تابع لسورة النساء
﴿ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (69) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (70)﴾ رغب الله المؤمنين في طاعة الله ورسوله حيث وعدهم مرافقة ﴿النبيين﴾ في أعلى عليين ﴿والصديقين﴾ الذين صدقوا في أقوالهم وأفعالهم ﴿والشهداء﴾ المقتولين في الجهاد ﴿والصالحين﴾ الذين صلحت حالهم (1) واستقامت طريقتهم ﴿وحسن أولئك رفيقا﴾ فيه معنى التعجب، كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقا! والرفيق كالصديق والخليط في استواء الواحد والجمع فيه، ويجوز أن يكون مفردا بين (2) به الجنس في باب التمييز ﴿ذلك﴾ مبتدأ و ﴿الفضل﴾ صفته و ﴿من الله﴾ الخبر، ويجوز أن يكون ﴿الفضل من الله﴾ خبر المبتدأ والمعنى: أن ما أعطي المطيعون من الأجر العظيم ومرافقة أقرب عباد الله إلى الله تفضل عليهم من الله تبعا لثوابهم (3).
﴿يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا (71) وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا (72) ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما (73)﴾
الحذر والحذر بمعنى، يقال: أخذ حذره: إذا تيقظ وتحفظ من المخوف، كأنه جعل الحذر آلته التي يحفظ بها نفسه، أي: احذروا واحترزوا من العدو، وعن الباقر (عليه السلام): " خذوا أسلحتكم " (4) فسمى الأسلحة حذرا لأن بها يتقى المحذور ﴿فانفروا﴾ إلى قتال عدوكم، أي: اخرجوا إلى الجهاد إما ﴿ثبات﴾ أي: جماعات متفرقة وإما ﴿جميعا﴾ مجتمعين كوكبة (5) واحدة ولا تتخاذلوا، واللام في ﴿لمن﴾ للابتداء، وفي ﴿ليبطئن﴾ جواب قسم محذوف تقديره: وإن منكم لمن أقسم بالله ليبطئن، والقسم وجوابه صلة " من "، والخطاب لعسكر النبي (صلى الله عليه وآله)، والمبطئون هم المنافقون، ومعنى ﴿ليبطئن﴾: ليتثاقلن وليتخلفن عن الجهاد، وبطأ بمعنى أبطأ، ويقال: ما بطأ بك (6) أي: أخرك عنا، والتبطئة: التأخر عن الأمر فيعدى (7) بالباء، ويجوز أن يكون منقولا من بطوء فيكون المعنى: ليبطئن غيره وليثبطنه عن الغزو، ﴿فإن أصابتكم مصيبة﴾ من قتل أو هزيمة ﴿قال﴾ قول الشامت: ﴿قد أنعم الله على إذ لم أكن معهم شهيدا﴾ أي: حاضرا في القتال فكان يصيبني ما أصابهم، و إن ﴿أصابكم فضل من الله﴾ من فتح أو غنيمة ﴿ليقولن... يا ليتني﴾، وقوله: ﴿كأن لم تكن بينكم وبينه مودة﴾ اعتراض بين الفعل الذي هو ﴿ليقولن﴾ وبين مفعوله الذي هو ﴿يا ليتني﴾ يعني: كأن لم يتقدم له معكم مودة ﴿فأفوز فوزا عظيما﴾ أي: أصيب غنيمة وآخذ حظا وافرا منها.
﴿فليقتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما (74) ومالكم لا تقتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والوالدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا (75)﴾ ﴿يشرون﴾ أي: يبيعون الحياة الفانية بالحياة الباقية ويستبدلونها بها، ثم وعد المقاتل ﴿في سبيل الله﴾ ظافرا أو مظفورا به إيتاء الأجر العظيم ﴿ومالكم لا تقتلون في سبيل الله﴾ أي: أي عذر لكم في ترك القتال مع اجتماع الأسباب الموجبة للقتال ﴿في سبيل الله﴾ في طاعته وإعزاز دينه وإعلاء كلمته ﴿والمستضعفين﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن يكون مجرورا عطفا على ﴿سبيل الله﴾ أي: في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين، والثاني: منصوبا على الاختصاص بمعنى: وأختص من (8) سبيل الله خلاص المستضعفين، لأن سبيل الله عام في كل خير، وخلاص المستضعفين من المؤمنين من أيدي الكفار من أعظم الخيرات وأخص القربات، والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم يلقون منهم الأذى، فكانوا يدعون الله بالخلاص ويستنصرونه، فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة وبقي بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولي وخير ناصر وهو محمد (صلى الله عليه وآله)، فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أعز النصر، وكانوا قد أشركوا صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما وردت السنة بإخراجهم في الاستسقاء (9)، وعن ابن عباس: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان (10).
وذكر الظالم وإن كان وصفا للقرية لأنه مسند إلى أهلها فأعطي إعراب القرية لأنه صفتها، وذكر لإسناده إلى الأهل.
﴿الذين آمنوا يقتلون في سبيل الله والذين كفروا يقتلون في سبيل الطاغوت فقتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا (76)﴾ هذا ترغيب للمؤمنين وإخبار بأنهم أولياء الله والله ناصرهم، وأعداءهم ﴿يقتلون في سبيل﴾ الشيطان، فلا ولي لهم إلا الشيطان، و ﴿كيد الشيطان﴾ للمؤمنين ضعيف وأوهن في جنب كيد الله للكافرين.
ودخل ﴿كان﴾ هنا ليدل على أن الضعف لازم لكيد الشيطان في جميع الأحوال والأوقات.
سورة النساء / 77 ﴿ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا (77)﴾ ﴿كفوا أيديكم﴾ أي: كفوها عن القتال، وكان المسلمون بمكة مكفوفين عن قتال الكفار وكانوا يتمنون أن يؤذن لهم فيه ﴿فلما كتب عليهم القتال﴾ بالمدينة كره فريق منهم ذلك خوفا من القتل والإخطار بالروح ﴿كخشية الله﴾ إضافة للمصدر إلى المفعول ومحل الكاف النصب على الحال من الضمير في ﴿يخشون﴾ أي: يخشون الناس مثل أهل خشية الله، بمعنى مشبهين لأهل خشية الله ﴿أو أشد خشية﴾ من أهل خشية الله، وليس التقدير: يخشون خشية مثل خشية الله، لأن ﴿أشد خشية﴾ معطوف عليه، ولا تقول: خشي فلان أشد خشية فتنصب ﴿خشية﴾ وأنت تريد المصدر، وإنما تقول: أشد خشية بالجر، وإذا نصبتها كان أشد حالا من الفاعل ﴿لولا أخرتنا إلى أجل قريب﴾ استمهال إلى وقت آخر فأعلمهم سبحانه أن ما يستمتع به من منافع ﴿الدنيا قليل﴾، ﴿ولا تظلمون فتيلا﴾ أي: لا تبخسون أدنى شئ من أجوركم على مشاق المقاتلة فلا ترغبوا عنها.
﴿أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا (78) ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا (79)﴾ ﴿أينما تكونوا﴾ من الأماكن يلحقكم ﴿الموت و﴾ إن ﴿كنتم في﴾ قصور ﴿مشيدة﴾ مجصصة أو مطولة في ارتفاع، وقيل: في بروج السماء (11).
والحسنة تقع على النعمة والطاعة، والسيئة تقع على البلية والمعصية، قال الله تعالى: ﴿وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون﴾ (12)، المعنى: وإن تصبهم نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى الله، وإن تصبهم بلية من جدب وقحط نسبوها إليك وقالوا: هي ﴿من عندك﴾ وبشؤمك (13) كما حكي عن قوم موسى: ﴿وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه﴾ (14)، وعن قوم صالح: ﴿اطيرنا بك وبمن معك﴾ (15)، وإنما قاله اليهود والمنافقون فرد الله عليهم ﴿قل كل من عند الله﴾ يبسط الأرزاق ويقبضها يبتلي بذلك عباده ﴿فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا﴾ فيعلموا أن الله هو الباسط والقابض، وأفعاله كلها صادرة عن حكمة وصواب.
ثم قال: ﴿ما أصابك﴾ يا إنسان خطابا عاما ﴿من حسنة﴾ من نعمة وإحسان ﴿فمن الله﴾ تفضلا منه وامتنانا وامتحانا ﴿وما أصابك من سيئة﴾ أي: بلية ومصيبة ﴿فمن نفسك﴾ لأنك السبب فيها بما اكتسبت من الذنوب، ومثله ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير﴾ (16)، ﴿وأرسلناك للناس﴾ جميعا ﴿رسولا﴾ لست برسول للعرب وحدهم ﴿وكفى بالله شهيدا﴾ على ذلك فما ينبغي لأحد أن يخرج عن طاعتك.
﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (80) ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (81)﴾ ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ لأنه إنما يأمر بما أمر الله سبحانه به وينهى عما نهى الله سبحانه عنه، فكانت طاعته في امتثال ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه طاعة الله ﴿ومن تولى﴾ أي: أعرض ولم يطع ﴿فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾ بل نذيرا، إن عليك إلا البلاغ وما عليك أن تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم ﴿ويقولون﴾ إذا أمرتهم بشئ: ﴿طاعة﴾ أي: أمرنا وشأننا طاعة، كأنهم قالوا: قابلنا أمرك بالطاعة ﴿فإذا برزوا﴾ أي: خرجوا ﴿من عندك بيت طائفة﴾ أي: دبر طائفة منهم ليلا ﴿غير الذي تقول﴾ أي: خلاف ما قلت وأمرت به أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة، لأنهم نافقوا بما قالوا وأبطنوا خلاف ما أظهروا، والتبييت: إما من البيتوتة لأنها تدبير الأمر بالليل، يقال: هذا أمر بيت بليل، وإما من أبيات الشعر لأن الشاعر يدبرها ويسويها ﴿والله يكتب ما يبيتون﴾ أي: يثبته في صحائف أعمالهم، وهذا وعيد ﴿فأعرض عنهم﴾ وأبق عليهم إلى أن يستقر أمر الإسلام ﴿وتوكل على الله﴾ في شأنهم فإن الله ينتقم لك منهم.
﴿أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا (82) وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (83)﴾ التدبر: النظر في أدبار الأمور وتأملها، ثم استعمل في كل تأمل، ومعنى تدبر القرآن: تأمل معانيه ﴿لوجدوا فيه اختلفا كثيرا﴾ لكان الكثير منه مختلفا متناقضا متفاوتا نظمه ومعانيه، فكان بعضه معجزا وبعضه غير معجز يمكن معارضته وبعضه إخبارا لا يوافق المخبر عنه، فلما تناسب كله فصاحة فاقت (17) قوى الفصحاء وصحة معان وصدق أخبار علم أنه ليس إلا من جهة الله تعالى ﴿وإذا جاءهم أمر من الامن﴾ يعني: ناسا من المنافقين، أو من ضعفة المسلمين كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله من أمن وسلامة أو خوف وضرر ﴿أذاعوا به﴾ وكانت إذاعتهم مفسدة، وقيل: كانوا إذا وقفوا من رسول الله وأولي الأمر على أمن أي: وثوق بالظفر على الأعداء أو خوف منهم أذاعوه (18) ﴿ولو ردوه إلى الرسول﴾ يعني: رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿وإلى أولي الأمر منهم﴾ قيل: هم أهل العلم والفقه الملازمون للنبي (عليه السلام) (19)، وقيل: هم أمراء السرايا والولاة (20)، وقال الباقر (عليه السلام): " هم الأئمة المعصومون " (21) ﴿لعلمه﴾ أي: لعلم صحته ﴿الذين يستنبطونه منهم﴾ من الرسول وأولي الأمر، ولعرفوا هل هو مما يذاع أو لا يذاع، ومعنى
﴿يستنبطونه﴾: يتلقونه منهم ويستخرجون علمه من جهتهم، وعلى هذا فالذين يستنبطونه هم الذين أذاعوا به، وقيل: معناه لعلم الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه (22)، ﴿ولولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ بإرسال الرسول وإنزال الكتاب، وعنهم (عليهم السلام): " فضل الله ورحمته النبي وعلي (عليهما السلام) " (23) ﴿لاتبعتم الشيطان﴾ فيما يلقى إليكم من الوساوس الموجبة لضعف اليقين (24) والبصيرة ﴿إلا قليلا﴾ منكم وهم أهل البصائر النافذة وذوو الصدق واليقين.
