سورة آل عمران
سورة آل عمران مدنية كلها (1) وهي مائتا آية، عد الكوفي ﴿ألم﴾ آية و ﴿الإنجيل﴾ (2) الثاني آية وترك ﴿وأنزل الفرقان﴾ (3)، وعد البصري ﴿ورسولا إلى بني إسرائيل﴾ (4) آية.
وفي حديث أبي: " ومن قرأ سورة آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم " (5).
وروى بريدة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " تعلموا سورة البقرة وسورة آل عمران فإنهما الزهراوان، وإنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف " (6).
﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾ ﴿ألم (1) الله لا إله إلا هو الحي القيوم (2) نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (4) إن الله لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء (5)﴾ من فتح " ميم الله " (7) ألقى عليه حركة الهمزة حين أسقطها للتخفيف، وقيل: ﴿نزل... الكتاب﴾ وهو القرآن ﴿وأنزل التوراة والإنجيل﴾ لأن القرآن نزل منجما ونزل الكتابان جملة (8) ﴿بالحق﴾ أي: بالصدق وبما توجبه الحكمة ﴿مصدقا لما﴾ قبله من كتاب ورسول ﴿وأنزل الفرقان﴾ يعني: القرآن، كرر ذكره بما هو نعت له ومدح من كونه فارقا بين الحق والباطل بعد ما ذكره باسم الجنس تعظيما لشأنه، أو أراد جنس الكتب السماوية، لأن كلها فرقان تفرق بين الحق والباطل.
قال الصادق (عليه السلام): " الفرقان كل آية محكمة في الكتاب " (9).
﴿إن الذين كفروا بآيات الله﴾ من الكتب المنزلة وغيرها ﴿لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام﴾ له انتقام شديد لا يقدر على مثله منتقم ﴿لا يخفى عليه شئ في﴾ العالم فعبر عنه ب? ﴿الأرض﴾ و ﴿السماء﴾.
﴿هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم(6) ﴾
﴿هو الذي﴾ يخلق صوركم المختلفة المتفاوتة ﴿في الأرحام كيف يشاء﴾ على أي صفة يشاء من قبيح أو صبيح، ذكر أو أنثى ﴿لا إله إلا هو العزيز﴾ في جلاله ﴿الحكيم﴾ في أفعاله.
وعن سعيد بن جبير (10) قال: هذا حجاج على من زعم أن عيسى كان ربا، كأنه نبه بكونه مصورا في الرحم على أنه عبد كغيره، وكان يخفى عليه مالا يخفى على الله (11).
﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشبه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب(7) ﴾
﴿آيات محكمات﴾ أحكمت عباراتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه ﴿هن أم الكتاب﴾ أي: أصل الكتاب، تحمل المتشابهات عليها وترد إليها ﴿وأخر متشابهات﴾ مشتبهات محتملات (12)، ولو كان القرآن كله محكما لتعلق الناس به لسهولة مأخذه، ولأعرضوا عما يحتاجون فيه إلى النظر والاستدلال، ولو فعلوا ذلك لعطلوا الطريق الذي به يتوصل إلى معرفة الله وتوحيده، ولكان لا يتبين فضل العلماء الذين يتعبون القرائح في استخراج معاني المتشابه (13) ورد ذلك إلى المحكم ﴿فأما الذين في قلوبهم زيغ﴾ أي: ميل عن الحق ﴿فيتبعون ما تشبه منه﴾ فيتعلقون بالمتشابه الذي يحتمل ما يذهب إليه أهل البدعة مما لا يطابق المحكم، ويحتمل ما يطابقه من قول أهل الحق ﴿ابتغاء الفتنة﴾ طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم ويضلوهم ﴿وابتغاء تأويله﴾ وطلب أن يؤولوه التأويل الذي يشتهونه ﴿وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم﴾ أي: لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله والعلماء الذين رسخوا في العلم، أي: ثبتوا فيه وتمكنوا، وبعضهم يقف على ﴿إلا الله﴾ ويبتدئ ﴿والراسخون في العلم يقولون آمنا به﴾، ويفسرون المتشابه بأنه ما استأثر الله بعلمه، والأول أوجه، وهو المروي عن الباقر (عليه السلام) قال: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الراسخين في العلم " (14)، و ﴿يقولون﴾ كلام مستأنف موضح لحال الراسخين، والمعنى: هؤلاء ﴿الراسخون﴾ العالمون بالتأويل ﴿يقولون آمنا به﴾ أي: بالمتشابه ﴿كل من عند ربنا﴾ أي: كل واحد منه ومن المحكم من عنده، أو بالكتاب كل من متشابهه ومحكمه من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه ﴿وما يذكر إلا أولوا الألباب﴾ مدح للراسخين بحسن التأمل والتفكر والتذكر، ويجوز أن يكون ﴿يقولون﴾ حالا من الراسخين.
﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب (8) ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد (9) ﴾ ﴿لا تزغ قلوبنا﴾ لا تختبرنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا ﴿بعد إذ هديتنا﴾ وأرشدتنا إلى دينك، ونظيره قوله: ﴿فلما كتب عليهم القتال تولوا﴾ (15)، فأضافوا ما يقع من زيغ القلوب إليه سبحانه لما كان عند امتحانه، أو لا تمنعنا لطفك الذي معه تستقيم القلوب فتميل قلوبنا عن الإيمان بعد إذ لطفت بنا ﴿وهب لنا من لدنك رحمة﴾ من عندك نعمة بالتوفيق والمعونة ﴿إنك جامع الناس ليوم﴾ تجمعهم لحساب يوم أو لجزاء يوم، كقوله: ﴿يوم يجمعكم ليوم الجمع﴾ (16)، و ﴿الميعاد﴾: الموعد.
﴿إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموا لهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار (10) كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب (11)﴾
﴿من﴾ في قوله: ﴿من الله﴾ مثل الذي في قوله: ﴿إن الظن لا يغنى من الحق شيئا﴾ (17)، والمعنى: لا تغني ﴿عنهم أموا لهم﴾ من رحمة ﴿الله﴾ أو من طاعة الله ﴿شيئا﴾ أي: بدل رحمة الله وطاعته، ومثله: ولا ينفع ذا الجد منك الجد، أي: لا ينفعه جده من الدنيا بدلك، أي: بدل طاعتك وعبادتك وما عندك ﴿وقود النار﴾ أي: حطب النار تتقد النار بأجسامهم، والدأب: مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه، فيوضع موضع ما عليه الانسان من شأنه وحاله، ومحل الكاف رفع وتقديره: دأب هؤلاء الكفرة ﴿كدأب﴾ من قبلهم من ﴿آل فرعون﴾ وغيرهم، ويجوز أن يكون منصوب المحل بقوله: ﴿لن تغنى﴾ أو بالوقود، والمعنى: لن تغني عنهم أموالهم مثل ما لم تغن عن آل فرعون، أو يوقد بهم النار كما توقد بهم، كما تقول: إنك لتظلم الناس كدأب أبيك، تريد: كظلم أبيك أي: مثل ما كان يظلمهم، وإن فلانا لمحارف كدأب أبيه، تريد: كما حورف أبوه ﴿كذبوا بآياتنا﴾ تفسير لدأبهم بما فعلوا وفعل بهم، كأنه جواب لمن يسأل عن حالهم.
﴿قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد (12) قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار (13)﴾ " الذين كفروا " قيل: هم اليهود جمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وقعة بدر في سوق بني قينقاع فقال: " يا معشر اليهود، احذروا مثل ما نزل بقريش، وأسلموا قبل أن ينزل بكم مثل ما نزل بهم، فقد عرفتم أني نبي مرسل " فقالوا: لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لاعلم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، ولئن قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس (18)، فنزلت (19).
سورة آل عمران / 14 ومن قرأ: " سيغلبون ويحشرون " (20) فهو مثل قوله: ﴿قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ (21) أي: قل لهم قولي لك: سيغلبون، ومن قرأ بالتاء أجرى الجميع على الخطاب، والمعنى: ستصيرون مغلوبين في الدنيا ﴿وتحشرون إلى جهنم﴾ في الآخرة، وقيل: إن المراد ب? " الذين كفروا " مشركو مكة، أي: ستغلبون يوم بدر (22)، وأيهما أريد فقد فعل الله ذلك، فإن اليهود قد غلبوا بقتل بني قريظة وإجلاء بني النضير (23) ووضع الجزية على من بقي منهم، وغلب المشركون أيضا ﴿قد كان لكم آية﴾ أي: دلالة معجزة على صدق نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿في فئتين التقتا﴾ يوم بدر: فرقة ﴿تقتل في سبيل الله﴾ أي: في دينه وطاعته وهم الرسول وأصحابه ﴿و﴾ فرقة ﴿أخرى كافرة﴾ وهم مشركو مكة ﴿يرونهم مثليهم﴾ يرى المشركون المسلمين مثلي المشركين في العدد قريبا من ألفين أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفا وعشرين، أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليجتنبوا (24) عن قتالهم، وكان ذلك مددا من الله لهم كما أمدهم بالملائكة، ويدل عليه قراءة من قرأ بالتاء (25)، أي: ترون يا مشركي قريش المسلمين مثلي فئتكم الكافرة أو مثليهم أنفسهم، فإن قيل: فكيف قال في سورة الأنفال: ﴿ويقللكم في أعينهم﴾ (26)؟فالجواب: أنهم قللوا أولا في أعينهم حتى اجترأوا عليهم، فلما التحم القتال كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالتين مختلفتين ﴿رأى العين﴾ يعني رؤية ظاهرة مكشوفة معاينة ﴿والله يؤيد بنصره من يشاء﴾ كما أيد المسلمين يوم بدر.
﴿زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقنطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث ذلك متع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14)﴾ ﴿حب الشهوات﴾ أي: المشتهيات، جعل سبحانه الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة محروصا على الاستمتاع بها، والمزين هو الله سبحانه بما جعل (27) في الطباع من الميل إليها تشديدا للتكليف، كقوله: ﴿إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم﴾ (28)، وعن الحسن: زينها الشيطان لهم لأنا لا نعلم أحدا أذم لها من خالقها (29).
ثم قدم سبحانه ذكر ﴿النساء﴾ لأن الفتنة بهن أعظم، ثم ثنى ب? ﴿البنين﴾ لأن حبهم داع إلى جمع الحرام، والقنطار: المال الكثير، قيل: ملء مسك ثور ذهبا (30)، وقيل: سبعون ألف دينار (31)، وقيل: مائة ألف دينار (32)، و ﴿المقنطرة﴾ بنيت من لفظ " القنطار " للتأكيد، كما يقال: ألف مؤلف وبدرة مبدرة، و ﴿المسومة﴾ المعلمة (33) أو المرعية من أسام الدابة وسومها ﴿والانعام﴾ الأزواج الثمانية ﴿ذلك﴾ المذكور ﴿متع الحياة الدنيا﴾.
﴿قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنت تجرى من تحتها الأنهر خلدين فيها وأزواج مطهرة ورضوا ن من الله والله بصير بالعباد (15) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار (16) الصبرين والصدقين والقنتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار (17)﴾ تم الكلام عند قوله: ﴿ذلكم﴾، وقوله: ﴿للذين اتقوا عند ربهم جنت﴾ كلام مستأنف فيه دلالة على بيان ما هو خير ﴿من ذلكم﴾، ويجوز أن يتعلق اللام ب? " خير "، واختص " المتقين " لأنهم هم المنتفعون به، ويرتفع ﴿جنت﴾ على " هو جنات "، ﴿والله بصير بالعباد﴾ يجازيهم بأفعالهم على قدر استحقاقهم ﴿الذين يقولون﴾ في محل نصب أو رفع على المدح أو في موضع جر صفة لـ " المتقين " أو لـ " العباد " (34)، والواو المتوسطة بين الصفات للدلالة على كمالهم في كل واحدة منها (35) ﴿والمستغفرين بالاسحار﴾ المصلين وقت السحر، وقيل: الذين تنتهي صلاتهم إلى وقت السحر ثم يستغفرون ويدعون (36).
سورة آل عمران / 19 ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم (18) إن الدين عند الله الأسلم وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب (19)﴾ شبه سبحانه دلالته على وحدانيته بالأفعال التي لا يقدر عليها غيره، والآيات الناطقة بتوحيده مثل سورة الإخلاص وآية الكرسي وغيرهما بشهادة الشاهد في البيان والكشف، وكذلك إقرار الملائكة وأولي العلم بذلك ﴿قائما بالقسط﴾ مقيما للعدل فيما يقسم للعباد من الآجال والأرزاق، وفيما يأمر به عباده من الإنصاف والعمل على السوية فيما بينهم، وانتصابه على أنه حال مؤكدة من اسم الله، كقوله: ﴿وهو الحق مصدقا﴾ (37)، وقوله: ﴿إن الدين عند الله الأسلم﴾ جملة مستأنفة مؤكدة للجملة الأولى، والفائدة فيه أن قوله: ﴿لا إله إلا هو﴾ توحيد، وقوله: ﴿قائما بالقسط﴾ تعديل، فإذا أتبعه قوله: ﴿إن الدين عند الله الأسلم﴾ فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد وهو الدين عند الله وما عداه فليس من الدين، وقرئ: " أن الدين " بالفتح (38) على أنه بدل من الأول، كأنه قال: شهد الله أن الدين عند الله الإسلام، و ﴿الذين أوتوا الكتاب﴾ هم اليهود والنصارى، واختلافهم أنهم تركوا الإسلام ﴿من بعد ما جاءهم العلم﴾ أنه الحق، فثلثت النصارى وقالت اليهود: ﴿عزير ابن الله﴾ (39)، واختلف الفريقان في نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وقد وجدوا نعته في كتبهم وجاءهم العلم بأنه رسول الله ونبيه ﴿بغيا بينهم﴾ أي: حسدا بينهم وطلبا منهم للرئاسة لا شبهة في الإسلام ﴿ومن يكفر بآيات الله﴾ أي: بالقرآن، أو بالتوراة والإنجيل وما فيهما من صفة محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿فإن الله سريع الحساب﴾ لا يفوته شئ من أعمالهم.
