حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلم دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فإن الله غفور رحيم (3) ﴾

كانوا يأكلون هذه المحرمات: البهيمة التي تموت حتف أنفها، والدم يجعلونه في المباعر (18) ويشوونه ويقولون: " لم يحرم من فزد له " (19) أي: فصد له ﴿وما أهل لغير الله به﴾ أي: رفع الصوت به لغير الله وهو قولهم: باسم اللات والعزى عند ذبحه ﴿والمنخنقة﴾ التي خنقت حتى ماتت، أو انخنقت هي بسبب ﴿والموقوذة﴾ التي ضربت حتى ماتت ﴿والمتردية﴾ التي تردت من جبل أو في بئر فماتت ﴿والنطيحة﴾ التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح ﴿وما أكل السبع﴾ بعضه ﴿إلا ما ذكيتم﴾ أي: أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح أو تشخب أوداجه، عن الصادق (عليه السلام): " أدنى ما يدرك به الذكاة أن تدركه يتحرك أذنه أو ذنبه أو تطرف عينه " (20)، ﴿وما ذبح على النصب﴾ كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يعبدونها وهي الأوثان، ويذبحون لها وينضحون الدم على ما أقبل منها إلى البيت، ويشرحون اللحم عليها يعظمونها بذلك، قال الأعشى: وذا النصب المنصوب لا تنسكنه * ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا (21) وجمعه الأنصاب، وقيل: النصب جمع والواحد نصاب (22) ﴿وأن تستقسموا بالأزلام﴾ أي: وحرم عليكم الاستقسام بالقداح وهي سهام كانت لهم، مكتوب على بعضها: أمرني ربي، وعلى بعضها: نهاني ربي، وبعضها: غفل، فمعنى الاستقسام بالأزلام: طلب معرفة ما يقسم له مما لم يقسم له بالأزلام، وقيل: هو الميسر وقسمتهم الجزور على القداح العشرة، فالفذ له سهم والتوأم له سهمان والمسبل له ثلاثة أسهم والنافس له أربعة أسهم والحلس له خمسة أسهم والرقيب له ستة أسهم والمعلى له سبعة أسهم والسفيح والمنيح والوغد لا أنصباء لها، وكانوا يدفعون القداح إلى رجل يجيلها، وكان ثمن الجزور على من يخرج لهم هذه الثلاثة التي لا أنصباء لها (23)، وهو القمار الذي حرمه الله عز وجل (24)، وقيل: هو الشطرنج والنرد (25) ﴿ذلكم فسق﴾ الإشارة إلى الاستقسام أو إلى تناول ما حرم عليهم ﴿اليوم﴾ لم يرد يوما بعينه ومعناه الآن ﴿يئس الذين كفروا من دينكم﴾ أن يبطلوه وأن ترجعوا محللين لهذه المحرمات، وقيل: يئسوا من دينكم أن يغلبوه، و 4 لأن الله تعالى وفى بعهده (26) من إظهاره على الدين كله (27) ﴿فلا تخشوهم﴾ بعد إظهار الدين وزوال الخوف منهم إذا انقلبوا مغلوبين بعد أن كانوا غالبين ﴿واخشون?﴾ - ي وأخلصوا لي الخشية ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ وما تحتاجون إليه في تكليفكم من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ﴿وأتممت عليكم نعمتي﴾ بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام)، روي عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أنه إنما نزلت بعد أن نصب النبي (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام) علما للأنام يوم غدير خم عند منصرفه من حجة الوداع، وهو آخر فريضة أنزلها الله تعالى ثم لم ينزل بعدها فريضة (28) (29)، ﴿ورضيت لكم الأسلم دينا﴾ أي: اخترته لك من بين الأديان، وآذنتكم بأنه الدين المرضي عندي، واتصل قوله: ﴿فمن اضطر في مخمصة﴾ بذكر المحرمات، وقوله: ﴿ذلكم فسق﴾ وما بعده اعتراض أكد به معنى التحريم، لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والإسلام المرضي، والمعنى: فمن اضطر إلى الميتة أو غيرها في مجاعة ﴿غير متجانف لاثم﴾ أي: غير منحرف نحو قوله: ﴿غير باغ ولاعاد﴾ (30)، ﴿فإن الله غفور رحيم﴾ لا يؤاخذه بذلك.

﴿يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب(4)﴾

﴿ماذا﴾ مبتدأ و ﴿أحل لهم﴾ خبره، أي: أي شئ أحل لهم من المطاعم؟كأنهم حين تلي عليهم المآكل المحرمة (31) سألوا عما أحل لهم منها، ولم يقل: ماذا أحل لنا حكاية لما قالوه، لأن ﴿يسئلونك﴾ بلفظ الغيبة، وهذا كما تقول: أقسم زيد ليفعلن، ولو قيل: لأفعلن وأحل لنا لجاز ﴿قل أحل لكم الطيبات﴾ وهو كل ما لم يأت تحريمه في الكتاب والسنة ﴿وما علمتم من الجوارح﴾ عطف على ﴿الطيبات﴾ أي: وصيد ما علمتم فحذف المضاف، أو يجعل ﴿ما﴾ شرطية وجوابها (32) ﴿فكلوا مما أمسكن عليكم﴾ والجوارح: هي الكواسب من الكلاب عند (33) أئمة الهدى (عليهم السلام) (34).

الصادق (عليه السلام) قال: " لا تأكل إلا ما ذكيت إلا الكلاب المعلمة (35)، وكل شئ من السباع يمسك الصيد على نفسها إلا الكلاب المعلمة فإنها تمسك على صاحبها، وقال: إذا أرسلت الكلب المعلم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته " (36) وهو أن يقول: بسم الله والله أكبر.

﴿مكلبين﴾ حال من ﴿علمتم﴾ والمكلب: مؤدب الكلاب ومضريها بالصيد لصاحبها و ﴿تعلمونهن﴾ حال ثانية أو استئناف ﴿مما علمكم الله﴾ من علم التكليب، لأنه إلهام من الله ومكتسب بالعقل، وقيل: مما عرفكم الله أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره وإمساك الصيد عليه وأن لا يأكل منه (37) ﴿واذكروا اسم الله عليه﴾ عند الإرسال، أو إذا أدركتم ذكاته ﴿واتقوا الله﴾ فلا تقربوا ما نهاكم عنه.