﴿فقتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا (84) من يشفع شفعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شئ مقيتا (85)﴾ لما تقدم في الآي قبلها تثبطهم عن القتال قال: ﴿فقتل في سبيل الله﴾ إن أفردوك وتركوك وحدك ﴿لا تكلف﴾ غير ﴿نفسك﴾ وحدها أن تقدمها إلى الجهاد فإن الله سبحانه هو ناصرك لا جنودك، فإن شاء نصرك وحدك كما ينصرك وحولك الجنود، وروي: أن أبا سفيان يوم أحد لما رجع واعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) موسم بدر الصغرى فكره الناس وتثاقلوا حين بلغ الميعاد فنزلت، فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) وما معه إلا سبعون، ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده (25)، ﴿وحرض المؤمنين﴾ وما عليك في شأنهم إلا التحريض ﴿عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا﴾ وهم قريش، وقد كف بأسهم بأن بدا لأبي سفيان وقال: هذا عام مجدب، فانصرف النبي (عليه السلام) بمن (26) معه سالمين (27) ﴿والله أشد بأسا﴾ من قريش ﴿وأشد تنكيلا﴾ تعذيبا.
الشفاعة الحسنة هي التي يدفع بها شر عن مسلم وابتغي بها وجه الله، والسيئة ما كان بخلاف ذلك، وقيل: الشفاعة الحسنة: الدعوة للمسلم لأنها في معنى الشفاعة إلى الله (28)، وفي الحديث: " من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب أستجيب له وقال له الملك: ولك مثلاه فذلك النصيب، والدعوة على المسلم بضد ذلك " (29)، وأصل الشفاعة من الشفع الذي هو ضد الوتر، فإن الرجل إذا شفع لصاحبه فقد شفعه أي: صار ثانيه، والكفل: النصيب أيضا فكأنه النصيب من الشر، والمقيت: الحفيظ الذي يعطي الشئ على قدر الحاجة، وقيل: هو المقتدر (30).
﴿وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شئ حسيبا (86) الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيمة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا (87)﴾
أمر سبحانه برد السلام على المسلم ﴿بأحسن﴾ مما سلم وهو أن يقول: " وعليكم السلام ورحمة الله " إذا قال: " السلام عليكم "، وأن يزيد " وبركاته " إذا قال: " السلام عليكم ورحمة الله "، ﴿أو ردوها﴾ أو أجيبوها بمثلها، ورد السلام: رجع جوابه بمثله، وجواب التسليم واجب، والتخيير إنما وقع بين الزيادة وتركها، وعن النبي (عليه السلام): " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم " (31) أي: وعليكم ما قلتم لأنهم كانوا يقولون: السام عليكم، والسام: الموت، والحسيب: المحاسب (32) الحفيظ، و ﴿لا إله إلا هو﴾ إما خبر المبتدأ وإما اعتراض والخبر ﴿ليجمعنكم﴾ أي: ليحشرنكم ﴿إلى يوم القيمة﴾ وهو يوم قيامهم من القبور أو قيامهم للحساب ﴿ومن أصدق من الله حديثا﴾ أي: موعدا لأخلف لوعده.
﴿فما لكم في المنفقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (88) ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا (89)﴾ ﴿فئتين﴾ نصب على الحال تقول: مالك قائما، أي: ما ﴿لكم﴾ اختلفتم ﴿في﴾ شأن ﴿المنفقين﴾ أو تفرقتم فيه فرقتين ﴿والله أركسهم بما كسبوا﴾ من لحوقهم بالمشركين، وهم قوم قدموا من مكة وأظهروا الإسلام ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك ثم سافروا إلى اليمامة، فاختلف المسلمون في غزوهم فقال بعضهم: إنهم مسلمون، والإركاس: الرد، أي: أركسهم في الكفر بأن خذلهم حتى ارتكسوا فيه لما علم من مرض قلوبهم ﴿أتريدون أن تهدوا﴾ أي: تجعلوا من جملة المهتدين من جعله الله من جملة الضلال وحكم عليه بذلك، أو خذله حتى ضل، وقوله: ﴿فتكونون﴾ عطف على ﴿تكفرون﴾ والمعنى: ﴿ودوا﴾ كفركم فكونكم معهم شرعا سواء فيما هم عليه من الضلال، فلا تتولوهم وإن آمنوا ﴿حتى يهاجروا﴾ هجرة صحيحة هي لله لا لغرض من أغراض الدنيا ﴿فإن تولوا﴾ عن الإيمان المصاحب للهجرة المستقيمة فحكمهم حكم سائر المشركين أن يقتلوا حيث وجدوا في أرض الله من الحل والحرم ﴿ولا تتخذوا منهم﴾ خليلا ولا ناصرا، وإن بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم.
﴿إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقتلوكم أو يقتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا (90)﴾ هو استثناء من قوله: ﴿فخذوهم واقتلوهم﴾، ومعنى ﴿يصلون إلى قوم﴾: ينتهون (33) إليهم ويتصلون بهم بحلف أو جوار ﴿بينكم وبينهم ميثاق﴾ أي: موادعة وعهد، وهؤلاء القوم هم الأسلميون وادعهم رسول الله وقت خروجه من مكة وواثق عنهم هلال بن عويمر الأسلمي (34) على أن لا يعين رسول الله ولا يعين عليه، وعلى أن من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال ﴿أو جاءوكم﴾ يجوز أن يكون معطوفا على صفة ﴿قوم﴾ كأنه قيل: إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم، أو على صلة ﴿الذين﴾ كأنه قيل: إلا الذين يصلون إلى المعاهدين أو الذين لا يقاتلونكم ﴿حصرت صدورهم﴾ في موضع الحال بإضمار " قد "، ويدل عليه قراءة من قرأ: " حصرة صدروهم " (35)، وقيل: هو صفة لموصوف محذوف أي: جاؤوكم قوما حصرت صدورهم (36)، وقيل: هو بيان لـ ﴿جاءوكم﴾ وهم بنو مدلج جاءوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير مقاتلين (37)، والحصر: الضيق والانقباض ﴿أن يقتلوكم﴾ عن أن يقاتلوكم، أو كراهة أن يقاتلوكم ﴿ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم﴾ هذا إخبار عن المقدور، وليس فيه أنه يفعل ذلك أو يأذن لهم فيه بل قذف سبحانه الرعب في قلوبهم حتى طلبوا الموادعة، ولو لم يقذفه لكانوا مسلطين أي: مقاتلين غير مكافين ﴿فإن اعتزلوكم﴾ فإن لم يتعرضوا لكم ﴿وألقوا إليكم السلم﴾ أي: الاستسلام والانقياد ﴿فما جعل الله لكم عليهم سبيلا﴾ أي: فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم.
﴿ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطنا مبينا (91)﴾ هم قوم من بني أسد وغطفان كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم نكثوا عهدهم وكفروا ﴿كل ما ردوا إلى الفتنة﴾ أي: كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين قلبوا ﴿فيها﴾ أقبح قلب وكانوا شرا فيها من كل عدو ﴿فإن لم﴾ يعتزل هؤلاء قتالكم ولم يستسلموا لكم ﴿و﴾ لم ﴿يكفوا أيديهم﴾ عن قتالكم فأسروهم ﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم﴾ أي: حيث تمكنتم منهم ﴿سلطنا مبينا﴾ أي: حجة واضحة لظهور عداوتهم وكفرهم وإضرارهم بأهل الإسلام، وقيل: تسلطا ظاهرا حيث أذنا لكم في قتلهم وأسرهم (38).
﴿وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطا ومن قتل مؤمنا خطا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما (92)﴾
﴿وما﴾ صح ﴿لمؤمن﴾ ولا استقام له وما لاق بحاله، كقوله سبحانه: ﴿وما كان لنبي أن يغل﴾ (39) وما كان لنا أن نعود فيها ﴿أن يقتل مؤمنا﴾ ابتداء غير قصاص ﴿إلا خطا﴾ إلا على وجه الخطأ، وانتصب ﴿خطا﴾ على أنه مفعول له، أي: ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده، ويجوز أن يكون حالا بمعنى: لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ، أو صفة للمصدر أي: إلا قتلا خطأ، والمعنى: أن من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتة إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد بأن يرمي شخصا على أنه كافر فيكون مسلما أو نحو ذلك (40) ﴿فتحرير رقبة﴾ أي: فعليه تحرير رقبة، والتحرير: الإعتاق، والحر: الكريم، والعتيق كذلك لأن الكرم في الأحرار، ومنه عتاق الطير وعتاق الخيل لكرامهما، وحر الوجه (41) أكرم موضع منه، والرقبة عبارة عن النسمة ﴿ودية مسلمة إلى أهله﴾ أي: مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث، والدية على عاقلة القاتل ﴿إلا أن يصدقوا﴾ أي: يتصدق أولياء المقتول بالدية ومعناه: العفو، وفي الحديث: " كل معروف صدقة " (42)، ﴿فإن كان من قوم عدو لكم﴾ أي: قوم كفار محاربين لكم ﴿وهو مؤمن﴾ يعني: أن يكون آمن بالنبي (عليه السلام) وهو بين ظهراني قومه لم يفارقهم بعد، فعلى قاتله الكفارة إذا قتله خطأ وليس على عاقلته لأهله شئ لأنهم كفار ﴿وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق﴾ أي: عهد وذمة وليسوا أهل حرب ﴿فدية مسلمة إلى أهله﴾ تلزم عاقلة قاتله ﴿وتحرير رقبة مؤمنة﴾ تلزم قاتله ﴿فمن لم يجد﴾ رقبة أي: لم يملكها ﴿فـ﴾ عليه ﴿صيام شهرين متتابعين توبة من الله﴾ قبولا من الله، من تاب الله عليه أي: شرع ذلك توبة منه.
﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خلدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93)﴾ في هذه الآية من التهديد والوعيد أمر عظيم وخطب جسيم، ولذلك قال بعض أصحابنا: إن قاتل المؤمن لا يوفق للتوبة (43)، على معنى أنه لا يختار التوبة، وعن الصادق (عليه السلام): " أن معنى التعمد أن يقتله على دينه " (44)، وعن عكرمة (45) وجماعة (46) هو أن يقتله مستحلا لقتله.
﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا (94)﴾ سورة النساء / 95 وقرئ: " فتثبتوا " (47) وهما جميعا من التفعل بمعنى الاستفعال، أي: اطلبوا بيان الأمر وثباته، ولا تعجلوا في القتل من غير روية ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم﴾ أي: حياكم بتحية أهل الإسلام، ومن قرأ: " السلم " (48) فهو الاستسلام، وقيل: الإسلام (49)، وقرئ: " لست مؤمنا " بفتح الميم (50) من آمنه، أي: لا تقولوا له: لا نؤمنك ﴿تبتغون عرض الحياة الدنيا﴾ أي: تطلبون الغنيمة التي هي حطام الدنيا، وهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه ﴿فعند الله مغانم كثيرة﴾ يغنمكموها يغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام لتأخذوا ماله ﴿كذلك كنتم من قبل﴾ أول ما دخلتم في الإسلام، سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة فحصنت دماؤكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم ﴿فمن الله عليكم﴾ بالاستقامة والاشتهار بالإيمان ﴿فتبينوا﴾ تكرير للأمر بالتبيين ليؤكد عليهم.