﴿فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأمين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلغ والله بصير بالعباد (20)﴾
﴿فإن﴾ جادلوك في الدين ﴿فقل﴾: أخلصت نفسي وجملتي ﴿لله﴾ وحده، لم أجعل فيها لغيره شريكا بأن أعبده وأعبد إلها معه، والمعنى: أن ديني التوحيد، وهو الأصل الذي يلزم جميع المكلفين الإقرار به ﴿ومن اتبعن﴾ (40) عطف على التاء في ﴿أسلمت﴾ (41)، ويجوز أن يكون الواو بمعنى " مع " فيكون مفعولا معه (42) ﴿وقل للذين أوتوا الكتاب﴾ من اليهود والنصارى ﴿والأمين﴾ الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب ﴿أأسلمتم﴾ يعني: أنه قد أتاكم (43) من البينات ما يوجب الإسلام فهل أسلمتم أم أنتم بعد على كفركم؟ومثله قوله: ﴿فهل أنتم منتهون﴾ (44)، لفظه لفظ الاستفهام والمراد الأمر ﴿فإن أسلموا فقد اهتدوا﴾ فقد نفعوا أنفسهم حيث خرجوا من الضلال إلى الهدى ﴿وإن تولوا﴾ لم يضروك فإنك رسول الله ما عليك إلا البلاغ والتنبيه على طريق الرشد والهدى.
﴿إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم (21) أولئك الذين حبطت أعملهم في الدنيا والآخرة ومالهم من نصرين (22)﴾ هم أهل الكتاب قتلت أوائلهم الأنبياء وأتباعهم من عباد بني إسرائيل، وكان هؤلاء راضين بما فعل أولئك، وحاولوا قتل رسول الله والمؤمنين لولا عصمة الله، وقوله: ﴿بغير حق﴾ المراد به: أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق، كقوله: ﴿ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به﴾ (45)، ﴿حبطت أعملهم في الدنيا﴾ إذ لم ينالوا بها الثناء والمدح ولم تحقن دماؤهم وأموالهم ﴿و﴾ في ﴿الآخرة﴾ لأنهم (46) لم يستحقوا بها الثواب فصارت كأنها لم تكن، وهذا هو حقيقة الحبوط وهو الوقوع على خلاف الوجه المأمور به فلا يستحق عليه الثواب والأجر.
﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون (23) ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودا ت وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون (24) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (25)﴾ يريد أحبار اليهود، أي: أعطوا حظا وافرا من التوراة أو من جنس الكتب المنزلة، و ﴿من﴾ إما للتبعيض وإما للبيان (47) ﴿يدعون إلى كتب الله﴾ وهو التوراة ﴿ليحكم بينهم﴾ وذلك: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل مدارسهم فدعاهم، فقال له بعضهم: على أي دين أنت؟قال: على ملة إبراهيم، فقالوا: إن إبراهيم كان يهوديا، فقال: إن بيننا وبينكم التوراة، فأبوا (48)، وقيل: نزلت في الرجم وقد اختلفوا فيه (49)، ﴿ثم يتولى فريق منهم﴾ استبعاد لتوليهم بعد علمهم أن الرجوع إلى كتاب الله واجب ﴿وهم معرضون﴾ الإعراض عادتهم ﴿ذلك﴾ التولي والإعراض ﴿ب?﴾ سبب ﴿أنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودا ت﴾ أي قلائل: أربعين يوما أو سبعة أيام ﴿وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون﴾ أي: افتراؤهم وهو قولهم: ﴿نحن أبناء الله وأحباؤه﴾ (50)، ﴿فكيف﴾ يصنعون ﴿إذا جمعناهم ليوم﴾ أي: لجزاء يوم ﴿لا ريب فيه﴾ أي: لاشك فيه لمن نظر في الأدلة ﴿ووفيت كل نفس﴾ جزاء ﴿ما كسبت وهم لا يظلمون﴾ يرجع إلى ﴿كل نفس﴾ على المعنى، لأنه في معنى: كل الناس.
﴿قل اللهم ملك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير (26) تولج اليل في النهار وتولج النهار في اليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب (27)﴾ سورة آل عمران / 26 و 27 ﴿اللهم﴾ الميم فيه عوض من " يا " ولذلك لا يجتمعان، وهذا من خصائص هذا الاسم كما اختص بالتاء في القسم وبدخول حرف النداء عليه وفيه لام التعريف (51) ﴿ملك الملك﴾ أي: تملك جنس الملك فتتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكونه ﴿تؤتى الملك من تشاء﴾ تعطي من تشاء من الملك النصيب الذي قسمته له ﴿وتنزع الملك ممن تشاء﴾ النصيب الذي أعطيته منه، فالملك الأول عام والآخران خاصان بعضان من الكل ﴿وتعز من تشاء﴾ من أوليائك في الدنيا والدين ﴿وتذل من تشاء﴾ من أعدائك ﴿بيدك الخير﴾ تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك ﴿تولج اليل في النهار﴾ أي: تنقص من الليل وتجعل ذلك النقصان زيادة في النهار، وتنقص من النهار وتجعل ذلك النقصان زيادة في الليل ﴿وتخرج الحي من الميت﴾ أي: من النطفة ﴿وتخرج الميت﴾ أي: النطفة ﴿من الحي﴾ وقيل: تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن (52) ﴿وترزق من تشاء بغير حساب﴾ بغير تقتير.
﴿لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير (28)﴾ نهى سبحانه المؤمنين أن يوالوا ﴿الكافرين﴾ لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يتصادق بها، وقد كرر ذلك في القرآن: ﴿لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء﴾ (53)، ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ﴾ الآية (54) والحب في الله والبغض في الله أصل كبير من أصول الإيمان ﴿من دون المؤمنين﴾ المعنى: أن لكم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلا تؤثروهم عليهم ﴿ومن يفعل ذلك فليس من الله في شئ﴾ أي: فليس من ولاية الله في شئ، يعني: أنه منسلخ عن ولاية الله رأسا، وهذا أمر معقول فإن مصادقة الصديق ومصادقة عدوه متنافيان، قال: تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك إن الرأي منك لعازب (55) سورة آل عمران / 29 و 30 وقوله: ﴿من الله﴾ في موضع النصب على الحال، لأنه في الأصل " فليس في شئ ثابت من الله "، فلما تقدم انتصب على الحال، ومثله " ليسوا من الشر في شئ وإن هانا " ﴿إلا أن تتقوا منهم تقاة﴾ إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه، وقرئ: " تقية " (56)، وهما جميعا مصدرا تقى تقاة وتقية وتقوى، وهذه رخصة في موالاتهم عند الخوف، والمراد بهذه الموالاة المخالقة الظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ فلا تتعرضوا لسخطه بموالاة أعدائه، وهذا وعيد شديد.
﴿قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السماوات وما في الأرض والله على كل شئ قدير (29)﴾ ﴿إن تخفوا ما في صدوركم﴾ من ولاية الكفار أو غيرها مما لا يرضى الله ﴿يعلمه الله﴾ ولم يخف عليه ﴿و﴾ هو ﴿يعلم ما في السماوات وما في الأرض﴾ لا يخفى عليه شئ، فلا يخفى عليه سركم وجهركم ﴿والله على كل شئ قدير﴾ فهو قادر على عقوبتكم، وهذا بيان لقوله: ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ وهي ذاته المتميزة من سائر الذوات القادرة العالمة فلا تختص بمقدور دون مقدور ولا بمعلوم دون معلوم، فكان أحق بأن يتقى ويحذر.
﴿يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد (30)﴾ ﴿يوم﴾ منصوب ب? ﴿تود﴾ أي: يوم القيامة حين ﴿تجد كل نفس﴾ خيرها وشرها حاضرين تتمنى ﴿لو أن بينها﴾ وبين ذلك اليوم وهوله ﴿أمدا بعيدا﴾ فالضمير في ﴿بينه﴾ لـ " اليوم "، ويجوز أن ينتصب " اليوم " بمضمر نحو: " أذكر " ويرتفع ﴿وما عملت من سوء﴾ على الابتداء و ﴿تود﴾ خبره (57)، أي: والذي عملته من سوء تود هي لو تباعد ما بينها وبينه، وتكون ﴿ما﴾ موصولة ولا يجوز أن تكون شرطية لارتفاع ﴿تود﴾، ويجوز أن يكون ﴿وما عملت﴾ عطفا على ﴿ما عملت﴾ ويكون ﴿تود﴾ حالا (58)، أي: يوم تجد عملها محضرا وادة تباعد ما بينها وبين اليوم أو عمل السوء، وقوله: ﴿محضرا﴾ أي: مكتوبا في صحفهم يقرؤونه، ونحوه: ﴿ووجدوا ما عملوا حاضرا﴾ (59) والأمد: المسافة، كقوله: ﴿يليت بيني وبينك بعد المشرقين﴾ (60)، ﴿والله رؤوف بالعباد﴾ رحيم بهم، فلا تأمنوا عقابه ولا تيأسوا من رحمته.
﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم (31) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين (32)﴾ سورة آل عمران / 33 و 34 نزلت الآية في قوم من أهل الكتاب قالوا: " نحن أحباء الله " فجعل الله سبحانه مصداق ذلك اتباع رسوله (صلى الله عليه وآله) فقال: ﴿إن كنتم﴾ صادقين في دعوى محبة الله ﴿فاتبعوني﴾ فإنكم إن فعلتم ذلك أحبكم الله وغفر لكم، ومحبة الله للعبد هي إرادة ثوابه، ومحبة العبد لله هي إرادة طاعته، فإن المحبة من جنس الإرادة، ثم أكد ذلك بقوله: ﴿قل أطيعوا الله والرسول﴾ أي: ﴿إن كنتم تحبون الله﴾ كما تدعون فأظهروا دلالة صدق المحبة بطاعة الله وطاعة رسوله ﴿فإن تولوا﴾ عن طاعة الله ورسوله، يحتمل أن يكون ماضيا وأن يكون مضارعا بمعنى: " فإن تتولوا " (61) ويدخل في جملة ما يقوله الرسول لهم: ﴿فإن الله لا يحب الكافرين﴾ أي: لا يحبهم ولا يريد ثوابهم من أجل كفرهم، فوضع الظاهر موضع المضمر لهذا المعنى.
﴿إن الله اصطفى ادم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العلمين (33) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34)﴾ ﴿آل إبراهيم﴾: إسماعيل وإسحاق وأولادهما، و ﴿آل عمران﴾: موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر، وقيل: عيسى بن مريم بنت عمران بن ماثان (62)، وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة و ﴿ذرية﴾ بدل من ﴿آل إبراهيم وآل عمران﴾، ﴿بعضها من بعض﴾ يعني: أن الآلين ذرية واحدة متسلسلة بعضها متشعب من بعض، وفي قراءة أهل البيت (عليهم السلام): " وآل محمد على العالمين " (63)، وقيل: إن آل إبراهيم هم آل محمد الذين هم أهل البيت (عليهم السلام) (64)، ومن اصطفاه الله تعالى واختاره من خلقه لا يكون إلا معصوما مطهرا عن القبائح، وعلى هذا فيجب أن يكون الاصطفاء مخصوصا بمن كان معصوما من آل إبراهيم وآل عمران نبيا كان أو إماما (65).
﴿إذ قالت امرأة عمرا ن رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل منى إنك أنت السميع العليم (35) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (36)﴾ يجوز أن يكون ﴿إذ﴾ منصوبا بقوله: ﴿سميع عليم﴾، أي: سميع عليم لقول امرأة عمران ونيتها، وقيل: هو منصوب ب? " أذكر " (66)، وهي امرأة عمران بن ما ثان أم مريم البتول جدة عيسى (عليه السلام) واسمها حنة، وكانتا أختين: إحداهما هذه والأخرى عند زكريا (عليه السلام) واسمها ايشاع واسم أبيها فاقوذ (67)، فيحيى ومريم ابنا خالة ﴿محررا﴾ أي: معتقا لخدمة بيت المقدس لا يد لي عليه ولا أستخدمه، وروي عن الصادق (عليه السلام): " أن الله عز وجل أوحى إلى عمران أني واهب لك ولدا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذني، فحدث امرأته حنة بذلك، فلما حملت ﴿قالت﴾: ﴿رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل منى﴾ أي: نذري قبول رضى ﴿إنك أنت السميع﴾ بما أقول ﴿العليم﴾ بما أنوي ﴿فلما وضعتها﴾ وكانت ترجو أن يكون غلاما خجلت واستحيت، و ﴿قالت﴾ منكسة رأسها: ﴿رب إني وضعتها أنثى﴾ وإنما قالت ذلك تحسرا لأنها كانت ترجو أن سورة آل عمران / 37 تلد ذكرا، ولذلك نذرته محررا، ولذلك قال الله تعالى: ﴿والله أعلم بما وضعت﴾ تعظيما لموضوعها، أي: والله أعلم بالشئ الذي وضعت وبما علق به من عظائم الأمور وهي لا تعلم ذلك " (68)، وقرئ: " بما وضعت " بضم التاء (69)، وروي ذلك عن علي (عليه السلام) (70)، بمعنى: ولعل لله فيه سرا وحكمة، ولعل هذه الأنثى خير من الذكر تسلية لنفسها، ومريم في لغتهم هي العابدة.