﴿اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالأيمن فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين(5)﴾

﴿الطيبات﴾ تقع على كل مستطاب من الأطعمة إلا ما دل الدليل على تحريمه ﴿وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم﴾ قيل: هو ذبائحهم (38)، وقال الصادق (عليه السلام): " هو مختص بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية " (39) ﴿وطعامكم حل لهم﴾ فلا جناح عليكم أن تطعموهم ﴿والمحصنات﴾ الحرائر والعفائف، وإنما خصهن بعثا للمؤمنين على أن يتخيروا لنطفهم وإلا فغير العفائف يصح نكاحهن وكذلك الإماء المسلمات ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ قال أصحابنا: هن اللواتي أسلمن منهن، وذلك أن قوما كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر فلذلك أفردن بالذكر، واحتجوا بقوله سبحانه: ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ (40) وقوله: ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن﴾ (41) (42).

﴿محصنين﴾ أعفاء ﴿غير مسافحين﴾ غير زانين ﴿ولا متخذي أخدان﴾ صدائق، والخدن يقع على الذكر والأنثى ﴿ومن يكفر بالأيمن﴾ ومن لم يؤمن من أهل الكتاب ﴿فقد حبط عمله﴾ وفي هذا دلالة على أن حبوط العمل لا يترتب على ثبوت الثواب، فإن الكافر ليس له (43) عمل عليه ثواب.

﴿يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون(6) ﴾

﴿إذا قمتم إلى الصلاة﴾ مثل قوله: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله﴾ (44) في أن المراد: إذا أردتم القيام (45) إلى الصلاة فعبر عن إرادة الفعل بالفعل، لأن الفعل يوجد بالقصد والإرادة، ولأن من قام إلى الشئ كان قاصدا له لا محالة، فعبر عن القصد له بالقيام إليه ﴿فاغسلوا وجوهكم﴾ وحد الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن (46) طولا وما دخل بين الوسطى والإبهام عرضا ﴿وأيديكم إلى المرافق﴾ والمرافق (47): ما يرتفق به من اليد أي: يتكأ عليه.

لا دليل في الآية على دخول المرافق في الغسل إلا أن أكثر الفقهاء (48) ذهبوا إلى وجوب غسل المرافق في الوضوء وهو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) (49)، وأجمعت (50) الأمة على أن من بدأ في غسل اليدين من المرفقين صح وضوؤه (51) وأصحابنا (52) يوجبونه.

﴿وامسحوا برءوسكم﴾ المراد إلصاق المسح بالرأس، وأصحابنا (53) يوجبون أقل ما يقع عليه اسم المسح، وهذا مذهب الشافعي (54)، ﴿وأرجلكم إلى الكعبين﴾ قرئ: بالجر (55) والنصب، فالجر للعطف على اللفظ والنصب للعطف على محل الجار والمجرور.

وقال جار الله: كانت الأرجل مظنة للإسراف المذموم في صب الماء عليها فعطفت على الممسوح لا لتمسح لكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وقيل: ﴿إلى الكعبين﴾ فجئ بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة لأن المسح لم يضرب له غاية في الشريعة (56).

وهذا كلام فاسد، لأن حقيقة العطف تقتضي أن يكون المعطوف في حكم المعطوف عليه، وكيف يكون المسح في معنى الغسل وفائدة اللفظين (57) مختلفة ولفظ التنزيل قد فرق بين الأعضاء المغسولة والأعضاء الممسوحة ؟! وأما قوله: " لم يضرب للمسح غاية " فمما لا يخفى فساده، لأن ضرب الغاية لا يدل على الغسل، فلو صرح فقيل: " وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين " لم يكن منكرا ولم يشك أحد في أنه كان يجب المسح إلى الكعبين فكذلك إذا جعل في حكم الممسوح بالعطف عليه، وقد بسطنا الكلام فيه في كتاب مجمع البيان (58) (59)، ولا يحتمل هذا الكتاب أكثر مما ذكرناه.

والكعبان عندنا هما العظمان الناتئان (60) في القدمين عند معقد الشراك (61)، وإليه ذهب محمد بن الحسن (62).

﴿وإن كنتم جنبا فاطهروا﴾ أي: تطهروا بالاغتسال ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج﴾ في باب الطهارة حتى لا يرخص لكم في التيمم ﴿ولكن يريد ليطهركم﴾ بالتراب إذا أعوزكم التطهر (63) بالماء ﴿وليتم﴾ برخصته إنعامه ﴿عليكم لعلكم تشكرون﴾ نعمته (64) عليكم.

﴿واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور (7) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8) وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم (9) والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب الجحيم (10)﴾

﴿واذكروا نعمة الله عليكم﴾ وهي نعمة الإسلام ﴿وميثاقه الذي واثقكم به﴾ أي: عاقدكم به عقدا وثيقا، وهو الميثاق الذي أخذه عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين بايعهم على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر فقبلوا وقالوا: ﴿سمعنا وأطعنا﴾، وقيل: هو ما بين لهم في حجة الوداع من تحريم المحرمات وفرض الولاية وغير ذلك، عن الباقر (عليه السلام) (65).

وعدي ﴿يجرمنكم﴾ ب? ﴿على﴾ لأنه في معنى: ولا يحملنكم بغضكم للمشركين ﴿على ألا تعدلوا﴾ أي: تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا ما في قلوبكم من الضغائن بارتكاب مالا يحل لكم من مثلة أو قتل أولاد أو نساء أو غير ذلك ﴿اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ نهاهم أولا عن ترك العدل، ثم صرح لهم بالأمر بالعدل (66) تأكيدا أو تشديدا، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل بقوله: ﴿هو أقرب للتقوى﴾ أي: أقرب إلى التقوى لكونه لطفا فيها، وإذا كان العدل إلى الكفار بهذه الصفة من القوة فكيف يكون مع المؤمنين ؟! ﴿لهم مغفرة وأجر عظيم﴾ بيان للوعد بعد تمام الكلام قبله، كأنه قدم لهم وعدا فقيل: أي شئ هو؟فقال: ﴿لهم مغفرة﴾ وأجرى ﴿وعد﴾ مجرى " قال " لأنه ضرب من القول.

﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (11)﴾ روي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أتى بني النضير مع جماعة من أصحابه يستقرضهم (67) دية رجلين أصابهما رجل من أصحابه وهما في أمان منه فلزمه ديتهما أو يستعينهم على ذلك، فقالوا: نعم اجلس حتى نطعمك ونعطيك ما تسأل وهموا بالفتك به، فأخبره جبرئيل فخرج، فكان إحدى معجزاته (عليه السلام) (68)، يقال: بسط إليه كفه إذا بطش به، ومعنى بسط اليد: مدها إلى المبطوش به، والكف: المنع.