﴿لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95) درجت منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما (96)﴾ قرئ: ﴿غير أولى الضرر﴾ بالرفع صفة لـ ﴿القاعدون﴾ وبالنصب (51) استثناء منهم أو حالا عنهم، والضرر: المرض أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها، عن ابن عباس: ﴿لا يستوى القاعدون﴾ عن بدر والخارجون إليها (52)، وعن مقاتل (53): عن تبوك (54) (55)، ﴿فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم﴾ جملة موضحة لما نفي من استواء القاعدين والمجاهدين، كأنه قيل: مالهم (56) لا يستوون؟فأجيب بذلك، والمعنى: على القاعدين غير أولي الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف ﴿وكلا﴾ أي: وكل فريق من المجاهدين والقاعدين ﴿وعد الله الحسنى﴾ أي: المثوبة الحسنى وهي الجنة وإن كان المجاهدون مفضلين ﴿على القاعدين درجة﴾.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله): " لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم (57) وهوت أفئدتهم إلى الجهاد وقد منعهم من المسير ضرر أو غيره " (58).
ذكر سبحانه المفضلين ﴿درجة﴾ ثم ذكر المفضلين ﴿درجت﴾، والأولون هم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء، والآخرون هم الذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم، لأن الجهاد فرض على الكفاية، و ﴿درجة﴾ انتصبت لوقوعها موقع المرة كأنه قال: فضلهم تفضيلة نحو ضربه سوطا بمعنى: ضربة، وانتصب ﴿أجرا﴾ ب? ﴿فضل﴾ أيضا لأنه في معنى أجرهم أجرا، و ﴿درجت﴾ و ﴿مغفرة﴾ و ﴿رحمة﴾ بدل من ﴿أجرا﴾.
﴿إن الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله وا سعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا (97) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (98) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا (99)﴾ ﴿توفيهم﴾ يجوز أن يكون ماضيا كقراءة من قرأ: " توفتهم " (59)، ويجوز أن يكون مضارعا بمعنى تتوفاهم، وقرئ في الشواذ: " توفاهم " (60) فيكون مضارع " وفيت "، والمعنى: أن الله يوفي الملائكة أنفسهم فيتوفونها، أي: يمكنهم من استيفائها فيستوفونها ﴿ظالمي أنفسهم﴾ في حال ظلمهم أنفسهم ﴿قالوا﴾ أي: قال الملائكة للمتوفين: ﴿فيم كنتم﴾ أي: في أي شئ كنتم من أمر دينكم؟﴿قالوا كنا مستضعفين في الأرض﴾ وهم جماعة أسلموا بمكة ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة، فلما خرج المشركون إلى بدر لم يخلفوا أحدا إلا صبيا أو مريضا أو شيخا كبيرا، فخرج هؤلاء معهم فلما نظروا إلى قلة المسلمين ارتابوا، فأصيبوا فيمن أصيب من المشركين بهم، فنزلت (61) الآية فيهم، وصح قولهم: ﴿كنا مستضعفين﴾ جوابا عن ﴿فيم كنتم﴾ لأنه كالتوبيخ لهم بأنهم لم يكونوا في شئ من الدين حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا، فاعتذروا مما وبخوا به بالاستضعاف وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة، فبكتهم الملائكة بأن قالوا: ﴿ألم تكن أرض الله وا سعة فتهاجروا فيها﴾ أي: كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم، وهذا يدل على أن الإنسان إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر الدين لبعض العوائق وعلم أنه في غير بلده أقوم بحق الله وجبت عليه المهاجرة.
وفي الحديث: " من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد (عليهما السلام) " (62).
ثم استثنى من أهل الوعيد ﴿المستضعفين﴾ الذين ﴿لا يستطيعون حيلة﴾ في الخروج لفقرهم وعجزهم وقلة معرفتهم بالطرق، وقوله: ﴿لا يستطيعون حيلة﴾ صفة لـ ﴿المستضعفين﴾ أو لـ ﴿الرجال والنساء والوالدان﴾ وجاز ذلك وإن كان الجمل يجب كونها نكرات، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس لشئ بعينه، كقول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني (63) ﴿ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مرا غما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما (100)﴾
﴿مرا غما﴾ أي: مهاجرا وطريقا يراغم بسلوكه قومه، أي: يفارقهم على رغم أنوفهم، والرغم: الذل والهوان، وأصله لصوق الأنف بالرغام وهو التراب، قال النابغة الجعدي (64): كطود يلاذ بأركانه * عزيز المراغم والمضطرب (65) ﴿فقد وقع أجره على الله﴾ فقد وجب ثوابه على الله، وأصل الوجوب السقوط كقوله تعالى: ﴿فإذا وجبت جنوبها﴾ (66) يعني فقد علم الله كيف يثيبه، وذلك واجب عليه، وكل هجرة لغرض (67) ديني من طلب علم أو حج أو فرار إلى بلد يزداد فيه طاعة أو زهدا في الدنيا فهي هجرة إلى الله ورسوله.
﴿وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا (101)﴾ الضرب في الأرض هو السفر، أي: ﴿إذا﴾ سافرتم ﴿فليس عليكم﴾ حرج وإثم في ﴿أن تقصروا من﴾ عدد ﴿الصلاة﴾ فتصلوا الرباعيات ركعتين ركعتين، والقصر ثابت بنص الكتاب في حال الخوف خاصة وهو قوله: ﴿إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا﴾، أما في حال الأمن فبنص النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو عزيمة واجبة غير رخصة عند أبي حنيفة (68)، وهو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) (69)، وعند الشافعي رخصة (70)، وإنما قال: ﴿فليس عليكم جناح﴾ في الواجب لئلا يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر، فهو مثل قوله: ﴿فلا جناح عليه أن يطوف بهما﴾ (71)، والمراد بالفتنة في الآية: القتال والتعرض بما يكره، فإنهم كانوا يخافون الكفار في عامة أسفارهم، وحد السفر الذي فيه القصر عند أبي حنيفة مسيرة ثلاثة أيام بلياليهن سير الإبل (72)، وعند الشافعي مسيرة يومين (73)، وعند أهل البيت (عليهم السلام) مسيرة يوم واحد وهي ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا (74)، وأجمعت الطائفة على أنه ليس بقصر بل فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر وأربعا أربعا في الحضر (75).
﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة وا حدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا (102)﴾
﴿فيهم﴾ الضمير للخائفين ﴿فلتقم طائفة منهم معك﴾ فاجعلهم طائفتين فلتقم إحدى الطائفتين معك فصل بهم ﴿وليأخذوا أسلحتهم﴾ الضمير للمصلين يأخذون من السلاح ما لا يشغلهم عن الصلاة كالسيف يتقلدونه والخنجر يشدونه إلى دروعهم ونحوهما ﴿فإذا سجدوا﴾ وفرغوا من سجودهم ﴿فليكونوا من ورائكم﴾ أي: فليصيروا بعد فراغهم من السجود مصافين للعدو، وعندنا: أنهم يصلون الركعة الأخرى ويتشهدون ويسلمون وينصرفون إلى مواقف أصحابهم والإمام قائم في الثانية، ويجئ الآخرون ويستفتحون الصلاة ويصلي بهم الإمام الركعة الثانية ويطيل التشهد حتى يقوموا فيصلوا بقية صلاتهم ثم يسلم بهم (76)، وذلك قوله: ﴿ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم﴾ جعل الحذر وهو التحرز كأنه آلة يستعملها الغازي، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ كما جعل الإيمان مستقرا ومتبوءا لتمكنهم فيه في قوله: ﴿والذين تبوؤا الدار والأيمن﴾ (77)، ﴿ود الذين كفروا﴾ أي: تمنوا ﴿لو تغفلون عن أسلحتكم﴾ تشتغلون عن أخذها في القتال ﴿فيميلون عليكم﴾ فيشدون عليكم شدة واحدة، ثم رخص لهم في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها إذا نالهم ﴿أذى من مطر أو﴾ مرض، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيحمل عليهم العدو ﴿إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا﴾ هذا إخبار بأنه سبحانه يهين عدوهم ليقوي (78) قلوبهم.
﴿فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قيما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتبا موقوتا (103) ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما (104)﴾ ﴿فإذا﴾ صليتم في حال الخوف والقتال ﴿فاذكروا الله﴾ فصلوها ﴿قيما﴾ مسايفين ﴿وقعودا﴾ جاثين على الركب مرامين ﴿وعلى جنوبكم﴾ مثخنين بالجراح ﴿فإذا اطمأننتم﴾ حين تضع الحرب أوزارها واستقررتم وأمنتم ﴿فأقيموا الصلاة﴾ فأتموا حدود الصلاة ﴿إن الصلاة كانت على المؤمنين كتبا موقوتا﴾ أي: محدودا بأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في حال خوف كنتم أو أمن، وقيل: معناه: فإذا قضيتم صلاة الخوف فأديموا ذكر الله مكبرين ومهللين داعين بالنصرة والتأييد في كافة أحوالكم من قيام وقعود واضطجاع فإذا اطمأننتم فإذا أقمتم فأتموا الصلاة (79) ﴿ولا تهنوا﴾ ولا تضعفوا في طلب الكفار، ثم ألزمهم الحجة بأن قال: ﴿إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون﴾ فإن ذلك أمر مشترك بينكم وبينهم يصيبهم كما يصيبكم، ثم إنهم يصبرون عليه ويتشجعون فمالكم لا تصبرون مثل صبرهم مع أنكم أولى منهم بالصبر، لأنكم ﴿ترجون من الله ما لا يرجون﴾ من الظفر بهم في الدنيا والثواب الجزيل في الآخرة ﴿وكان الله عليما حكيما﴾ لا يأمركم ولا ينهاكم إلا بما يعلم أن فيه صلاحكم.
﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أريك الله ولا تكن للخائنين خصيما (105) واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما (106) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما (107) يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا (108) ها أنتم هؤلاء جدلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجدل الله عنهم يوم القيمة أم من يكون عليهم وكيلا (109)﴾ يروى: أن أبا طعمة بن أبيرق سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النعمان وخبأها عند رجل من اليهود، فأخذ الدرع من منزل اليهودي، فقال: دفعها إلي أبو طعمة، فجاء بنو أبيرق إلى رسول الله فكلموه أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: إن لم تفعل هلك وافتضح وبرئ اليهودي، فهم رسول الله أن يفعل وأن يعاقب اليهودي، فنزلت (80).
﴿بما أريك الله﴾ أي: بما عرفك الله وأوحى إليك ﴿ولا تكن للخائنين خصيما﴾ أي: لأجل الخائنين مخاصما للبراء ﴿واستغفر الله﴾ مما هممت به من عقاب اليهودي ﴿يختانون أنفسهم﴾ يخونونها بالمعصية، جعلت معصية العصاة خيانة منهم لأنفسهم كما جعلت ظلما لها لأن الضرر راجع إليهم، ونحوه ﴿علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم﴾ (81)، ﴿يستخفون من الناس﴾ أي: يستترون من الناس حياء منهم وخوفا من ضررهم ﴿ولا﴾ يستترون ﴿من الله﴾ ولا يستحيون منه ﴿وهو معهم﴾ عالم بأحوالهم ﴿إذ يبيتون﴾ يدبرون ويزورون بالليل ﴿مالا يرضى من القول﴾.
﴿ها أنتم هؤلاء﴾: " ها " للتنبيه في " أنتم " و " أولاء " وهما مبتدأ وخبر، و ﴿جدلتم﴾ جملة مبينة لوقوع " أولاء " خبرا، كما تقول للرجل السخي: أنت حاتم تجود بمالك، والمعنى: هبوا أنكم خاصمتم عن بني أبيرق ﴿في﴾ الدنيا ﴿فمن﴾ يخاصم ﴿عنهم﴾ في الآخرة إذا عذبهم الله ﴿وكيلا﴾ أي: حافظا من بأس الله ونقمته.