﴿فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب (37)﴾ ﴿فتقبلها ربها﴾ فرضي بها بالنذر مكان الذكر ﴿بقبول حسن﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن يكون القبول اسما لما يقبل به الشئ كالسعوط والوجور لما يسعط به ويوجر، وهو اختصاصه لها بإقامتها مقام الذكر ولم يقبل قبلها أنثى في ذلك أو بأن تسلمها من أمها عقيب الولادة قبل أن تصلح للسدانة، والثاني: أن يكون مصدرا على تقدير حذف المضاف بمعنى: فتقبلها بذي قبول حسن، أي: بأمر ذي قبول حسن وهو الاختصاص (71) ﴿وأنبتها نباتا حسنا﴾ أي: جعل نشوءها نشوءا حسنا ورباها تربية حسنة وأصلح أمرها في جميع أحوالها، وقرئ: " وكفلها " بالتشديد " زكرياء " بالنصب (72)، والفعل لله تعالى، بمعنى: وضمها إليه وجعله كافلا لها وضامنا لمصالحها، وقرئ: " زكريا " بالقصر والمد (73)، وقيل: إنه بنى لها زكرياء محرابا في المسجد، أي: غرفة تصعد إليها بسلم (74)، وقيل: المحراب أشرف المجالس ومقدمها، كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس (75)، وقيل: كانت مساجدهم تسمى محاريب (76)، ﴿وجد عندها رزقا﴾ كان رزقها ينزل عليها من الجنة، فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء ﴿أنى لك هذا﴾ من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا ؟! ﴿قالت هو من عند الله﴾ أي: من الجنة.
سورة آل عمران / 38 و 39 وفي كتاب الكشاف: عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه جاع في زمن قحط فأهدت له فاطمة (عليها السلام) رغيفين وبضعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها، وقال: هلمي يا بنية، فكشف عن الطبق فإذا هو مملو خبزا ولحما، فبهتت (77) وعلمت أنها نزلت من عند الله، فقال لها: أنى لك هذا؟فقالت: هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال (عليه السلام): الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل، ثم جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجميع أهل بيته (عليهم السلام) عليه حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو، فأوسعت فاطمة (عليها السلام) على جيرانها (78).
﴿إن الله يرزق من يشاء﴾ من جملة كلام مريم، أو كلام رب العزة ﴿بغير حساب﴾ بغير تقدير لكثرته، أو تفضلا بغير محاسبة ومجازاة على عمل.
﴿هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء (38) فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصلحين (39)﴾ ﴿هنالك﴾ أي: في ذلك المكان حيث هو قاعد في المسجد عند مريم في المحراب، أو في ذلك الوقت فقد يستعار " هنا " و " ثم " و " حيث " للزمان (79)، لما رأى حال مريم من كرامتها على الله ومنزلتها رغب في أن يكون له ولد من ايشاع مثل ولد أختها حنة في الكرامة على الله وإن كانت عاقرا عجوزا ﴿قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة﴾ أي: ولدا مباركا تقيا نقيا، وإنما أنث على لفظ الذرية، والذرية تقع على الواحد والجمع ﴿إنك سميع الدعاء﴾ أي: مجيبه ﴿فنادته الملائكة﴾ قيل: ناداه جبرئيل (عليه السلام) (80)، وقرئ: " فناداه " على التذكير والإمالة (81)، وقرئ: ﴿أن الله يبشرك﴾ بالفتح على تقدير: " بأن الله "، وبالكسر (82) على تقدير إرادة القول أو لأن النداء ضرب من القول، وقرئ: " يبشرك " بفتح الياء والتخفيف (83) من بشره يبشره، و " يحيى " إن كان أعجميا فإنما منع الصرف للتعريف والعجمة، وإن كان عربيا فللتعريف ووزن الفعل.
سورة آل عمران / 40 و 41 ﴿مصدقا بكلمة من الله﴾ أي: بعيسى مؤمنا به، قيل: إنه أول من آمن به، وإنما سمي كلمة لأنه لم يوجد إلا بكلمة الله وحدها وهو قوله: " كن " من غير سبب آخر (84)، وقيل: مصدقا بكلمة من الله: مؤمنا بكتاب منه (85)، وسمي الكتاب كلمة كما قيل: كلمة الحويدرة (86) لقصيدته (87) ﴿وسيدا﴾ يسود قومه ويفوقهم في الشرف والعلم والعبادة ﴿وحصورا﴾ لا يقرب النساء، حصرا لنفسه ومنعا من الشهوات ﴿ونبيا من الصلحين﴾ أي: رسولا شريفا رفيع المنزلة كائنا من جملة الأنبياء الصالحين.
﴿قال رب أنى يكون لي غلم وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء (40) قال رب اجعل لي اية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والأبكار (41)﴾ ﴿قال﴾ زكريا: ﴿أنى يكون لي غلم﴾ هذا استبعاد من حيث العادة ﴿وقد بلغني الكبر﴾ كقولهم: أدركته السن العالية، والمعنى: أثر في الكبر وأضعفني، وكانت له تسع وتسعون سنة، وقيل: مائة وعشرون سنة ولامرأته ثمان وتسعون سنة (88)، ﴿قال كذلك الله﴾ أي: يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة الخارقة للعادة مثل ذلك الفعل وهو خلق الولد بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر، أو ﴿كذلك الله﴾ مبتدأ وخبر، أي: على نحو هذه الصفة الله (89)، و ﴿يفعل ما يشاء﴾ بيان له ﴿قال رب اجعل لي اية﴾ أي: علامة أعرف بها وقت الحمل لأتلقى هذه النعمة إذا جاءت بالشكر ﴿قال آيتك ألا﴾ تقدر على تكليم ﴿الناس ثلاثة أيام إلا رمزا﴾ إشارة بيد أو رأس أو غيرهما، وأصله التحرك، وإنما خص تكليم الناس ليعلمه (90) أن حبس لسانه يكون عن القدرة على تكليمهم خاصة، ويكون قادرا على التكليم بذكر الله، ولذلك قال: ﴿واذكر ربك كثيرا﴾ يعني: في أيام عجزك عن تكليم الناس، وهي من المعجزات الباهرة ﴿وسبح بالعشى﴾ من حين تزول (91) الشمس إلى أن تغيب ﴿والابكار﴾ من طلوع الفجر إلى وقت الضحى.
﴿وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العلمين (42) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين (43)﴾ ﴿إذ﴾ هذه معطوفة على ﴿إذ قالت امرأة عمرا ن﴾ (92)، كلمتها الملائكة شفاها و ﴿قالت﴾ لها: ﴿إن الله اصطفاك﴾ أولا إذ تقبلك من أمك ورباك واختصك بأنواع الكرامة ﴿وطهرك﴾ من الأدناس والأقذار العارضة للنساء مثل (93) الحيض والنفاس ﴿واصطفاك﴾ آخرا ﴿على نساء العلمين﴾ بأن وهب لك عيسى من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء ﴿يا مريم اقنتي لربك﴾ أمرت بالصلاة بذكر القنوت والسجود لكونهما من هيئات الصلاة وأركانها، ثم قيل لها: ﴿واركعي مع الراكعين﴾ بمعنى: ولتكن صلاتك مع المصلين في الجماعة، أو وانظمي نفسك في جملة المصلين وكوني في عدادهم.
﴿ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون (44)﴾ ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما سبق من نبأ زكريا ويحيى ومريم ﴿من أنباء الغيب﴾ التي لم تعرفها إلا بالوحي ﴿نوحيه إليك﴾ أي: نلقيه إليك معجزة لك، لأن علم ما غاب عن الإنسان لا يمكن حصوله إلا بدراسة الكتب أو بالتعلم أو بالوحي، ومعلوم أنك لم تشاهد هذه القصص ولم تقرأها من كتاب ولا تعلمتها، إذ كان نشوؤك بين قوم لم يكونوا أهل كتاب، فوضح أنك لم تعرف ذلك إلا بالوحي ﴿وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم﴾ التي كانوا يكتبون بها التوراة في الماء يقترعون على مريم، فارتز (94) قلم زكريا وارتفع فوق الماء ورسبت أقلام الباقين من الأحبار (95) ﴿أيهم يكفل مريم﴾ أي: ليعلموا أيهم يكفلها ﴿وما كنت لديهم إذ يختصمون﴾ في شأنها.
﴿إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين (45) ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصلحين (46) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (47)﴾ ﴿إذ قالت﴾ بدل من ﴿وإذ قالت﴾ (96)، ويجوز أن يبدل من ﴿إذ يختصمون﴾ (97)، ﴿يبشرك﴾ يخبرك بما يسرك ﴿بكلمة منه اسمه المسيح﴾ وأصله " مشيحا " بالعبرانية ومعناه: المبارك كقوله: ﴿وجعلني مباركا أين ما كنت﴾ (98)، وكذلك " عيسى " معرب من " ايشوع "، وقيل: إنما سمي مسيحا لأن جبرئيل مسحه بجناحيه وقت ولادته يعوذه بذلك من الشيطان (99)، وقيل: لأنه كان لا يمسح ذا عاهة بيده إلا برأ (100)، وإنما قيل (101): ﴿اسمه المسيح عيسى ابن مريم﴾ وهذه ثلاثة أشياء: الاسم منها عيسى، والمسيح لقب من ألقابه الشريفة، والابن صفة، لأن الاسم يكون علامة للمسمى يتميز بها عن غيره، فكأنه قيل: إن مجموع هذه الثلاثة هو الذي يتميز بذلك عن غيره ﴿وجيها﴾ حال من " كلمة " وكذلك ﴿ومن المقربين﴾، ﴿ويكلم﴾، ﴿ومن الصلحين﴾ أي: يبشرك به موصوفا بهذه الصفات، وصح الحال من النكرة لكونها موصوفة، والوجاهة ﴿في الدنيا﴾ هي النبوة والرياسة على الناس ﴿و﴾ في ﴿الآخرة﴾: الشفاعة وعلو الرتبة (102)، ﴿و﴾ كونه ﴿من المقربين﴾ رفعه إلى السماء، وقوله: ﴿في المهد﴾ في موضع النصب على الحال من ﴿يكلم﴾، و ﴿كهلا﴾ عطف عليه، والمعنى: يكلم الناس طفلا وكهلا كلام الأنبياء من غير تفاوت بين الحالتين.
﴿ويعلمه الكتاب والحكمة والتورية والإنجيل (48) ورسولا إلى بني إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم أنى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين (49) ومصدقا لما بين يدي من التورية ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم من ربكم بآية فاتقوا الله وأطيعون (50)﴾
﴿ويعلمه﴾ عطف على ﴿يبشرك﴾ أو على ﴿يخلق﴾ أو على ﴿وجيها﴾ أو هو كلام مستأنف، وقرئ: ﴿ويعلمه﴾ بالياء والنون (103)، وقوله: ﴿ورسولا... ومصدقا﴾ فيهما وجهان: أحدهما: أن التقدير: ويقول: أرسلت رسولا ب? ﴿أنى قد جئتكم﴾ ﴿ومصدقا لما بين يدي﴾، والثاني: أن الرسول والمصدق فيهما معنى النطق، فكأنه قيل: وناطقا بأني قد جئتكم وناطقا بأني أصدق ما بين يدي (104)، و ﴿أنى أخلق﴾ في موضع نصب بدل من ﴿أنى قد جئتكم﴾ أو في موضع جر بدل من " آية " أو في موضع رفع على " هي أني أخلق لكم " (105) وقد قرئ: " إني أخلق " بالكسر (106) على الاستئناف، والمعنى: أني أقدر لكم شيئا مثل صورة الطير ﴿فأنفخ فيه﴾ أي: في ذلك الشئ المماثل لـ " هيئة الطير "، ﴿فيكون طيرا﴾ كسائر الطيور حيا ﴿بإذن الله﴾ بقدرته وأمره ﴿وأبرئ الأكمه﴾ أي: الذي يولد أعمى ﴿والأبرص﴾ الذي به وضح، وإنما كرر ﴿بإذن الله﴾ دفعا لوهم من توهم فيه الإلهية ﴿وأنبئكم بما تأكلون?﴾ - ه ﴿وما تدخرون?﴾ - ه ﴿في بيوتكم﴾ كان يقول: يا فلان أكلت كذا ويا فلان خبئ لك كذا، وقوله: ﴿ولاحل لكم﴾ محمول على قوله: ﴿بآية﴾ أي: جئتكم بآية من ربكم ولأحل لكم، ويجوز أن يكون ﴿ومصدقا﴾ محمولا عليه أيضا، أي: جئتكم بآية وجئتكم مصدقا، والذي أحل لهم عيسى (عليه السلام) وقد كان محرما عليهم في شريعة موسى هو لحم الإبل والشحم والثرب (107) ولحم بعض الحيتان ﴿وجئتكم بآية من ربكم﴾ أي: حجة شاهدة على صحة نبوتي ﴿فاتقوا الله﴾ في مخالفتي وتكذيبي ﴿وأطيعون?﴾ - ي.
﴿إن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صرا ط مستقيم (51) فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون (52) ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين (53) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين (54)﴾ سورة آل عمران / 55 ﴿إن الله﴾ مالكي ومالككم، إنما قال ذلك ليكون حجة على النصارى في قولهم: المسيح ابن الله، والمعنى: لا تنسبوني إليه فإنما أنا عبد له كما أنكم عبيد له ﴿فلما أحس﴾ أي: علم ﴿عيسى منهم الكفر﴾ علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس ﴿قال من أنصاري إلى الله﴾ أي: من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله ينصرونني كما ينصرني؟فيكون ﴿إلى الله﴾ من صلة ﴿أنصاري﴾، ويجوز أن يكون متعلقا بمحذوف حالا من الياء أي: من أنصاري ذاهبا إلى الله؟(108) ﴿قال الحواريون نحن أنصار الله﴾ أي: أنصار دينه ورسوله، وحواري الرجل صفوته وخاصته، ويقال لنساء الحضر: الحواريات لنظافتهن وخلوص ألوانهن، والحواريون كانوا اثني عشر رجلا (109)، قيل: سموا بذلك لأنهم كانوا نورانيين (110) عليهم أثر العبادة أو لنقاء قلوبهم كما ينقى الثوب بالتحوير (111)، وقيل: كانوا قصارين يبيضون الثياب (112)، وإنما طلبوا شهادته لأن الرسل يشهدون يوم القيامة لقومهم وعليهم، وقوله: ﴿مع الشاهدين﴾ أي: مع الأنبياء الذين يشهدون لأممهم، وقيل: مع أمة محمد (صلى الله عليه وآله) لأنهم شهداء على الناس (113) ﴿ومكروا﴾ الواو لكفار بني إسرائيل، ومكرهم أنهم وكلوا به من يقتله غيلة ﴿ومكر الله﴾ بأن رفع عيسى (عليه السلام) إلى السماء وألقى شبهه على من أراد اغتياله حتى قتل ﴿والله خير الماكرين﴾ أقواهم مكرا وأنفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يشعر المعاقب.