﴿ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيأتكم ولأدخلنكم جنت تجرى من تحتها الأنهر فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل (12)﴾ أمر الله بني إسرائيل بعد هلاك فرعون بمصر بأن يسيروا إلى أريحا من أرض الشام وكان يسكنها الجبابرة، وقال: إني كتبتها لكم قرارا، وأمر موسى بأن يأخذ من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به من الخروج إلى الجبابرة والجهاد وقائدا ورئيسا لهم، فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل لهم به النقباء وسار بهم، فلما دنا من أرضهم بعث النقباء يتجسسون (69) فرأوا أجراما عظيمة وقوة فرجعوا فأخبروا موسى (عليه السلام) بذلك، فأمرهم أن يكتموا ذلك، فحدثوا بذلك قومهم إلا كالب بن يوفنا من سبط يهودا ويوشع بن نون من سبط آفرائيم بن يوسف وكان من النقباء، وقيل: كتم خمسة وأظهر الباقون (70)، والنقيب: الذي ينقب عن أحوال القوم أي: يفتش عنها، كما قيل: عريف لأنه يتعرفها ﴿إني معكم﴾ أي: ناصركم ومعينكم ﴿وعزرتموهم﴾ نصرتموهم ومنعتموهم من أيدي العدو، ومنه التعزير وهو التنكيل والمنع من معاودة الفساد، وقيل: معناه: ولقد أخذنا ميثاقهم بالإيمان والعدل (71) ﴿وبعثنا منهم اثنى عشر﴾ ملكا يقيمون فيهم العدل، واللام في ﴿لئن أقمتم﴾ موطئة للقسم (72)، وفي ﴿لأكفرن﴾ جواب للقسم ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا (73) ﴿فمن كفر بعد ذلك منكم﴾ أي: بعد أخذ الميثاق وبعث النقباء ﴿فقد ضل﴾ أي: أخطأ ﴿سواء السبيل﴾ وزال عن قصد الطريق الواضح، لأن النعمة كلما عظمت وزادت كثرت المذمة في كفرانها وتمادت.

﴿فبما نقضهم ميثاقهم لعنهم وجعلنا قلوبهم قسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين (13) ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيمة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون (14)﴾

- 16 ﴿لعنهم﴾ أي: أبعدناهم من رحمتنا وطردناهم ﴿وجعلنا قلوبهم قسية﴾ خذلناهم ومنعناهم الألطاف حتى قست قلوبهم، والقسوة: خلاف اللين والرقة، وقرئ: " قسية " (74)، أي: ردية مغشوشة ﴿يحرفون الكلم عن مواضعه﴾ بيان لقسوة قلوبهم فإن تغيير كلام الله والكذب عليه من القسوة ﴿ونسوا حظا﴾ وتركوا نصيبا وافيا ﴿مما ذكروا به﴾ في التوراة، يعني: أن إعراضهم عن التوراة إغفال حظ عظيم، أو يكون المعنى: فسدت (75) قلوبهم فحرفوا التوراة وذهبت أشياء منها (76) عن حفظهم، وعن ابن مسعود: قد ينسى المرء بعض العلم بالمعصية وتلا هذه الآية (77) ﴿ولا تزال تطلع على خائنة منهم﴾ أي: خيانة منهم أو على نفس أو فرقة خائنة منهم ﴿إلا قليلا منهم﴾ وهم الذين آمنوا منهم، وقيل: إلا قليلا داموا على عهدهم (78) ﴿فاعف عنهم واصفح﴾ ما داموا على عهدك ولم يخونوك ﴿ومن الذين قالوا إنا نصارى﴾ سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله، وهم الذين قالوا لعيسى (عليه السلام): نحن أنصار الله، ثم اختلفوا بعد نسطورية ويعقوبية وملكانية (79) فصاروا أنصارا للشيطان ﴿فأغرينا﴾ فألصقنا وألزمنا من غري بالشئ: إذا لزمه ولصق به وأغراه غيره ﴿بينهم﴾ بين فرق النصارى المختلفين، وقيل: بينهم وبين اليهود (80)، ونحوه: ﴿أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض﴾ (81).

﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتب مبين (15) يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلم ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صرا ط مستقيم (16)﴾ خاطب اليهود والنصارى ﴿قد جاءكم رسولنا﴾ محمد (عليه السلام) ﴿يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون﴾ من أمر الرجم وأشياء حرفتموها ﴿ويعفوا عن كثير﴾ مما تخفونه لا يبينه، وعن الحسن: ويعفو عن كثير منكم لا يؤاخذه (82) ﴿قد جاءكم من الله نور﴾ وهو محمد (صلى الله عليه وآله) يهتدي به الخلق كما يهتدي بالنور، وقيل: هو القرآن لكشفه ظلمات الشك والشرك (83) ﴿وكتب مبين﴾ يبين ما كان خافيا على الناس من الحق أو مبين ظاهر الإعجاز ﴿يهدى به الله من اتبع رضوانه﴾ يريد من آمن منهم ﴿سبل السلم﴾ أي: طرق النجاة من عذاب الله، أو سبل الله وهي شرائع الإسلام (84) ﴿ويخرجهم من﴾ الكفر ﴿إلى﴾ الإيمان ﴿بإذنه﴾ أي: بلطفه ويرشدهم إلى طريق الحق أو طريق الجنة.

﴿لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شئ قدير (17) وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير (18)﴾

كفرهم الله تعالى بهذا القول، قيل: كان في النصارى قوم يبتون القول ب? ﴿إن الله هو المسيح﴾ (85)، وقيل: كان مذهبهم يؤدي إلى ذلك وإن لم يصرحوا به من حيث اعتقدوا أنه يخلق ويحيي ويميت ويدبر أمر العالم (86) ﴿فمن يملك من الله شيئا﴾ أي: فمن يمنع من قدرته ومشيته شيئا ﴿إن أراد أن يهلك﴾ من دعوه إلها من المسيح وأمه، وعطف ﴿من في الأرض﴾ على ﴿المسيح... وأمه﴾ ليدل على أنهما من جنسهم لا تفاوت في البشرية بينهما وبينهم ﴿يخلق ما يشاء﴾ من ذكر وأنثى، وما يشاء من أنثى غير ذكر كما خلق عيسى، وما يشاء من غير ذكر وأنثى كما خلق آدم ﴿نحن أبناء الله﴾ أي: أشياع ابني الله عزير والمسيح كما يقول أقرباء الملك: نحن الملوك ﴿فلم يعذبكم بذنوبكم﴾ أي: فإن صح أنكم أبناء الله وأحباؤه فلم تذنبون وتعذبون بذنوبكم فتمسخون ؟! ولو كنتم أبناء الله لكنتم من جنس الأب لا تعصون الله، ولو كنتم أحباءه لما عاقبكم ﴿بل أنتم بشر﴾ من جملة ما ﴿خلق﴾ من البشر.

