تابع لسورة البقرة 2

﴿كان الناس أمة وا حدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدى من يشاء إلى صرا ط مستقيم (213)﴾

﴿كان الناس أمة وا حدة﴾ متفقين على الفطرة فاختلفوا (1) ﴿فبعث الله النبيين﴾ وحذف " فاختلفوا " لدلالة قوله: ﴿ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه﴾ عليه، وفي قراءة عبد الله: " كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله " (2)، وقيل: إن معناه: كان الناس أمة واحدة كفارا فبعث الله النبيين فاختلفوا عليهم (3)، والأول أوجه ﴿وأنزل معهم الكتاب﴾ يريد به الجنس، أو أنزل مع كل واحد منهم كتابه ﴿ليحكم﴾ الله أو الكتاب أو النبي المنزل عليه ﴿بين الناس فيما اختلفوا فيه﴾ في الحق والدين الذي اختلفوا فيه بعد الاتفاق ﴿وما اختلف فيه إلا الذين أوتوا﴾ الكتاب المنزل لإزالة الخلاف، يعني: أنهم جعلوا نزول الكتاب الذي أنزل لإزالة الاختلاف (4) سببا في شدة الاختلاف (5) ﴿بغيا بينهم﴾ حسدا وظلما بينهم لحرصهم على الدنيا ﴿فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق﴾: ﴿من﴾ للتبيين، أي: فهداهم للحق الذي اختلف فيه من اختلف.

﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب (214)﴾ ﴿أم﴾ منقطعة معناها: بل أحسبتم، والهمزة فيها للتقرير (6) واستبعاد الحسبان.

لما ذكر ما كانت عليه الأمم من الاختلاف على النبيين بعد مجئ البينات تشجيعا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين على الصبر مع الذين اختلفوا عليه من المشركين واليهود وعداوتهم له قال لهم على طريقة الالتفات: ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم﴾ " لما " للتوقع وهي في النفي نظير " قد " في الإثبات، والمعنى: أن إتيان ذلك متوقع منتظر ﴿مثل الذين خلوا من قبلكم﴾ أي: حالهم التي هي مثل في الشدة ﴿مستهم﴾ بيان للمثل وهو استئناف، كأن قائلا قال: كيف كان ذلك المثل؟فقيل: ﴿مستهم البأساء والضراء﴾ من القتل والخروج عن الأهل والمال ﴿وزلزلوا﴾ وأزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال ﴿حتى يقول الرسول﴾ إلى الغاية التي قال الرسول ومن ﴿معه﴾ فيها: ﴿متى نصر الله﴾ طلبوا النصرة وتمنوه واستطالوا زمان الشدة، وفيه دليل على تناهي الأمر في الشدة، لأن الرسل إذا لم يبق لهم صبر حتى ضجوا كان البلاء في غاية الشدة ﴿ألا إن نصر الله قريب﴾ على إرادة القول، أي: فقيل لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر، وقرئ: ﴿حتى يقول الرسول﴾ بالنصب على إضمار " أن " ومعنى الاستقبال، لأن " أن " علم له، وبالرفع (7) على معنى الحال إلا أنها حال ماضية محكية.

﴿يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمسكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم (215)﴾.

﴿ماذا ينفقون﴾ أي شئ ينفقون؟والسؤال عن الإنفاق يتضمن السؤال عن مصرف النفقة، لأن النفقة لا يعتد بها إلا إذا وقع موقعها، ولذلك جاء الجواب ببيان مصارف النفقة ﴿ما أنفقتم من خير﴾ أي: مال ﴿فللوالدين والأقربين﴾.

﴿كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (216)﴾ ﴿وهو كره لكم﴾ من الكراهة بدليل قوله: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئا﴾ ثم إنه يجوز أن يكون بمعنى الكراهة على وضع المصدر موضع الوصف كقول الخنساء (8): فإنما هي إقبال وإدبار (9) كأنه في نفسه كراهة لفرط كراهتهم له، ويجوز أن يكون فعلا بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز، أي: وهو مكروه لكم، وقد يكون الشئ مكروها في طبع الإنسان وإن كان يريده لأن الله تعالى أمره بذلك ﴿وعسى أن تكرهوا شيئا﴾ في الحال ﴿وهو خير لكم﴾ في العاقبة كما تكرهون القتال لما فيه من المخاطرة بالروح وهو خير لكم لأن فيه إحدى الحسنيين: إما الظفر والغنيمة وإما الشهادة والجنة ﴿والله يعلم﴾ ما يصلحكم وما هو خير لكم ﴿وأنتم لا تعلمون﴾ ذلك.

﴿يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعملهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحب النار هم فيها خلدون (217)﴾

بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله بن جحش على سرية في جمادي الآخرة قبل قتال بدر بشهرين ليترصد عيرا لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي فقتلوه واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادي الآخرة، فقالت قريش: قد استحل محمد (صلى الله عليه وآله) الشهر الحرام، فنزلت (10) الآية، أي: يسألك الكفار أو المسلمون عن القتال في الشهر الحرام ﴿قتال فيه﴾ بدل الاشتمال من الشهر الحرام ﴿قل قتال فيه كبير﴾ أي: إثم كبير، وجاز الابتداء بالنكرة لأنه تخصص بقوله: ﴿فيه﴾، ﴿وصد عن سبيل الله﴾ مبتدأ و ﴿أكبر﴾ خبره، والمعنى: وكبائر قريش: من صدهم ﴿عن سبيل الله﴾ وعن ﴿المسجد الحرام﴾ وكفرهم بالله ﴿وإخراج﴾ أهل المسجد الحرام ﴿منه﴾ وهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنون ﴿أكبر عند الله﴾ مما فعلته السرية من القتال في الشهر الحرام على سبيل الخطأ والبناء على الظن ﴿والفتنة﴾ الإخراج أو الشرك ﴿والمسجد الحرام﴾ عطف على ﴿سبيل الله﴾، ﴿ولا يزالون يقتلونكم﴾ إخبار عن دوام عداوة الكفار للمسلمين، و ﴿حتى﴾ معناه: التعليل، أي: ﴿يقتلونكم﴾ كي ﴿يردوكم عن دينكم﴾، و ﴿إن استطاعوا﴾ استبعاد لاستطاعتهم ﴿ومن﴾ يرجع ﴿عن دينه﴾ إلى دينهم ﴿فيمت﴾ على الردة ﴿فأولئك حبطت أعملهم في الدنيا﴾ لما يفوتهم فيها من ثمرات الإسلام ﴿و﴾ في ﴿الآخرة﴾ لما يفوتهم من الثواب.

﴿إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (218)﴾ نزلت في قصة عبد الله بن جحش وأصحابه وقتلهم الحضرمي في رجب بأن ظن قوم أنهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر فنزلت (11) ﴿أولئك يرجون رحمت الله﴾ وهي النصرة والغنيمة في الدنيا والمثوبة في العقبى، وعن قتادة: هؤلاء خيار هذه الأمة ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون، وأنه من رجا طلب ومن خاف هرب (12).

﴿يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (219) في الدنيا والآخرة ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم (220)﴾ ﴿إثم كبير﴾ من قرأ بالباء فلأنهم استعملوا في الذنب إذا كان موبقا الكبير كقوله: ﴿كبئر الاثم﴾ (13) و ﴿كبائر ما تنهون عنه﴾ (14)، وقالوا في غير الموبق: صغير وصغيرة، ولم يقولوا: قليل، ومقابل الكثير القليل، ومن قرأ بالثاء (15) فللآية في المائدة: ﴿إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء﴾ الآية (16) وللخبر: " لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخمر عشرة " (17)، والخمر كل شراب مسكر مغط للعقل والتمييز، وكأنها سميت بالمصدر من خمره خمرا: إذا ستره للمبالغة، والميسر مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهما، واشتقاقه من اليسر، كأنه أخذ مال بيسر من غير كد أو من اليسار لأنه سلب يساره.

وعن النبي (صلى الله عليه وآله): " إياكم وهاتين الكعبتين (18) المشؤومتين فإنهما من ميسر العجم " (19).

وعن علي (عليه السلام): " إن النرد والشطرنج من الميسر " (20) ﴿وإثمهما﴾ أي: وعقاب الإثم في تعاطيهما ﴿أكبر من نفعهما﴾ وهو الالتذاذ بشرب الخمر والقمار والطرب فيهما والتوصل بهما إلى مصادقة الفتيان ومعاشرتهم والنيل من أعطيتهم ﴿ويسئلونك ماذا ينفقون﴾ أي شئ ينفقون؟والسائل عمرو بن الجموح ﴿قل العفو﴾ العفو نقيض الجهد وهو أن ينفق مالا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع، قال:

خذي العفو مني تستديمي مودتي (21) وقرئ بالنصب والرفع (22) ﴿في الدنيا والآخرة﴾ يتعلق ب? ﴿تتفكرون﴾ أي: لعلكم تتفكرون في الدارين وما يتعلق بهما، فتأخذون بما هو أصلح لكم كما بينت لكم أن العفو أصلح من الجهد في النفقة، أو تتفكرون في الدارين فتؤثرون أبقاهما وأكثرهما منافع، أو يتعلق ب? ﴿يبين﴾ على معنى: يبين لكم الآيات في أمور الدارين لعلكم تتفكرون.

ولما نزل ﴿إن الذين يأكلون أمول اليتامى ظلما﴾ الآية (23) اعتزلوا اليتامى وتركوا مخالطتهم والاهتمام بأمورهم، فشق ذلك عليهم، فقيل: ﴿إصلاح لهم خير﴾ أي: مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم ﴿وإن تخالطوهم﴾ وتعاشروهم ﴿فـ﴾ - هم ﴿إخوانكم﴾ في الدين ومن حق الأخ أن يخالط أخاه ﴿والله يعلم المفسد من المصلح﴾ أي: لا يخفى على الله من داخلهم بإصلاح وإفساد فيجازيه على حسب مداخلته ﴿ولو شاء الله لأعنتكم﴾ لحملكم على العنت وهو المشقة، وضيق عليكم في أمر اليتامى ومخالطتهم ﴿إن الله عزيز﴾ غالب قادر على ما يشاء ﴿حكيم﴾ يفعل ما توجبه الحكمة.

﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون (221)﴾ أي: لا تتزوجوا النساء الكافرات ﴿حتى يؤمن﴾، ﴿ولامة مؤمنة﴾ أي: مملوكة مؤمنة ﴿خير من﴾ حرة ﴿مشركة ولو أعجبتكم﴾ أي: ولو كان الحال أن المشركة تعجبكم بجمالها أو مالها وتحبونها فإن المؤمنة خير منها ﴿ولا تنكحوا المشركين﴾ النساء المسلمات ﴿حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من﴾ حر ﴿مشرك ولو أعجبكم﴾ جماله أو ماله أو حاله ﴿أولئك﴾ إشارة إلى المشركين والمشركات ﴿يدعون إلى النار﴾ أي: يدعون إلى الكفر فحقهم أن لا يوالوا ولا يصاهروا ﴿والله يدعوا إلى الجنة﴾ أي: إلى فعل ما يوجب الجنة ﴿والمغفرة﴾ من الإيمان والطاعة ﴿بإذنه﴾ أي: بأمره وتوفيقه للعمل الذي يوصل إلى الجنة ﴿ويبين آياته﴾ أي: أوامره ونواهيه ﴿للناس لعلهم يتذكرون﴾ أي: يتعظون.

﴿ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فاتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوا بين ويحب المتطهرين (222)﴾

﴿المحيض﴾ مصدر حاضت تحيض (24)، نحو: جاء مجيئا وبات مبيتا ﴿قل هو أذى﴾ أي: المحيض شئ يستقذر ويؤذي من يقربه، نفرة منه له ﴿فاعتزلوا النساء﴾ فاجتنبوا مجامعة النساء ﴿في﴾ وقت ﴿المحيض﴾، ﴿ولا تقربوهن﴾ بالجماع ﴿حتى يطهرن﴾ أي: ينقطع الدم عنهن، ومن قرأ: " حتى يطهرن " (25) فإنما هو يتطهرن أي: يغتسلن ﴿فإذا تطهرن﴾ أي: اغتسلن، وقيل: توضأن أو غسلن الفرج بعد انقطاع دم الحيض (26)، ﴿فاتوهن من حيث أمركم الله﴾ أي: من الجهة التي يحل أن يؤتين منها، ولا تقربوهن من حيث لا يحل بأن يكن محرمات أو معتكفات أو صائمات، ولو أراد في الفرج لقال: " في حيث "، ﴿إن الله يحب التوا بين﴾ من الذنوب ﴿ويحب المتطهرين﴾ بالماء.