﴿إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة ثم إلى مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون (55)﴾ ﴿إذ قال الله﴾ ظرف لـ ﴿خير الماكرين﴾ أو لـ ﴿مكر الله﴾ ﴿إني متوفيك﴾ أي (114): مستوفي أجلك، ومعناه: أني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخرك إلى أجل كتبته لك ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم ﴿ورافعك إلى﴾ أي: إلى سمائي ومقر ملائكتي ﴿ومطهرك من الذين كفروا﴾ من سوء جوارهم وخبث صحبتهم، وقيل: متوفيك: قابضك من الأرض، من توفيت مالي على فلان إذا استوفيته (115)، وقيل: متوفيك في وقتك بعد النزول من السماء ورافعك الآن (116)، وقيل: متوفيك: متوفي نفسك بالنوم (117) من قوله: ﴿والتي لم تمت في منامها﴾ (118) ورافعك وأنت نائم حتى لا يلحقك خوف وتستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب ﴿وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة﴾ يعلونهم بالحجة وفي أكثر الأحوال بالحجة والسيف، ومتبعوه هم المسلمون دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى ﴿فأحكم بينكم﴾ تفسير الحكم فيما بعد وهو قوله: ﴿فأعذبهم... فيوفيهم أجورهم﴾.
﴿فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة ومالهم من نصرين (56) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين (57) ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم (58)﴾ ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى (عليه السلام) وغيره، وهو مبتدأ خبره ﴿نتلوه عليك﴾، و ﴿من الآيات﴾ خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون ﴿ذلك﴾ بمعنى " الذي " و ﴿نتلوه﴾ صلته و ﴿من الآيات﴾ الخبر (119)، ﴿والذكر الحكيم﴾ القرآن، لأنه بما فيه من الحكمة كأنه ينطق بالحكمة كما تسمى الدلالة دليلا وإن كان الدليل هو الدال.
﴿إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (59) الحق من ربك فلا تكن من الممترين (60) فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكذبين (61)﴾
﴿إن﴾ شأن ﴿عيسى) ﴿عليه السلام) وحاله العجيبة كشأن ﴿آدم﴾، وقوله: ﴿خلقه من تراب﴾ جملة مفسرة لما له شبه عيسى بآدم، أي: خلق آدم من تراب ولا أب هنا ولا أم فكذلك حال عيسى، والوجود من غير أب وأم أغرب (120) وأدخل في باب خرق العادة من الوجود من غير أب، والمعنى: قدره جسما (121) من طين ﴿ثم قال له كن﴾ أي: أنشأه بشرا كما قال: ﴿ثم أنشأناه خلقا آخر﴾ (122) وقوله: ﴿فيكون﴾ حكاية حال ماضية ﴿الحق من ربك﴾ خبر مبتدأ محذوف أي: هو الحق، كقول أهل خيبر (123): " محمد والخميس " أي (124): الجيش ﴿فلا تكن من الممترين﴾ من باب التهييج لزيادة الطمأنينة واليقين ﴿فمن حاجك﴾ من النصارى ﴿فيه﴾ أي: في عيسى ﴿من بعد ما جاءك من العلم﴾ أي: من البينات الموجبة للعلم ﴿فقل تعالوا﴾ هلموا، والمراد المجئ بالرأي والعزم كما تقول: تعال نفكر في هذه المسألة ﴿ندع أبنائنا وأبناءكم﴾ أي: يدع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ومن نفسه كنفسه إلى المباهلة ﴿ثم نبتهل﴾ أي: نتباهل بأن نقول: " بهلة الله على الكاذب منا ومنكم " والبهلة - بالفتح والضم -: اللعنة، وبهله الله: لعنه وأبعده من رحمته من قولك: أبهله إذا أهمله، وناقة باهل: لا صرار (125) عليها، هذا أصل الابتهال ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه وإن لم يكن التعانا.
نزلت الآيات في وفد نجران (126): العاقب والسيد ومن معهما، ولما دعاهم النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟قال: والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم، وذلك بعد أن غدا النبي (صلى الله عليه وآله) آخذا بيد علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهما السلام) بين يديه وفاطمة (عليها السلام) خلفه، وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة، فقال الأسقف: إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ولكن نصالحك، فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن يؤدوا إليه كل عام ألفي حلة: ألف في صفر وألف في رجب، وعلى عارية ثلاثين درعا وعارية ثلاثين فرسا وثلاثين رمحا إن وقع كيد باليمن، وقال: والذي نفسي (127) بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا (128).
وفي هذه الآية أوضح دلالة على فضل أصحاب الكساء (عليهم السلام) وعلو درجتهم وبلوغ مرتبتهم في الكمال إلى حد لا يدانيهم أحد من الخلق.
﴿إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم (62) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين (63) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)﴾ ﴿إن هذا﴾ الذي قص عليك من نبأ عيسى وغيره ﴿لهو القصص الحق﴾ والحديث الصدق، و ﴿من﴾ في قوله: ﴿وما من إله إلا الله﴾ بمنزلة البناء على الفتح في " لا إله إلا الله " في إفادة معنى الاستغراق، وهو رد على النصارى في قولهم بالتثليث ﴿فإن الله عليم بالمفسدين﴾ وعيد لهم، ولما تم الحجاج على القوم دعاهم سبحانه إلى التوحيد فقال: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء﴾ أي: مستوية ﴿بيننا وبينكم﴾ لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، وتفسير الكلمة قوله: ﴿ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله﴾ يعني: هلموا إليها حتى لا نقول: عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله، لأن كل واحد منهما بعضنا وبشر مثلنا، ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل كقوله: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله﴾ الآية (129)، وقال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، قال: " أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟"، قال: نعم، قال: " هو ذاك " (130)، ﴿فإن تولوا﴾ عن التوحيد ﴿فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾ أي: لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا بأنا مسلمون دونكم، ويجوز أن يكون من باب التعريض ومعناه: اشهدوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره (131).
﴿يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التورية والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (65) ها أنتم هؤلاء حججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (66) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين (67)﴾ اجتمعت أحبار اليهود والنصارى عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزعم كل فريق منهم أن ﴿إبراهيم﴾ كان منهم، فقيل لهم: إن اليهودية حدثت بعد نزول ﴿التورية و﴾ النصرانية بعد نزول ﴿الإنجيل﴾ وبين إبراهيم وموسى ألف سنة وبينه وبين عيسى ألفان، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلا بعد عهده بأزمنة كثيرة ؟! ﴿أفلا تعقلون﴾ حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال ؟! ﴿ها﴾ للتنبيه و ﴿أنتم هؤلاء﴾ مبتدأ وخبر، و ﴿حججتم﴾ جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى، يعني أنتم هؤلاء الأشخاص الجهال بيان جهلكم وقلة عقلكم أنكم جادلتم ﴿فيما لكم به علم﴾ مما نطق به التوراة والإنجيل ﴿فلم تحاجون فيما﴾ لا ذكر له في كتابيكم من دين إبراهيم ؟! ﴿والله يعلم﴾ شأن إبراهيم ودينه ﴿وأنتم لا تعلمون﴾ فلا تتكلموا فيه، ثم أعلمهم بأن إبراهيم برئ من دينهم ﴿و﴾ ما ﴿كان﴾ إلا ﴿حنيفا مسلما وما كان من المشركين﴾ أراد بالمشركين اليهود والنصارى لإشراكهم به عزيرا والمسيح.
﴿إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولى المؤمنين (68) ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون (69)﴾ سورة آل عمران / 68 و 69 ﴿إن أولى الناس﴾ أخص الناس ﴿بإبراهيم﴾ وأقربهم منه من الولي وهو القرب ﴿للذين اتبعوه﴾ في زمانه وبعده ﴿وهذا النبي﴾ خصوصا ﴿والذين آمنوا﴾ من أمته ﴿والله ولى المؤمنين﴾ يتولى نصرتهم ﴿ودت طائفة﴾ أي: تمنت جماعة ﴿من أهل الكتاب لو يضلونكم﴾ هم اليهود دعوا حذيفة وعمارا (132) ومعاذا (133) إلى اليهودية ﴿وما يضلون إلا أنفسهم﴾ وما يعود وبال الإضلال إلا عليهم، لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم، أو ما يقدرون على إضلال المسلمين وإنما يضلون أمثالهم (134) ﴿وما يشعرون﴾ أي: وما يعلمون أن وبال ذلك يعود عليهم.
﴿يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون (70) يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالبطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون (71)﴾ ﴿بآيات الله﴾ بالتوراة والإنجيل، وكفرهم بها أنهم لا يؤمنون بما نطقت به من صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ونعته، ﴿وأنتم تشهدون﴾ تعترفون بأنها آيات الله، أو تكفرون بالقرآن ودلائل نبوة الرسول وأنتم تشهدون نعته في الكتابين (135) ﴿لم تلبسون الحق بالبطل﴾ الباطل: ما حرفوه من التوراة، والحق: ما تركوه على حاله ﴿وتكتمون الحق﴾ وهو نبوة محمد (صلى الله عليه وآله).
﴿وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون (72) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله وا سع عليم (73) يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم (74)﴾
تواطأ اثنا عشر رجلا من أحبار يهود خيبر وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد (صلى الله عليه وآله) أول النهار من غير اعتقاد ﴿واكفروا﴾ به آخر النهار، وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذلك النعوت وظهر لنا كذبه وبطلان دينه، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم ويقولون: ما رجعوا وهم أهل الكتاب إلا لأمر قد تبين لهم (136) و ﴿وجه النهار﴾ أوله، وقوله: ﴿ولا تؤمنوا﴾ يتعلق بقوله: ﴿أن يؤتى أحد﴾ وما بينهما اعتراض، أي: ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد ﴿مثل ما أوتيتم﴾ إلا لأهل دينكم دون غيرهم، والمراد: وأسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم، ولا تفشوه إلا عند أشياعكم وحدهم دون المسلمين لئلا يزيدهم تصديقكم بذلك ثباتا ودون المشركين لئلا يدعوهم ذلك إلى الإسلام ﴿أو يحاجوكم عند ربكم﴾ عطف على ﴿أن يؤتى﴾ والضمير في ﴿يحاجوكم﴾ لـ ﴿أحد﴾ لأنه في معنى الجمع، يعني: ولا تؤمنوا ﴿لـ﴾ غير ﴿من تبع دينكم﴾ إن المسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند الله بالحجة، ومعنى الاعتراض بقوله: ﴿قل إن الهدى هدى الله﴾ أن المراد بذلك: قل يا محمد لهم: إن من شاء الله أن يوفقه حتى يسلم أو يزيد ثباته على الإسلام كان ذلك، ولم ينفع حيلتكم ومكركم، وكذلك قوله: ﴿قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء﴾ المراد به: الهداية والتوفيق.
وفي الآية وجه آخر: وهو أن يتم الكلام عند قوله: ﴿إلا لمن تبع دينكم﴾ على معنى: لا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم، لأن رجوعهم كان أرجى عندهم، ولأن الإسلام منهم كان أغيظ لهم، وقوله: ﴿أن يؤتى أحد﴾ معناه: لأن يؤتى أحد ﴿مثل ما أوتيتم﴾ دبرتم ذلك وفعلتموه لا لشئ آخر، يعني: أن ما بكم من الحسد لمن أوتي مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم، والدليل عليه قراءة ابن كثير (137): " أأن يؤتى أحد " بزيادة همزة الاستفهام للتقرير والتوبيخ (138) بمعنى: ألان يؤتى أحد.
ومعنى ﴿أو يحاجوكم﴾ على هذا أنكم دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولما يتصل به عند كفركم من محاجتهم لكم عند ربكم.
ووجه آخر: وهو أن يكون ﴿هدى الله﴾ بدلا من ﴿الهدى﴾، و ﴿أن يؤتى أحد﴾ خبر ﴿إن﴾ والمعنى: قل: إن هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ﴿أو يحاجوكم﴾ حتى يحاجوكم ﴿عند ربكم﴾ فيقرعوا باطلكم بحقهم ويدحضوا حجتكم.
ووجه آخر: وهو أن يتعلق الكلامان ب? ﴿قل﴾ والمعنى: قل لهم هذين القولين أي: أكد عليهم أن الهدى هدى الله وهو ما فعله من إيتاء الكتاب غيركم وأنكر عليهم أن يكيدوا بما كادوا به، كأنه قيل: قل: ﴿إن الهدى هدى الله﴾ وقل: ألان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ما قلتم وكدتم ما كدتم؟وفي هذه الآيات معجزة ظاهرة (139) لنبينا (عليه السلام) حيث أخبرهم عن سرائرهم.