﴿يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير (19)﴾ المعنى: ﴿يبين لكم﴾ الدين والشرع، أو يبين لكم ما كنتم تخفونه، أو يبذل لكم البيان على الإطلاق، ومحله النصب أي: مبينا لكم ﴿على فترة﴾ متعلق ب? ﴿جاءكم﴾ أي: جاءكم على حين فترة من إرسال الرسل وانقطاع من الوحي ﴿أن تقولوا﴾ كراهة أن تقولوا ﴿ما جاءنا من بشير﴾ بالثواب ﴿ولا نذير﴾ بالعقاب ﴿فقد جاءكم﴾ متعلق بمحذوف، أي: لا تعتذروا فقد جاءكم، قالوا: كان بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما خمسمائة وستون سنة (87)، وقيل: ستمائة سنة (88)، وعن الكلبي (89): كان بين موسى وعيسى ألف وسبعمائة سنة وألف نبي، وبين عيسى ومحمد أربعة أنبياء: ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد بن سنان العبسي (90).

ومعنى الآية: الامتنان عليهم بإرسال الرسول (91) إليهم بعد اندراس آثار الوحي أحوج ما يكونون إليه ليعدوه أعظم نعمة من الله.

﴿وإذ قال موسى لقومه يقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العلمين (20) يقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين (21) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون (22)﴾

- 25 لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء، وذلك من نعم الله عليهم وآلائه لديهم ﴿وجعلكم ملوكا﴾ لأن الله سبحانه ملكهم ملك فرعون وملك الجبابرة، وقيل: إنهم كانوا مملوكين في أيدي القبط فسمى الله سبحانه إنقاذهم منهم ملكا (92) ﴿وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العلمين﴾ من فلق البحر وتظليل الغمام وغير ذلك من الأمور العظام، وقيل: أراد عالمي زمانهم (93) ﴿الأرض المقدسة﴾ أرض بيت المقدس (94)، وقيل: فلسطين ودمشق وبعض الأردن (95)، وقيل: الشام (96)، وكان بيت المقدس مستقر الأنبياء ومسكن المؤمنين ﴿التي كتب الله لكم﴾ أي: قسمها لكم، أو خطها في اللوح المحفوظ أنها لكم ﴿ولا ترتدوا على أدباركم﴾ ولا تنكصوا على أعقابكم مدبرين من خوف الجبابرة جبنا، أو لا ترتدوا على أدباركم في دينكم بعصيانكم نبيكم ومخالفتكم أمر ربكم فترجعوا ﴿خاسرين﴾ ثواب الدنيا والآخرة، والجبار فعال من جبره على الأمر بمعنى أجبره، وهو الذي يجبر الناس على ما يريد.

﴿قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غلبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين (23) قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقتلا إنا ههنا قاعدون (24) قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفسقين (25) قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفسقين (26)﴾ الرجلان: كالب ويوشع، أي: ﴿يخافون﴾ الله ويخشونه كأنه قال: رجلان من المتقين، وقيل: الواو لبني إسرائيل أي: ﴿من الذين﴾ يخافونهم وهم الجبارون (97)، وكانا منهم على دين موسى لما بلغهما خبر موسى أتياه فاتبعاه (98) ﴿أنعم الله عليهما﴾ بالإيمان، وكان سعيد بن جبير يقرأ: " يخافون " بضم الياء (99)، قالا لهم: إن العمالقة أجسام لا قلوب فيها فلا تخافوهم وازحفوا إليهم فإنكم غالبوهم، ويجوز أن يكون ﴿أنعم الله عليهما﴾ في محل رفع وصفا لـ ﴿رجلان﴾، ويجوز أن يكون اعتراضا لا محل له من الإعراب (100) ﴿ادخلوا عليهم الباب﴾ يعني باب قريتهم ﴿قالوا... لن ندخلها﴾ نفي لدخولهم في المستقبل على سبيل التأكيد، و ﴿أبدا﴾ تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول و ﴿ما داموا فيها﴾ بيان للأبد ﴿فاذهب أنت وربك﴾ هذه استهانة منهم بالله ورسوله وقلة مبالاة ﴿قال رب إني لا أملك﴾ لنصرة دينك ﴿إلا نفسي وأخي﴾ هذه شكاية منه إلى الله تعالى بحزن ورقة قلب.

وذكر في إعراب ﴿أخي﴾ وجوه (101): أن يكون منصوبا معطوفا على ﴿نفسي﴾ (102)، وعلى الضمير في ﴿إني﴾ بمعنى: وإن أخي لا يملك إلا نفسه، وأن يكون مرفوعا عطفا على محل إن واسمها كأنه قيل: أنا لا أملك إلا نفسي وهارون كذلك لا يملك إلا نفسه، وعلى الضمير في ﴿لا أملك﴾ (103) وجاز للفصل، وأن يكون مجرورا عطفا على الضمير في ﴿نفسي﴾ وهو ضعيف (104).

﴿فافرق﴾ أي: فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق وتحكم عليهم بما يستحقون، وهو في معنى الدعاء عليهم، ﴿قال فإنها﴾ أي: فإن الأرض المقدسة ﴿محرمة عليهم﴾ لا يدخلونها ولا يملكونها ﴿أربعين سنة﴾ فقد روي: أن موسى سار بمن بقي من بني إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتح أريحا وأقام فيها ما شاء الله ثم قبض (105)، وقيل: مات موسى في التيه ومات هارون قبله بسنة وسار يوشع بهم إلى أريحا (106)، وقيل: لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال: ﴿إنا لن ندخلها﴾ وهلكوا في التيه ونشأت ذراريهم فقاتلوا الجبارين ودخلوها (107)، فيكون التقدير: كتب الله لكم الأرض المقدسة بشرط أن تجاهدوا أهلها، فلما أبوا الجهاد قيل: فإنها محرمة عليهم، فالعامل في الظرف ﴿يتيهون في الأرض﴾ أي: يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقا (108)، والتيه: المفازة التي يتاه فيها، فروي: أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين حتى إذا أمسوا كانوا بحيث ارتحلوا عنه، وكان الغمام يظلهم من حر الشمس، ويطلع لهم (109) بالليل عمود من نور يضئ لهم، وينزل عليهم المن والسلوى، ولا تطول شعورهم، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر، ويطول بطوله (110).

واختلف في موسى وهارون هل كانا معهم في التيه؟فقيل: لم يكونا معهم لقوله: ﴿فافرق بيننا وبين القوم الفسقين﴾ (111)، وقيل: كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحا لهما وسلاما (112) لا عقوبة (113) كالنار لإبراهيم (114) ﴿فلا تأس﴾ فلا تحزن عليهم فإنهم أحقاء بالعذاب، لأنه ندم على الدعاء عليهم.