﴿نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين (223)﴾ ﴿نساؤكم﴾ ذوات ﴿حرث لكم﴾ منهن (27) تحرثون الولد واللذة ﴿فأتوا حرثكم﴾ أي: نساءكم ﴿أنى شئتم﴾ من أين شئتم وكيف شئتم، كما تأتون أراضيكم التي تحرثونها من أي جهة شئتم ﴿وقدموا لأنفسكم﴾ ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة، وقيل: هو التسمية عند الوطء (28)، وقيل: هو طلب الولد (29) ﴿واتقوا الله﴾ ولا تجترئوا على المناهي ﴿واعلموا أنكم ملاقوه﴾ أي: ملاقو جزائه فتزودوا مالا تفتضحون به.

﴿ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم (224)﴾ العرضة: فعلة بمعنى مفعول كالغرفة والقبضة، وهي اسم ما تعرضه دون الشئ من عرض العود على الإناء فيعترض دونه ويصير حاجزا ومانعا منه، تقول: فلان عرضة دون الخير، والعرضة - أيضا -: المعرض للأمر، قال: " فلا تجعلوني عرضة للوائم " (30).

- 227 ومعنى الآية على الأولى: أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة الرحم أو غيرها ثم يقول: أخاف أن أحنث في يميني فيترك البر إرادة أن يبر في يمينه، فقيل لهم: ﴿ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم﴾ أي: حاجزا لما حلفتم عليه وهي المحلوف عليه، وسمي المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين كما جاء في الخبر: " إذا حلفت على يمين " (31) أي: على شئ مما يحلف عليه، وقوله: ﴿أن تبروا وتتقوا وتصلحوا﴾ عطف بيان ﴿لأيمانكم﴾ أي: للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وتعلقت اللام في قوله: ﴿لأيمانكم﴾ بالفعل، أي: ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخا وحاجزا، ويجوز أن يتعلق ب? ﴿عرضة﴾ لأن فيها معنى الاعتراض، أي: لا تجعلوه شيئا يعترض البر، من اعترضني كذا، ويجوز أن يكون اللام للتعليل ويتعلق ﴿أن تبروا﴾ بالفعل أو بالعرضة، أي: ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا.

ومعنى الآية على الأخرى: ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به، و ﴿أن تبروا﴾ علة للنهي، أي: إرادة أن تبروا وتتقوا، لأن الحلاف مجترئ على الله فلا يكون برا متقيا، ولا يثق به الناس فلا يدخلونه في إصلاح ذات بينهم.

﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم (225)﴾ " اللغو ": الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره، واللغو من اليمين: الساقط الذي لا يعتد به في الأيمان، وهو ما يجري على عادة اللسان من قول: " لا والله " و " بلى والله " من غير عقد على يمين يقتطع بها مال أو يظلم بها أحد، والمعنى: لا يؤاخذكم بلغو اليمين الذي لا قصد (32) معه ولا يلزمكم به الكفارة ﴿ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم﴾ من الأيمان وهو ما عزمتموه كقوله سبحانه: ﴿بما عقدتم الأيمن﴾ (33) لأن كسب القلب هو القصد (34) والنية، أي: ما نوت قلوبكم وقصدته من الأيمان ﴿والله غفور حليم﴾ حيث لم يؤاخذكم بلغو الأيمان.

﴿للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم (226) وإن عزموا الطلق فإن الله سميع عليم (227)﴾ ﴿للذين يؤلون من نسائهم﴾ عدي " إلى " الذي هو بمعنى حلف ب? ﴿من﴾ لأن هذا الحلف قد ضمن معنى البعد، فكأنه قيل: يبعدون من نسائهم مؤلين أو (35) حالفين، ويجوز أن يكون المراد لهم من نسائهم ﴿تربص أربعة أشهر﴾ كقولهم: لي منك كذا، والإيلاء من المرأة أن يقول الرجل: والله لا أقربك، ثم أقام على يمينه، والحكم في ذلك أن المرأة إذا استعدت عليه إلى الحاكم أنظره الحاكم بعد الرفع إليه أربعة أشهر ويقول له بعد مضي الأشهر الأربعة إذا لم يراجع زوجته: فئ أو طلق ﴿فإن فاؤا﴾ أي: رجعوا بأن يكفروا عن اليمين ويجامعوا عند القدرة عليه، أو يراجعوا بالقول عند العجز عن الجماع ﴿فإن الله غفور رحيم﴾ لا يتبعه بعقوبة ﴿وإن عزموا الطلق﴾ وتلفظوا به ﴿فإن الله سميع عليم﴾ يسمع قوله ويعلم ضميره.

﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم (228)﴾ ﴿والمطلقات﴾ يعني: المدخول بهن من ذوات الحيض غير الحوامل، لأن في الآية بيان عدتهن، واللفظ مطلق في تناول الجنس، صالح لكله وبعضه، فجاء في أحد ما يصلح له كاللفظ المشترك ﴿يتربصن بأنفسهن﴾ خبر في معنى الأمر والمراد: وليتربص المطلقات، وإخراج الأمر في صورة الخبر تأكيد للأمر وإشعار بأنه مما يجب أن يتلقى بالامتثال، فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص فهو يخبر عنه موجودا، ونحوه قولهم في الدعاء: رحمك الله، ومعنى ﴿يتربصن﴾: ينتظرن ﴿بأنفسهن﴾ انقضاء ﴿ثلاثة قروء﴾ فلا يتزوجن، والمراد بالقروء: الأطهار عندنا (36) وعند الشافعي (37)، وذهب أبو حنيفة إلى أنها ثلاث حيض (38) وهي جمع قرء أو قرء، وانتصب ﴿ثلاثة قروء﴾ على أنه مفعول به، أي: ﴿يتربصن﴾ مضي ﴿ثلاثة قروء﴾، أو على أنه ظرف أي: مدة ثلاثة قروء ﴿ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن﴾ من الولد أو من دم الحيض، وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع ولئلا يشفق على الولد فيترك طلاقها، أو كتمت حيضها وقالت وهي حائض: قد طهرت استعجالا للطلاق ﴿إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر﴾ تعظيم لفعلهن، وأن من آمن بالله لا يجترئ على مثله من العظائم ﴿وبعولتهن أحق بردهن في ذلك﴾ أي: أزواجهن أولى بمراجعتهن وهي ردهن إلى الحالة الأولى في ذلك الأجل الذي قدر لهن في مدة العدة ﴿إن أرادوا﴾ بالرجعة ﴿إصلاحا﴾ لما بينهم وبينهن ولم يريدوا مضارتهن ﴿ولهن مثل الذي عليهن﴾ ويجب لهن من الحق على الرجال مثل الذي يجب لهم عليهن ﴿بالمعروف﴾ بالوجه الذي لا ينكر في الشرع وعادات الناس فلا يكلفنهم ما ليس لهن ولا يكلفونهن ما ليس لهم ﴿وللرجال عليهن درجة﴾ أي: زيادة في الحق وفضيلة بقيامهم عليهن.

﴿الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (229)﴾ ﴿الطلق﴾ بمعنى التطليق كالسلام والكلام بمعنى التسليم والتكليم، أي: التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة، ولم يرد بالمرتين التثنية ولكن التكرير، كقوله تعالى: ﴿ثم ارجع البصر كرتين﴾ (39) أي: كرة بعد كرة ﴿فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾ هذا تخيير لهم بعد أن علمهم كيف يطلقون بين أن يمسكوا النساء مع حسن العشرة والقيام بحقوقهن وبين أن يسرحوهن سراحا جميلا، وقيل: معناه: الطلاق الرجعي ﴿مرتان﴾، لأنه لا رجعة بعد الثلاث فإمساك برجعة أو تسريح بأن لا يراجعها حتى تبين بالعدة (40)، وقيل: بأن يطلقها الثالثة (41)، وروي: أن سائلا سأل رسول الله: أين الثالثة؟فقال (عليه السلام): " أو تسريح بإحسان " (42)، ﴿ولا يحل لكم﴾ خطاب للأزواج ﴿أن تأخذوا مما آتيتموهن﴾ من المهر ﴿شيئا إلا أن يخافا﴾ الزوجان ترك إقامة ﴿حدود الله﴾ فيما يلزمهما من مواجب الزوجية لما يحدث من نشوز المرأة وسوء خلقها ﴿فلا جناح عليهما﴾ فلا جناح على الرجل فيما أخذ وعلى المرأة ﴿فيما افتدت به﴾ أي: فدت به نفسها واختلعت به من بذل ما أوتيت من المهر أو الزيادة على المهر إن كان النشوز والبغض منها وحدها، وإن كان منهما فدون المهر، وقرئ: " أن يخافا " على البناء للمفعول وإبدال " أن لا يقيما " من ألف الضمير في " يخافا " (43)، وهو من بدل الاشتمال كقولك: خيف زيد تركه إقامة حدود الله، ونحوه: ﴿وأسروا النجوى الذين ظلموا﴾ (44).

﴿فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون (230)﴾ ﴿فإن طلقها﴾ الطلاق المذكور الموصوف (45) بالتكرار في قوله: ﴿الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان﴾، أو فإن طلقها مرة ثالثة بعد المرتين ﴿فلا تحل له من بعد﴾ أي: من بعد ذلك التطليق ﴿حتى تنكح زوجا غيره﴾ حتى تتزوج غيره، والنكاح يسند إلى المرأة كما يسند إلى الرجل كالتزويج ﴿فإن طلقها﴾ الزوج الثاني ﴿فلا جناح عليهما أن يتراجعا﴾ أن يرجع كل واحد منهما إلى صاحبه بالمزاوجة ﴿إن ظنا﴾ إن كان في ظنهما أنهما يقيمان حقوق الزوجية، ولم يقل: إن علما، لأن اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله، ومن فسر الظن هنا بالعلم فقد وهم لفظا ومعنى، لأنك لا تقول: علمت أن يقوم زيد، ولكن علمت (46) أنه يقوم، ولأن الإنسان لا يعلم ما في الغد وإنما يظن ظنا.

﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئ عليم (231)﴾ ﴿فبلغن أجلهن﴾ أي: آخر عدتهن وقاربن انقضاءها، والأجل يقع على المدة كلها وعلى آخرها، يقال لعمر الإنسان: أجل، وللموت الذي ينتهي به: أجل ﴿فأمسكوهن﴾ أي: راجعوهن قبل انقضاء العدة ﴿بمعروف﴾ بما يجب لها من القيام بواجبها من غير طلب ضرار بالمراجعة ﴿أو سرحوهن﴾ أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيكن أملك بأنفسهن ﴿ولا تمسكوهن ضرارا﴾ لا لرغبة فيهن بل لطلب الإضرار بهن بتطويل العدة عليهن ﴿لتعتدوا﴾ أي: لتظلموهن ﴿ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه﴾ بتعريضها لعذاب الله ﴿ولا تتخذوا آيات الله هزوا﴾ أي: لا تستخفوا بأوامره ونواهيه ﴿واذكروا نعمت الله عليكم﴾ فيما أباحه لكم من الأزواج والأموال ﴿وما أنزل عليكم﴾ من القرآن والعلوم التي بينها لكم ﴿يعظكم به﴾ أي: بما أنزل عليكم لتتعظوا، وذكر النعمة مقابلتها بالشكر.

﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا ترا ضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون (232)﴾ ﴿فبلغن أجلهن﴾ أي: انقضت عدتهن ﴿فلا تعضلوهن﴾ أي: لا تمنعوهن ظلما عن التزوج، وهذا: إما أن يكون خطابا للأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلما لا يتركونهن يتزوجن من شئن من الأزواج، وإما أن يكون خطابا للأولياء في عضلهن أن يرجعن إلى أزواجهن، والعضل: الحبس والتضييق ﴿إذا ترا ضوا﴾ إذا تراضى الخطاب والنساء ﴿بالمعروف﴾ بما (47) يحسن في الدين والمروة من الشرائط ﴿ذلك﴾ الذي سبق من الأمر والنهي ﴿يوعظ به﴾، ﴿ذلكم أزكى لكم﴾ أي: خير لكم وأفضل ﴿وأطهر﴾ من أدناس الآثام ﴿والله يعلم﴾ ما في ذلك من الزكاء والطهر، أو يعلم ما تستصلحون به من الأحكام والشرائع ﴿وأنتم لا تعلمون﴾.