﴿ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما (110) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما (111) ومن يكسب خطية أو إثما ثم يرم به بريا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا (112) ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما (113)﴾ ﴿سوءا﴾ أي: قبيحا متعديا يسوء به غيره كما فعل أبو طعمة بقتادة واليهودي ﴿أو يظلم نفسه﴾ بما يختص به، وقيل: ﴿ومن يعمل سوءا﴾ أي: ذنبا دون الشرك ﴿أو يظلم نفسه﴾ بالشرك (82)، وفيه: أن كل ذنب وإن عظم فإنه غير مانع من المغفرة إذا استغفر منه ﴿فإنما يكسبه على نفسه﴾ أي: لا يتعدى ضرره إلى غيره ﴿ومن يكسب خطية﴾ أي: ذنبا على غير عمد ﴿أو إثما﴾ أي: ذنبا تعمده ﴿ثم يرم به بريا﴾ كما رمى به أبو طعمة غيره ﴿فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا﴾ لأنه بكسب الإثم آثم وبرمي البرئ به باهت، فهو جامع بين الأمرين ﴿ولولا فضل الله عليك ورحمته﴾ أي: عصمته وألطافه واطلاعه إياك على سرهم ﴿لهمت طائفة منهم أن يضلوك﴾ عن القضاء بالحق وسلوك طريق العدل ﴿وما يضلون إلا أنفسهم﴾ لأن وباله عليهم ﴿وما يضرونك من شئ﴾ فإن الله حافظك وناصرك ومؤيدك ﴿وأنزل الله عليك﴾ القرآن والسنة ﴿وعلمك ما لم تكن تعلم﴾ من خفيات الأمور، أو من أمور الدين وأحكام الشرع.
﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما (114) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (115) إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضللا بعيدا (116)﴾ ﴿لا خير في كثير من﴾ تناجي الناس ﴿إلا﴾ نجوى ﴿من أمر﴾ على أنه مجرور بدل من ﴿كثير﴾ كما تقول: لاخير في قيامهم إلا قيام فلان، ويجوز أن يكون منصوبا على الاستثناء المنقطع أي: لكن ﴿من أمر بصدقة﴾ ففي نجواه الخير (83)، وقيل: المعروف: القرض (84)، وقيل: هو عام في كل جميل (85)، والإصلاح بين الناس: التأليف بينهم بالمودة.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): " إن الله فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيمانكم " (86).
﴿ويتبع غير سبيل المؤمنين﴾ وهو السبيل الذي هم عليه من الدين الحنيفي ﴿نوله ما تولى﴾ نجعله واليا لما (87) تولى من الضلال بأن نخذله ونخلي بينه وبين ما اختاره ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به﴾ تكرير للتأكيد، وقيل: كرر لقصة أبي طعمة (88).
﴿إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا (117) لعنه الله وقال لاتخذن من عبادك نصيبا مفروضا (118) ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا (119) يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا (120) أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا (121)﴾
﴿إلا إناثا﴾ هي اللات والعزى ومناة، وعن الحسن: لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بني فلان (89)، وقيل: كانوا يقولون في أصنامهم: هن بنات الله (90)، وقيل: المراد الملائكة لقولهم: الملائكة بنات الله (91) ﴿وإن يدعون﴾ أي: وما يدعون (92) بعبادة الأصنام ﴿إلا شيطانا﴾ لأنه الذي أغراهم بعبادتها فأطاعوه فجعل طاعتهم له عبادة، وقوله: ﴿لعنه الله﴾، ﴿وقال لاتخذن﴾ صفتان، يعني (93): ﴿شيطانا مريدا﴾ جامعا بين لعنة الله وهذا القول الشنيع ﴿نصيبا مفروضا﴾ مقطوعا واجبا فرضته لنفسي وهو من قولهم: فرض له في العطاء، ﴿ولأمنينهم﴾ الأماني الكاذبة من طول العمر وبلوغ الأمل، وتبتيكهم ﴿آذان الانعام﴾ هو ما فعلوه بالبحائر، كانوا يشقون أذنها إذا ولدت خمسة أبطن والخامس ذكر، وتغييرهم ﴿خلق الله﴾ هو فقؤهم عين الحامي وإعفاؤه عن الركوب، وقيل: هو الخصاء (94)، وقيل: فطرة الله التي هي دين الإسلام وأمره (95)، وقيل: للحسن: إن عكرمة يقول: هو الخصاء، فقال: كذب عكرمة، هو دين الله (96)، وعن ابن مسعود: هو الوشم (97) ﴿يعدهم﴾ الفقر إن أنفقوا مالهم ﴿ويمنيهم﴾ طول البقاء في الدنيا ودوام نعيمها ليؤثروها على الآخرة.
﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122) ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا (123) ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا (124) ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا (125) ولله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله بكل شئ محيطا (126)﴾ ﴿وعد الله حقا﴾ مصدران مؤكدان: الأول مؤكد لنفسه، التقدير: وعد الله ذلك وعدا، والثاني مؤكد لغيره، التقدير: أحقه حقا (98) ﴿ومن أصدق من الله قيلا﴾ توكيد آخر بليغ، و ﴿قيلا﴾ نصب على التمييز، وفي ﴿ليس﴾ ضمير ﴿وعد الله﴾ أي: ليس ينال ما وعد الله من الثواب ﴿بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب﴾ والخطاب للمسلمين (99)، وعن الحسن: ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل (100)، وقيل: إن الخطاب للمشركين (101) قالوا: إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء لنكونن خيرا منهم وأحسن حالا: لأوتين مالا وولدا، إن لي عنده للحسنى، وقال أهل الكتاب: نحن أبناء الله وأحباؤه ﴿ومن يعمل من الصالحات﴾ ﴿من﴾ للتبعيض، أي: ومن يعمل بعض الصالحات، و ﴿من﴾ في قوله: ﴿من ذكر أو أنثى﴾ لتبيين الإبهام في ﴿من يعمل﴾، ﴿ولا يظلمون نقيرا﴾ أي: ولا يبخسون مقدار نقير مما يستحقونه من الثواب، و ﴿أسلم وجهه﴾ أي: أخلص نفسه ﴿لله﴾ وجعلها سالمة له لا يعرف لها ربا ومعبودا سواه ﴿وهو محسن﴾ أي: فاعل للفعل الحسن، أو هو محسن في جميع أفعاله، وفي الحديث: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " (102)، ﴿حنيفا﴾ حال من المتبع ﴿واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾ عبارة عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، والخليل: الذي يخالك، أي: يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك (103)، من الخل وهو الطريق في الرمل، أو يسد خللك كما تسد خلله، وهي جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب وفائدتها تأكيد وجوب اتباع ملته (104) (105) ﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض﴾ متصل بذكر الصالحين والطالحين، أي: إن من له ملك أهل السماوات والأرض فطاعته واجبة عليهم ﴿وكان الله بكل شئ محيطا﴾ فيعلم أعمالهم ويجازيهم عليها.
﴿ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء التي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدا ن وأن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما (127)﴾ ﴿وما يتلى عليكم﴾ في محل الرفع على العطف، أي: ﴿الله يفتيكم﴾، والمتلو ﴿في الكتاب﴾ في معنى ﴿يتامى النساء﴾ يعني قوله: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى﴾ (106) وهو نحو قولك: أعجبني زيد وكرمه، فيكون ﴿في يتامى النساء﴾ من صلة ﴿يتلى﴾، ويجوز أن يكون ﴿في يتامى النساء﴾ بدلا من ﴿فيهن﴾ وهذه الإضافة أعني ﴿يتامى النساء﴾ بمعنى: " من " نحو ثوب خز وسحق عمامة ﴿التي لا تؤتونهن﴾ أي: لا تعطونهن ﴿ما كتب لهن﴾ أي: ما فرض لهن من الميراث، وكان الرجل منهم يضم اليتيمة ومالها إلى نفسه، فإن كانت جميلة تزوجها وأكل المال، وإن كانت دميمة عضلها عن التزوج حتى تموت فيرثها ﴿وترغبون أن تنكحوهن﴾ يحتمل الوجهين، أي: ترغبون في أن تنكحوهن لجمالهن ومالهن، أو ترغبون عن أن تنكحوهن لدمامتهن، وقوله: ﴿والمستضعفين من الولدا ن﴾ مجرور معطوف على ﴿يتامى النساء﴾ وكانوا في الجاهلية إنما يورثون الرجال الذين يقومون بالأمور دون الأطفال والنساء، والمعنى: يفتيكم في يتامى النساء وفي المستضعفين من الصبيان بأن تعطوهم حقوقهم، ﴿و﴾ في ﴿أن تقوموا لليتامى بالقسط﴾ أي: بالعدل في أنفسهم وفي مواريثهم، وتعطوا كل ذي حق منهم حقه صغيرا كان أو كبيرا، ذكرا كان أو أنثى ﴿وما تفعلوا من خير﴾ من عدل أو بر يعلمه الله سبحانه ولا يضيع عنده أجره.
﴿وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (128)﴾
﴿خافت من بعلها نشوزا﴾ أي: توقعت منه ذلك وهو أن يمنعها نفسه ومودته ونفقته ويؤذيها بسب أو ضرب ﴿أو إعراضا﴾ بأن يعرض عنها ويقل مجالستها ومؤانستها ﴿فلا جناح عليهما أن﴾ يتصالحا، أي: يصطلحا ﴿بينهما صلحا﴾ بأن تترك المرأة له يومها، أو تضع عنه بعض ما يجب لها من نفقة تستعطفه بذلك، أو تهب له بعض المهر ﴿والصلح خير﴾ من الفرقة أو من النشوز والإعراض وسوء العشرة، أو الصلح خير من الخصومة في كل شئ، وهذه الجملة اعتراض وكذا قوله: ﴿وأحضرت الأنفس الشح﴾ أي: جعل الشح حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا إذ هي مطبوعة عليه، والغرض: أن المرأة لا تسمح بقسمتها والرجل لا يسمح بأن يمسكها إذا أحب غيرها ولم يحبها ﴿وإن تحسنوا﴾ بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن وتصبروا على ذلك ﴿وتتقوا﴾ النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة ﴿فإن الله كان بما تعملون خبيرا﴾ وهو يثيبكم عليه.
﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما (129) وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله وا سعا حكيما (130)﴾ ومحال أن ﴿تستطيعوا﴾ العدل ﴿بين النساء﴾ والتسوية حتى لا يقع ميل البتة في المحبة والمودة بالقلب ﴿ولو حرصتم﴾ على ذلك، وعن النبي (صلى الله عليه وآله): أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول: " هذه قسمتي فيما أملك فلا تأخذني فيما تملك ولا أملك " (107) يعني المحبة، وقيل: إن العدل بينهن صعب وهو أن يسوي بينهن في القسمة والنفقة والتعهد والنظر والمؤانسة وغير ذلك مما لا يحصى (108) فهو كالخارج من حد الاستطاعة، هذا إذا كن محبوبات كلهن فكيف إذا مال القلب مع بعضهن ؟! ﴿فلا تميلوا كل الميل﴾ فلا تجوروا على المرغوب عنها كل الجور فتمنعوها قسمتها من غير رضى منها ﴿فتذروها كالمعلقة﴾ وهي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة، ويروى: أن عليا (عليه السلام) كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى (109) ﴿وإن تصلحوا﴾ في القسمة والتسوية بين الأزواج ﴿وتتقوا﴾ الله في أمرهن ﴿فإن الله كان غفورا رحيما﴾ يغفر لكم ما مضى منكم من الحيف في ذلك، ويرحمكم بترك المؤاخذة عليه ﴿وإن يتفرقا﴾ وإن يفارق كل واحد منهما صاحبه ﴿يغن الله كلا﴾ أي: يرزقه الله زوجا خيرا من زوجه وعيشا أهنأ من عيشه، والسعة: الغنى والمقدرة، والواسع: الغني المقتدر.
﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا (131) ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا (132)﴾ تعلق قوله: ﴿من قبلكم﴾ ب? ﴿وصينا﴾ أو ب? ﴿أوتوا﴾، ﴿وإياكم﴾ عطف على ﴿الذين أوتوا﴾، و ﴿الكتاب﴾ اسم للجنس يتناول الكتب السماوية ﴿أن اتقوا الله﴾ أي: بأن اتقوا الله، والمعنى: وصيناهم ووصيناكم بالتقوى ﴿و﴾ قلنا لهم ولكم: ﴿إن تكفروا﴾، والمعنى: أن لله الخلق كله وهو خالقهم والمنعم عليهم بصنوف النعم فاستديموا نعمه باتقاء معاصيه ﴿ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب﴾ من الأمم السالفة ووصيناكم: ﴿أن اتقوا الله﴾ يعني: أنها وصية قديمة ما زال يوصي الله بها عباده، لأن بالتقوى تنال النجاة والسعادة ﴿وإن تكفروا فإن لله﴾ في سماواته وأرضه من يوحده ويعبده ﴿وكان الله﴾ مع ذلك ﴿غنيا﴾ عن خلقه وعن عبادتهم جميعا ﴿حميدا﴾ مستحقا لأن يحمد لكثرة نعمه، وكرر قوله: ﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض﴾ تقريرا لما هو موجب تقواه ليتقوه ويطيعوه ولا يعصوه.
﴿إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا (133) من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة وكان الله سميعا بصيرا (134)﴾
﴿إن يشأ﴾ الله يفنكم ويعدمكم كما أوجدكم ﴿ويأت بآخرين﴾ ويوجد خلقا آخرين غيركم أو إنسا آخرين مكانكم ﴿وكان الله﴾ على الإعدام والإيجاد ﴿قديرا﴾ لا يمتنع عليه شئ أراده، وقيل: هو خطاب لمن كان يعادي رسول الله من العرب (110)، يعني: إن يشأ يمتكم ويأت بناس آخرين يوالون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وروي: أنها لما نزلت ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده على ظهر سلمان (111) وقال: " إنهم قوم هذا " يعني: أبناء فارس (112) ﴿من كان يريد﴾ بجهاده ﴿ثواب الدنيا﴾ يعني: الغنيمة ﴿فعند الله ثواب الدنيا والآخرة﴾ فماله يطلب أحدهما دون الآخر، والذي يطلبه أخسهما، لأن الغنيمة في جنب ثواب الآخرة كلاشئ.
﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (135)﴾ ﴿قوامين بالقسط﴾ مجتهدين في إقامة العدل حتى لا تجوزوا ﴿شهداء لله﴾ تقيمون شهاداتكم لوجه الله كما أمركم بإقامتها ﴿ولو﴾ كانت الشهادة ﴿على أنفسكم﴾ وهي الإقرار لأنه في معنى الشهادة عليها ﴿أو الوالدين والأقربين﴾ أو على آبائكم وأقاربكم ﴿إن يكن﴾ المشهود عليه ﴿غنيا﴾ فلا تمتنعوا من الشهادة عليه لغناه ﴿أو فقيرا﴾ فلا تمتنعوا منها ترحما عليه ﴿فالله أولى بهما﴾ بالغني والفقير، أي: بالنظر إليهما وإرادة مصلحتهما، ولولا أن الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها ﴿فلا تتبعوا الهوى﴾ كراهة ﴿أن تعدلوا﴾ بين الناس، أو إرادة أن تعدلوا عن الحق ﴿وإن تلووا﴾ ألسنتكم عن شهادة الحق أو حكومة العدل ﴿أو تعرضوا﴾ عن الشهادة بما عندكم وتمنعوها، وقرئ: " وإن تلوا " (113) بمعنى: وإن وليتم إقامة الشهادة أو أعرضتم عن إقامتها ﴿فإن الله كان﴾ بأعمالكم وبمجازاتكم عليها ﴿خبيرا﴾.
﴿يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتب الذي نزل على رسوله والكتب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضللا بعيدا (136) إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا (137) بشر المنفقين بأن لهم عذابا أليما (138) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا (139)﴾
هو خطاب للمسلمين ﴿آمنوا﴾ أي: أثبتوا على الإيمان ودوموا عليه ﴿والكتب الذي أنزل من قبل﴾ المراد به جنس الكتب المنزلة على الأنبياء، وقرئ: " نزل " و " أنزل " على البناء للفاعل، وقيل: الخطاب لأهل الكتاب لأنهم آمنوا ببعض الكتب (114) والرسل وكفروا ببعض، أي: ﴿آمنوا بالله ورسوله﴾ محمد والقرآن وبكل كتاب ﴿أنزل﴾ قبله (115)، وقيل: هو للمنافقين يريد: يا أيها الذين آمنوا نفاقا آمنوا إخلاصا (116)، وإنما قيل: ﴿نزل﴾ بالتشديد للقرآن لأنه نزل مفرقا منجما في نيف وعشرين سنة بخلاف الكتب قبله ﴿ومن يكفر بالله﴾ الآية، أي: ومن يكفر بشئ من ذلك ﴿فقد ضل﴾ لأن الكفر بالبعض كفر بالكل، ألا ترى كيف قدم الإيمان بالجميع ؟! ﴿إن الذين آمنوا ثم كفروا﴾ هم اليهود آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا بهما بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) ﴿ثم آمنوا﴾ بعيسى والإنجيل يعني: النصارى ﴿ثم كفروا﴾ بهما بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) ﴿ثم ازدادوا كفرا﴾ بكفرهم بالقرآن، وقيل: هم طائفة من أهل الكتاب أرادوا تشكيك المسلمين بإظهار الإيمان به ثم بإظهار الكفر به كما تقدم ذكرهم عند قوله: ﴿آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون﴾ (117) (118)، وقيل: هم المنافقون أظهروا الإيمان بمحمد (119) (صلى الله عليه وآله) ثم الكفر به ثم الإيمان به ثم الكفر به ﴿ثم ازدادوا كفرا﴾ بإصرارهم على الكفر حتى ماتوا عليه (120)، وعن ابن عباس: دخل في هذه الآية كل منافق كان في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) (121)، ﴿لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا﴾ نفي للغفران والهداية التي هي اللطف، واللام للمبالغة في النفي ﴿بشر المنفقين﴾ وضع " بشر " مكان " أخبر " تهكما بهم ﴿الذين يتخذون﴾ نصب على الذم أو رفع بمعنى: أريد الذين، أو هم الذين وكانوا يوالون الكفرة ويمايلونهم ﴿أ﴾ يطلبون ﴿عندهم العزة﴾ والغلبة باتخاذهم إياهم ﴿أولياء من دون المؤمنين﴾، ﴿فإن العزة﴾ والغلبة ﴿لله﴾ ولأوليائه يعز من يشاء، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
﴿وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنفقين والكافرين في جهنم جميعا (140)﴾
﴿أن إذا سمعتم﴾ هي " أن " المخففة من الثقيلة (122)، والمعنى: أنه إذا سمعتم، و ﴿أن﴾ مع ما في حيزها في موضع الرفع ب? " نزل " (123)، أو في موضع النصب ب? ﴿نزل﴾ فيمن قرأ به، والمراد به ما نزل عليهم بمكة من قوله: ﴿وإذا رأيت الذين يخوضون فئ آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره﴾ (124)، وذلك أن المشركين كانوا يخوضون في ذكر القرآن فيستهزئون به فنهي المسلمون عن القعود ﴿معهم﴾، وكان اليهود في المدينة يفعلون مثل فعلهم فنهوا أن يجلسوا معهم، وكان المنافقون يجالسونهم فقيل لهم: ﴿إنكم إذا مثلهم﴾ والضمير في قوله: ﴿فلا تقعدوا معهم﴾ يرجع إلى من دل عليه قوله: ﴿يكفر بها ويستهزأ بها﴾، كأنه قال: فلا تقعدوا مع الكافرين بها والمستهزئين بها، وفي هذا (125) دلالة على تحريم مجالسة الكفار والفساق وأهل البدع من أي جنس كانوا.
﴿الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيمة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (141) إن المنفقين يخدعون الله وهو خدعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (142) مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (143)﴾ ﴿الذين يتربصون﴾ بدل من ﴿الذين يتخذون﴾ (126) أو صفة لـ ﴿المنفقين﴾ أو نصب على الذم (127)، ومعناه: ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من فتح أو إخفاق ﴿قالوا ألم نكن معكم﴾ فأسهموا لنا في الغنيمة ﴿قالوا ألم نستحوذ عليكم﴾ أي: ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم ﴿ونمنعكم من﴾ المسلمين بأن ثبطناهم عنكم وتوانينا في مظاهرتهم عليكم وأطلعناكم على أسرارهم وأفضينا إليكم بأخبارهم فاعرفوا لنا هذا الحق، وسمى ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا تعظيما لشأن المسلمين وتحقيرا لحظ الكافرين ﴿فالله يحكم بينكم﴾ وبين المنافقين أيها المؤمنون ﴿يوم القيمة﴾ بالحق فيدخلكم الجنة ويدخلهم النار ﴿إن المنفقين يخدعون الله﴾ أي: يفعلون فعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر ﴿وهو خدعهم﴾ من خادعته فخدعته، أي: فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع حيث عصم دماءهم وأموالهم في الدنيا وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة ﴿قاموا كسالى﴾ أي: متثاقلين لاعن رغبة ﴿يراءون الناس﴾ يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة ﴿ولا يذكرون الله﴾ أي: لا يصلون ﴿إلا قليلا﴾ لأنهم لا يصلون قط (128) غائبين عن عيون الناس وما يجاهرون به قليل، أو لا يذكرون الله بالتسبيح والتحميد إلا ذكرا قليلا في الندرة، والمراءاة: مفاعلة من الرؤية كأن المرائي يري الناس عمله وهم يرونه استحسانه، ويجوز أن يكون بمعنى التفعيل كما قيل: نعمه وناعمه (129)، وقد قرئ في الشواذ: " يرؤون " (130) مثل يرعون أي: يبصرونهم أعمالهم.
﴿مذبذبين﴾ إما حال عن واو ﴿يراءون﴾ نحو قوله: ﴿ولا يذكرون﴾ أي: يراؤون الناس غير ذاكرين مذبذبين، أو منصوب على الذم يعني: ذبذبهم الشيطان ﴿بين﴾ الكفر والإيمان فهم مترددون بينهما متحيرون.
وحقيقة المذبذب: الذي يذب عن كلا الجانبين، أي: يذاد ويدفع فلا يقر في حال واحدة كما قيل: فلان يرمى به الرجوان (131)، وقراءة ابن عباس: " مذبذبين " بكسر الذال (132) معناه: يذبذبون قلوبهم أو دينهم أو رأيهم، و ﴿ذلك﴾ إشارة إلى الكفر والإيمان ﴿لا﴾ منسوبين ﴿إلى هؤلاء﴾ فيكونوا مؤمنين ﴿ولا﴾ منسوبين ﴿إلى هؤلاء﴾ فيكونوا كافرين.
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطنا مبينا (144) إن المنفقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا (145) إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما (146)﴾ أي: لا تتشبهوا بالمنافقين في اتخاذهم ﴿الكافرين أولياء﴾، ﴿أتريدون أن تجعلوا لله عليكم﴾ حجة بينة، يعني: أن موالاة الكافرين بينة على النفاق ﴿الدرك الأسفل﴾ الطبق الذي في قعر جهنم، والنار سبع دركات، وقرئ بسكون الراء (133) ﴿وأصلحوا﴾ نياتهم ﴿واعتصموا بالله﴾ وثقوا به كما يثق المؤمنون المخلصون ﴿وأخلصوا دينهم لله﴾ أي: لا يبتغون بطاعتهم إلا وجه الله ﴿فأولئك مع المؤمنين﴾ أي: فهم أصحاب المؤمنين ورفقاؤهم في الدارين ﴿وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما﴾ فيشاركونهم فيه، و " سوف " كلمة ترجية وإطماع، وهي من الله سبحانه إيجاب، لأنه سبحانه أكرم الأكرمين ووعد الكريم إنجاز.