﴿ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأمين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (75) بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين (76)﴾
﴿إلا ما دمت عليه قائما﴾ معناه: إلا مدة دوامك عليه يا صاحب الحق قائما على رأسه تطالبه بالعنف ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ترك الأداء الذي دل عليه ﴿لا يؤده إليك﴾ ومعناه: أن تركهم أداء الحقوق بسبب قولهم: ﴿ليس علينا في الأمين سبيل﴾ أي: ليس علينا عقاب ولا ذم في شأن الأميين الذين ليسوا على ديننا، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم ويقولون: لم تجعل لهم في كتابنا حرمة ﴿ويقولون على الله الكذب﴾ بادعائهم أن ذلك في كتابهم ﴿وهم يعلمون﴾ أنهم كاذبون ﴿بلى﴾ إثبات لما نفوه، أي: بلى عليهم سبيل في الأميين، وقوله: ﴿من أوفى بعهده﴾ جملة مستأنفة، أي: كل من أوفى بما عاهد عليه ﴿واتقى﴾ الله في ترك الخيانة والغدر ﴿فإن الله يحب?﴾ - ه، وضع الظاهر موضع المضمر.
﴿إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (77)﴾ ﴿يشترون﴾ يستبدلون بما عاهدوا الله عليه من الإيمان بنبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿وأيمانهم﴾ أي: بما حلفوا به من قولهم: والله لنؤمنن به ولننصرنه ﴿ثمنا قليلا﴾ متاع الدنيا من الرئاسة وأخذ الرشوة ونحو ذلك، وقيل: نزلت في حي بن أخطب وكعب بن الأشرف وأضرابهما من اليهود كتموا ما في التوراة وحرفوه (140) ﴿ولا ينظر إليهم﴾ مجاز عن الاستهانة بهم، يقال: فلان لا ينظر إلى فلان يراد سخطه عليه وترك اعتداده به ﴿ولا يزكيهم﴾ ولا يثني عليهم.
﴿وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون (78)﴾ ﴿يلوون ألسنتهم﴾ يفتلونها ﴿ب?﴾ قراءة ﴿الكتاب﴾ عن الصحيح إلى المحرف ﴿لتحسبوه﴾ والضمير يرجع إلى ما دل عليه ﴿يلوون ألسنتهم بالكتب﴾ وهو المحرف، أي: لتظنوا أيها المسلمون ذلك المحرف من كتاب الله ﴿وما هو من الكتاب﴾ المنزل على موسى ولكنهم يخترعون ﴿ويقولون هو من عند الله﴾ هو تأكيد لقوله: ﴿هو من الكتاب﴾ وزيادة تشنيع عليهم، وقيل: هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم أخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بما كان عندهم من الكتاب (141).
﴿ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79) ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون (80)﴾ قيل: إن أبا رافع القرظي ورئيس وفد نجران قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك إلها؟فقال: معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غير الله، ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني، فنزلت (142).
سورة آل عمران / 79 و 80 و ﴿الحكم﴾: الحكمة وهي السنة، أي: ﴿ما﴾ ينبغي ﴿لبشر﴾ ولا يحل له وليس من صفة الأنبياء الذين خصهم الله بالحكمة و ﴿النبوة﴾ أن يدعو الناس إلى عبادتهم، وهذا تكذيب لمن اعتقد عبادة عيسى ﴿ولكن كونوا ربانيين﴾ أي ولكن يقول: كونوا ربانيين، والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون - كما يقال: لحياني - وهو شديد التمسك بدين الله، وقيل: الربانيون: العلماء الفقهاء (143)، أي: كونوا علماء فقهاء، وقيل: كونوا معلمين الناس من علمكم كما يقال: أنفق بمالك أي: من مالك (144) ﴿بما كنتم﴾ أي: بسبب كونكم عالمين وبسبب كونكم دارسين للعلم، وقرئ: ﴿تعلمون﴾ من التعليم، وقرئ: ﴿ولا يأمركم﴾ بالنصب عطفا على ﴿ثم يقول﴾ وفيه وجهان: أحدهما: أن يجعل ﴿لا﴾ مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله: ﴿ما كان﴾ أي: ما كان ﴿لبشر﴾ أن يستنبئه الله ويجعله داعيا إلى الله وإلى إخلاص العبادة له وترك الأنداد ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له ويأمركم ﴿أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا﴾، والثاني: أن يجعل ﴿لا﴾ غير مزيدة، والمعنى: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة، وينهى اليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح، فلما قالوا له: أنتخذك ربا، قيل لهم: ما كان لبشر أن يستنبئه الله ثم يأمر الناس بعبادته وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء، والقراءة بالرفع على ابتداء الكلام أظهر (145)، وينصرها قراءة عبد الله " ولن يأمركم " (146)، والضمير في ﴿لا يأمركم﴾ و ﴿أيأمركم﴾ للبشر، وقيل: لله (147)، والهمزة في ﴿أيأمركم﴾ للإنكار (148)، والمعنى: أن الله تعالى إنما يبعث النبي ليدعو الناس إلى الإيمان فكيف يدعو النبي المسلمين إلى الكفر ؟! ﴿وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين (81) فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (82)﴾ المعنى: ﴿أخذ الله﴾ الميثاق على ﴿النبيين﴾ (149) بذلك، وعن الصادق (عليه السلام) أن المعنى: " وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيين (150) كل أمة بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به فما وفوا به وتركوا كثيرا من شرائعهم " (151)، واللام في ﴿لما آتيتكم﴾ لتوطئة القسم، وفي ﴿لتؤمنن﴾ لجواب القسم، لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف، ويجوز أن تكون " ما " شرطية و ﴿لتؤمنن﴾ قد سد مسد جواب القسم وجواب الشرط معا، ويجوز أن تكون " ما " موصولة بمعنى للذي آتيتكموه لتؤمنن به (152)، وقرئ: " لما آتيناكم " (153)، وقرئ: " لما آتيتكم " بكسر اللام (154) ومعناه: لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجئ ﴿رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به﴾ فيكون " ما " على هذا مصدرية والفعلان معها وهما ﴿آتيتكم﴾ و ﴿جاءكم﴾ في معنى المصدرين، واللام داخلة للتعليل أي: أخذ الله ميثاقهم (155) لتؤمنن بالرسول ﴿ولتنصرنه﴾ لأجل أني آتيتكم الحكمة وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف، ويجوز أن يكون " ما " موصولة وأن عطف بقوله: ﴿ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم﴾ على قوله: ﴿آتيتكم﴾ لأن " ما معكم " في معنى " ما آتيتكم " فكأنه قيل: للذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له ﴿قال﴾ أي: قال الله للنبيين ﴿أأقررتم﴾ به وصدقتموه ﴿وأخذتم على ذلكم إصري﴾ أي: عهدي على أممكم، وسمي العهد إصرا لأنه مما يؤصر أي: يشد ويعقد، قال الأنبياء: ﴿أقررنا﴾ بما أمرتنا بالإقرار به ﴿قال﴾ الله ﴿فاشهدوا﴾ بذلك على أممكم ﴿وأنا معكم من الشاهدين﴾ وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " لم يبعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد: لئن بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ العهد بذلك على أمته (156) ﴿فمن تولى بعد ذلك﴾ الميثاق والتوكيد ﴿فأولئك هم الفاسقون﴾ المتمردون من الكفار.
﴿أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون (83) قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (84)﴾ دخلت همزة الإنكار على فاء العطف التي عطفت جملة على جملة، والمعنى: ﴿فأولئك هم الفاسقون أفغير دين الله يبغون﴾ ثم توسطت همزة الإنكار بينهما، ويجوز أن يكون عطفا على محذوف والتقدير: أيتولون فغير دين الله يبغون (157)، وقرأ أبو عمرو: ﴿يبغون﴾ بالياء " وإليه ترجعون " بالتاء مضموما (158) لأن الباغين هم المتولون والراجعون جميع الناس، وقرئا بالياء معا وبالتاء (159) معا، وانتصب ﴿طوعا وكرها﴾ على الحال أي: طائعين ومكرهين وقيل: طوعا لأهل السماوات خاصة، وأما أهل الأرض فمنهم من أسلم طوعا بالنظر في الأدلة، ومنهم من أسلم كرها بالسيف أو بمعاينة ما يلجئ إلى الإسلام كنتق الجبل فوق بني إسرائيل أو عند رؤية البأس بالإشفاء على الموت (160)، فلما رأوا بأسنا قالوا: آمنا بالله وحده، ثم أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بأن يخبر عن نفسه وعمن معه بالإيمان فلذلك وحد الضمير في ﴿قل﴾ وجمع في ﴿آمنا﴾، ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك إجلالا من الله لقدر نبيه ﴿ونحن له مسلمون﴾ أي: موحدون مخلصون أنفسنا له لا نجعل له شريكا في العبادة.
﴿ومن يبتغ غير الأسلم دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85)﴾ أي: ﴿ومن﴾ يطلب غير ﴿الأسلم﴾ وهو التوحيد والإسلام لوجه الله ﴿دينا﴾ يدين به ﴿فلن يقبل منه﴾ بل يعاقب عليه ﴿وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ من الذين وقعوا في الخسران مطلقا من غير تقييد.
﴿كيف يهدى الله قوما كفروا بعد إيمنهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدى القوم الظالمين (86) أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (87) خلدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولاهم ينظرون (88) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم (89)﴾
﴿وشهدوا﴾ عطف على ما في ﴿إيمنهم﴾ من معنى الفعل، لأن معناه بعد أن آمنوا وشهدوا، ويجوز أن يكون الواو للحال بإضمار " قد " أي: كفروا وقد شهدوا ﴿أن الرسول حق﴾ (161)، ومعنى الآية: كيف يهديهم الله إلى طريق الإيمان وقد تركوه؟أي: لا طريق يهديهم به إلى الإيمان وقد تركوا الوجه الذي هداهم به ولا طريق غيره، وقيل: معناه: كيف يلطف بهم الله وليسوا من أهل اللطف لما علم سبحانه من تصميمهم على الكفر ودل على تصميمهم بأنهم كفروا بعد ما شهدوا أن الرسول حق وبعدما جاءتهم المعجزات التي تثبت بها النبوة وهم اليهود كفروا بالنبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن كانوا مؤمنين به (162)، وقيل: نزلت في رهط كانوا أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة (163) ﴿إلا الذين تابوا من بعد ذلك﴾ الكفر والارتداد ﴿وأصلحوا﴾ ما أفسدوا أو (164) دخلوا في الصلاح.
﴿إن الذين كفروا بعد إيمنهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون (90) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم ومالهم من نصرين (91)﴾ يعني: اليهود ﴿الذين كفروا﴾ بعيسى ﴿بعد إيمنهم﴾ بموسى ﴿ثم ازدادوا كفرا﴾ بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) أو كفروا برسول الله بعد أن كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بإصرارهم على ذلك وعداوتهم له ونقضهم عهده وصدهم عن الإيمان به ﴿لن تقبل توبتهم﴾ لأنها لا تقع على وجه الإخلاص، ويدل عليه قوله: ﴿وأولئك هم الضالون﴾ أي: عن الحق والصواب، وقيل: لن تقبل توبتهم عند رؤية البأس (165)، والمعنى: أنهم لا يتوبون إلا عند معاينة الموت ﴿وماتوا وهم كفار﴾ أي: على كفرهم ﴿فلن يقبل من أحدهم﴾ فدية ولو افتدى ب? ﴿ملء الأرض ذهبا﴾، ويجوز أن يكون المراد: ﴿ولو افتدى﴾ بمثله، والمثل يحذف كثيرا في كلامهم قالوا: ضربته ضرب زيد أي: مثل ضربه، وقضية ولا أبا حسن لها أي: ولا مثل أبي حسن لها، كما أنه يزاد مثل في نحو قولهم: مثلك لا يفعل كذا أي: أنت لا تفعل.
﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم (92)﴾ سورة آل عمران / 92 و 93 أي: ﴿لن﴾ تبلغوا حقيقة ﴿البر﴾ ولن تكونوا أبرارا، وقيل: ﴿لن تنالوا﴾ بر الله وهو الثواب (166) ﴿حتى تنفقوا مما تحبون﴾ أي: حتى تنفقوا من أموالكم التي تحبونها كقوله: ﴿أنفقوا من طيبت ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون﴾ الآية (167)، وقرأ عبد الله: " حتى تنفقوا بعض ما تحبون " (168)، وهو دلالة على أن " من " هنا للتبعيض نحو: أخذت من المال ﴿وما تنفقوا من شئ﴾ " من " هنا للتبيين، أي: من أي شئ كان طيب تحبونه أو خبيث تكرهونه ﴿فإن الله... عليم﴾ بكل شئ تنفقونه فيجازيكم بحسبه.
﴿كل الطعام كان حلا لبنى إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التورية قل فأتوا بالتورية فاتلوها إن كنتم صادقين (93) فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون (94) قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (95)﴾ أي: ﴿كل﴾ أنواع ﴿الطعام﴾ أو كل المطعومات ﴿كان حلا﴾ الحل مصدر حل الشئ حلا كقولك: عز الشئ عزا وذلت الدابة ذلا، ولذلك استوى المذكر والمؤنث والواحد والجمع في الوصف به (169)، قال سبحانه: ﴿لا هن حل لهم﴾ (170) والذي ﴿حرم إسرائيل﴾ وهو يعقوب ﴿على نفسه﴾ لحوم الإبل وألبانها (171)، وقيل: العروق ولحم الإبل، كان به عرق النساء فأشارت عليه الأطباء باجتنابه ففعل ذلك بإذن من الله (172) فكان كتحريم الله ابتداء، والمعنى: أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة، وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شئ قبل ذلك غير المطعوم الذي حرمه إسرائيل على نفسه، وهذا رد على اليهود حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم في قوله: ﴿ذلك جزيناهم ببغيهم﴾ (173) وقوله: ﴿فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم﴾ (174) الآية (175)، فقالوا: لسنا بأول من حرمت عليه وقد كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل إلى أن انتهى التحريم إلينا، فكذبهم الله تعالى ثم قال: ﴿قل فأتوا بالتورية فاتلوها﴾ حتى يتبين أنه تحريم حادث بسبب ظلمكم وبغيكم لا تحريم قديم كما زعمتم فلم يجسروا على إخراج التوراة وبهتوا ﴿فمن افترى على الله الكذب﴾ بزعمه أن ذلك كان محرما على الأنبياء وعلى بني إسرائيل قبل إنزال التوراة ﴿فأولئك هم الظالمون﴾ لأنفسهم ﴿قل صدق الله﴾ تعريض بكذبهم، أي: ثبت أن الله صادق فيما أنزله وأنتم كاذبون ﴿فاتبعوا ملة إبراهيم﴾ وهي ملة الإسلام التي عليها محمد (صلى الله عليه وآله) ومن آمن معه، ثم برأ سبحانه إبراهيم مما كان ينسبه اليهود والمشركون إليه من كونه على دينهم فقال: ﴿وما كان من المشركين﴾.