﴿واتل عليهم نبأ ابني ادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العلمين (28) إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحب النار وذلك جزاؤا الظالمين (29) فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين (30)﴾

- 31 ابنا ﴿آدم﴾ هما: هابيل وقابيل أوحى الله تعالى إلى آدم أن يزوج كل واحد منهما توأمة الآخر، وكانت توأمة قابيل أجمل، فحسد عليها أخاه، فأبى ذلك، فقال لهما آدم: قربا قربانا فمن أيكما قبل زوجها (115)، فقبل قربان هابيل بأن نزلت نار فأكلته، فازداد قابيل حسدا وسخطا وتوعده بالقتل، أي: أتل نبأهما تلاوة ملتبسة بالحق والصدق موافقا لما في كتب الأولين، أو أتل عليهم وأنت محق صادق ﴿إذ قربا﴾ نصب بالنبأ أي: قصتهما في ذلك الوقت، ويجوز أن يكون بدلا من ﴿نبأ﴾ أي: نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف، والقربان: اسم ما يتقرب به إلى الله تعالى، يقال: قرب نسكا وتقرب به ﴿قال لأقتلنك﴾ أي: قال الذي لم يتقبل قربانه منهما للذي تقبل قربانه: لأقتلنك ﴿قال إنما يتقبل الله من المتقين﴾ كأنه قال له: لم تقتلني؟قال: لأنه تقبل منك ولم يتقبل مني، فقال: إنما أوتيت من قبل نفسك لانسلاخك من لباس التقوى لا من قبلي فلم تقتلني؟وفيه دليل على أن الله تعالى إنما يقبل الطاعة ممن هو زاكي القلب متق (116) ﴿ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك﴾ لأن إرادة القتل قبيحة، وإنما يحسن من المظلوم قتل الظالم على وجه المدافعة له طلبا للتخلص من غير أن يقصد إلى قتله، فكأنه قال: لئن ظلمتني لم أظلمك ﴿إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك﴾ معناه: أن تحتمل إثم قتلي لك (117) وإثم قتلك لي، والمراد بمثل إثمي على الاتساع، فكأنه قال: أريد أن تبوء بمثل إثمي لو بسطت إليك يدي، وقيل: إن المعنى: أني أريد أن تبوء بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك (118) ﴿فطوعت له نفسه قتل أخيه﴾ أي: فوسعته له ويسرته، من طاع له المرتع: إذا اتسع، أي: زينته له وشجعته عليه ﴿فقتله﴾ وقيل: إنه كان أول قتيل في الناس (119) ﴿فأصبح من الخاسرين﴾ خسر الدنيا والآخرة وذهب عنه خيرهما.

﴿فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من الندمين (31)﴾ روي: أنه لما قتله تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به، فقصده السباع فحمله في جراب على ظهره حتى أروح وعكفت عليه الطير والسباع ﴿فبعث الله﴾ غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة، فـ ﴿قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب﴾ (120)، ﴿ليريه﴾ الله أو ليريه الغراب أي: ليعلمه، ولما كان سبب تعليمه فكأنه قصد تعليمه، والسوءة: ما لا يجوز أن ينكشف من الجسد، وأصلها الفضيحة فكني بها عن العورة ﴿فأوا رى﴾ جواب الاستفهام ﴿فأصبح من الندمين﴾ على قتله لما تعب فيه من حمله على ظهره وتحيره في أمره وسخط أبيه ولم يندم ندم التائبين، وروي أنه لما قتله اسود جسده وكان أبيض، فسأله آدم عن أخيه؟فقال: ما كنت عليه وكيلا، فقال: بل قتلته ولذلك اسود جلدك (121).

﴿من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون (32)﴾

﴿من أجل ذلك﴾ أي: بسبب ذلك وبعلته، وأصله من أجل عليهم شرا أي: جناه، فإذا قلت: من أجلك فعلت كذا، فكأنك أردت من أن جنيت فعله وأوجبته فعلت، ويدل عليه قولهم: من جراك، و ﴿ذلك﴾ إشارة إلى القتل المذكور، و ﴿من﴾ لابتداء الغاية أي: ابتدأ كتبنا على بني إسرائيل من أجل ذلك، وقرئ: " من أجل ذلك " بكسر الهمزة (122) ثم خففت الهمزة وكسرت النون بإلقاء كسرة الهمزة عليها ﴿أنه من قتل نفسا بغير نفس﴾ أي: بغير قتل نفس بمعنى بغير قود ﴿أو فساد في الأرض﴾ أو بغير فساد في الأرض وهو الحرب لله ورسوله وإخافة السبل ﴿فكأنما قتل الناس جميعا﴾ أي: فكأنه (123) قصد لقتلهم جميعا إذ قتل أخاهم وصار الناس كلهم خصماءه في قتل تلك النفس ﴿ومن أحياها﴾ بأن استنقذها من غرق أو حرق أو هدم ونحوها، أو أخرجها من ضلال إلى هدى ﴿فكأنما أحيا الناس جميعا﴾ يأجره الله على ذلك أجر من أحياهم بأسرهم، لأنهم في إسدائه المعروف إليهم بإحيائه أخاهم المؤمن بمنزلة من أحيا كل واحد منهم ﴿بعد ذلك﴾ أي: بعد ما كتبنا عليهم ﴿في الأرض لمسرفون﴾ في القتل (124) لا يبالون به.

﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم (34)﴾ لفظة ﴿إنما﴾ تفيد أن المعنى: ما جزاؤهم إلا هذا ﴿يحاربون الله﴾ أي: أولياء الله كقوله: ﴿إن الذين يؤذون الله﴾ (125)، ﴿ورسوله﴾ أي: ويحاربون رسوله، ومحاربة المسلمين في حكم محاربته ﴿ويسعون في الأرض فسادا﴾ أي: مفسدين، أو لأن سعيهم في الأرض لما كان على طريق الفساد نزل منزلة أن يقال: ويفسدون في الأرض فسادا، ويجوز أن يكون مفعولا له أي: للفساد.

وروي عن أئمتنا (عليهم السلام): أن المحارب كل من شهر السلاح وأخاف الطريق، وجزاؤه على قدر استحقاقه: فإن جمع بين القتل وأخذ المال فجزاؤه أن يقتل ويصلب، وإن أفرد القتل فجزاؤه أن يقتل، وإن أفرد أخذ المال فجزاؤه أن تقطع يده لأخذ (126) المال ورجله لإخافة السبيل، ومن أفرد الإخافة نفي من الأرض (127).