﴿ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما (147) لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما (148) إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا (149)﴾ ﴿ما﴾ يصنع ﴿الله بعذابكم﴾ أيتشفى به من الغيظ أم يستجلب به نفعا أو يستدفع به ضررا؟لا بل هو الغني الذي لا يجوز عليه شئ من ذلك، فإن قمتم بشكر نعمته ﴿وآمنتم﴾ به فقد أبعدتم عن أنفسكم استحقاق العذاب ﴿وكان الله شاكرا عليما﴾ يشكر القليل من أعمالكم ويعلم ما تستحقونه من الجزاء ﴿إلا من ظلم﴾ إلا جهر من ظلم، استثني من الجهر الذي لا يحبه الله جهر المظلوم، وهو أن يدعو على الظالم ويذكره بما فيه من السوء (134)، وقيل: هو أن يبدأ بالشتيمة فيرد على الشاتم ينتصر منه (135)، ثم حث سبحانه على العفو وأن لا يجهر أحد لأحد بسوء وإن كان على وجه الانتصار، حثا على الأحب إليه والأفضل عنده، وذكر إبداء الخير وإخفاءه تسبيبا للعفو، ثم عطف العفو عليهما تنبيها على لطف منزلته عند الله، ويدل على ما ذكرنا قوله: ﴿فإن الله كان عفوا قديرا﴾ أي: يعفو مع قدرته على الانتقام، فعليكم أن تقتدوا بسنة الله.
﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (151) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما (152)﴾
جعل ﴿الذين﴾ آمنوا بالله وكفروا برسله، أو آمنوا بالله وكفروا ﴿ببعض﴾ رسله كافرين بالله وبرسله جميعا، ومعنى اتخاذهم ﴿بين ذلك سبيلا﴾ أي: طريقا وسطا، ولا واسطة بين الكفر والإيمان، ولذلك قال: ﴿أولئك هم الكافرون حقا﴾ أي: هم الكاملون في الكفر، و ﴿حقا﴾ تأكيد لمضمون الجملة أو صفة لمصدر ﴿الكافرون﴾، أي: كفرا حقا لاشك فيه، وجاز دخول ﴿بين﴾ على ﴿أحد﴾ لأنه عام في الواحد المذكر والمؤنث وتثنيتهما وجمعهما، تقول: ما رأيت أحدا فتقصد العموم، والمعنى: ولم يفرقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة ﴿سوف يؤتيهم أجورهم﴾ معناه: أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر، فالغرض توكيد الوعد لا كونه متأخرا.
﴿يسلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتبا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطنا مبينا (153) ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا (154)﴾.
روي: أن كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): إن كنت نبيا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى (136) موسى بالتوراة جملة فنزلت (137)، وقيل: سألوا كتابا يعاينونه حين ينزل (138)، وإنما اقترحوا ذلك على سبيل التعنت (139)، قال الحسن: لو سألوه لكي يتبينوا الحق لأعطاهم وفيما آتاهم كفاية (140).
﴿فقد سألوا موسى﴾ جواب لشرط مقدر، معناه: إن استكبرت ما سألوه منك ﴿فقد سألوا موسى أكبر من ذلك﴾ وإنما أسند السؤال إليهم وإن وجد من آبائهم لكونهم راضين بسؤالهم ﴿جهرة﴾ عيانا، والمعنى: ﴿أرنا الله﴾ نره ﴿جهرة فأخذتهم الصعقة ب?﴾ سبب ﴿ظلمهم﴾ وهو سؤالهم الرؤية ﴿وآتينا موسى سلطنا مبينا﴾ أي: تسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم حتى يتاب عليهم فأطاعوه ﴿بميثاقهم﴾ بسبب ميثاقهم ليخافوا فلا ينقضوه ﴿وقلنا لهم﴾ والطور فوقهم: ﴿ادخلوا الباب سجدا و... لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم﴾ الميثاق (141) على ذلك والعهد ثم نقضوه من بعد.
وقرئ: " لا تعدوا " بتشديد الدال وسكون العين (142)، والأصل: " لا تعتدوا " فأدغم التاء في الدال وجمع بين الساكنين كما جمع في نحو: أصيم ودويبة.
﴿فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (155) وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما (156) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا (157) بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما (158)﴾
أي: فبنقضهم، و " ما " مزيدة للتوكيد والباء يتعلق بمحذوف، والمعنى: فبما نقضهم وكفرهم وقتلهم وقولهم: فعلنا بهم ما فعلنا، ويجوز أن يتعلق بقوله: ﴿حرمنا عليهم﴾ فيما بعد على أن قوله: ﴿فبظلم من الذين هادوا﴾ بدل من قوله: ﴿فبما نقضهم﴾ (143)، ﴿وقولهم قلوبنا غلف﴾ أي: في أكنة لا يصل إليها شئ من الموعظة والذكر، فرد الله عليهم بقوله: ﴿بل طبع الله عليها بكفرهم﴾ أي: خذلها الله ومنعها الألطاف بسبب كفرهم فصارت كالمطبوع عليها ﴿وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما﴾ يجوز أن يكون عطفا على ما يليه من قوله: ﴿بكفرهم﴾ والوجه: أن يعطف على ﴿فبما نقضهم﴾ ويكون قوله: ﴿بل طبع الله عليها بكفرهم﴾ كلاما تابعا لقوله: ﴿وقولهم قلوبنا غلف﴾ على وجه الاستطراد.
والبهتان العظيم هو التزنية، وروي: أن جماعة من اليهود سبوا عيسى (عليه السلام) وسبوا أمه فقال: " اللهم أنت ربي وبكلمتك خلقتني، اللهم العن من سبني وسب والدتي " فمسخ الله من سبهما قردة وخنازير، فاجتمعت اليهود على قتله، فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء ويطهره من صحبة اليهود، وقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب فيكون معي في درجتي؟فقال له شاب منهم: يا نبي الله أنا، فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب وهم يظنون أنه عيسى (144) ﴿ولكن شبه لهم﴾ أسند ﴿شبه﴾ إلى الجار والمجرور كقولك: خيل إليه، كأنه قيل: ولكن وقع لهم التشبيه، أو أسند إلى ضمير المقتول الذي يدل عليه قوله: ﴿إنا قتلنا﴾ كأنه قيل: ولكن شبه لهم من قتلوه ﴿وإن الذين اختلفوا فيه﴾ في عيسى أنه قتل أو لم يقتل، وقيل: اختلفوا في أنه إله أو ابن إله (145) ﴿لفى شك منه ما لهم﴾ بعيسى ﴿من علم إلا اتباع الظن﴾ استثناء منقطع، لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم، أي: ولكنهم يتبعون الظن ﴿وما قتلوه﴾ قتلا ﴿يقينا﴾، أو ما قتلوه متيقنين كما ادعوا ذلك في قولهم: ﴿إنا قتلنا المسيح﴾، وقيل: هو من قولهم: قتلت الشئ علما (146).
﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا (159) فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160) وأخذهم الربوا وقد نهوا عنه وأكلهم أموا ل الناس بالبطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما (161)﴾
﴿ليؤمنن به﴾ جملة قسمية وقعت صفة لمحذوف، والتقدير: ﴿وإن من أهل الكتاب﴾ أحد ﴿إلا ليؤمنن به﴾، ونحوه ﴿وما منا إلا له مقام معلوم﴾ (147) ﴿وإن منكم إلا واردها﴾ (148)، والمعنى: وما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن ﴿قبل موته﴾ بعيسى وبأنه عبد الله ورسوله حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف، وقيل: الضميران لعيسى (149)، أي: وإن منهم أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله، فإنه ينزل من السماء في آخر الزمان ولا يبقى أهل ملة إلا يؤمن به ويصلي خلف المهدي من آل محمد (صلى الله عليه وآله) وتقع الأمنة حتى ترتع الذئاب مع الغنم والأسود مع البقر، وقيل: الضمير في ﴿به﴾ يرجع إلى الله تعالى (150)، وقيل: يرجع إلى محمد (صلى الله عليه وآله) (151).
وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: " حرام على روح امرئ أن تفارق جسدها حتى ترى محمدا (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام) بحيث تقر عينها أو تسخن " (152).
﴿فبظلم من الذين هادوا﴾ أي: فبأي ظلم عظيم! والمعنى: ما ﴿حرمنا عليهم﴾ الطيبات إلا لظلم عظيم ارتكبوه وهو ما عدد لهم من الكفر والكبائر الموبقة، والطيبات التي حرمت عليهم عقوبة على ظلمهم ما ذكر في قوله: ﴿وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر﴾ الآية (153)، كلما أذنبوا ذنبا حرم عليهم بعض الطيبات ﴿وبصدهم عن سبيل الله كثيرا﴾ أي: ناسا كثيرا أو صدا كثيرا ﴿بالبطل﴾ بالرشوة التي كانوا يأخذونها من عوامهم في تحريف الكتاب.
﴿لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما (162)﴾ ﴿الراسخون في العلم﴾ الثابتون فيه المتقنون له وهم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وأضرابه من علماء اليهود ﴿والمؤمنون﴾ من المهاجرين والأنصار ﴿والمقيمين الصلاة﴾ نصب على المدح لبيان فضل الصلاة، وقيل: هو عطف على ﴿بما أنزل إليك﴾ أي: يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء (154).
﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا (163) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164) رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما (165)﴾ هذا جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ينزل عليهم كتابا من السماء، واحتجاج عليهم بأن إرساله كإرسال من تقدمه من الأنبياء وأن المعجزات قد ظهرت على يده كما كانت تظهر على أيديهم، وقرئ: " زبورا " بضم الزاي (155) جمع زبر وهو الكتاب، ونصب ﴿رسلا﴾ بمضمر في معنى ﴿أوحينا إليك﴾ وهو أرسلنا ﴿قد قصصناهم عليك من قبل﴾ بمكة في الأنعام وغيرها وعرفناك شأنهم وأخبارهم ﴿ورسلا لم نقصصهم عليك﴾ فيه دلالة على أن له سبحانه رسلا لم يذكرهم في القرآن ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾ بلا واسطة إبانة له بذلك ﴿رسلا مبشرين ومنذرين﴾ نصب على المدح، ويجوز أن يكون منصوبا على التكرير ﴿لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل﴾ لأن في إرسالهم إزاحة للعلة وإتماما لإلزام الحجة لئلا يقول الناس: لولا أرسلت إلينا رسولا يوصل إلى المحجة وينبه على الحجة ويوقظ من سنة الغفلة.
﴿لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا (166) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضللا بعيدا (167) إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا (168) إلا طريق جهنم خلدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا (169)﴾ لما سألوا إنزال الكتاب من السماء واحتج سبحانه عليهم بقوله: ﴿إنا أوحينا إليك﴾ قال: ﴿لكن الله يشهد﴾ على معنى: أنهم لا يشهدون لكن الله يشهد، وقيل: لما نزلت ﴿إنا أوحينا إليك﴾ قالوا: ما نشهد لك بهذا فنزل ﴿لكن الله يشهد﴾ (156)، ومعنى شهادة الله ﴿بما أنزل﴾ إليه: إثباته لصحته بالمعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات، وشهادة ﴿الملائكة﴾: شهادتهم بأنه حق وصدق، ومعنى قوله: ﴿أنزله بعلمه﴾ أنزله ملتبسا بعلمه الخاص الذي لا يعلمه غيره وهو تأليفه على أسلوب ونظم أعجز كل بليغ، وقيل: أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك ومبلغ له (157) ﴿وكفى بالله شهيدا﴾ وإن لم يشهد غيره ﴿كفروا وظلموا﴾ جمعوا بين الكفر والظلم، أو كان بعضهم كافرين وبعضهم ظالمين ﴿ولا ليهديهم طريقا﴾ لا يلطف بهم فيسلكون الطريق الموصل إلى ﴿جهنم﴾، أو لا يهديهم يوم القيامة إلا طريقها.