﴿إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعلمين (96) فيه آيات بينت مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العلمين (97)﴾ سورة آل عمران / 96 و 97 ﴿وضع للناس﴾ صفة لـ ﴿بيت﴾ والمعنى: ﴿إن أول بيت﴾ جعل متعبدا ﴿للناس﴾ ﴿لـ﴾ لبيت ﴿الذي ببكة﴾ وهي الكعبة، وبكة: علم للبلد الحرام، ومكة وبكة لغتان فيه (176)، وقيل: مكة: البلد، وبكة: موضع المسجد لأنها مزدحم الناس للطواف (177)، ﴿مباركا﴾ كثير الخير والبركة لثبوت العبادة فيه دائما، وانتصابه على الحال من الضمير في الظرف ﴿وهدى للعلمين﴾ لأنه قبلتهم ومتعبدهم، وقيل: دلالة لهم على الله عز اسمه بإهلاكه كل من قصده من الجبابرة كأصحاب الفيل وغيرهم (178) ﴿فيه آيات بينت﴾ يجوز أن يكون ﴿مقام إبراهيم﴾ وحده عطف بيان لـ ﴿آيات﴾ بمعنى: أنها بمنزلة آيات كثيرة لقوة دلالته على قدرة الله من تأثير قدمه في حجر صلد وغوصه فيها إلى الكعبين (179)، ويجوز أن يكون المراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم ﴿و﴾ أمن ﴿من دخله﴾ لأن الاثنين نوع من الجمع (180)، ويجوز أن يذكر هاتان الآيتان ويطوى ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات أي: وآيات كثيرة سواهما (181) كقول جرير (182): كانت حنيفة أثلاثا فثلثهم * من العبيد وثلث من مواليها (183) وطوى الثلث الآخر، وكان الرجل لو جنى كل جناية ثم لجأ إلى الحرم لم يطلب، وقيل: إنه خبر معناه الأمر، فمن وجب عليه حد فلاذ بالحرم لا يبايع ولا يعامل حتى يخرج فيقام عليه الحد ولا يتعرض له فيه (184)، وهو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) (185)، وروي أيضا: أن من دخله عارفا بما أوجبه الله عليه كان آمنا في الآخرة من النار (186).
﴿ولله على الناس حج البيت﴾ وقرئ بكسر الحاء ﴿من استطاع إليه سبيلا﴾ فيه أنواع من التوكيد والتشديد في الحج، فإن قوله: ﴿ولله على الناس حج البيت﴾ يدل على أنه حق واجب في رقاب الناس لا يخرجون عن عهدته، ثم أبدل عنه ﴿من استطاع إليه سبيلا﴾ إيضاحا بعد الإبهام وتفصيلا بعد الإجمال، ثم قال: ﴿ومن كفر﴾ مكان قوله: " ومن لم يحج " تغليظا على تارك الحج كما جاء في الحديث: " من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر " (187)، ثم قال: ﴿فإن الله غنى عن العلمين﴾ ولم يقل " عنه " ليكون بدلالته على الاستغناء الكامل أدل على عظم سخط الله الذي وقع الاستغناء عبارة عنه، وفي الأثر: " لو ترك الناس الحج عاما واحدا ما نوظروا " (188) أي: ما أمهلوا.
سورة آل عمران / 98 - 101 ﴿قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون (98) قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغفل عما تعملون (99)﴾ الواو في قوله: ﴿والله شهيد﴾ للحال، والمعنى ﴿لم تكفرون﴾ بالآيات التي دلتكم على صدق محمد (صلى الله عليه وآله) والحال أن الله يشاهد أعمالكم فيجازيكم عليها ؟! فكيف تجسرون على الكفر بآياته ؟! و ﴿سبيل الله﴾ التي أمر بسلوكها هو دين الإسلام، وكانوا يحتالون لصد المؤمنين عنه بجهدهم، ويغرون بين الأوس والخزرج يذكرونهم الحروب التي كانت بينهم في الجاهلية ليعودوا لمثلها ﴿تبغونها عوجا﴾ تطلبون لها اعوجاجا وميلا عن الاستقامة ﴿وأنتم شهداء﴾ بأنها سبيل الله الذي ارتضاه وتجدون ذلك في كتابكم، أو أنتم شهداء بين أهل دينكم يثقون بأقوالكم وهم الأحبار ﴿وما الله بغفل عما تعملون﴾ وعيد لهم.
﴿يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمنكم كفرين (100) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صرا ط مستقيم (101)﴾ خاطب سبحانه الأوس والخزرج فقال: ﴿إن تطيعوا﴾ هؤلاء اليهود في إحياء الضغائن التي كانت بينكم في الجاهلية ﴿يردوكم﴾ كفارا ﴿بعد إيمنكم﴾ ثم عظم الشأن عليهم بأن قال: ﴿وكيف تكفرون﴾ أي: ومن أين يتطرق إليكم الكفر والحال أن آيات الله ﴿تتلى عليكم﴾ على لسان رسوله وهو بين أظهركم يعظكم وينبهكم (189)، ومن يتمسك بدين الله فقد حصل له الهدى لا محالة.
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (102) واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون (103)﴾
﴿اتقوا الله حق تقاته﴾ أي: واجب تقواه وهو القيام بالواجبات واجتناب المحرمات، وعن الصادق (عليه السلام): " هو أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر " (190) ونحوه قوله: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ (191) أي: بالغوا في التقوى حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئا ﴿ولا تموتن﴾ أي: لا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت، كما تقول لمن تستعين به على القتال: لا تأتني إلا وأنت على فرس، فلا تنهاه عن الإتيان ولكنك تنهاه عن خلاف الحال التي ذكرتها في وقت الإتيان ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا﴾ أي: واجتمعوا على التمسك بعهد الله على عباده وهو الإيمان والطاعة أو بالقرآن، قال الصادق (عليه السلام): " نحن حبل الله " (192) ﴿ولا تفرقوا﴾ أي: لا تتفرقوا عن الحق بالاختلاف بينكم كما اختلف اليهود والنصارى، وكانوا في الجاهلية متعادين قد تطاولت الحروب بين الأوس والخزرج مائة وعشرين سنة إلى أن ألف الله بين قلوبهم بالنبي (صلى الله عليه وآله) ﴿فأصبحتم بنعمته إخوانا﴾ متواصلين متحابين ﴿وكنتم على شفا حفرة﴾ على حرف حفرة ﴿من﴾ نار جهنم قد أشفيتم على أن تقعوا فيها لما كنتم عليه من الكفر ﴿فأنقذكم منها﴾ بالإسلام ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك البيان ﴿يبين الله لكم آياته﴾ إرادة أن تزدادوا هدى.
﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم (105)﴾ قيل: إن " من " هنا للتبعيض، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات، ولا يصلح لذلك إلا من يعلم المعروف معروفا والمنكر منكرا فيعلم كيف يباشر ذلك ويرتبه فإن الجاهل ربما نهى عن معروف أو أمر بمنكر (193)، وقيل: إن " من " للتبيين بمعنى: وكونوا أمة تأمرون كقوله: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف﴾ (194) (195)، ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ الأحقاء بالفلاح دون غيرهم، وذكر سبحانه الدعاء إلى الخير أولا لأنه عام في التكاليف من الأفعال والتروك، ثم ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثانيا لأن ذلك خاص ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا﴾ وهم اليهود والنصارى ﴿من بعد ما جاءهم البينات﴾ الموجبة للاتفاق والائتلاف والاجتماع على كلمة الحق.
﴿يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمنكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خلدون (107) تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعلمين (108)﴾ ﴿يوم تبيض﴾ نصب بقوله: ﴿لهم عذاب عظيم﴾ البياض من النور والسواد من الظلمة، فمن كان من أهل نور الحق وسم ببياض اللون وأشرق وجهه وابيضت صحيفته وسعى نوره بين يديه وبيمينه، ومن كان من أهل ظلمة الباطل وسم بسواد اللون وكسف وجهه و ﴿اسودت﴾ صحيفته وأحاطت به الظلمة من كل جانب، نعوذ بالله وفضله من ظلمة الباطل وأهله ﴿أكفرتم﴾ فيقال لهم: ﴿أكفرتم﴾ والهمزة للتوبيخ والتعجيب من حالهم (196)، وقيل: هم أهل البدع والأهواء والآراء الباطلة (197)، وقيل: هم المرتدون (198)، وقيل: هم الخوارج (199) ﴿ففي رحمة الله﴾ أي: نعمته وهو الثواب الدائم، وقوله: ﴿هم فيها خلدون﴾ استئناف كأنه قيل: كيف يكونون فيها؟فقيل: هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون ﴿تلك آيات الله﴾ الواردة في الوعد والوعيد ﴿نتلوها عليك﴾ متلبسة ﴿بالحق﴾ والعدل ﴿وما الله يريد ظلما﴾ فيأخذ أحدا بغير جرم أو يزيد في عقاب مجرم أو ينقص من ثواب محسن فيكون ظلما، وقال: ﴿للعلمين﴾ على معنى ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه.
﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور (109) كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110)﴾
بين سبحانه وجه استغنائه عن الظلم بقوله: ﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع﴾ أمورهم وقع المظهر موقع المضمر ليكون أفخم في الذكر ﴿كنتم خير أمة﴾ معناه: وجدتم خير أمة، لأن " كان " عبارة عن وجود الشئ في زمان ماض ولا دليل فيه على العدم السابق ولا على الانقطاع الطاري (200) (201)، وقيل: كنتم في علم الله خير أمة أو كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به (202) ﴿أخرجت﴾ أظهرت ﴿للناس﴾ وقوله: ﴿تأمرون﴾ كلام مستأنف بين به كونهم خير أمة كما يقال: زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويحسن إليهم (203) ﴿ولو آمن أهل الكتاب﴾ بالنبي وبما جاء به ﴿لكان﴾ ذلك الإيمان ﴿خيرا لهم﴾ في الدنيا والآخرة ﴿منهم المؤمنون﴾ كعبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود والنجاشي وأصحابه من النصارى ﴿وأكثرهم الفاسقون﴾ المتمردون في الكفر.
﴿لن يضروكم إلا أذى وإن يقتلوكم يولوكم الادبار ثم لا ينصرون (111) ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (112)﴾ هذا تثبيت لمن أسلم من اليهود ووعد لهم بأنهم المنصورون، فإنهم كانوا يؤذونهم بالتوبيخ والتهديد وغير ذلك، فقال سبحانه: إنهم ﴿لن يضروكم إلا﴾ ضرارا مقصورا على ﴿أذى﴾ بقول من طعن في الدين أو وعيد أو نحو ذلك ﴿وإن يقتلوكم يولوكم الادبار﴾ منهزمين، و ﴿لا ينصرون﴾ أي: لا يعاونون ولا ينصرهم أحد، وفي هذا دلالة على صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) لوقوع مخبره على وفق الخبر، فإن اليهود لم يثبتوا قط للمسلمين ولم يضروهم بقتل وأسر، وإنما لم يجزم قوله: ﴿لا ينصرون﴾ لأنه عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الإخبار ابتداء، فكأنه قيل: ثم أخبركم أنهم لا ينصرون، وقوله: ﴿بحبل من الله﴾ في موضع النصب على الحال على تقدير: إلا معتصمين بحبل الله وحبل الناس، والمعنى: ﴿ضربت عليهم الذلة﴾ كما يضرب البيت على أهله ﴿أين ما﴾ وجدوا وظفر بهم في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بذمة الله وذمة المسلمين، أي: لا عز لهم قط إلا هذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لقبولهم الجزية ﴿وباؤا بغضب من الله﴾ استوجبوه ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ضرب الذلة والمسكنة واستيجاب غضب الله، أي: ذلك كائن بسبب كفرهم ﴿بآيات الله﴾ وقتلهم ﴿الأنبياء﴾ ثم قال: ﴿ذلك﴾ بسبب عصيانهم واعتدائهم.
﴿ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء اليل وهم يسجدون (113) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسرعون في الخيرات وأولئك من الصلحين (114)﴾
الضمير في ﴿ليسوا﴾ لأهل الكتاب ﴿سواء﴾ أي: مستوين، وقوله: ﴿من أهل الكتاب أمة قائمة﴾ كلام مستأنف لبيان قوله: ﴿ليسوا سواء﴾، كما أن قوله: ﴿تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾ بيان لقوله: ﴿كنتم خير أمة﴾ (204)، وقوله: ﴿قائمة﴾ معناه: مستقيمة عادلة وهم الذين أسلموا منهم، وعبر عن تهجدهم وصلاتهم بالليل بتلاوة آيات الله في ساعات الليل مع السجود لأنه بيان لفعلهم ﴿ويسرعون في الخيرات﴾ أي: يبادرون إلى فعل الطاعات ﴿وأولئك من الصلحين﴾ الذين صلحت أحوالهم عند الله.