وقوله: ﴿من خلف﴾ معناه اليد اليمنى والرجل اليسرى، والنفي هو أن ينفى من بلد إلى بلد إلى أن يتوب ويرجع ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما ذكرناه ﴿لهم خزى في الدنيا﴾ أي: فضيحة وهوان، وقوله: ﴿ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ يدل على أن الحدود لا تكفر المعاصي، لأنه بين أنهم يستحقون العذاب العظيم مع إقامة الحدود عليهم ﴿إلا الذين تابوا﴾ استثناء من المعاقبين، فأما حكم القتل والجرح وأخذ المال فإلى الأولياء.

﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجهدوا في سبيله لعلكم تفلحون (35) إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيمة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم (36) يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخرجين منها ولهم عذاب مقيم (37)﴾

- 38 ﴿الوسيلة﴾ كل ما يتوسل به إليه من الطاعات وترك المقبحات.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله): " سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا ينالها إلا عبد واحد أرجو أن أكون أنا هو " (128).

وروى الأصبغ بن نباتة (129) عن علي (عليه السلام): " في الجنة لؤلؤتان إلى بطنان العرش: إحداهما بيضاء والأخرى صفراء، في كل واحد منهما سبعون ألف غرفة، فالبيضاء: الوسيلة لمحمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، والصفراء: لإبراهيم وأهل بيته (عليهم السلام) (130).

﴿ليفتدوا به﴾ ليجعلوه فدية لأنفسهم، وهذا تمثيل لنزول العذاب بهم، وأنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه بوجه، و ﴿لو﴾ مع ما في حيزه خبر ﴿إن﴾، ووحد الضمير في ﴿به﴾ مع أن المذكور شيئان، لأنه أجري مجرى اسم الإشارة، أي: ليفتدوا بذلك، أو يكون نحو قوله: فإني وقيار بها لغريب (131) ويروى أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس: تزعم أن قوما يخرجون من النار وقال الله تعالى: ﴿وما هم بخرجين منها﴾ ؟! فقال: ويحك اقرأ ما فوقها، هذا للكفار (132).


1- الآية: 1.

2- الآية: 15.

3- الآية: 23.

4- رواه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 697، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 150.

5- هو زياد بن المنذر، أبو الجارود الأعمى الكوفي، كان ثقة في النقل مقبول الرواية معتمدا في الحديث، إماميا في أوله وزيديا في آخره، مات بعد السنة 150 ه?. (تقريب التهذيب: ج 1 ص 270، الكنى والألقاب: ج 1 ص 34).

6- ثواب الأعمال للصدوق: ص 131، وتفسير العياشي: ج 1 ص 288 ح 3.

7- قاله ابن زيد. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 6.

8- المائدة: 3.

9- قاله الكلبي. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 6، واختاره الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 298.

10- هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء، النحوي البلخي المعروف بالأخفش الأوسط، أحد نحاة البصرة، ومن أئمة العربية، وقد أخذ النحو عن سيبويه وكان أكبر منه، قيل: توفي سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل: إحدى وعشرين ومائتين. (وفيات الأعيان: ج 2 ص 122).

11- معاني القرآن: ج 2 ص 459، وحكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 601.

12- في نسخة: أشهر.

13- انظر الأقوال الواردة فيه في التبيان: ج 3 ص 420، وتفسير الماوردي: ج 2 ص 7.

14- النور: 31.

15- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 602.

16- وهي قراءة ابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 242.

17- المباعر: أي مواضع البعر من كل ذي أربعة أرجل، وهي الأمعاء. (لسان العرب: مادة بعر).

18- وفي المثل: " لم يحرم من فصد له " وربما سكنت الصاد منه تخفيفا فتقلب زايا فيقال: " فزد له " والفصيد: دم كان يجعل في معي من فصد عرق البعير، ثم يشوى ويطعمه الضيف في الأزمة، أي: من فصد له البعير فهو غير محروم، ويضرب في القناعة باليسير. راجع مجمع الأمثال للميداني: ج 2 ص 141، والصحاح: مادة (فصد).

19- التبيان: ج 3 ص 431، تفسير ابن كثير: ج 2 ص 11.

20- ديوان الأعشى: ص 48 وفيه: " الأوثان " بدل " الشيطان "، ومعناه واضح.

21- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 146.

22- ولمعرفة تفصيل الميسر والاستقسام بالأزلام وأقسامهما وأنواعهما راجع كتاب بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب: ج 3 ص 53 - 70.

23- قاله المؤرج وكثير من أهل اللغة. راجع تفسير الرازي: ج 11 ص 135.

24- وهو قول سفيان ووكيع. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 10، وتفسير الطبري: ج 4 ص 415، وتفسير القرطبي: ج 6 ص 59.

25- في نسخة: بوعده.

26- قاله ابن عباس والسدي وعطاء. راجع التبيان: ج 3 ص 434، واختاره الزجاج في معاني القرآن واعرابه: ج 2 ص 148.

27- أمالي الصدوق: ص 109 ح 8، التبيان: ج 3 ص 435.

28- قال القرطبي في تفسيره: ج 6 ص 61 ما لفظه: روي أنها لما نزلت في يوم الحج الأكبر وقرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكى عمر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يبكيك؟فقال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شئ إلا نقص، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): صدقت. قلت: ... إلى أن قال: لعل قائلا يقول: قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * يدل على أن الدين كان غير كامل في وقت من الأوقات، وذلك يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والأنصار والذين شهدوا بدرا والحديبية وبايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) البيعتين جميعا وبذلوا لله أنفسهم مع عظيم ماحل بهم من أنواع المحن ماتوا على دين ناقص! وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك كان يدعو الناس إلى دين ناقص!! ومعلوم أن النقص عيب، ودين الله تعالى قيم كما قال تعالى: * (دينا قيما) * فالجواب: لم قلت: إن كل نقص عيب وما دليلك عليه؟ثم يقال له: أرأيت نقصان الشهر هل يكون عيبا ونقصان صلاة المسافر أهو عيب لها؟ونقصان العمر الذي اراده الله بقوله: * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره) * أهو عيب له؟... إلى أن قال: وما أنكرت من معناه يخرج على وجهين: أحدهما: أن المراد بلغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدرته، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا نقصان عيب... إلى أن قال: والوجه الآخر: أنه أراد بقوله تعالى أنه وفقهم للحج الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره، فحجوا، فاستجمع لهم الدين أداء لأركانه وقياما بفرائضه... الخ، انتهى.

29- البقرة: 173.

30- في نسخة: المحرمات.

31- في نسخة: جوابه.

32- في نسخة: وعن.

33- انظر التبيان: ج 3 ص 439.

34- ليس في المجمع عبارة " المعلمة ".