﴿يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فامنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما (170) يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فامنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله وا حد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا (171)﴾ ﴿فامنوا خيرا لكم﴾ ومثله ﴿انتهوا خيرا لكم﴾ انتصب بمضمر، وهو أنه لما دعاهم إلى الإيمان وإلى الانتهاء عن التثليث علم أنه يحملهم على أمر فقال: ﴿خيرا لكم﴾ اقصدوا أو ائتوا أمرا خيرا لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث وهو الإيمان والتوحيد ﴿لا تغلوا في دينكم﴾ غلت اليهود في المسيح حتى قالت: ولد لغير رشدة، وغلت النصارى فيه حيث جعلوه إلها ﴿ولا تقولوا على الله إلا الحق﴾ وهو تنزيهه عن الشريك والولد ﴿وكلمته﴾ قيل لعيسى: كلمة الله وكلمة منه، لأنه وجد بكلمته وأمره لاغير من غير واسطة أب ولا نطفة، وقيل له: روح الله ﴿وروح منه﴾ كذلك لأنه ذو روح وجد من غير جزء من ذي روح كالنطفة المنفصلة من الحي، وإنما أنشئ إنشاء من عند الله خالصا ﴿ألقاها إلى مريم﴾ أوصلها إليها وحصلها فيها ﴿ثلاثة) خبر مبتدأ محذوف، فإن صح عنهم قولهم: هو جوهر واحد ثلاثة أقانيم فتقديره: الله ثلاثة، وإلا فتقديره: الآلهة ثلاثة ﴿سبحانه أن يكون له ولد﴾ أي: أسبحه تسبيحا من أن يكون له ولد ﴿له ما في السماوات وما في الأرض﴾ بيان لتنزهه (158) مما نسب إليه، المعنى: أن كل ما فيهما خلقه وملكه فكيف يكون بعض خلقه وملكه جزء منه ؟! ﴿وكفى بالله وكيلا﴾ يكل الخلق إليه أمورهم، فهو الغني عنهم وهم الفقراء إليه.
﴿لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا (172) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا (173)﴾ أي: ﴿لن﴾ يأنف ﴿المسيح﴾ ولن يذهب بنفسه عزة، من نكفت الدمع: إذا نحيته عن خدك بإصبعك، من ﴿أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون﴾ يأنفون وهو عطف على ﴿المسيح﴾ أي: ولاكل واحد من الملائكة يأنف من أن يكون عبدا لله، أو ولا الملائكة المقربون يأنفون من أن يكونوا عبادا لله فحذف لدلالة قوله: ﴿عبدا لله﴾ عليه إيجازا ﴿ومن﴾ يأنف ﴿عن عبادته﴾ ويترك الإذعان له ﴿فسيحشرهم إليه﴾ أي: فسيحشر المستنكف والمستكبر والمقر بالعبودية ﴿جميعا﴾ إلى موضع الجزاء فيجازيهم جميعا على حسب أحوالهم، والآية الأخرى ظاهرة المعنى.
﴿يا أيها الناس قد جاءكم برهن من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا (174) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صرا طا مستقيما (175)﴾ البرهان والنور المبين هو القرآن (159)، أو أريد بالبرهان الدين الحق أو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالنور المبين ما يبينه من الكتاب المعجز (160) ﴿في رحمة منه وفضل﴾ أي: في ثواب مستحق وتفضل ﴿ويهديهم إليه﴾ يوفقهم لإصابة فضله الذي يتفضل به على أوليائه وسلوك طريق من أنعم عليه من أصفيائه واتباع دينهم، وهو الصراط المستقيم الذي ارتضاه الله سبحانه منهجا لعباده.
﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤا هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم (176)﴾ قالوا: إنه آخر ما نزل من أحكام الدين (161)، كان جابر بن عبد الله مريضا فعاده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله، إني (162) كلالة فكيف أصنع في مالي؟فنزلت (163) ﴿إن امرؤا هلك﴾ مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر، و ﴿ليس له ولد﴾ جملة منصوبة الموضع على الحال، أي: هلك غير ذي ولد ﴿وله أخت﴾ يعني: الأخت للأب والأم، أو للأب ﴿فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد﴾ يعني: أنها إذا كانت الميتة فالأخ يرثها المال كله إذا كانت غير ذات ولد ولا والد، وشرط انتفاء الوالد بينه النبي (صلى الله عليه وآله) وفيه إجماع ﴿فإن كانتا اثنتين﴾ الأصل: فإن كان من يرث بالأخوة اثنتين ﴿فلهما الثلثان مما ترك﴾، ﴿وإن كانوا إخوة﴾ وإن كان من يرث بالأخوة إخوة ذكورا وإناثا ﴿فللذكر مثل حظ الأنثيين﴾ فالمراد بالإخوة: الإخوة والأخوات تغليبا لحكم الذكور، وإنما قيل: ﴿فإن كانتا﴾ و ﴿إن كانوا﴾ كما قيل: من كانت أمك، فكما أنث ضمير " من " لمكان تأنيث الخبر كذلك ثني وجمع ضمير " من يرث " في ﴿كانتا﴾ و ﴿كانوا﴾ لمكان تثنية الخبر وجمعه (164) و ﴿أن تضلوا﴾ مفعول له، ومعناه: كراهة أن تضلوا، أي: ﴿يبين الله لكم﴾ جميع أحكام دينكم (165) لئلا تضلوا ﴿والله بكل شئ عليم﴾ من أمور معاشكم ومعادكم فيجزيكم بها على ما تقتضيه المصلحة وتوجبه الحكمة.
1- في نسخة: يبين.
2- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 531.
3- التبيان: ج 3 ص 253.
4- الكوكبة: الجماعة. (القاموس المحيط: مادة كوكب).
5- في نسخة زيادة: فتعدى بالباء.
6- في نسخة: فيتعدى.
7- في بعض النسخ: في.
8- راجع المبسوط للشيخ الطوسي: ج 1 ص 135 في ذكر صلاة الاستسقاء، والسرائر للحلي: ج 1 باب صلاة الاستسقاء ص 325، والمجموع للنووي: ج 5 ص 72، وفي الحاوي الكبير للماوردي ما لفظه: قال الشافعي: وأحب أن تخرج الصبيان ويتنظفوا للاستسقاء... قال الماوردي: لما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لولا مشايخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا " ولأن الصبيان أحق بالرحمة، وأقرب إلى إجابة الدعوة، وقلة ذنوبهم.
9- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 534.
10- قاله السدي، وحكى هذا القول مكي عن مالك وعن ابن العربي. راجع تفسير القرطبي: ج 5 ص 283.
11- الأعراف: 168.
12- في نسخة: لشؤمك.
13- الأعراف: 131.
14- النمل: 47.
15- الشورى: 30.
16- في بعض النسخ: فاتت.
17- قاله ابن عباس والحسن وقتادة وابن جريج. راجع التبيان: ج 3 ص 272.
18- قاله الحسن وقتادة وابن جريج وابن أبي نجيح والزجاج. راجع التبيان: ج 3 ص 273، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 511.
19- وهو قول ابن زيد والسدي وأبي علي. راجع التبيان: ج 3 ص 273.
20- العياشي: ج 1 ص 260 ح 205، التبيان: ج 3 ص 273.
21- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 541.
22- رواه العياشي في تفسيره: ج 1 ص 261 ح 208 عن أبي الحسن (عليه السلام)، وعنه تفسير البرهان: ج 1 ص 398، والبحار: ج 9 ص 81.
23- في نسخة: النفس.
24- رواه السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 372، والبغوي: ج 1 ص 457، والقرطبي: ج 5 ص 293.
25- في بعض النسخ: ومن.
26- راجع الكشاف للزمخشري: ج 1 ص 542.
27- قاله أبو علي. راجع التبيان: ج 3 ص 276.
28- صحيح مسلم: ج 4 ص 2094 كتاب الذكر ح 2732.
29- قاله السدي وابن زيد. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 512.
30- سنن ابن ماجة: ج 2 ص 1219 ح 3697، المصنف لابن أبي شيبة: ج 8 ص 442، فتح الباري لابن حجر: ج 11 ص 43.
31- في نسخة: المحافظ.
32- في نسخة: ينتمون.
33- في مجمع البيان: السلمي.
34- وهي قراءة الحسن ويعقوب وقتادة والمفضل. راجع معاني القرآن للفراء: ج 1 ص 282، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 378، وتفسير البغوي: ج 1 ص 461.
35- ذهب إليه الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 282، والزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 89، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 547، والهمداني في الفريد في اعراب القرآن: ج 1 ص 774.
36- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 547.
37- قاله الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 548.
38- آل عمران: 161.
39- انظر تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 548.
40- حر الوجه: ما بدا من الوجنة. (الصحاح: مادة حرر).
41- الكشاف: ج 1 ص 550، مجمع الزوائد للهيثمي: ج 3 ص 136.
42- انظر التبيان: ج 3 ص 295.
43- العياشي: ج 1 ص 267 ح 237.
44- هو عكرمة بن عبد الله المدني البربري الأصل، مولى عبد الله بن عباس، من التابعين والعالمين بالتفسير والمغازي، كان كثير الطواف والجولان في البلاد، مات مولاه ابن عباس وهو على الرق ولم يعتقه، فباعه ولده علي بن عبد الله بن عباس من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، وكان يربطه على باب الكنيف ويتهمه بأنه كان يكذب على أبيه. مات في المدينة سنة سبع ومائة للهجرة. (تهذيب التهذيب: ج 7 ص 263 - 273، وفيات الأعيان: ج 2 ص 428).
45- حكاه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 295 عنه وعن ابن جريج، والقرطبي في تفسيره: ج 5 ص 334 عن ابن عباس.
46- قرأه حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 236، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 394، وتفسير القرطبي: ج 5 ص 337 وفي التبيان: ج 3 ص 297: وهي قراءة أهل الكوفة إلا عاصما.
47- وهي قراءة أهل المدينة وابن عباس وخلف كما في التبيان: ج 3 ص 297، وفي البحر المحيط لأبي حيان: ج 3 ص 328: هي قراءة نافع وابن عامر وحمزة وابن كثير من بعض طرقه وعاصم برواية المفضل.
48- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 552.
49- قرأه محمد بن علي وابن مسعود وابن عباس. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 34، ونسبها القرطبي في تفسيره: ج 5 ص 238 إلى أبي جعفر ولعله أراد به أبا جعفر القارئ كما في مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 94، وحكاها البلخي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) كما في التبيان: ج 3 ص 297.
50- وهي قراءة نافع والكسائي وابن عامر وابن كثير برواية شبل. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 237، والتيسير في القراءات للداني: ص 97. وهي اختيار الأخفش على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 300.
51- حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 301، والطبري في تفسيره: ج 4 ص 231 ح 10246 و 10247، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 468، والبيهقي في سننه الكبرى: ج 9 ص 47.
52- هو مقاتل بن سليمان بن بشر الأزدي البلخي، أصله من بلخ وعاش في البصرة ثم في بغداد وحدث بها، وكان مفسرا ومتكلما، لم يكن تفسيره للقرآن موضع تقدير لأنه في شروحه كان يطلق العنان لخياله، ويكمل الجوانب الموجزة في القرآن الكريم بمأثورات النصارى واليهود، توفي سنة 150 ه? بالبصرة. (تاريخ التراث العربي: ج 1 ص 85، الأعلام للزركلي : ج 7 ص 281).
53- تبوك: وهي واحة في شمال الحجاز على طريق الحج من دمشق إلى المدينة، اشتهرت بالغزوة العظيمة التي قام بها النبي (صلى الله عليه وآله) لغزو من انتهى إليه أنه قد تجمع من الروم وعاملة ولخم وجذام ضده سنة 9 ه?. (معجم البلدان: ج 1 ص 824، المنجد في الاعلام: ص 183).
54- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 553.
55- في نسخة: لم.
56- رجل ناصح الجيب: أي أمين. (الصحاح: مادة جوب)، وفي مادة (نصح): أي تقي القلب.
57- رواه ابن كثير في تفسيره: ج 1 ص 513، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج 4 ص 262 بطرقه عن عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري وأبي الشيخ وابن مردويه عن أنس.
58- انظر الكشاف: ج 1 ص 555، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 3 ص 334.
59- قرأه إبراهيم كما حكاه عنه أبو حيان في البحر المحيط: ج 3 ص 334.
60- راجع أسباب النزول للواحدي: ص 145 - 146.