﴿والوا لدا ت يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولدكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير (233)﴾ ﴿يرضعن﴾ مثل ﴿يتربصن﴾ في أنه خبر في معنى الأمر المؤكد، أي: ولترضع الأمهات ﴿أولدهن حولين كاملين﴾ تامين أربعة وعشرين شهرا، وإنما أكد لرفع الإبهام لأنه يتسامح فيه، يقول الرجل: أقمت عند فلان حولين ولم يستكملهما، وقوله: ﴿لمن أراد أن يتم الرضاعة﴾ بيان لمن توجه إليه الحكم، أي: هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع، أي: ليس ذلك بوقت لا ينقص منه بعد أن لا يكون في الفطام ضرر، وقيل: إن اللام يتعلق ب? ﴿يرضعن﴾ كما تقول: أرضعت فلانة لفلان ولده، أي: يرضعن حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة من الآباء، لأن الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم، وعليه أن يتخذ له ظئرا إلا إذا تطوعت الأم بإرضاعه، وهي مندوبة إلى الإرضاع ولا تجبر على ذلك، والأمر للوالدات بالإرضاع أمر على الندب (48)، وقيل: أراد بالوالدات المطلقات وإيجاب النفقة والكسوة لأجل الرضاع (49) ﴿وعلى المولود له رزقهن﴾ أي: وعلى الذي ولد له وهو الوالد - وله في محل الرفع على الفاعلية - أن يرزقهن ويكسوهن إذا أرضعن ولده ﴿بالمعروف﴾ تفسيره ما يتبعه وهو أن لا يكلف واحد منهما ما ليس في وسعه ولا يتضارا، وقرئ: " لا تضار " بالرفع على الإخبار (50)، ويحتمل أن يكون الأصل " لا تضارر " و " لا تضارر " بكسر الراء وفتحها، و ﴿لا تضار﴾ بالفتح على النهي، والمعنى: لا تضار ﴿والدة﴾ زوجها ﴿ب?﴾ سبب ﴿ولدها﴾ بأن تطلب منه ما ليس بعدل من النفقة والكسوة، وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد ﴿ولا﴾ يضار ﴿مولود له﴾ امرأته ﴿ب?﴾ سبب ﴿وا لده﴾ بأن يمنعها شيئا مما وجب عليه، أو يأخذه منها وهي تطلب إرضاعه، وكذلك إذا كان مبنيا للمفعول فهو نهي عن أن يلحق بها الضرار من قبل الزوج، وأن يلحق الضرار بالزوج من قبلها بسبب الولد ﴿وعلى الوارث مثل ذلك﴾ عطف على قوله: ﴿رزقهن وكسوتهن﴾، وما بينهما تفسير للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، والمعنى: وعلى وارث المولود له بعد موته مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة بالمعروف ﴿فإن أرادا فصالا﴾ صادرا ﴿عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما﴾ في ذلك زادا على الحولين أو نقصا، وهذه توسعة بعد التحديد ﴿وإن أردتم﴾ خطاب للآباء ﴿أن تسترضعوا﴾ المراضع ﴿أولدكم﴾ فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه ﴿إذا سلمتم﴾ إلى المراضع ﴿ما آتيتم﴾ ما أردتم إيتاءه، وقرئ: " ما أتيتم " (51) من أتى إليه إحسانا إذا فعله، وقيل: إذا سلمتم إلى الأم أجرة المثل بمقدار ما أرضعت (52).

﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير (234)﴾ هو على تقدير حذف المضاف، تقديره: ﴿و﴾ أزواج ﴿الذين يتوفون منكم﴾: ﴿يتربصن﴾، وقيل: معناه: والذين يتوفون منكم أي: يقبضون ويموتون ويتركون أزواجا يتربصن بعدهم كقولهم: السمن منوان بدرهم أي: منوان منه (53)، ومعنى ﴿يتربصن بأنفسهن﴾: يعتددن هذه المدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، وقيل: عشرا ذهابا إلى الليالي والأيام داخلة معها (54)، ولا يستعمل التذكير فيه على إرادة الأيام، يقال: صمت عشرا ﴿فإذا بلغن أجلهن﴾ فإذا انقضت عدتهن ﴿فلا جناح عليكم﴾ أيها الأولياء أو الأئمة ﴿فيما فعلن في أنفسهن﴾ من التعريض للخطاب ﴿بالمعروف﴾ بالوجه الذي لا ينكره الشرع، وهذه الآية ناسخة للآية المتأخرة عنها الواردة في عدة المتوفى عنها زوجها وإن كانت مقدمة عليها في التلاوة.

﴿ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم (235)﴾ ﴿ولا جناح عليكم﴾ أيها الرجال ﴿فيما عرضتم به من خطبة النساء﴾ المعتدات، والتعريض هو أن يقول لها: إنك لجميلة أو صالحة، أو إني أحب امرأة صفتها كذا ويذكر بعض صفاتها... ونحو ذلك من الكلام الذي يوهم أنه يريد نكاحها حتى تحبس نفسها عليه إن رغبت فيه، ولا يصرح بالنكاح فلا يقول: إني أريد أن أنكحك أو أتزوجك ﴿أو أكننتم في أنفسكم﴾ أي: سترتم وأضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين ﴿علم الله أنكم ستذكرونهن﴾ لا محالة برغبتكم فيهن خوفا منكم أن يسبقكم غيركم إليهن فأباح لكم ذلك، فاذكروهن ﴿ولكن لا تواعدوهن سرا﴾ والسر كناية عن الوطء، لأنه مما يسر، ثم عبر به عن النكاح الذي هو العقد، لأنه سبب فيه كما فعل بالنكاح ﴿إلا أن تقولوا قولا معروفا﴾ وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا، أي: لا تواعدوهن إلا بالتعريض، أو لا تواعدوهن إلا مواعدة معروفة غير منكرة ﴿ولا تعزموا عقدة النكاح﴾ من عزم الأمر وعزم عليه، وهو مبالغة في النهي عن عقد النكاح في العدة، لأن العزم على الفعل متقدم، فإذا نهى عنه كان عن الفعل أنهى، ومعناه: ولا تعزموا عقد عقدة النكاح في العدة ﴿حتى يبلغ الكتاب أجله﴾ يعني: ما كتب وفرض من العدة ﴿واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم﴾ من العزم على ما لا يجوز ﴿فاحذروه﴾ ولا تعزموا عليه.

﴿لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متعا بالمعروف حقا على المحسنين (236)﴾

﴿لا جناح عليكم﴾ لا تبعة عليكم من إيجاب مهر ﴿إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن﴾ ما لم تجامعوهن، ويجوز أن يكون ﴿ما﴾ هاهنا شرطية بمعنى: إن لم تمسوهن، ويجوز أن يكون بمعنى المدة، أي: مدة لم تمسوهن فيها فيكون نصبا على الظرف، وقرئ: " تماسوهن " (55) والمعنى فيهما واحد ﴿أو تفرضوا لهن فريضة﴾ إلا أن تفرضوا لهن فريضة أو حتى تفرضوا لهن فريضة، وفرض الفريضة: تسمية المهر، وذلك أن المطلقة غير المدخول بها إن سمي لها مهر فلها نصف المسمى، وإن لم يسم لها مهر فليس لها إلا المتعة ﴿ومتعوهن﴾ أي: أعطوهن من مالكم ما يتمتعن به ﴿على الموسع قدره وعلى المقتر قدره﴾ أي: على الغني الذي هو في سعة لغناه على قدر حاله، وعلى الفقير الذي هو في ضيق على قدر حاله، ومعنى ﴿قدره﴾: مقداره الذي يطيقه، و " القدر " و " القدر " لغتان ﴿متعا﴾ تأكيد لـ ﴿متعوهن﴾ أي: تمتيعا ﴿بالمعروف﴾ بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروة ﴿حقا﴾ صفة لـ ﴿متعا﴾ أي: واجبا عليهم، أو حق ذلك حقا ﴿على المحسنين﴾ على الذين يحسنون إلى المطلقات بالتمتيع، وسماهم قبل الفعل محسنين كما قال (عليه السلام): " من قتل قتيلا فله سلبه " (56).

﴿وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير (237)﴾ هذا يدل على أن " الجناح " في الآية المتقدمة المراد به تبعة المهر، لأن قوله: ﴿فنصف ما فرضتم﴾ إثبات للجناح المنفي هناك، وتقديره: فالواجب نصف ما فرضتم ﴿إلا أن يعفون﴾ يعني: المطلقات، أي: يتركن ما يجب لهن من نصف المهر فلا يطلبن الأزواج بذلك ﴿أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح﴾ وهو الولي الذي يلي عقد نكاحهن، و ﴿أن﴾ هذه هي الناصبة للفعل، و ﴿يعفون﴾ فعل النسوة في محل النصب ﴿ولا تنسوا الفضل بينكم﴾ أي: التفضل، معناه: ولا تنسوا أن يتفضل بعضكم على بعض ولا تستقصوا.

﴿حفظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قنتين (238)﴾

داوموا ﴿على الصلوات﴾ في مواقيتها بأداء أركانها ﴿والصلاة الوسطى﴾ بين الصلوات، أو الفضلى من قولهم للأفضل: الأوسط، وإنما أفردت وعطفت على ﴿الصلوات﴾ لانفرادها بالفضل، وروي عنهم (عليهم السلام): أنها صلاة الظهر (57)، وقيل: هي صلاة العصر (58)، وروي (59) ذلك - أيضا - مرفوعا، وقيل: صلاة الفجر (60) يدل عليه قوله: ﴿وقرآن الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا﴾ (61)، ﴿وقوموا لله قنتين﴾ أي: راعين في قيامكم.

الصادق (عليه السلام) قال: " القنوت: الدعاء في الصلاة في حال القيام " (62).

﴿فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون (239)﴾ أي: فإن كان بكم خوف من عدو أو غيره فصلوا راجلين، والرجال جمع راجل كالقيام جمع قائم ﴿أو ركبانا﴾ على ظهور دوابكم، عنى بذلك صلاة الخوف ﴿فإذا أمنتم﴾ من الخوف ﴿فاذكروا الله كما علمكم﴾ من صلاة الأمن، أو فاشكروا الله على الأمن واذكروه بالعبادة كما أحسن إليكم بما علمكم كيف تصلون في حال الأمن والخوف.

﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم (240)﴾ من قرأ: " وصية " بالرفع (63) فالتقدير: ﴿و﴾ حكم ﴿الذين يتوفون﴾ أو وصية الذين يتوفون وصية لأزواجهم، أو والذين يتوفون أهل وصية فحذف المضاف، ومن قرأ: ﴿وصية﴾ بالنصب فالتقدير: والذين يتوفون يوصون وصية كقولك: إنما أنت سير البريد بإضمار تسير ﴿متعا﴾ نصب ب? " الوصية " أو ب? " يوصون " إذا أضمرته، و ﴿غير إخراج﴾ مصدر مؤكد أو بدل من ﴿متعا﴾ أو حال من الأزواج أي: غير مخرجات، والمعنى: أن حق الذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يموتوا بأن تمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا، أي: ينفق عليهن من تركته ولا يخرجن من مساكنهن، وكان ذلك قبل الإسلام ثم نسخت المدة بقوله: ﴿أربعة أشهر وعشرا﴾ (64) (65) ﴿في ما فعلن في أنفسهن﴾ من التزين والتعرض للأزواج ﴿من معروف﴾ ليس بمنكر شرعا.

﴿وللمطلقات متع بالمعروف حقا على المتقين (241) كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون (242)﴾ قيل: المراد بالمتاع النفقة المذكورة في قوله تعالى: ﴿متعا إلى الحول﴾ (66)، وقيل: المراد بالمتاع المتعة (67) فتكون مخصوصة بالآية المتقدمة، فإن المتعة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها مهر، وأما المدخول بها فلها مهر مثلها إن لم يسم لها مهر، وما سمي لها إن فرض لها مهر وإن لم يدخل بها فنصف المهر.

- 245 ﴿ألم تر إلى الذين خرجوا من ديرهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون (243)﴾ ﴿ألم تر﴾ تقرير لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب وتعجيب من شأنهم، ويجوز أن يخاطب به من لم ير ولم يسمع، لأن هذا يجري مجرى المثل في معنى التعجب، وهؤلاء قوم وقع فيهم الطاعون فخرجوا هاربين فأماتهم الله ﴿ثم أحياهم﴾ ليعتبروا ويعلموا أنه لا مفر من حكم الله، وقيل: هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد فهربوا حذرا من ﴿الموت﴾ فأماتهم الله ثم أحياهم (68) ﴿وهم ألوف﴾ فيه دليل على الألوف الكثيرة ﴿فقال لهم الله موتوا﴾ معناه: فأماتهم الله، وإنما جئ به على هذه العبارة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة إنسان واحد بمشية الله تعالى ﴿إن الله لذو فضل على الناس﴾ حيث يبصرهم ما يعتبرون به، وساق سبحانه هذه القصة بعثا على الجهاد بدلالة قوله بعد.