35- تفسير القمي: ج 1 ص 162 - 163، وعنه البرهان: ج 1 ص 447 ح 5، وذكره المصنف في مجمع البيان ج 3 - 4 ص 161 عن القمي. ورواه العامة عنه (صلى الله عليه وآله) بألفاظ مختلفة قريبة منه، راجع على سبيل المثال: المعجم الكبير للطبراني: ج 17 ص 74 و 76، مسند الحميدي: ص 913، سنن النسائي: ج 7 ص 179، سنن البيهقي: ج 9 ص 236 و 238 و 244.

36- قاله السدي. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 12.

37- ذكره الشيخ الطوسي في التبيان: ج 3 ص 444 ونسبه إلى قوم من أصحابنا، ثم قال: فمن ذهب إليه الطبري والبلخي والجبائي وأكثر الفقهاء.

38- تفسير العياشي: ج 1 ص 296 ح 37، وعنه الوسائل: ج 16 كتاب الأطعمة والأشربة ب 51 ص 382 ح 8.

39- الممتحنة: 10.

40- البقرة: 221.

41- انظر التبيان: ج 3 ص 446.

42- في نسخة: الكافرين ليس لهم.

43- النحل: 98.

44- في نسخة: قياما.

45- محادر شعر الذقن - بالدال المهملة -: أول انحدار الشعر عن الذقن وهو طرفه. (مجمع البحرين: مادة حدر).

46- في نسخة: المرفق.

47- انظر احكام القرآن للجصاص: ج 2 ص 341، ومقدمات ابن رشد: ج 1 ص 51، وعمدة القارئ: ج 2 ص 233، وأحكام القرآن لابن العربي: ج 2 ص 565، وبدائع الصنائع: ج 1 ص 4، ومغني المحتاج: ج 1 ص 52، والمبسوط للسرخسي: ج 1 ص 6، وتفسير الرازي: ج 11 ص 159.

48- راجع الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 78.

49- في بعض النسخ: اجتمعت.

50- انظر التبيان: ج 3 ص 451.

51- المبسوط للشيخ الطوسي: ج 1 ص 21، التبيان: ج 3 ص 451، الوسيلة: ص 50، شرائع الاسلام: ج 1 ص 21، وانظر السرائر: ج 1 ص 99.

52- المبسوط للشيخ الطوسي: ج 1 ص 21، التبيان: ج 3 ص 451، الخلاف: ج 1 ص 81، النهاية ونكتها: ج 1 ص 219، السرائر: ج 1 ص 101، المراسم: ص 37، المهذب: ج 1 ص 44.

53- الام: ج 1 ص 26، أحكام القرآن للجصاص: ج 2 ص 341، عمدة القارئ: ج 2 ص 234، بدائع الصنائع: ج 1 ص 4، فتح المعين: ص 6، بداية المجتهد: ج 1 ص 11، الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 82 وقال: وبه قال الأوزاعي والثوري.

54- قرأه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم، وهي قراءة أنس وعلقمة وأبي جعفر. راجع أحكام القرآن لابن العربي: ج 2 ص 71، والقرطبي: ج 6 ص 91 وقال: اتفقت العلماء على وجوب غسلهما، وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء المسلمين، والرافضة من غيرهم، وتعلق الطبري بقراءة الخفض، انتهى. وهي قراءة أهل البيت (عليهم السلام)، ففي التهذيب: ج 1 ص 70 ح 188 الشيخ باسناده عن غالب بن الهذيل قال: سألت أبا جعفر عن الآية * (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) * على الخفض هي أم على النصب، قال: هي على الخفض.

55- الكشاف: ج 1 ص 611.

56- في نسخة: اللفظتين.

57- راجع: ج 3 - 4 ص 164 - 167.

58- قال السيد المرتضى: ان القراءة بالجر أولى من القراءة بالنصب، لأنا إذا نصبنا الأرجل فلابد من عامل في هذا النصب: فاما أن تكون معطوفة على الأيدي، أو يقدر لها عامل محذوفا، أو تكون معطوفة على موضع الجار والمجرور في قوله: * (برءوسكم) * ولا يجوز أن تكون معطوفة على الأيدي لبعدها من عامل النصب في الأيدي، ولأن اعمال العامل الأقرب أولى من اعمال الأبعد. وذكرنا قوله تعالى: * (آتوني أفرغ عليه قطرا) *، وقوله: * (هاؤم اقرؤا كتابيه) *، وقوله: * (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا) *. وذكرنا ما هو أوضح من هذا كله وهو أن القائل إذا قال: ضربت عبد الله وأكرمت خالدا وبشرا، إن رد بشرا إلى حكم الجملة الماضية التي قد انقطع حكمها ووقع الخروج عنها لحن وخروج عن مقتضى اللغة، وقوله تعالى: * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) * جملة مستقلة بنفسها وقد انقطع حكمها بالتجاوز لها إلى جملة أخرى وهو قوله: * (وامسحوا برءوسكم) *. ولا يجوز أن تنصب الأرجل بمحذوف مقدر، لأنه لافرق بين أن تقدر محذوفا هو الغسل وبين أن تقدر محذوفا هو المسح، ولأن الحذف لا يصار إليه إلا عند الضرورة، وإذا استقل الكلام بنفسه من غير تقدير محذوف لم يجز حمله على محذوف. فأما محل النصب على موضع الجار والمجرور فهو جائز شائع إلا أنه موجب للمسح دون الغسل، لأن الرؤوس ممسوحة، فما عطف على موضعها يجب أن يكون ممسوحا مثلها، إلا أنه لما كان اعمال أقرب العاملين أولى وأكثر في القرآن ولغة العرب وجب أن يكون جر الآية حتى تكون معطوفة على لفظة الرؤوس أولى من نصبها وعطفها على موضع الجار والمجرور، لأنه أبعد قليلا، فلهذا ترجحت القراءة بجر الأرجل على القراءة بالنصب. (راجع رسائله: ج 3 ص 163).

59- في بعض النسخ: النابتان.

60- راجع الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 92 مسألة 40، والتبيان: ج 1 ص 452.

61- المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 9، أحكام القرآن للجصاص: ج 2 ص 347، بدائع الصنائع: ج 1 ص 7، تفسير الرازي: ج 11 ص 162.

62- في بعض النسخ: التطهير.

63- في نسخة: نعمه.

64- حكاه الشيخ الطوسي عنه (عليه السلام) في التبيان: ج 3 ص 460.

65- في نسخة زيادة: على وجه الاستئناف.

66- في بعض النسخ: يستقرض.

67- رواه الطبري في تفسيره: ج 4 ص 485، وأخرجه السيوطي بسنده في الدر المنثور: ج 3 ص 36.

68- في نسخة: يتحسسون.