﴿وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين (115)﴾ لما وصف سبحانه نفسه بالشكر في قوله: ﴿والله شكور حليم﴾ (205) بمعنى: توفية الثواب نفى هاهنا نقيض ذلك بقوله: ﴿فلن يكفروه﴾ وعداه إلى مفعولين لأنه ضمنه معنى الحرمان، كأنه قال: فلن يحرموه، أي: لن يحرموا جزاءه ﴿والله عليم بالمتقين﴾ أي: بأحوالهم فيجازيهم بجزيل الثواب.
﴿إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموا لهم ولا أولدهم من الله شيئا وأولئك أصحب النار هم فيها خلدون (116) مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون (117)﴾ الصر: الريح الباردة ومثله الصرصر، شبه سبحانه ما كانوا ينفقونه من أموالهم في المآثر وكسب الثناء بين الناس لا يبتغون بذلك وجه الله بالزرع الذي أهلكه البرد فذهب حطاما، وقيل: هو ما أنفقوه في عداوة الرسول فضاع عنهم إذ لم يبلغوا بإنفاقه مقاصدهم (206)، وشبه ب? ﴿حرث قوم ظلموا أنفسهم﴾ فأهلك عقوبة لهم على معاصيهم، لأن الإهلاك عن السخط أشد ﴿وما ظلمهم الله﴾ بأن لم يقبل نفقاتهم ﴿ولكن﴾ ظلموا ﴿أنفسهم﴾ حيث لم يأتوا بها على الوجه الذي يستحق به الثواب.
1- وهو قول الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 336، والقرطبي في تفسيره: ج 4 ص 5.
2- تفسير القمي: ج 1 ص 96، والكافي: ج 2 ص 630 ح 11.
3- هو أبو عبد الله، سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الكوفي نزيل مكة، ولد سنة 45 ه?، وكان أحد أعلام التابعين وأكثرهم علما وفقها ومكانة وجلالة وزهدا، ومن أوائل مفسري القرآن الكريم، كان يأتم بالإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وكان الإمام يثني عليه، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر، وكان مستقيما حتى أن ابن عباس كان إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه، قال: أتسألونني وفيكم ابن أم دهماء؟يعني سعيدا، وكان يسمى بجهبذ العلماء، قتل سنة 95 ه? صبرا وهو ابن تسع وأربعين. (طبقات ابن سعد: ج 6 ص 256 - 267، رجال الكشي: ص 119، تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 4 ص 11، معجم رجال الحديث للخوئي: ج 8 ص 113 - 114).
4- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 337.
5- في نسخة زيادة: ومجملات.
6- في نسخة: المتشابهة.
7- تفسير العياشي: ج 1 ص 164 ح 6، وعنه تفسير البرهان: ج 1 ص 271 ح 8.
8- البقرة: 246.
9- التغابن: 9.
10- يونس: 36.
11- في نسخة: البأس.
12- قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومحمد بن إسحاق عن رجاله. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 282، وأسباب النزول للواحدي: ص 85، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 392.
13- وهي قراءة حمزة والكسائي. انظر الكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 335، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 349، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 78، وتفسير البغوي: ج 1 ص 282، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 392.
14- الأنفال: 38.
15- قاله ابن عباس والضحاك. راجع تفسير ابن عباس: ص 43، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 373.
16- في نسخة زيادة: وفتح خيبر.
17- في نسخة: ليجبنوا.
18- قرأه نافع وأهل المدينة وأبان عن عاصم وابن شاهي عن حفص ويعقوب. انظر التبيان: ج 2 ص 407، وتفسير البغوي: ج 1 ص 283، وتفسير السمرقندي: ج 1 ص 249، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 78، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 394.
19- آية: 44.
20- في نسخة: جبل.
21- الكهف: 7.
22- تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 203، وعنه في تفسير القرطبي: ج 4 ص 28.
23- قاله الكلبي على ما حكاه عنه أبو عبيدة في مجاز القرآن: ج 1 ص 89.
24- قاله مجاهد. راجع تفسيره: ص 249، وعنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 284.
25- وهو قول سعيد بن جبير. راجع الكشاف: ج 1 ص 342، وتفسير القرطبي: ج 4 ص 30 - 31.
26- في بعض النسخ: معلمة، بتشديد اللام.
27- انظر تفصيله في معاني القرآن وإعرابه للزجاج: ج 1 ص 385.
28- واليه ذهب الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 343.
29- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 385.
30- البقرة: 91.
31- قرأه ابن عباس وابن عيسى الإصبهاني والكسائي وحكي عن ابن مسعود. انظر كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 202، والحجة لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 349، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 78، والتبيان: ج 2 ص 418، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 407.
32- التوبة: 30.
33- قال الزجاج: لك حذف الياء وإثباتها، والأحب إلي في هذا اتباع المصحف لأن اتباعه سنة ومخالفته بدعة، وما حذف من هذه الياءات * (ومن اتبعن) * * (لئن أخرتن) * * (ربى أكرمن) * فهو على ضربين مع النون: فإذا كان رأس آية فأهل اللغة يسمون أواخر الآي: " الفواصل " فيجيزون حذف الياءات كما يجيزونه في قوافي الشعر، كقول الأعشى: ومن شانئ كاسف وجهه * إذا ما انتسبت له أنكرن وهل يمنعني ارتيادي البلاد * من حذر الموت أن يأتين وإذا لم يكن آخر قافية أو آخر آية فالأكثر إثبات الياء، وحذفها جيد بالغ أيضا بخاصة مع النونات. انظر معاني القرآن: ج 1 ص 389.
34- انظر الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 555 تجد تفصيل ذلك.
35- انظر الكشاف: ج 1 ص 347.
36- في بعض النسخ: آتيناكم.
37- المائدة: 91.
38- المؤمنون: 117.
39- في نسخة: بأنهم، وأخرى: بأنه.
40- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 348.
41- رواه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 288 عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس.
42- وهو ما رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 289، وتفسير السمرقندي: ج 1 ص 256، وأسباب النزول للواحدي: ص 86.
43- المائدة: 18.
44- قال الزجاج: فأما إعراب " اللهم " فضم الهاء وفتح الميم، لا اختلاف في اللفظ به بين النحويين، فأما العلة فقد اختلف فيها النحويون، فقال بعضهم: معنى الكلام: يا الله أم بخير، وهذا إقدام عظيم، لأن كل ما كان من هذا الهمز الذي طرح فأكثر الكلام الإتيان به، يقال: ويل أمه، وويل أمه، والأكثر إثبات الهمز، ولو كان كما يقول لجاز " اومم " و " الله أم " وكان يجب أن تلزمه ياء النداء، لأن العرب تقول: يا الله اغفر لنا، ولم يقل أحد من العرب إلا اللهم... إلى أن قال: وهذا القول يبطل من جهات: أحدها: أن " يا " ليست في الكلام، وأخرى: أن هذا المحذوف لم يتكلم به على أصله كما تتكلم بمثله، وأنه لا يقدم أمام الدعاء هذا الذي ذكره... إلى أن قال: وقال الخليل وسيبويه وجميع النحويين الموثوق بعلمهم: ان " اللهم " بمعنى: يا الله، وأن الميم المشددة عوض من " يا " لأنهم لم يجدوا ياء مع هذه الميم في كلمة، ووجدوا اسم الله جل وعز مستعملا ب? " يا " إذا لم يذكر الميم، فعلموا أن الميم من آخر الكلمة بمنزلة " يا " في أولها... إلى أن قال: وزعم سيبويه أن هذا الاسم لا يوصف لأنه قد ضمت إليه الميم فقال في قوله تعالى: * (قل اللهم فاطر السماوات والأرض) *: أن * (فاطر) * منصوب على النداء، وكذلك * (ملك الملك) * ولكن لم يذكره في كتابه. والقول عندي: ان * (ملك الملك) * صفة الله، وأن * (فاطر السماوات والأرض) * كذلك، وذلك أن الاسم ومعه الميم بمنزلته ومعه " يا " فلا تمنع الصفة مع الميم كما لا تمنع مع " يا " انتهى. راجع معاني القرآن وإعرابه: ج 1 ص 394.
45- قاله الحسن البصري وروي ذلك عن الباقر والصادق (عليهما السلام). راجع تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 206، والتبيان: ج 2 ص 432.
46- المائدة: 51.
47- المجادلة: 22.
48- قائله العتابي في صفة الصديق، ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد: ج 2 ص 292 في أصناف الإخوان.
49- قرأه ابن عباس ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والضحاك وأبو حياة وسهل وحميد بن قيس والمفضل ويعقوب. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 350، والتبيان ج 2 ص 433، وتفسير السمرقندي: ج 1 ص 260، وتفسير البغوي: ج 1 ص 292، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 424.
50- انظر الكشاف للزمخشري: ج 1 ص 352.
51- راجع تفصيل ذلك في إعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 366، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 561.
52- الكهف: 49.
53- الزخرف: 38.
54- انظر الكشاف للزمخشري: ج 1 ص 354.
55- وهو قول الحسن البصري. راجع تفسيره: ج 1 ص 210، والتبيان: ج 2 ص 441، وزاد المسير لابن الجوزي: ج 1 ص 375.
56- انظر تفسير القمي: ج 1 ص 100 وفيه: عن الكاظم (عليه السلام)، والتبيان: ج 2 ص 441، وتفسير العياشي: ج 1 ص 169 ح 34 و 35 كلاهما عن الصادق (عليه السلام).
57- قاله الحسن. راجع التبيان: ج 2 ص 441.
58- قال الشيخ في التبيان: ج 2 ص 440: والاصطفاء هو الاختصاص بحال خالصة من الأدناس، ويقال ذلك على وجهين: الأول: يقال: اصطفاه لنفسه أي جعله خالصا له يختص به، والثاني: اصطفاه على غيره أي اختصه بالتفضيل على غيره وهو معنى الآية، فإن قيل: كيف يجوز اختصاصهم بالتفضيل قبل العمل؟قيل: إذا كان في المعلوم أن صلاح الخلق لا يتم إلا بتقديم الاعلام لذلك بما قدم من البشارة بهم، والاخبار بما يكون من حسن أفعالهم والتشويق إليهم بما يكون من جلالتهم إلى غيره من الآيات التي تشهد لهم، والقوى في العقول والافهام التي كانت لهم، وجب في الحكمة تقديم ذلك لما فيه من حسن التدبير.
59- حكى الزجاج عن أبي عبيدة أنه قال: معناه: " قالت امرأة عمران "، ثم قال: ولم يصنع أبو عبيدة في هذا شيئا، قال جميع النحويين: إن " إذ " يدل على ما مضى من الوقت فكيف يكون الدليل على ما مضى من الوقت لغوا، وهي اسم مع ما بعدها؟وقال غير أبي عبيدة منهم الأخفش والمبرد: المعنى: اذكروا إذ قالت امرأة عمران. والمعنى عندي - والله أعلم - غير ما ذهبت إليه هذه الجماعة، وإنما العامل في * (إذ قالت) * معنى الاصطفاء، أي المعنى: واصطفى آل عمران * (إذ قالت امرأة عمران رب...) *. راجع معاني القرآن واعرابه: ج 1 ص 400.
60- في نسخة: قاقوز.
61- تفسير القمي: ج 1 ص 101، وعنه تفسير البرهان: ج 1 ص 280 ح 2.
62- قرأه عاصم برواية أبي بكر وابن عامر ويعقوب والمفضل. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 204، والحجة لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 354، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 351، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 79، والتبيان: ج 2 ص 443، وتفسير القرطبي: ج 4 ص 67، وتفسير البغوي: ج 1 ص 295، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 439.
63- أوردها المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 434.
64- انظر الكشاف: ج 1 ص 357، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 565.
65- وهي قراءة عاصم برواية أبي بكر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 204، وفي التبيان: ج 2 ص 446، وإعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 372، والبحر المحيط: ج 2 ص 442 نسبوا القراءة إلى أهل الكوفة.
66- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر. راجع التبيان: ج 2 ص 446، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 204، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 351 - 352.
67- قاله محمد بن إسحاق. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 296.
68- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 403 وقال: المحراب في اللغة: الموضع العالي الشريف.
69- قاله الأزهري في تهذيب اللغة: مادة (حرب)، وعنه ابن منظور في لسان العرب: مادة (حرب).
70- في نسخة: فتنبهت.
71- الكشاف: ج 1 ص 358 - 359.
72- انظر معاني القرآن للزجاج: ج 1 ص 404، والكشاف للزمخشري: ج 1 ص 359.
73- قاله السدي. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 389.
74- قرأه ابن مسعود وابن عباس وخلف وحمزة والكسائي واختاره أبو عبيد. انظر التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 352، والتيسير في القراءات للداني: ص 87، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 79، والتبيان: ج 2 ص 450، وإعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 373، وتفسير القرطبي: ج 4 ص 74، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 446.
75- قرأه ابن عامر وحمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 352، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 343، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 79، والتبيان: ج 2 ص 450، وإعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 373، والبحر المحيط: ج 2 ص 446.
76- قرأه ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 206، والحجة في القراءات لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 360، والتيسير في القراءات للداني: ص 87، والتبيان: ج 2 ص 450، وتفسير القرطبي: ج 4 ص 75.
77- قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والضحاك والسدي. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 390، والبحر المحيط: ج 2 ص 447.
78- قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن: ج 1 ص 91، وعنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 299.
79- قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن: ج 1 ص 91، وعنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 299.