﴿وقتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم (244)﴾ أي: ﴿سميع﴾ يسمع ما يقوله المتخلفون والسابقون ﴿عليم﴾ بما يضمرونه.

﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون (245)﴾ إقراض الله مثل لتقديم العمل الذي يطلب به ثوابه، وهو تلطف للدعاء إلى فعله وتأكيد للجزاء عليه، والقرض الحسن: إما المجاهدة نفسها، وإما النفقة في سبيل الله ﴿أضعافا كثيرة﴾ لا يعلم كنهها إلا الله، وقيل: هو أن الواحد بسبعمائة (69) ﴿والله يقبض ويبصط﴾ يوسع على عباده ويقتر، فلا تبخلوا عليه بما وسع عليكم لئلا يبدلكم الضيقة بالسعة.

﴿ألم تر إلى الملا من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقتلوا قالوا وما لنا ألا نقتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين (246)﴾ ﴿الملا﴾: الجماعة الأشراف من الناس، لأن هيبتهم تملأ الصدور ﴿من بعد موسى﴾ من بعد وفاته ﴿إذ قالوا لنبي لهم﴾ هو يوشع أو شمعون أو إشموئيل وهو الأعرف ﴿ابعث لنا ملكا﴾ أنهض للقتال معنا أميرا ننتهي إلى أمره ﴿نقتل في سبيل الله﴾ ونصدر في تدبير الحرب عن رأيه ﴿قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقتلوا﴾ أي: لعلكم إن فرض عليكم القتال مع ذلك الملك ألا تقاتلوا وتجبنوا، بمعنى: أتوقع جبنكم عن القتال، فأدخل ﴿هل﴾ مستفهما عما هو متوقع عنده ومظنون، وأراد بالاستفهام التقرير وأن يثبت أن المتوقع كائن، قالوا: ﴿وما لنا ألا نقتل في سبيل الله﴾ وأي داع لنا إلى ترك القتال، وأي غرض لنا فيه ﴿وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا﴾ وذلك أن قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين فأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين ﴿فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم﴾ كان عددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر ﴿والله عليم بالظالمين﴾ وعيد لهم على ظلمهم في ترك الجهاد والقعود عن القتال.

﴿وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفيه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله وا سع عليم (247)﴾ ﴿طالوت﴾ اسم أعجمي كجالوت وداود فيه سببان: التعريف والعجمة ﴿أنى يكون﴾ كيف يكون، ومن أين يكون، وهو إنكار لتملكه عليهم، والمعنى: كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هو ﴿أحق بالملك منه﴾، وأنه فقير ولابد للملك من مال يتقوى به؟وإنما قالوا ذلك لأن النبوة كانت في سبط لاوي بن يعقوب والملك في سبط يهودا، ولم يكن طالوت من أحد السبطين ﴿قال إن الله اصطفيه﴾ أي: اختاره ﴿عليكم﴾ وهو أعلم بالمصالح منكم، ثم ذكر سبحانه خصلتين هما أعلى رتبة في الفضل من النسب والمال وهما: العلم المبسوط والجسامة، فقال: ﴿وزاده بسطة﴾ أي: سعة وامتدادا ﴿في العلم والجسم﴾ وكان أعلم بني إسرائيل في وقته وأتمهم جسما وأشجعهم ﴿والله يؤتى ملكه من يشاء﴾ أي: الملك له فهو يعطيه من يشاء ﴿والله وا سع﴾ الفضل والعطاء ﴿عليم﴾ بمن يصطفيه للرياسة والملك.

﴿وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لاية لكم إن كنتم مؤمنين (248)﴾ ﴿التابوت﴾ صندوق التوراة، وكان موسى (عليه السلام) إذا قاتل قوما قدمه، وكانت تسكن نفوس بني إسرائيل ولا يفرون، و " السكينة ": السكون والطمأنينة، وقيل: هي صورة كانت فيه من زبرجد أو ياقوت لها جناحان ورأس كرأس الهر وذنب كذنبه فيزف التابوت نحو العدو وهم يمضون معه، فإذا استقر ثبتوا وسكنوا ونزل النصر (70)، وعن علي (عليه السلام): كانت فيه ريح هفافة من الجنة ولها وجه كوجه الإنسان (71) ﴿وبقية مما ترك آل موسى﴾ هي: عصا موسى ورضاض الألواح وشئ من التوراة، وكان قد رفعه الله بعد موسى فنزلت به الملائكة ﴿تحمله﴾ وهم ينظرون إليه، كان ذلك آية لاصطفاء الله طالوت، و ﴿آل موسى﴾ و ﴿آل هارون﴾ الأنبياء من بني يعقوب بعدهما، لأن عمران هو ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب فكان أولاد يعقوب آلهما، ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون و " آل " مقحم.

﴿فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصبرين (249)﴾

﴿فصل﴾ عن موضع كذا: إذا انفصل عنه وجاوزه، وأصله فصل نفسه ثم كثر حذف المفعول حتى صار في حكم اللازم، ومعناه: انفصل عن البلد ﴿بالجنود﴾ وكانوا ثلاثين ألف مقاتل، وقيل: سبعين ألفا (72) ﴿قال﴾ طالوت ﴿إن الله مبتليكم﴾ أي: مختبركم ﴿بنهر فمن شرب﴾ من النهر بأن كرع في مائه ﴿فليس منى﴾ أي: ليس من جملتي وأشياعي ﴿ومن لم يطعمه﴾ أي: لم يذقه ﴿فإنه منى﴾ يقال: طعم الشئ: إذا أذاقه ﴿إلا من اغترف﴾ استثناء من قوله: ﴿فمن شرب منه فليس منى﴾ ومعناه: الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع، يدل عليه قوله: ﴿فشربوا منه﴾ أي: فكرعوا فيه ﴿إلا قليلا منهم﴾ وقرئ: " غرفة " بفتح الغين (73) وضمها، فالفتح بمعنى المصدر والضم بمعنى المغروف، وقيل: لم يبق مع طالوت إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا (74) ﴿فلما جاوزه﴾ أي: تخطى النهر طالوت ﴿والذين آمنوا معه﴾ يعني: القليل من أصحابه ورأوا كثرة عدد جنود جالوت ﴿قالوا لا طاقة لنا﴾ قيل: إن الضمير في ﴿قالوا﴾ للكثير الذين شربوا وانخزلوا (75)، و ﴿الذين يظنون﴾ هم القليل الذين ثبتوا معه وتيقنوا ﴿أنهم﴾ يلقون الله ﴿كم من فئة﴾ أي: فرقة ﴿قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله﴾ بنصر الله لأنه إذا أذن في القتال نصر فيه.

﴿ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (250) فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العلمين (251)﴾ أي: ظهروا ﴿لـ﴾ محاربة ﴿جالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا﴾ أي: صب علينا ﴿صبرا وثبت أقدامنا﴾ أي: وفقنا للثبوت عند مداحض الحرب بتقوية القلوب وإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، وكان إيشا أبو داود في عسكر طالوت مع ستة من بنيه أو عشرة، وكان ﴿داوود﴾ أصغرهم يرعى الغنم، فبعث طالوت إلى إيشا أن أحضر وأحضر ولدك، فجاء ومعه ولده، فمر داود في طريقه بثلاثة أحجار دعاه كل واحد منها أن يحمله وقال: إنك تقتل بنا جالوت، فحملها في مخلاته ورمى بها ﴿جالوت﴾ فقتله، وزوجه طالوت بنته ﴿وآتاه الله الملك﴾ في الأرض المقدسة، وما اجتمعت بنو إسرائيل على ملك قط قبل داود ﴿والحكمة﴾ والنبوة ﴿وعلمه مما يشاء﴾ من صنعة الدروع وكلام الطير والنمل ﴿ولولا دفع الله﴾ ولولا أن يدفع الله بعض الناس ﴿ببعض لـ﴾ غلب المفسدون و ﴿فسدت الأرض﴾ وبطلت منافعها، وقيل: ولولا أن الله ينصر المسلمين على الكفار لعم الكفر ونزل العذاب واستؤصل أهل الأرض (76).

﴿تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين (252)﴾

﴿تلك﴾ إشارة إلى القصص التي اقتصها من حديث إماتة الألوف من الناس وإحياءهم وتمليك طالوت ونزول التابوت وغلبة الجبابرة على يد صبي ﴿آيات الله﴾ دلالاته على كمال قدرته نقرأها ﴿عليك﴾، و ﴿تلك﴾ مبتدأ و ﴿آيات الله﴾ خبره و ﴿نتلوها﴾ حال، ويجوز أن تكون ﴿آيات الله﴾ بدلا من ﴿تلك﴾ و ﴿نتلوها﴾ الخبر، ﴿بالحق﴾ باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب لأنه (77) في كتبهم كذلك ﴿وإنك لمن المرسلين﴾ حيث تخبر بها من غير أن تعرف بقراءة وكتابة.

﴿تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجت وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد (253)﴾ ﴿تلك الرسل﴾ إشارة إلى الرسل التي ذكرت قصصها في السورة، أو التي ثبت علمها عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿فضلنا بعضهم على بعض﴾ لما أوجب ذلك من تفاضلهم في مراتبهم ﴿منهم من كلم الله﴾ أي: فضله الله بأن كلمه من غير سفير، وهو موسى (عليه السلام) ﴿ورفع بعضهم درجت﴾ أي: ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة، وهو محمد صلوات الله عليه وآله لأنه المفضل عليهم حيث أوتي ما لم يؤته أحد من المعجزات الموفية على ألف وأكثر، وبعث إلى الإنس والجن، وخص بالمعجزة القائمة إلى يوم القيامة وهي القرآن، وفي هذا الإبهام من تعظيم شأنه وإعلاء مكانه مالا يخفى، لأن فيه أنه العلم الذي لا يشتبه والمشهور الذي لا يخفى ﴿وآتينا عيسى ابن مريم البينات﴾ كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ﴿وأيدناه بروح القدس﴾ تقدم تفسيره (78) ﴿ولو شاء الله﴾ مشية إلجاء وقسر ﴿ما اقتتل الذين من﴾ بعد الرسل لاختلافهم في الدين وتكفير بعضهم بعضا ﴿ولكن اختلفوا فمنهم من آمن﴾ لالتزامه دين الأنبياء ﴿ومنهم من كفر﴾ لإعراضه عنه ﴿ولو شاء الله ما اقتتلوا﴾ كرره للتأكيد ﴿ولكن الله يفعل ما يريد﴾ من الخذلان والعصمة.

﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفعة والكافرون هم الظالمون (254)﴾ ﴿أنفقوا... من قبل أن يأتي يوم﴾ لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق، لأنه ﴿لابيع فيه﴾ حتى تبتاعوا ما تنفقونه ﴿ولا خلة﴾ حتى يسامحكم أخلاؤكم به ﴿ولا شفعة﴾ عام يراد به الخاص بلا خلاف، لأن الأمة اجتمعت على إثبات الشفاعة يوم القيامة وإن اختلفوا في كيفيتها ﴿والكافرون هم الظالمون﴾ لأن الكفر هو غاية الظلم.

﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يوده حفظهما وهو العلي العظيم (255)﴾ ﴿الحي﴾ الذي يصح أن يكون قادرا عالما وهو الباقي الذي لا يتطرق إليه الفناء، و ﴿القيوم﴾ الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظهم ﴿لا تأخذه سنة﴾ وهو ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمى النعاس ﴿ولا نوم﴾ وهو تأكيد لـ ﴿القيوم﴾ وبيان له، لأن من جاز عليه النوم والسنة لا يكون قيوما ﴿له ما في السماوات وما في الأرض﴾ يملكهما ويملك تدبير ما فيهما ﴿من ذا الذي يشفع عنده﴾ بيان لكبريائه وملكوته بأن أحدا لا يملك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام ﴿يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم﴾ الضمير لـ ﴿ما في السماوات وما في الأرض﴾ لأن فيهم العقلاء، أو لما دل عليه ﴿من ذا الذي﴾ من الملائكة والأنبياء، أي: يعلم ما كان قبلهم وما يكون بعدهم، ويعلم أحوالهم والمرتضى منهم للشفاعة وغير المرتضى ﴿ولا يحيطون بشئ من علمه﴾ أي: معلوماته ﴿إلا بما شاء﴾ أي: بما علم وأطلع عليه، والإحاطة بالشئ علما أن يعلم كما هو على الحقيقة ﴿وسع كرسيه﴾ أي: علمه ﴿السماوات والأرض﴾ روي ذلك عنهم (عليهم السلام) (79)، وسمي العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم، وقيل: كرسيه ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك (80)، وقيل: الكرسي سرير دون العرش دونه السماوات والأرض (81)، ترتبت هذه الجمل من غير حرف عطف، لأن كل جملة منها واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه، والبيان متحد بالمبين، فالأولى أن لا يتوسط بينهما حرف عطف ﴿ولا يوده حفظهما﴾ لا يثقله ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ﴿وهو العلى﴾ الشأن ﴿العظيم﴾ الملك.

وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " سمعت نبيكم على أعواد المنبر وهو يقول: من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله " (82).

﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم (256)﴾ يعني: أن أمور الدين جارية على التمكن والاختيار لا على القسر والإجبار، ونحوه: ﴿ولو شاء ربك لامن من في الأرض﴾ الآية (83)، أي: لو شاء لأجبرهم على الإيمان لكنه لم يفعل وبنى الأمر على الاختيار، وقيل: هو بمعنى النهي أي: لا تكرهوا ﴿في الدين﴾ (84)، ثم قالوا: هو منسوخ بآية السيف (85)، وقيل: هو مخصوص بأهل الكتاب إذا أدوا الجزية (86) ﴿قد تبين الرشد من الغى﴾ قد تميز الإيمان من الكفر بالدلائل النيرة ﴿فمن يكفر بالطاغوت﴾ أي: بالشيطان والأصنام ﴿ويؤمن بالله فقد استمسك﴾ بالعصمة الوثيقة ﴿لا انفصام لها﴾ لا انقطاع لها، وهذا تمثيل لما يعلم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس الذي ينظر إليه عيانا.

﴿الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحب النار هم فيها خلدون (257)﴾

﴿الله ولى الذين﴾ يريدون أن يؤمنوا يلطف بهم حتى ﴿يخرجهم﴾ بلطفه وتوفيقه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، أو يخرجهم من الشبه في الدين إن وقعت لهم بما يوفقهم له من حلها حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين ﴿والذين كفروا﴾ أي: صمموا على الكفر فأمرهم على العكس ﴿أولياؤهم﴾ الشياطين يتولون أمورهم ﴿يخرجونهم﴾ من نور البينات إلى ظلمات الشك والشرك.

﴿ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذي يحى ى ويميت قال أنا أحي ى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين (258)﴾ ﴿ألم تر﴾ تعجيب من محاجة نمرود في الله وكفره به ﴿أن آتاه الله الملك﴾ متعلق ب? ﴿حاج﴾ أي: لأن آتاه الله الملك، على معنى: أن إيتاء الملك أورثه البطر والعتو فحاج لذلك، أو وضع المحاجة في ربه موضع ما وجب عليه من الشكر على إيتاء الملك، نحو قوله: ﴿وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون﴾ (87)، ويجوز أن يكون المعنى: حاج وقت أن آتاه الله الملك، ومعنى " آتاه الملك ": أنه آتاه ما غلب به وتملك من الأموال والخدم والأتباع ﴿إذ قال﴾ نصب ب? ﴿حاج﴾ أو بدل من ﴿أن آتاه﴾ إذا جعل بمعنى الوقت (88) ﴿أنا أحي ى وأميت﴾ يريد أخلي من وجب عليه القتل وأميت بالقتل، الصادق (عليه السلام) قال: " إن إبراهيم (عليه السلام) قال له: فأحي من قتلته إن كنت صادقا ثم استظهر عليه بقوله: ﴿فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب﴾ " (89) انتقل إلى مالا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته، وهذا دليل على جواز الانتقال من حجة إلى حجة.

﴿أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحى ى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير (259)﴾

﴿أو كالذي﴾ معناه: أو أرأيت مثل الذي مر، فحذف لدلالة ﴿ألم تر﴾ عليه، لأن كلتيهما كلمة تعجيب، ويجوز أن يحمل على المعنى كأنه قيل: أرأيت كالذي حاج إبراهيم ﴿أو كالذي مر على قرية﴾ والمار عزير أو ارمياء، أراد أن يعاين إحياء الموتى ليزداد بصيرة ﴿قال أنى يحى ى هذه الله﴾ هذا اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الإحياء واستعظام لقدرة المحيي، والقرية: بيت المقدس حين خربه بخت نصر، وقيل: هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت (90) ﴿وهي خاوية على عروشها﴾ أي: ساقطة على أبنيتها وسقوفها كأن سقوفها سقطت ثم وقعت البنيان عليها، قال: كيف يحيي الله هذه القرية بعد خرابها؟أطلق لفظ " القرية " وأراد أهلها، وأحب أن يريه الله إحياءها مشاهدة ﴿فأماته الله مائة عام﴾ روي: أنه مات ضحى وبعث بعد مائة سنة قبل غيبوبة الشمس، فقال قبل النظر إلى الشمس: ﴿لبثت يوما﴾ ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال: ﴿أو بعض يوم﴾ (91)، وروي: أن طعامه كان تينا وعنبا وشرابه عصيرا أو لبنا، فوجد التين والعنب كما جنيا والشراب على حاله (92) ﴿لم يتسنه﴾ أي: لم تغيره السنون، والهاء أصلية أو هاء سكت، واشتقاقه من " السنة " على الوجهين، لأن لامها هاء أو واو، وذلك أن الشئ يتغير بمرور الزمان عليه، وقيل: أصله يتسنن من الحمأ المسنون فقلبت نونه حرف علة كتقضي البازي (93) ﴿وانظر إلى حمارك﴾ كيف تفرقت عظامه ونخرت وكان له حمار قد ربطه، ويجوز أن يكون المراد: وانظر إليه سالما في مكانه كما ربطته وذلك من أعظم الآيات ﴿ولنجعلك آية للناس﴾ فعلنا ذلك، يريد: إحياءه بعد الموت وحفظ طعامه وشرابه، وقيل: إنه أتى قومه راكب حماره وقال: أنا عزير، فكذبوه، فقال: هاتوا التوراة، فأخذ يهذها هذا (94) عن ظهر قلبه وهم ينظرون في الكتاب فما خرم حرفا، فقالوا: هو ابن الله (95)، ولم يقرأ التوراة ظاهرا أحد قبل عزير، فذلك كونه آية ﴿وانظر إلى العظام﴾ وهي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجب من إحيائهم ﴿كيف ننشزها﴾ نحييها، و " ننشرها " (96) من نشر الله الموتى بمعنى: أنشرهم، و ﴿ننشزها﴾ بالزاي أي: نحركها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب، وفاعل ﴿تبين﴾ مضمر تقديره: فلما تبين له أن الله على كل شئ قدير ﴿قال أعلم أن الله على كل شئ قدير﴾ فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، نحو قولهم: ضربني وضربت زيدا، ويجوز أن يكون المعنى: فلما تبين له ما أشكل عليه، وقرئ: " قال اعلم " على لفظ الأمر (97) كأنه خاطب نفسه، كقول الأعشى (98): ودع هريرة إن الركب مرتحل (99) ﴿وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحى الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم (260)﴾

﴿رب أرني﴾ أي: بصرني ﴿كيف تحى الموتى﴾، ﴿قال أولم تؤمن﴾ قال له ذلك سبحانه وقد علم أنه أثبت الناس إيمانا، ليجيب بما أجاب به لما فيه من الفائدة للسامعين، وهذا ألف استفهام المراد به التقرير ﴿قال بلى﴾ هو إيجاب بعد النفي معناه: بلى آمنت ﴿ولكن ليطمئن قلبي﴾ ليزيد سكونا وطمأنينة بأن يضام العلم الضروري العلم الاستدلالي، وتظاهر الأدلة أزيد للبصيرة واليقين، وأراد بطمأنينة القلب: العلم الذي لا مجال فيه للشك، واللام تعلقت بمحذوف تقديره: سألت ذلك ليطمئن قلبي ﴿قال فخذ أربعة من الطير﴾ طاووسا وديكا وغرابا وحمامة ﴿فصرهن إليك﴾ بضم الصاد وكسرها (100) بمعنى: فأملهن واضممهن إليك ﴿ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا﴾ أي: فجزئهن وفرق أجزاءهن على الجبال التي بحضرتك وفي أرضك، وكانت أربعة أجبل ﴿ثم أدعهن﴾ وقل لهن: تعالين بإذن الله ﴿يأتينك سعيا﴾ أي: ساعيات مسرعات في طيرانهن أو في مشيهن على أرجلهن.

وروي: أنه أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرق أجزاءها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها وأن يمسك رؤوسها، ثم أمر بأن يجعل أجزاءها على الجبال على كل جبل ربعا من كل طائر، ثم يصيح بها: تعالين بإذن الله، فجعل كل جزء يطير إلى الآخر حتى صارت جثثا، ثم أقبلن فانضممن إلى رؤوسهن كل جثة إلى رأسها (101).

وقرئ: " جزؤا " بضمتين (102)، و " جزا " بالتشديد (103)، ووجهه: أنه خفف بطرح همزته ثم شدد كما يشدد في الوقف إجراء للوصل مجرى الوقف.

﴿مثل الذين ينفقون أموا لهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضعف لمن يشاء والله وا سع عليم (261)﴾ لابد من تقدير حذف مضاف، أي: ﴿مثل﴾ نفقة ﴿الذين ينفقون﴾: ﴿كمثل حبة﴾، أو مثلهم كمثل باذر حبة، والمنبت هو الله ولكن الحبة لما كانت سببا أسند إليها الإنبات كما يسند إلى الأرض وإلى الماء، وهذا التمثيل تصوير لمضاعفة الحسنات كأنها موضوعة بحذاء العين ﴿والله يضعف لمن يشاء﴾ أي: يزيد على سبعمائة ﴿والله وا سع﴾ المقدرة ﴿عليم﴾ بمن يستحق الزيادة.

﴿الذين ينفقون أموا لهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولاهم يحزنون (262) قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى حليم (263)﴾ المن: أن يعتد على من أحسن إليه بإحسانه ويريه (104) أنه أوجب عليه حقا له، والأذى: أن يتطاول عليه بسبب ما أسدى إليه، ومعنى ﴿ثم﴾: إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى وأن تركهما خير من الإنفاق كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرا من الدخول فيه بقوله: ﴿ثم استقاموا﴾ (105)، ﴿قول معروف﴾ رد جميل ﴿ومغفرة﴾ وعفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول، أو نيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل، أو عفو من جهة السائل، لأنه إذا رده ردا جميلا عذره ﴿خير من صدقة يتبعها أذى والله غنى﴾ لا حاجة به إلى منفق يمن ويؤذي ﴿حليم﴾ عن المعاجلة بالعقوبة، وفيه ذرو من الوعيد.

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكافرين (264)﴾ ﴿كالذي ينفق ماله﴾ معناه: ﴿لا تبطلوا صدقتكم بالمن والأذى﴾ ﴿كـ﴾ إبطال المنافق ﴿الذي ينفق ماله رئاء الناس﴾ لا يريد بإنفاقه رضاء الله وثواب الآخرة ﴿فمثله﴾ أي: مثله ونفقته التي لا ينتفع بها البتة ﴿كمثل صفوان﴾ أي: حجر أملس ﴿عليه تراب فأصابه وابل﴾ مطر عظيم القطر ﴿فتركه صلدا﴾ أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه ﴿لا يقدرون على شئ مما كسبوا﴾ أي: لا يحصلون مما أنفقوه من ثوابه على شئ كما لا يحصل أحد على شئ من التراب الذي أذهبه المطر من الحجر الصلد، ويجوز أن يكون الكاف في محل النصب على الحال، أي: ﴿لا تبطلوا صدقتكم﴾ مماثلين ﴿الذي ينفق﴾، وأراد ب? ﴿الذي ينفق﴾ الجنس أو الفريق الذي ينفق، فلذلك قال بعده: ﴿لا يقدرون﴾.

﴿ومثل الذين ينفقون أموا لهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فاتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير (265)﴾ ﴿وتثبيتا من أنفسهم﴾ معناه: وليثبتوا من أنفسهم ببذل المال الذي هو أخو الروح، وبذله أشق على النفس من أكثر العبادات الشاقة، ويجوز ان يراد: وتصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم، لأنه إذا أنفق المسلم ماله في سبيل الله علم أن تصديقه بالثواب من أصل نفسه وإخلاص قلبه، و ﴿من﴾ على التفسير الأول للتبعيض مثلها في قولهم: " هز من عطفه " (106)، ومعنى التبعيض: أن من بذل ماله فقد ثبت بعض نفسه ومن بذل ماله وروحه فقد ثبتها كلها، وعلى الآخر لابتداء الغاية كقوله: ﴿حسدا من عند أنفسهم﴾ (107)، والمعنى: ﴿ومثل﴾ نفقة هؤلاء ﴿كمثل جنة﴾ أي: بستان ﴿بربوة﴾ بمكان مرتفع، وخصها لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمرا ﴿أصابها وابل﴾ مطر عظيم القطر ﴿فاتت أكلها﴾ ثمرتها ﴿ضعفين﴾ مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل ﴿فإن لم يصبها وابل فطل﴾ فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها، أو مثل حالهم عند الله بالجنة على الربوة ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطل، وكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة زاكية عند الله.