69- قاله النقاش. راجع تفسير البحر المحيط لأبي حيان: ج 3 ص 443.

70- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 157.

71- في نسخة: توطئة القسم.

72- انظر اعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 11، والكشاف: ج 1 ص 615.

73- قرأه حمزة والكسائي. راجع التبيان: ج 3 ص 468، وتفسير السمرقندي: ج 1 ص 422.

74- في نسخة: قست.

75- في بعض النسخ: فيها.

76- حكاه عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 615.

77- قاله الطبري في تفسيره: ج 4 ص 497، والبغوي أيضا: ج 2 ص 21.

78- في نسخة: ملكائية، وكذا في المجمع.

79- قاله مجاهد وقتادة. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 22.

80- الأنعام: 65.

81- حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 475، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 617.

82- قاله أبو علي كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 475.

83- راجع معاني القرآن للزجاج: ج 2 ص 161.

84- حكاه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 22 وقال: وهم اليعقوبية من النصارى.

85- حكى هذا القول الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 617.

86- حكاه ابن كثير في تفسيره: ج 2 ص 34 عن سلمان الفارسي وقتادة.

87- قاله أبو عثمان النهدي. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 23.

88- هو أبو المنذر بن محمد بن السائب بن بشر بن عمرو الكلبي، النسابة الكوفي، كان من أعلم الناس بعلم الأنساب، وله كتاب " الجمهرة في النسب "، وكان من الحفاظ المشاهير وله تصانيف كثيرة، توفي سنة أربع ومائتين. (وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 5 ص 131).

89- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 619، والرازي في تفسيره: ج 11 ص 194.

90- في نسخة: الرسل.

91- قاله الحسن والسدي. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 24، والرازي: ج 11 ص 196.

92- وهو قول ابن كثير في تفسيره: ج 2 ص 36.

93- وهو قول ابن عباس وابن زيد والسدي وأبي علي على ما حكاه عنهم الشيخ في التبيان: ج 3 ص 483.

94- قاله الكلبي على ما في تفسير البغوي: ج 2 ص 24، واختاره الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 304، والزجاج في معاني القرآن واعرابه: ج 2 ص 162.

95- قاله قتادة. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 24.

96- وهو قول أبي علي. راجع التبيان: ج 3 ص 486.

97- قائل ذلك الضحاك على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 486.

98- حكاها عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 25، وابن خالويه في شواذ القرآن: ص 38.

99- راجع تفصيل ذلك في الكشاف للزمخشري: ج 1 ص 620، والفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 28.

100- راجع تفصيل تلك الوجوه في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 29.

101- ذهب إليه النحاس في اعراب القرآن: ج 2 ص 15.

102- وقد ذهب إليه الزجاج في معاني القرآن واعرابه: ج 2 ص 164.

103- ولم يختاره أحد، قال الهمداني في الفريد: ج 2 ص 29: وهو ضعيف عند أهل البصرة لقبح عطف الظاهر على المضمر المجرور إلا بإعادة الجار. وقد أطنب في شرح مذهب البصريين في ذلك في: ج 1 ص 126 فراجع.

104- رواه الطبري في تفسيره: ج 4 ص 525، والبغوي كذلك: ج 2 ص 26، والقرطبي أيضا: ج 6 ص 131.

105- وهو قول ابن عباس على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 490، والطبري في تفسيره: ج 4 ص 524 ح 11698، وابن كثير في تفسيره: ج 2 ص 39.

106- قاله ابن عباس والحسن وقتادة. راجع التبيان: ج 3 ص 491، وتفسير القرطبي: ج 6 ص 130.

107- في بعض النسخ: طريقها.

108- في بعض النسخ: عليهم.

109- رواها الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 622، والبغوي في تفسيره: ج 2 ص 26.

110- قاله الحسن وقتادة. راجع التبيان: ج 3 ص 491.

111- في نسخة: سلامة.

112- في بعض النسخ زيادة: لهم.

113- قاله ابن عباس على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 490، واختاره البغوي في تفسيره: ج 2 ص 26، والزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 165 - 166.

114- في بعض النسخ: أزوجها.

115- أراد (قدس سره) إذا أوقعها على وجهها بعدما وفق لها، وإلا فلا يمتنع أن تقع من الفاسق فتقبل فيستحق الثواب عليها هذا إذا وفق لها. قال الشيخ الطوسي: إنما يستحق الثواب على الطاعات من يوقعها لكونها طاعة، فأما إذا فعلها لغير ذلك فإنه لا يستحق عليها ثوابا، فإذا ثبت ذلك فلا يمتنع أن تقع من الفاسق يوقعها على الوجه الذي يستحق عليها الثواب فيستحق الثواب، ولا تحابط عندنا بين ثوابه وما يستحق عليه العقاب. (راجع التبيان: ج 3 ص 494).

116- في نسخة زيادة: لو قتلتك.

117- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 167.

118- قاله الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 30.

119- رواها أبو حيان في البحر المحيط: ج 3 ص 465.

120- رواها الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 626.

121- قرأه أبو جعفر المدني. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 38.

122- في نسخة: فكأنما.

123- في نسخة زيادة: أيضا.

124- الأحزاب: 57.

125- في نسخة: لأجل.

126- حكاها الشيخ في التبيان: ج 3 ص 504 - 505.

127- مسند أحمد: ج 3 ص 83، مجمع الزوائد: ج 1 ص 332 و 333، سنن البيهقي: ج 1 ص 419، مسند أبي عوانة: ج 1 ص 336، الترغيب والترهيب: ج 1 ص 181 باختلاف يسير في الألفاظ.

128- هو الأصبغ بن نباتة بن الحارث بن عمرو التميمي الحنظلي المجاشعي، كان من خواص أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهد معه صفين، وكان على شرطة الخميس، وكان شيخا ناسكا عابدا شاعرا. (أعيان الشيعة: ج 3 ص 464).

129- أوردها المصنف في مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 189.

130- وصدره: فمن يك أمسى بالمدينة رحله. والبيت منسوب لضابئ بن حارث البرجمي حين حبسه عثمان بن عفان لما هجا بني نهشل. وقيار اسم فرسه، يقول: ومن أمسى رحله بالمدينة حسن حاله، بخلاف حالي فاني غريب لأن منزلي ليس فيها، وإنما فيها أنا وفرسي فقط. انظر الكامل للمبرد: ج 1 ص 460، وخزانة الأدب: ج 4 ص 323 - 328، والشعر والشعراء: ص 351 - 352، ولسان العرب: مادة (قير).

131- رواها الزمخشري عنه في الكشاف: ج 1 ص 630، وأخرجه السيوطي بسنده عنه في الدر المنثور: ج 3 ص 72.

132- التحريم: 4.