61- رواه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 555، وأبو حيان في بحره: ج 3 ص 334، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 3 ص 100، والمجلسي في البحار: ج 19 ص 31.
62- وعجزه: فمضيت ثمة قلت لا يعنيني. وقد تقدم شرح البيت وقائله في ص 58 فراجع.
63- هو قيس بن كعب بن عبد الله بن جعدة، كان من المعمرين، قيل: إنه عاش مائة وثمانين سنة، وقيل: مائتي سنة، وقد أدرك الاسلام، واشترك في وفد قبيلته سنة 9 ه? إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة. روى العلامة المجلسي أنه كان ممن يتأله في الجاهلية، وأنكر الخمر والسكر، وهجر الأوثان والأزلام، وكان يذكر دين إبراهيم (عليه السلام) والحنيفية، وكان قد خرج مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى صفين، توفي نحو 50 ه? في إصفهان بعد أن سيره إليها معاوية مع أحد ولاتها. (الأغاني لأبي فرج الأصفهاني: ج 5 ص 451، الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 158، البحار للعلامة المجلسي: ج 6 ص 698).
64- مجاز القرآن لأبي عبيدة: ج 1 ص 138، تفسير الطبري: ج 4 ص 239 وفيهما: " المهرب " بدل " المضطرب "، تفسير القرطبي: ج 5 ص 348، لسان العرب لابن منظور: مادة (رغم)، شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 26.
65- الحج: 36.
66- في نسخة: لفرض.
67- المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 239، الهداية: ج 1 ص 80، اللباب: ج 1 ص 107، المجموع: ج 4 ص 337، تفسير ابن العربي: ج 1 ص 614، وفي الخلاف: ج 1 ص 569 قال: إن التقصير عزيمة مذهب علي (عليه السلام) وعمر، وفي الفقهاء: مالك وأبي حنيفة وأصحابه.
68- فقه الرضا (عليه السلام): ص 159، الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 569 مسألة (321).
69- الام: ج 1 ص 179، المجموع: ج 4 ص 337، بداية المجتهد: ج 1 ص 161، وفيهما عنه قال: التقصير أفضل.
70- البقرة: 158.
71- المبسوط للسرخسي: ج 1 ص 236، بداية المجتهد: ج 1 ص 162، التبيان: ج 3 ص 308.
72- المجموع: ج 4 ص 323، مغني المحتاج: ج 1 ص 266، بداية المجتهد: ج 1 ص 162.
73- فقه الرضا (عليه السلام): ص 159، التبيان: ج 3 ص 308، الخلاف: ج 1 ص 567 - 568 مسألة (320).
74- انظر التبيان: ج 3 ص 308.
75- الخلاف للشيخ الطوسي: ج 1 ص 639 مسألة (410) وقال: وبه قال الشافعي وأحمد ابن حنبل.
76- الحشر: 9.
77- في نسخة: لتقوى.
78- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 79، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 99.
79- راجع تفصيل القصة والنزول في التبيان: ج 3 ص 316، وتفسير البغوي: ج 1 ص 477.
80- البقرة: 187.
81- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 563.
82- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 564، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 791.
83- قاله مقاتل. راجع تفسير القرطبي: ج 5 ص 383.
84- قاله البغوي في تفسيره: ج 1 ص 479.
85- تفسير القمي: ج 1 ص 152، وفيه " أيديكم " بدل " أيمانكم ".
86- في نسخة: لمن.
87- حكاه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 330، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 565.
88- راجع تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 298، وحكاه عنه النحاس في اعراب القرآن: ج 1 ص 489، والطبري في تفسيره: ج 4 ص 279 ح 10443، والزمخشري في كشافه: ج 1 ص 566.
89- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 566.
90- قاله الضحاك. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 529، وتفسير الطبري: ج 4 ص 279 ح 10442، وتفسير البغوي: ج 1 ص 481.
91- في بعض النسخ: يعبدون.
92- في نسخة: بمعنى.
93- قاله ابن عباس وأنس وعكرمة. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 530، وتفسير البغوي: ج 1 ص 482.
94- وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب والضحاك. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 481 - 482.
95- حكاها عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 566، وفي التبيان: ج 3 ص 334: أن مجاهد قيل له ذلك.
96- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 530.
97- انظر تفصيل ذلك في الكشاف للزمخشري: ج 1 ص 567، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 795.
98- وهو قول مسروق وقتادة والضحاك والسدي وأبي صالح. راجع التبيان: ج 3 ص 336، وتفسير البغوي: ج 1 ص 482.
99- تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 299، وعنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 567.
100- قاله مجاهد. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 482، وتفسير الطبري: ج 4 ص 290.
101- صحيح البخاري: ج 6 ص 144، سنن البيهقي: ج 10 ص 203، اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 8 ص 434 و ج 10 ص 94.
102- في نسخة: طريقتك.
103- انظر تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 569.
104- وفي معنى " الخليل " والأقوال الواردة فيه راجع معاني القرآن للزجاج: ج 1 ص 112 - 113، والتبيان: ج 3 ص 340 - 341، والكشاف: ج 1 ص 569. وفي بيان الحنيفية التي أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) بأن يتبع إبراهيم (عليه السلام) فيها راجع التبيان: ج 3 ص 342.
105- الآية: 3.
106- مسند أحمد: ج 6 ص 144، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج 2 ص 712 وعزاه إلى ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن المنذر.
107- قاله ابن عباس ومحمد بن سيرين عن عبيدة وأبو قلابة والحسن ومجاهد والسدي وابن أبي مليكة والضحاك وسفيان وابن زيد. راجع تفسير الطبري: ج 4 ص 312 - 314.
108- التبيان: ج 3 ص 350.
109- قاله الشيخ الطوسي في التبيان: ج 3 ص 352.
110- هو أبو عبد الله سلمان الخير الفارسي المحمدي، أصله من رام هرمز، وقيل: إصبهان، واسمه: مايه بن بوذخشان بن مورسلان من ولد آب الملك، وقيل: زوربه، وقيل غير ذلك. من خواص الصحابة وحواريهم، أسلم بعد الهجرة، وأول مشاهده غزوة الأحزاب حيث أشار على النبي (صلى الله عليه وآله) بحفر الخندق، وكان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد ولاه عمر على المدائن في زمن خلافته، قيل: عاش 250 سنة، وقيل: 350 سنة، توفي بالمدائن قرب بغداد. (أعيان الشيعة: ج 7 ص 179، تهذيب التهذيب: ج 4 ص 138).
111- رواها الشيخ في التبيان: ج 1 ص 352، والماوردي في تفسيره: ج 1 ص 534 عن أبي هريرة عنه (صلى الله عليه وآله).
112- قرأها حمزة وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 239، وتفسير البغوي: ج 1 ص 489، والتبيان: ج 3 ص 353. وحكاها الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 118 ونسبها إلى يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ولم يختارها.
113- في نسخة: الكتاب.
114- قاله الضحاك. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 490.
115- قائل ذلك مجاهد. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 490.
116- آل عمران: 72.
117- قائل ذلك الحسن البصري. راجع تفسيره: ج 1 ص 303، وحكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 537، ونسبها البغوي في تفسيره: ج 1 ص 490 إلى قتادة.
118- في بعض النسخ: بالنبي.
119- قاله مجاهد. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 537، واختاره الشيخ في التبيان: ج 3 ص 359.
120- حكاه عنه المصنف في مجمع البيان: ج 3 - 4 ص 126.
121- في نسخة: المثقلة.
122- قرأ الجمهور من السبعة بضم النون وكسر الزاي وقرأ عاصم وحده بفتح النون والزاي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 239، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 86، والبحر المحيط: ج 3 ص 374.
123- الأنعام: 68.
124- في نسخة: هذه الآية.
125- الآية: 139.
126- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 578.
127- انظر تفصيل " قط " وأوجهها في مغني اللبيب لابن هشام: ص 233.
128- راجع تفصيله في الكشاف: ج 1 ص 580.
129- وهي قراءة ابن أبي إسحاق والأشهب العقيلي. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 36، والمحتسب لابن جني: ج 1 ص 202.
130- قال الجوهري في الصحاح: مادة (رجا): والرجى - مقصور - ناحية البئر وحافتاها، وكل ناحية رجا، والرجوان: حافتا البئر، فإذا قالوا: رمي به الرجوان أرادوا أنه طرح في المهالك.
131- حكاه عنه ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 36، والقرطبي في تفسيره: ج 5 ص 424.
132- قرأه الكوفيون سوى الأعشى. راجع كتاب التذكرة في القراءت لابن غلبون: ج 2 ص 380 وحكاها الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 124 عن أهل الكوفة والأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب.
133- في نسخة: الظلم.
134- قاله ابن عباس والسدي. راجع تفسير القرطبي: ج 6 ص 1. .
135- في نسخة: " أتي " بصيغة المجهول.
136- راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 495، والكشاف: ج 1 ص 584.
137- قاله السدي ومحمد بن كعب. راجع التبيان: ج 3 ص 376، وتفسير الطبري: ج 4 ص 346، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 540.
138- وهو قول الجبائي على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 3 ص 376.
139- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 584.
140- في نسخة زيادة: غليظا.
141- قرأه ورش عن نافع. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 240، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 86، وفي التبيان: ج 3 ص 378: هي قراءة أهل المدينة.
142- انظر تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 585، وتفسير القرطبي: ج 6 ص 7.
143- رواها الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 587.
144- قاله الحسن على ما حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 6 ص 9.
145- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 588.
146- الصافات: 164.
147- مريم: 71.
148- قاله ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد وأبو مالك. راجع تفسير الطبري: ج 4 ص 356 - 357، وتفسير القرطبي: ج 6 ص 11.
149- قاله البغوي في تفسيره: ج 1 ص 497، والزمخشري في كشافه: ج 1 ص 589.
150- قاله عكرمة. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 497.
151- العياشي: ج 1 ص 284 ح 303.
152- الأنعام: 146.
153- حكى هذا القول الرازي في تفسيره: ج 11 ص 106 عن الكسائي.
154- قرأه حمزة وخلف. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 240، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 402، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 86، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 3 ص 397.
155- قاله القتيبي كما حكاه عنه السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 406.
156- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 592، والقرطبي في تفسيره: ج 6 ص 19.
157- في بعض النسخ: لتنزيهه.
158- وهو قول مجاهد وقتادة والسدي وابن جريج وجميع المفسرين. راجع التبيان: ج 3 ص 406، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 136.
159- وقائله مجاهد كما حكاه عنه القرطبي: ج 6 ص 27.
160- انظر التبيان: ج 3 ص 407، والكشاف: ج 1 ص 598.
161- في بعض النسخ: إن لي.
162- التبيان: ج 3 ص 408، أسباب النزول للواحدي: ص 153 - 154، تفسير البغوي: ج 1 ص 504، تفسير السمرقندي: ج 1 ص 409.
163- راجع تفصيل ذلك في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 829 - 830.
164- في نسخة: الدين.
165- قال الشيخ الطوسي: هي مدنية في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة، وقال جعفر بن مبشر: هي مدنية إلا آية منها نزلت في حجة الوداع وهي قوله: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * وهي كلها مدنية بمعنى أنها نزلت بعد الهجرة، وقال الشعبي: نزل قوله: * (اليوم أكملت) * والنبي (صلى الله عليه وآله) واقف على راحلته في حجة الوداع، وقال عبد الله بن عمر: آخر سورة نزلت المائدة. وهي مائة وعشرون آية كوفي، واثنتان وعشرون في المدينتين، وثلاثة وعشرون بصري. انظر التبيان: ج 3 ص 413. وفي تفسير البغوي: ج 2 ص 5: مدنية كلها إلا قوله: * (اليوم أكملت) * الآية، فإنها نزلت بعرفات، وهي مائة وعشرون آية. وعن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة فقالت لي: أتقرأ المائدة؟قلت: نعم، قالت: أما انها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه. انظر مستدرك الحاكم: ج 2 ص 311، وتفسير ابن كثير: ج 2 ص 3.