﴿أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهر له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (266)﴾

﴿أيود أحدكم﴾ الهمزة للإنكار، والواو في قوله: ﴿وأصابه الكبر﴾ للحال لا للعطف، ومعناه: ﴿أيود أحدكم أن تكون له جنة﴾ وقد ﴿أصابه الكبر﴾، والإعصار: الريح التي تستدير ثم تسطع نحو السماء كالعمود، وهذا مثل لمن يعمل الأعمال الحسنة لا يبتغي بها وجه الله تعالى، فإذا كان يوم القيامة وجدها محبطة لا ثواب عليها فيتحسر عند ذلك حسرة من كانت له جنة من أبهج الجنان وأبهاها وفيها أنواع الثمار فبلغه ﴿الكبر وله﴾ أولاد ﴿ضعفاء﴾ والجنة معاشهم فهلكت بالصاعقة.

قال الحسن: هذا مثل قل والله من يعقله من الناس: شيخ كبير ضعف جسمه وكثر صبيانه أفقر ما يكون إلى جنة، وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا (108).

﴿يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبت ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غنى حميد (267)﴾ ﴿أنفقوا من طيبت ما كسبتم﴾ أي: من جياد مكسوباتكم وخيارها، وقيل: من حلالها (109) ﴿ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ من الغلات والثمار (110)، والمعنى: ومن طيبات ما أخرجنا لكم، إلا أنه حذف لأنه ذكر الطيبات قبل ﴿ولا تيمموا الخبيث﴾ ولا تقصدوا المال الردي ﴿منه تنفقون﴾ أي: تخصونه بالإنفاق، وهو في محل الحال ﴿ولستم بآخذيه﴾ أي: وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم ﴿إلا أن تغمضوا فيه﴾ أي: إلا بأن تتسامحوا في أخذه وتترخصوا فيه، من قولهم: أغمض فلان عن بعض حقه: إذا غض بصره، ويقال: أغمض البائع إذا لم يستقص كأنه لا يبصر، وعن ابن عباس: كانوا يتصدقون بحشف (111) التمر فنهوا عنه (112).

﴿الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله وا سع عليم (268) يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب (269)﴾ ﴿يعدكم الفقر﴾ بالإنفاق في وجوه البر وبإنفاق الجيد من المال، والوعد يستعمل في الخير والشر ﴿ويأمركم بالفحشاء﴾ ويغريكم على البخل ومنع الزكوات إغراء الآمر للمأمور، والعرب تسمي البخيل فاحشا كما قال طرفة (113): أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي * عقيلة مال الفاحش المتشدد (114)

﴿والله يعدكم﴾ في الإنفاق ﴿مغفرة﴾ لذنوبكم وكفارة لها ﴿وفضلا﴾ وأن يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم، وقيل: وثوابا عليه في الآخرة (115)، ﴿يؤتى الحكمة﴾ أي: يعطي الله الحكمة، أي: العلم ويوفق للعمل به، والحكيم عند الله هو العالم العامل، وقيل: الحكمة: القرآن والفقه (116)، وقرئ: " ومن يؤت " بكسر التاء (117) بمعنى: ومن يؤته الله الحكمة، و ﴿خيرا كثيرا﴾ تنكير تعظيم كأنه قيل: فقد أوتي أي خير كثير ﴿وما يذكر إلا أولوا الألباب﴾ أي: العلماء الحكماء العمال.

﴿وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظلمين من أنصار (270) إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيأتكم والله بما تعملون خبير (271)﴾ ﴿وما أنفقتم من نفقة﴾ في سبيل الله أو في سبيل الشيطان ﴿أو نذرتم من نذر﴾ في طاعة أو في معصية ﴿فإن الله يعلمه﴾ لا يخفى عليه فيجازي عليه بحسبه ﴿وما للظلمين﴾ الذين ينفقون أموالهم في المعاصي، أو يمنعون الزكوات، أو لا يوفون بالنذور، أو ينذرون في المعاصي ﴿من أنصار﴾ ممن ينصرهم من الله ويمنع عنهم عذاب الله، و " ما " في ﴿فنعما هي﴾ نكرة، أي: فنعم شيئا إبداؤها، وقرئ بكسر النون وفتحها (118)، ﴿وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء﴾ أي: تعطوها إياهم مع الإخفاء ﴿فهو خير لكم﴾ أي: فالإخفاء خير لكم، والمراد بالصدقات: المتطوع بها لأن الأفضل في الفرائض الإظهار، " ونكفر " قرئ بالنون (119) مرفوعا عطفا على محل ما بعد الفاء، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: ونحن نكفر، أو على أنه جملة من فعل وفاعل مبتدأة، ومجزوما عطفا على محل الفاء وما بعده لأنه جواب الشرط، وقرئ: ﴿ويكفر﴾ بالياء مرفوعا والفعل لله أو للإخفاء " ويكفر " بالياء والنصب (120) بإضمار " أن " ومعناه: إن تخفوها يكن خيرا لكم وأن يكفر عنكم، " وتكفر " بالتاء مرفوعا (121) ومجزوما (122) والفعل للصدقات.

﴿ليس عليك هديهم ولكن الله يهدى من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (272)﴾ أي: لا يجب ﴿عليك﴾ أن تجعلهم مهتدين إلى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والأذى والإنفاق من الخبيث وغير ذلك، وما عليك إلا البلاغ ﴿ولكن الله يهدى من يشاء﴾ يلطف بمن يعلم أن اللطف ينفع فيه فينتهي عما نهي (123) عنه ﴿وما تنفقوا من خير﴾ من مال ﴿فلأنفسكم﴾ فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم، فلا تمنوا به على من تنفقونه عليه ولا تؤذوه ﴿وما تنفقون﴾ أي: وليست نفقتكم ﴿إلا﴾ لـ ﴿ابتغاء وجه الله﴾ ولطلب ما عنده فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يتوجه بمثله إلى الله ﴿وما تنفقوا من خير يوف إليكم﴾ ثوابه أضعافا مضاعفة، فلا عذر لكم في أن ترغبوا عن الإنفاق وأن يكون على أحسن الوجوه وأجملها.

﴿للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (273)﴾ الجار يتعلق بمحذوف، والتقدير: اعمدوا ﴿للفقراء﴾ أو اجعلوا ما تنفقونه للفقراء، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي: صدقاتكم للفقراء، و ﴿الذين أحصروا في سبيل الله﴾ هم الذين أحصرهم الجهاد ﴿لا يستطيعون﴾ لاشتغالهم به ﴿ضربا في الأرض﴾ للكسب، قيل: وهم أصحاب الصفة وهم نحو من أربعمائة رجل لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر، فكانوا في صفة المسجد - وهي سقيفته - يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار، وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى (124) ﴿يحسبهم الجاهل﴾ بحالهم ﴿أغنياء من التعفف﴾ أي: مستغنين من أجل تعففهم عن المسألة ﴿تعرفهم بسيماهم﴾ من صفرة الوجه ورثاثة الحال، أو الخضوع الذي هو شعار الصالحين ﴿لا يسلون الناس إلحافا﴾ أي إلحاحا، ومعناه: إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا، وقيل: هو نفي للسؤال والإلحاف جميعا (125) كقول امرئ القيس (126): على لأحب لا يهتدي بمناره (127) يريد نفي المنار والاهتداء به.

﴿الذين ينفقون أموا لهم باليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولاهم يحزنون (274)﴾ أي: يعمون أوقاتهم وأحوالهم بالصدقة لحرصهم على الخير، وعن ابن عباس: نزلت في علي (عليه السلام) كانت معه أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية (128)، وروي ذلك عن الباقر والصادق (عليهما السلام) (129).

﴿الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا وأحل الله البيع وحرم الربوا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون (275)﴾

﴿الربوا﴾ كتب بالواو على لغة من يفخم كما كتبت " الصلاة " و " الزكاة " بالواو، وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع ﴿لا يقومون﴾ إذا بعثوا من قبورهم ﴿إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان﴾ أي: المصروع ﴿من المس﴾ وهو الجنون، ورجل ممسوس، وتعلق ﴿من﴾ ب? ﴿لا يقومون﴾ أي: لا يقومون من المس الذي بهم إلا كما يقوم المصروع، ويجوز أن يتعلق ب? ﴿يقوم﴾ أي: كما يقوم المصروع من جنونه، والمعنى: أنهم يقومون يوم القيامة مخبلين كالمصروعين يعرفون بتلك السيماء عند أهل الموقف ﴿ذلك﴾ العقاب ﴿ب?﴾ سبب ﴿أنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا﴾ أي: البيع الذي لا ربا فيه مثل البيع الذي فيه الربا، وقوله: ﴿وأحل الله البيع وحرم الربوا﴾ إنكار لتسويتهم بينهما، ودلالة على بطلان قياسهم الربا على البيع ﴿فمن جاءه موعظة﴾ أي: فمن بلغه وعظ ﴿من ربه﴾ وزجر بالنهي عن الربا ﴿فانتهى﴾ فتبع النهي وامتنع منه ﴿فله ما سلف﴾ فلا يؤاخذ بما مضى منه ﴿وأمره إلى الله﴾ يحكم في شأنه يوم القيامة ﴿ومن عاد﴾ إلى الربا بعد التحريم وقال ما كان يقوله من: أن البيع مثل الربا ﴿فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون﴾ لأن ذلك القول لا يصدر إلا من كافر مستحل للربا، فلهذا توعد بعذاب الأبد.

﴿يمحق الله الربوا ويربى الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (276)﴾ ﴿يمحق الله الربوا﴾ أي: يذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ﴿ويربى الصدقات﴾ أي: ما يتصدق به بأن يضاعف عليه الثواب ويزيد المال الذي أخرجت منه الصدقة ويبارك فيه، وفي الحديث: " ما نقص مال من صدقة " (130)، ﴿والله لا يحب كل كفار أثيم﴾ هذا تغليظ في أمر الربا، وإيذان بأنه من فعل الكفار لا من فعل المسلمين.

﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولا هم يحزنون (277) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين (278) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموا لكم لا تظلمون ولا تظلمون (279)﴾ الفرق بين قوله: ﴿لهم أجرهم﴾ وقوله في موضع آخر: ﴿فلهم أجرهم﴾ (131) أن الفاء فيها دلالة على أن الإنفاق به استحق الأجر، وطرح الفاء عار عن هذه الدلالة ﴿وذروا ما بقي من الربوا﴾ روي: أنها نزلت في ثقيف، وكان لهم على قوم من قريش مال فطالبوهم عند المحل بالمال والربا (132)، وقيل: إنهم أخذوا ما شرطوا على الناس من الربا وبقيت لهم بقايا فأمروا أن يتركوها ولا يطالبوا بها (133) ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ إن صح إيمانكم ﴿فأذنوا بحرب من الله﴾ أي: فاعلموا بها، من أذن بالشئ: إذا علم به، وقرئ: " فآذنوا " (134) أي: فأعلموا بها غيركم، وهو من الأذن وهو الاستماع، لأنه من طرق العلم، والمعنى: ﴿فأذنوا﴾ بنوع من الحرب عظيم ﴿من﴾ عند ﴿الله ورسوله﴾، ﴿وإن تبتم﴾ من الارتباء (135) ﴿فلكم رؤوس أموا لكم لا تظلمون﴾ المديونين بطلب الزيادة ﴿ولا تظلمون﴾ بالنقصان منها.