80- الحويدرة والحادرة لقب غلب على شاعر جاهلي، واسمه قطبة بن أوس بن محصن الغطفاني، والحويدرة مصغر الحادرة ويعني: الضخم، وسببه أنه خرج هو وزبان الفزاري يصطادان، فاصطادا جميعا، فخرج زبان يشتوي ويأكل في الليل وحده فقال الحادرة: تركت رفيق رحلك قد تراه * وأنت لفيك في الظلماء هاد فحقدها عليه زبان، ثم أتيا غديرا فتجرد الحادرة وكان ضخم المنكبين، فقال زبان: كأنك حادرة المنكبين * رصعاء تنقض في حائر فغلب عليه هذا اللقب. انظر الأغاني: ج 3 ص 82 - 84.
81- روي أنه ذكر لحسان بن ثابت قصيدة الحويدرة التي مطلعها: بكرت سمية غدونا فتمتعي * رغدت غدو مفارق لم يربع فقال: لعن الله كلمته، يعني قصيدته هذه. انظر تفسير القرطبي: ج 4 ص 76، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 447.
82- قاله ابن عباس والضحاك. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 299، وتفسير القرطبي: ج 4 ص 79.
83- انظر الكشاف للزمخشري: ج 1 ص 360.
84- في بعض النسخ: " ليعلمه " بالتشديد.
85- في نسخة: نزول، وأخرى: زوال.
86- الآية: 35.
87- في نسخة: بنفي.
88- ارتز: ثبت. (الصحاح: مادة رزز).
89- انظر الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 1 ص 299.
90- آل عمران: 42.
91- راجع الكشاف للزمخشري: ج 1 ص 363.
92- مريم: 31.
93- حكاه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 302، والرازي في تفسيره: ج 8 ص 49.
94- قاله ابن عباس على ما حكاه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 302.
95- في بعض النسخ: قال.
96- في نسخة: المرتبة.
97- قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 206، والحجة في القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 361، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 353، والتيسير في القراءات للداني: ص 88، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 79.
98- انظر الكشاف: ج 1 ص 364.
99- راجع الكشاف: ج 1 ص 364.
100- قرأه نافع. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 206، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 354، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 79، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 465.
101- الثرب: شحم رقيق قد غشي الكرش والأمعاء. (الصحاح: مادة ثرب).
102- انظر الكشاف: ج 1 ص 366.
103- قاله الكلبي وعكرمة. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 306.
104- في نسخة: ربانيين.
105- قاله الضحاك. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 306. .
106- قاله ابن أبي نجيح. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 395.
107- وهو قول ابن عباس. انظر تفسيره: ص 48، وعنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 306.
108- في نسخة: اني.
109- قاله الحسن البصري. راجع تفسيره: ج 1 ص 216.
110- قاله الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 219، وعنه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 397، والسمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 272.
111- قاله الربيع. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 397، وتفسير القرطبي: ج 4 ص 100.
112- الزمر: 42.
113- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 367.
114- في نسخة: أعجب.
115- في بعض النسخ: جسدا.
116- المؤمنون: 14.
117- خيبر: مدينة بالحجاز على بعد 95 كم شمال المدينة المنورة من جهة الشام، وتشمل على سبعة حصون وحولها مزارع ونخل كثير، وكان ينزل بها اليهود في صدر الإسلام، فتحها النبي (صلى الله عليه وآله) في السنة السابعة للهجرة في الواقعة المشهورة، وفيها أبلى علي أمير المؤمنين (عليه السلام) بلاء حسنا. (معجم البلدان: ج 2 ص 504، مراصد الاطلاع: ج 1 ص 494، أعيان الشيعة: ج 1 ص 270).
118- في نسخة زيادة: هو.
119- الصرار: خيط يشد فوق الخلف - أي: حلمة ضرع الناقة - والتودية - أي: الخشبة التي تشد على خلف الناقة إذا صرت - لئلا يرضعها ولدها. (الصحاح: مادة صرر).
120- نجران: من مخاليف اليمن من ناحية مكة، وبها كان خبر الأخدود، وإليها تنسب كعبة نجران، وهي بيعة بناها بنو عبد المدان الحارثي على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها بكعبة نجران، وكان فيها أساقفة معتمون وهم الذين جاؤوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ودعاهم إلى المباهلة، وكان فتح نجران في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) سنة 10 ه? صلحا على الفئ. (معجم البلدان: ج 4 ص 756، مراصد الاطلاع: ج 3 ص 1359).
121- في نسخة: نفس محمد.
122- انظر أسباب النزول للواحدي: ص 90 - 91، والكشاف: ج 1 ص 369.
123- التوبة: 31.
124- رواه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 371.
125- انظر الكشاف: ج 1 ص 371.
126- هو أبو اليقظان، عمار بن ياسر الكناني المذحجي، حليف بني مخزوم، أحد السابقين إلى الإسلام ومن المهاجرين، شهد المشاهد كلها ثم شهد اليمامة فقطعت اذنه بها، ثم استعمله من بعد عمر على الكوفة، وكتب إليهم: أنه من النجباء من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله)، تواترت الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): أن عمارا تقتله الفئة الباغية، قتل بصفين مع الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) سنة 37 ه? وله من العمر ثلاث وتسعون سنة. (الإصابة في تمييز الصحابة: ج 2 ص 512، حلية الأولياء: ج 1 ص 139، الأعلام للزركلي: ج 5 ص 36).
127- هو معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، شهد بدرا واحدا والخندق والعقبة مع الأنصار السبعين، وقد آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بينه وبين جعفر ابن أبي طالب، بعثه النبي (صلى الله عليه وآله) بعد غزوة تبوك قاضيا ومرشدا لأهل اليمن، مات عقيما بناحية الأردن ودفن بالغور سنة 18 ه?. (الإصابة في تمييز الصحابة: ج 3 ص 426، أسد الغابة لابن الأثير: ج 4 ص 376، طبقات ابن سعد: ج 3 ص 120).
128- انظر الكشاف: ج 1 ص 372.
129- راجع معاني القرآن للزجاج: ج 1 ص 427.
130- ذكره الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 430.
131- هو عبد الله بن كثير، أبو معبد الداري العطار، فارسي الأصل، إمام أهل مكة في القراءة وأحد القراء السبعة، أخذ القراءة عرضا عن عبد الله بن السائب وعرض على مجاهد بن جبر، روى القراءة عنه: إسماعيل القسط والخليل بن أحمد وشبل وغيرهم، وكان فصيحا بليغا مفوها، ولد سنة 45 ه? وتوفي سنة 120 ه?. (وفيات الأعيان: ج 2 ص 245).
132- راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 207، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 355، والتيسير في القراءات للداني: ص 89، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 80.
133- في بعض النسخ: باهرة.
134- قاله عكرمة. راجع التبيان: ج 2 ص 506 - 507، وأسباب النزول للواحدي: ص 96.
135- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 50.
136- راجع أسباب النزول للواحدي: ص 96 عن ابن عباس براوية الكلبي وعطاء، والكشاف: ج 1 ص 377.
137- قاله الحسن البصري. راجع تفسيره: ج 1 ص 219.
138- قاله الزجاج. راجع معاني القرآن: ج 1 ص 436، وعنه التبيان: ج 2 ص 511.
139- انظر تفصيل ذلك في الفريد في اعراب القرآن المجيد للهمداني: ج 1 ص 592.
140- حكاه عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 378، والهمداني في فريده: ج 1 ص 592.
141- قاله سيبويه والزجاج ومكي. راجع معاني القرآن وإعرابه: ج 1 ص 436، والكشف عن وجوه القراءات السبع: ج 1 ص 351، وتفسير القرطبي: ج 4 ص 123.
142- انظر الكشاف: ج 1 ص 378، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 593.
143- في بعض النسخ زيادة: الماضين بتصديق محمد (صلى الله عليه وآله)، هذا قول علي (عليه السلام) وابن عباس.
144- في بعض النسخ زيادة: على.
145- رواها الشيخ الطوسي في التبيان: ج 2 ص 514.
146- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 379.
147- قرأه نافع. راجع التبيان: ج 2 ص 513، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 357.
148- وهي قراءة حمزة. راجع كتاب التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 357، وكتاب التيسير في القراءات السبع للداني: ص 89، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 80.
149- في بعض النسخ: ميثاقكم.
150- رواها الشيخ الطوسي في التبيان: ج 2 ص 513.
151- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 380، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 598.
152- راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 214، والحجة في القراءات لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 379، والكشاف للزمخشري: ج 1 ص 380، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 516.
153- وهي قراءة ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وابن عامر. راجع الكشف عن وجوه القراءات السبع للقيسي: ج 1 ص 353، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 357، والعنوان في القراءات لابن خلف: ص 80.
154- قاله الحسن كما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 323.
155- انظر تفصيل ذلك في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 600.
156- قاله الحسن. راجع التبيان: ج 2 ص 521.
157- حكاه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 2 ص 521 عن مجاهد والسدي وقال: وكذلك رويناه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، والقرطبي في تفسيره: ج 4 ص 129 عن ابن عباس.
158- في نسخة: و.
159- وهو قول الحسن وقتادة. راجع الطبري: ج 3 ص 341 ثم قال: إنه لا يجوز تأويل من قال: لن تقبل توبتهم عند حضور موتهم، لأنه لا خلاف بين الأمة أن الكافر إذا أسلم قبل توبته بطرفة عين في أن حكمه حكم المسلمين في وجوب الصلاة عليه ومواريثه ودفنه في مقام المسلمين واجراء جميع أحكام الاسلام عليه، ولو كان اسلامه غير صحيح لما جاز ذلك. كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 527 ثم أجاب (قدس سره): وهذا الذي قاله ليس بصحيح، لأنه لا يمتنع أن نتعبد باجراء أحكام الإسلام عليه وإن كان إسلامه على وجه من الالجاء لا يثبت معه استحقاق الثواب عليه، كما انا تعبدنا باجراء أحكام الإسلام على المنافقين وإن كانوا كفارا، وإنما لم يجز قبول التوبة في حال الإلجاء إليه لأن فعل الملجأ كفعل المكره في سقوط الحمد والذم... إلى آخر كلامه الشريف.
160- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 52، وحكاه عنه السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 284.
161- البقرة: 267.
162- حكاها عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 385.
163- راجع الكشاف: ج 1 ص 385.
164- الممتحنة: 10.
165- وهو قول ابن عباس والحسن. راجع تفسير ابن عباس: ص 52، وتفسير الحسن البصري: ج 1 ص 223، وأحكام القرآن للجصاص: ج 2 ص 18.
166- قاله ابن عباس والحسن كما حكاه عنهما الشيخ في التبيان: ج 2 ص 532.
167- الأنعام: 146.
168- في بعض النسخ زيادة: * (وبصدهم عن سبيل الله) *.
169- النساء: 160.
170- انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للزجاج: ج 1 ص 445، والكشاف للزمخشري: ج 1 ص 387.
171- قاله ابن شهاب وضمرة بن ربيعة. راجع تفسير الطبري: ج 3 ص 357، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 410، والتبيان: ج 2 ص 535.
172- قاله الشيخ الطوسي في التبيان: ج 2 ص 536.
173- وهو قول مجاهد كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 536.
174- وهو ما قاله ابن عباس كما رواه عنه الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 446.
175- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 388.
176- هو جرير بن عطية الخطفي التميمي، من أبرز شعراء عصره، اشتهر بالهجاء، وكان قد خاصم ثمانين شاعرا فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. ولد باليمامة سنة 28 ه? ومات فيها سنة 110 ه?. (وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 1 ص 102، خزانة الأدب للبغدادي: ج 1 ص 36، الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 283).
177- في هذا البيت مبالغة من الهجو، إذ أراد: ان هذه القبيلة منقسمة أثلاثا، فثلثها من العبيد الأرقاء، وثلثها من الموالي، ولم يذكر الثلث الأخير عمدا، لأنه في مقام الذم، وأراد به السادة الأشراف، وقيل: يحتمل المدح وأن خدمهم من العبيد كثير. انظر ديوان جرير: ص 458، والكامل للمبرد: ج 2 ص 913، وخزانة الأدب للبغدادي: ج 5 ص 39 وفيها: " صارت " بدل " كانت ".
178- قاله ابن عباس وابن عمر. راجع التبيان: ج 2 ص 537.
179- تفسير القمي: ج 1 ص 108، تفسير العياشي: ج 1 ص 189 ح 103 و 105.
180- رواها الشيخ في التبيان: ج 2 ص 537 عن أبي جعفر (عليه السلام)، والقرطبي في تفسيره: ج 4 ص 141 - 142 عن أبي عبد الله (عليه السلام).
181- اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 3 ص 10.
182- الكشاف: ج 1 ص 392.
183- في بعض النسخ: ينهاكم.
184- رواها العياشي في تفسيره: ج 1 ص 194 ح 120.
185- التغابن: 16.
186- رواه الشيخ في أماليه: ج 1 ص 278، والعياشي في تفسيره: ج 1 ص 194 ح 123 عن أبي جعفر (عليه السلام).
187- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 396.
188- آل عمران: 110.
189- قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج 1 ص 452.
190- انظر الكشاف: ج 1 ص 399.
191- قاله قتادة. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 340.
192- حكاه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 2 ص 551 عن قتادة.
193- قاله أبو امامة. انظر تفسير الطبري: ج 3 ص 387، وتفسير البغوي: ج 1 ص 340.
194- في نسخة: اللاحق.
195- يظهر من كلامه (قدس سره) أنه يذهب إلى أن " كان " هنا تامة، أي: حدثتم أو وجدتم خير أمة، ف? * (خير أمة) * على هذا حال. كما هو اختيار الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 400.
196- حكاه الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 456.
197- انظر الكشاف: ج 1 ص 400.
198- الآية: 110.
199- التغابن: 17.
200- حكاه الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 461.
201- رواها أحمد في مسنده: ج 4 ص 42 و ج 3 ص 246، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 406.
202- راجع تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 406.
203- وهو اختيار الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 232.
204- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 463.
205- وهو قول الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 407.
206- في نسخة: مشاق.