﴿وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون (280) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (281)﴾ أي: ﴿وإن﴾ وقع غريم من غرمائكم ﴿ذو عسرة﴾ أي: ذو إعسار ﴿فنظرة﴾ أي: فالحكم أو فالأمر نظرة، أي: إنظار ﴿إلى ميسرة﴾ إلى يسار، أي: وقت يسار، وهو خبر في معنى الأمر، والمراد: فأنظروه إلى وقت يساره، و " الميسرة " و " الميسرة " بضم السين وفتحها لغتان (136)، وقرئ: " إلى ميسره " بالإضافة إلى الهاء وحذف التاء عند الإضافة (137)، كقوله: ﴿وإقام الصلاة﴾ (138)، ﴿وأن تصدقوا﴾ أي: تتصدقوا ﴿خير لكم﴾ ندب سبحانه إلى أن يتصدقوا برؤوس أموالهم على من أعسر من غرمائهم أو ببعضها، كما قال: ﴿وأن تعفوا أقرب للتقوى﴾ (139)، ﴿إن كنتم تعلمون﴾ أنه خير لكم، وقرئ: " ترجعون " (140) و ﴿ترجعون﴾ على البناء للفاعل والمفعول، أي: واخشوا واحذروا ﴿يوما﴾ تردون ﴿فيه إلى﴾ جزاء ﴿الله﴾.

وعن ابن عباس: أنها آخر آية نزل بها جبرئيل وقال: ضعها في رأس المائتين والثمانين من البقرة (141).

﴿يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحديهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم (282)﴾

﴿إذا تداينتم﴾ أي: تعاملتم وداين بعضكم بعضا، تقول: داينت الرجل إذا عاملته بدين معطيا أو آخذا، كما تقول: بايعته إذا بعته أو باعك ﴿بدين إلى أجل مسمى﴾ أي: بدين مؤجل ﴿فاكتبوه﴾ وإنما ذكر " الدين " ليرجع الضمير إليه في قوله تعالى: ﴿فاكتبوه﴾، ولأن الدين يتنوع إلى مؤجل وحال، وقيل: ﴿مسمى﴾ ليعلم أن من حق الأجل أن يكون معلوما موقتا بالسنين أو الشهور أو الأيام (142)، وهذا الأمر مندوب إليه، قال ابن عباس: والمراد به السلم لما حرم الله الربا أباح السلم (143) ﴿وليكتب بينكم كاتب بالعدل﴾ أي: كاتب مأمون على ما يكتب، يكتب بالاحتياط والنصفة لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص، فقوله: ﴿بالعدل﴾ صفة لـ ﴿كاتب﴾، وفي هذا دلالة على أن الكاتب يجب أن يكون فقيها عالما بالشروط حتى يجئ مكتوبه معدلا بالشرع ﴿ولا يأب كاتب﴾ أي: ولا يمتنع أحد من الكتاب ﴿أن يكتب كما علمه الله﴾ كتابة الوثائق، وقيل: كما نفعه الله بتعليمها فلينفع الناس بكتابته (144)، وهو فرض على الكفاية عند أكثر المفسرين (145)، ويجوز أن يتعلق ﴿كما علمه الله﴾ ب? ﴿أن يكتب﴾ فيكون نهيا عن الامتناع عن الكتابة المقيدة، ثم قيل له: ﴿فليكتب﴾ أي: فليكتب تلك الكتابة ولا يعدل عنها، ويجوز أن يتعلق بقوله: ﴿فليكتب﴾ فيكون نهيا عن الامتناع عن الكتابة على الإطلاق ثم أمر بها مقيدة ﴿وليملل الذي عليه الحق﴾ أي: وليكن المملي من وجب عليه الحق لأنه هو المشهود على ثباته في ذمته وإقراره به، والإملاء والإملال لغتان نطق بهما القرآن: ﴿فهي تملى عليه﴾ (146)، ﴿ولا يبخس منه﴾ أي: من الحق ﴿شيئا﴾.

﴿فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا﴾ السفيه: المحجور عليه لتبذيره أو الجاهل بالإملاء، والضعيف: الصبي أو الشيخ الخرف ﴿أو لا يستطيع أن يمل هو﴾ بنفسه لعي أو خرس ﴿فليملل وليه﴾ الذي يلي أمره من وصي إن كان صبيا أو سفيها (147) أو وكيل إن كان غير مستطيع أو ترجمان يمل عنه وهو يصدقه، ففي قوله: ﴿أن يمل﴾ هو أنه غير مستطيع بنفسه ولكن بغيره وهو الذي يترجم عنه.

﴿واستشهدوا شهيدين﴾ واطلبوا أن يشهد لكم شهيدان على الدين ﴿من رجالكم﴾ من رجال المؤمنين ﴿فإن لم يكونا﴾ فإن لم يكن الشهيدان ﴿رجلين فرجل وامرأتان﴾ فليشهد رجل وامرأتان، وشهادة النساء مقبولة عندنا في غير: رؤية الهلال والطلاق مع الرجال على تفصيل فيه (148)، وهي مقبولة على الانفراد فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه مثل العذرة والأمور الباطنة للنساء ﴿ممن ترضون﴾ ممن تعرفون عدالته وهو مرضي عندكم ﴿من الشهداء أن تضل إحديهما﴾ أن لا تهتدي إحدى المرأتين للشهادة بأن تنساها من قولهم: ضل الطريق: إذا لم يهتد له، وهو في موضع النصب بأنه مفعول له، أي: إرادة أن تضل، لما كان الضلال سببا للإذكار كانت إرادة الضلال إرادة للإذكار، فكأنه قيل: إرادة أن تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت، ومثله قولهم: أعددت الخشبة أن يميل الحائط فادعمه، وقرئ: " فتذكر " (149)، وهما لغتان، يقال: أذكره وذكره، وقراءة حمزة: " إن تضل إحداهما " على الشرط " فتذكر " بالرفع (150)، كقوله: ﴿ومن عاد فينتقم الله منه﴾ (151)، ﴿ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا﴾ ليقيموا الشهادة، وقيل: ليستشهدوا (152)، وقيل لهم: شهداء قبل التحمل، تنزيلا لما يقارب منزلة الكائن.

﴿ولا تسموا﴾ ولا تملوا أن تكتبوا الحق ﴿صغيرا﴾ كان الحق ﴿أو كبيرا إلى أجله﴾ إلى وقته الذي اتفق الغريمان على تسميته ﴿ذلكم﴾ إشارة إلى ﴿أن تكتبوه﴾ لأنه في معنى المصدر، أي: ذلكم الكتاب ﴿أقسط عند الله﴾ أي: أعدل، من القسط ﴿وأقوم للشهادة﴾ وأعون على إقامة الشهادة ﴿وأدنى ألا ترتابوا﴾ وأقرب من انتفاء الريب في مبلغ الحق والأجل ﴿إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها﴾ أريد بالتجارة: ما يتجر فيه من الأبدال، والمعنى: إلا أن تتبايعوا بيعا ناجزا يدا بيد فلا بأس أن لا تكتبوه، لأنه لا يتوهم فيه ما يتوهم في التداين، ومعنى ﴿تديرونها بينكم﴾: تعاملونها يدا بيد، وقرئ ﴿تجارة حاضرة﴾ بالنصب على معنى: إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة ﴿وأشهدوا إذا تبايعتم﴾ أمر بالإشهاد مطلقا لأنه أحوط ﴿ولا يضار﴾ يحتمل البناء للفاعل والمفعول، والمعنى: نهى الكاتب والشهيد عن ترك الإجابة إلى ما يطلب منهما وعن التحريف والزيادة والنقصان، أو النهي عن الضرار بهما بأن يعجلا عن مهم، أو لا يكلف الكاتب الكتابة (153) في حال عذر لا يتفرغ لذلك ولا يدعى الشاهد إلى إثبات الشهادة أو إقامتها في وقت لا يتفرغ له ﴿وإن تفعلوا﴾ وإن تضاروا ﴿فإنه فسوق بكم﴾ فإن الضرار فسوق (154)، وقيل: وإن تفعلوا شيئا مما نهيتم عنه فإنه خروج مما أمر الله سبحانه به (155).

﴿وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهن مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمنته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهدة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم (283)﴾ ﴿على سفر﴾ أي: مسافرين ﴿فرهن﴾ أي: فالذي يستوثق به رهان، وقرئ: " فرهن " (156)، وكلاهما جمع الرهن، وقد يخفف فيقال: رهن، وليس الغرض تخصيص الارتهان بحال السفر ولكن السفر لما كان مظنة لإعواز الكتب والإشهاد أمر المسافر بأن يقيم الارتهان مقام الكتاب والإشهاد على سبيل الإرشاد إلى حفظ المال، والقبض شرط في صحة الرهن ﴿فإن أمن بعضكم بعضا﴾ أي: فإن أمن بعض الدائنين بعض المديونين لحسن ظنه به ﴿فليؤد الذي اؤتمن أمنته﴾ وهو الذي عليه الحق، أمر بأن يؤديه إلى صاحب الحق وافيا وقت محله من غير مطل ولا تسويف، وسمي الدين أمانة: لايتمانه عليه بترك الارتهان منه ﴿ولا تكتموا الشهدة﴾ خطاب للشهود ﴿ومن يكتمها﴾ مع علمه بالمشهود به وتمكنه من أدائها ﴿فإنه آثم قلبه﴾ هو خبر " إن " و ﴿قلبه﴾ مرفوع به على الفاعلية، كأنه قيل: فإنه يأثم قلبه، والمعنى فيه: أن كتمان الشهادة من آثام القلوب ومن معاظم الذنوب.

﴿لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير (284)﴾ أي: ﴿وإن﴾ تظهروا ﴿ما في أنفسكم﴾ من السوء ﴿أو تخفوه﴾ فإن الله تعالى يعلم ذلك ويجازيكم عليه، ولا يدخل فيما يخفيه الإنسان الوساوس وحديث النفس، لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه ولكن ما اعتقده وعزم عليه.

وعن عبد الله بن عمر (157): أنه تلاها فقال: لئن أخذنا الله بهذا لنهلكن، ثم بكى حتى سمع نشيجه (158)، فذكر لابن عباس فقال: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، قد وجد المسلمون منها مثل ما وجد، فنزل: ﴿لا يكلف الله﴾ الآية (159).

﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملئكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير (285)﴾ ﴿والمؤمنون﴾ يجوز أن يكون عطفا على ﴿الرسول﴾، فيكون الضمير في ﴿كل﴾ الذي التنوين نائب عنه راجعا إلى ﴿الرسول﴾ و ﴿المؤمنون﴾، أي: كلهم ﴿آمن بالله وملئكته وكتبه ورسله﴾ ويوقف عليه، ويجوز أن يكون مبتدأ فيكون الضمير لـ ﴿المؤمنون﴾، أي: كل واحد منهم آمن، وقرئ: " وكتابه " (160) ويراد (161): الجنس أو القرآن، وعن ابن عباس قال: الكتاب أكثر من الكتب، وإنما قال ذلك لأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شئ، وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع (162)، يقولون: ﴿لا نفرق﴾، وقوله: ﴿سمعنا﴾ بمعنى: أجبنا، و ﴿غفرانك﴾ منصوب بإضمار فعله، يقال: غفرانك لا كفرانك، أي: نستغفرك ولا نكفرك.

﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولينا فانصرنا على القوم الكافرين (286)﴾

الوسع: ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، أي: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا﴾ ما يتيسر عليها (163) ويتسع فيه طوقها، وهذا إخبار عن عدله ورحمته ﴿لها ما كسبت﴾ من خير ﴿وعليها ما اكتسبت﴾ من شر، لا يؤاخذ بذنبها غيرها ولا يثاب بطاعتها غيرها، وذكر النسيان والخطاء والمراد بهما: ماهما مسببان عنه من التفريط والإغفال، وقيل: إن المراد ب? ﴿نسينا﴾ تركنا وب? ﴿أخطأنا﴾ أذنبنا (164)، وروي عن ابن عباس: أن معناه: لا تعاقبنا إن عصيناك جاهلين أو متعمدين (165).

والإصر: العبء الذي يأصر حامله، أي: يحبسه مكانه لا يستقل به لثقله، استعير للتكليف الشاق نحو: قتل الأنفس، وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب، وغير ذلك ﴿ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به﴾ من العقوبات النازلة بمن قبلنا، طلبوا الإعفاء عن التكليفات الشاقة التي كلفها من قبلهم، ثم عما نزل عليهم من العقوبات على تفريطهم في المحافظة عليها ﴿أنت مولينا﴾ سيدنا ونحن عبيدك، أو متولي أمورنا وناصرنا ﴿فانصرنا﴾ فإن من حق المولى أن ينصر عبده، أو فإن ذلك عادتك، أي: فأعنا ﴿على القوم الكافرين﴾ بالقهر لهم والغلبة بالحجة عليهم.

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " أوتيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي " (166).


1- هي تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد الرياحية السلمية، أشهر شواعر العرب على الاطلاق، عاشت أكثر عمرها في العصر الجاهلي وأدركت الاسلام فأسلمت، ووفدت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع قومها بني سليم، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستنشدها وكانت تنشده، وانبعثت مع المسلمين لفتح بلاد فارس ومعها أولادها الأربعة، فقتلوا في وقعة القادسية جميعهم سنة 16 ه?، توفيت سنة 24 ه?. (الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 197، أعلام النساء: ج 1 ص 305، خزانة الأدب للبغدادي: ج 1 ص 433، جمهرة الأنساب: ص 249).

2- تقدم شرح البيت في ص 177، فراجع.

3- راجع أسباب النزول للواحدي: ص 61، وتفسير القرطبي: ج 3 ص 41، والكشاف: ج 1 ص 258.

4- راجع أسباب النزول للواحدي: ص 62 - 64، والسنن الكبرى للبيهقي: ج 9 ص 11.

5- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 2 ص 369.

6- الشورى: 37.

7- النساء: 31.

8- أي " إثم كثير " قرأه ابن مسعود وحمزة والكسائي. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 276، وتفسير البغوي: ج 1 ص 193، والتبيان: ج 2 ص 212، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 291 و 292، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 132، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 157.

9- آية: 91.

10- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 4 ص 89 - 90 و ج 5 ص 72، وتفسير القرطبي: ج 3 ص 60.

11- في بعض النسخ: اللعبتين. .

12- الكامل في الضعفاء لابن عدي: ج 1 ص 216، والكشاف: ج 1 ص 262، والكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف: ص 8.

13- الكافي: ج 6 ص 435 ح 3.

14- البيت لأسماء بن خارجة الفزاري، وعجزه: ولا تنطقي في سورتي حين أغضب. راجع الكشاف: ج 1 ص 262، ولسان العرب: مادة (عفا)، وتفسير القرطبي: ج 3 ص 61.

15- قرأه أبو عمرو وابن كثير واليزيدي والحسن وقتادة والجحدري وابن أبي إسحاق. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 333، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 182، والتبيان: ج 2 ص 212، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 133، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 159.

16- النساء: 10.

17- في نسخة: محيضا.

18- قرأه عاصم برواية أبي بكر والمفضل وحمزة والكسائي والجحدري وخلف والفضل وشعبة. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 182، والتيسير في القراءات للداني: ص 80، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 134، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 168.

19- وهو قول مجاهد وطاووس وعكرمة. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 283، وتفسير الطبري: ج 2 ص 399، وتفسير القرطبي: ج 3 ص 88.

20- في بعض النسخ: فيهن.

21- قاله ابن عباس وعطاء. انظر تفسير الطبري: ج 3 ص 411، وتفسير الماوردي ج 1 ص 285، وتفسير القرطبي: ج 3 ص 96.

22- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 266، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 147، والسمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 206.

23- وصدره: دعوني أنح وجدا كنوح الحمائم. ولم نعثر على قائله فيما توفرت لدينا من مصادر، وقيل هو لأبي تمام. ومعناه واضح. ذكره الشيخ في التبيان: ج 2 ص 225، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 267، والقرطبي في تفسيره: ج 3 ص 98، وشرح شواهد الكشاف: ص 96.

24- وردت أحاديث عديدة تبتدأ بهذا اللفظ. انظر على سبيل المثال: صحيح البخاري: ج 8 ص 159 و 184، وسنن النسائي: ج 7 ص 12، وتاريخ بغداد للخطيب: ج 8 ص 460.

25- في نسخة: عقد.

26- المائدة: 89.

27- في بعض النسخ: العقد.

28- في نسخة: أي.

29- انظر التبيان: ج 2 ص 237 و 239 وقال: روي عن عائشة قالت: الأقراء: الأطهار.

30- قال البغوي في تفسيره: ج 1 ص 203: وهو قول زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة، وهو قول الفقهاء السبعة والزهري، وبه قال ربيعة ومالك والشافعي.

31- انظر الحاوي الكبير للماوردي: ج 10 ص 306، والمغني لابن قدامة: ج 8 ص 488.

32- الملك: 4.

33- قاله عروة وقتادة على ما حكاه عنهما الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 293، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 307.

34- وهو قول عطاء ومجاهد. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 294.

35- أوردها الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 294، والبيهقي في سننه: ج 7 ص 240.

36- قرأه حمزة وأبو جعفر ويعقوب والأعمش وأبو عبيد. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 183، والحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 248، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 35، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 198.

37- الأنبياء: 3.

38- في نسخة: المعروف.

39- في بعض النسخ: ظننت.

40- في نسخة: فيما.

41- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 279، والهمداني في الفريد في إعراب القرآن: ج 1 ص 470، فراجع.

42- قاله الربيع. راجع تفسير الطبري: ج 2 ص 506.

43- قرأه ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ومجاهد وأبان ويعقوب وابن محيصن واليزيدي وقتيبة. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 183، والحجة في علل القراءات لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 251، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 136، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 214.

44- أي بقصر الألف قرأه ابن كثير ومجاهد. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 183، والحجة لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 252، وتفسير البغوي: ج 1 ص 213، والتبيان: ج 2 ص 255، ، والتيسير في القراءات للداني: ص 81، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 137، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 218.

45- قاله مجاهد والسدي وعطاء. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 301، وتفسير الطبري: ج 2 ص 523.

46- قاله الأخفش في معاني القرآن: ج 1 ص 372، وحكاه القرطبي في تفسيره: ج 3 ص 174 ونسبه إلى أبي علي الفارسي، وقال الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 150: فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأول ويكون الخبر عن المضاف إليه، فهذا من ذلك.

47- قاله سعيد بن المسيب وأبو العالية. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 302.

48- قرأه حمزة والكسائي. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 184، والحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 253، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 137.

49- المصنف لابن أبي شيبة: ج 12 ص 369 و 372، و ج 14 ص 524، والمعجم الكبير للطبراني: ج 7 ص 296، وطبقات ابن سعد: ج 3 ص 364.

50- حكاها الطوسي في التبيان: ج 2 ص 275 عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام).

51- قاله ابن عباس وابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو أيوب وعائشة وأم سلمة وحفصة وأم حبيبة وإبراهيم النخعي وقتادة والحسن، وهو المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام). راجع التبيان: ج 2 ص 275، وسنن البيهقي: ج 1 ص 459، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 307، وتفسير البغوي: ج 1 ص 220، وقال ابن حجر في فتح الباري: ج 8 ص 169: كونها العصر هو المعتمد به، وبه قال ابن مسعود وأبي هريرة وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وقول أحمد، والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث به، قال الترمذي: هو قول أكثر علماء الصحابة، وقال الماوردي: هو قول جمهور التابعين، وقال ابن عبد البر: هو قول أكثر أهل الأثر، وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العربي وابن عطية.

52- أخرجه الطبري في تفسيره: ج 2 ص 572 ح 5420، والسيوطي في الدر المنثور: ج 1 ص 725 وعزاه إلى ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير والطبراني والبيهقي عن سمرة.

53- قاله ابن عباس وأبو موسى الأشعري وجابر بن عبد الله. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 309.

54- الاسراء: 78.

55- تفسير العياشي: ج 1 ص 128 ح 420، وعنه البرهان: ج 1 ص 231 ح 8 و 10.

56- قرأه ابن مسعود ونافع وابن كثير وعاصم برواية أبي بكر والكسائي وأبو جعفر ويعقوب وخلف وقتادة والأعرج ومجاهد وشعبة. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 184، والتيسير في القراءات للداني: ص 81، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 138، وإعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 274، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 245.

57- البقرة: 234.

58- انظر الناسخ والمنسوخ لقتادة: ص 39 - 40.

59- قاله الجبائي على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 281.

60- حكاه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 280، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 286، وابن كثير في تفسيره: ج 1 ص 281 - 282.

61- وهو قول الكلبي ومقاتل والضحاك. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 223، وأحكام القرآن للجصاص: ج 1 ص 450.

62- قاله ابن زيد. راجع تفسير الطبري: ج 2 ص 607، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 313.

63- قاله مجاهد. راجع تفسيره: ص 242، وعنه القرطبي في تفسيره: ج 3 ص 249.

64- حكاه عنه (عليه السلام) الشيخ في التبيان: ج 2 ص 292 رواية، والماوردي في تفسيره: ج 1 ص 315، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 229.

65- قاله ابن عباس على ما حكاه عنه أبو حيان في البحر المحيط: ج 2 ص 264، ونسبه المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 355 إلى مقاتل.

66- قرأه ابن عباس وابن كثير ونافع وأبو عمرو ومجاهد والأعرج وأبان. راجع الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 263، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 336، وإعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 279، والسبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 187، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 140، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 262.

67- حكاه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 295 عن الفراء والحسن وقتادة والربيع.

68- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 296.

69- قاله مجاهد والربيع. راجع تفسير الطبري: ج 2 ص 646.

70- في بعض النسخ: لأن.

71- تقدم في ص 83، فراجع.

72- رواه الصدوق في التوحيد: ص 327 ب 52 ح 1، والشيخ في التبيان: ج 2 ص 309.

73- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 325، والبغوي أيضا في تفسيره: ج 1 ص 240.

74- قاله أبو هريرة كما في تفسير البغوي: ج 1 ص 239، وحكاه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 309 وقال: وقد روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام).

75- أخرجه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 302 - 303 مرسلا، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 360.

76- يونس: 99.

77- حكاه الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 338.

78- وهو قول ابن مسعود على ما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 240.

79- قاله الحسن وقتادة والضحاك وعطاء. انظر التبيان: ج 2 ص 311، وتفسير الحسن البصري: ج 1 ص 187، وتفسير البغوي: ج 1 ص 240، وأحكام القرآن للجصاص: ج 1 ص 452. .

80- الواقعة: 82.

81- راجع تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 498.

82- تفسير العياشي: ج 1 ص 139 ح 464، وعنه البرهان: ج 1 ص 246، وتفسير الصافي: ج 1 ص 217، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 367.

83- قاله ابن زيد كما حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 3 ص 289.

84- رواه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 323، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 245.

85- رواه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 332، وانظر تفسير العياشي: ج 1 ص 140 - 141 ح 466.

86- حكاه الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 343 عن بعض النحويين ولم يختاره، ونسبه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 245 إلى أبي عمرو.

87- الهذ: الإسراع في القطع وفي القراءة. (الصحاح والقاموس المحيط: مادة هذذ).

88- رواه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 307.

89- قرأه ابن عباس وأبو حياة وابن كثير ونافع وأبو عمرو والحسن والنخعي وأبان. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 332، والكشاف: ج 1 ص 307، والسبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 189، ومعاني القرآن للأخفش: ج 1 ص 182، والبحر المحيط: ج 2 ص 293.

90- قرأه حمزة والكسائي وأبو رجاء وابن عباس وأبو عبد الرحمن. راجع الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 288، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 189، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 312، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 144، والبحر المحيط: ج 2 ص 296.

91- هو ميمون بن قيس، ولد في قرية منفوحة من اليمامة في قومه بني قيس بن ثعلبة، وهم بطن من بطون بكر بن وائل بن ربيعة، عرفوا بالفصاحة فنشأ على فصاحتهم، وكان أعشى العينين فلقب بالأعشى، وكني بأبي بصير تفاؤلا له بشفاء بصره أو لنفاذ بصيرته، سكن الحيرة وكان يتردد على النصارى فيها، له ديوان شعر، ولاميته معروفة التي مطلعها: ودع هريرة إن الركب مرتحل * وهل تطيق وداعا أيها الرجل (الكنى والألقاب: ج 2 ص 37).

92- وعجزه: وهل تطيق وداعا أيها الرجل. راجع ديوان الأعشى: ص 17، وخزانة الأدب: ج 6 ص 484 و ج 8 ص 393.

93- وهي قراءة ابن عباس وحمزة وأبي جعفر. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 334، وتفسير البغوي: ج 1 ص 248، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 300.

94- الخرائج والجرائح: ج 1 ص 397 ب 7 في معجزات الإمام الصادق (عليه السلام)، وعنه كشف الغمة: ج 2 ص 200، والبحار: ج 47 ص 111 ح 148.

95- قرأه شعبة وعاصم برواية أبي بكر. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 248، والتذكرة لابن غلبون: ج 2 ص 339، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 145، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 247، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 300.

96- قرأه أبو جعفر. انظر تفسير البغوي: ج 1 ص 248، وكتاب الاملاء للعكبري: ج 1 ص 65، والمحتسب لابن جني: ج 1 ص 137، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 300.

97- في نسخة: يريد.

98- فصلت: 30، والأحقاف: 13.

99- هز من عطفه: أي هيجه للعمل.

100- البقرة: 109.

101- راجع تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 195.

102- قاله ابن مسعود ومجاهد وابن زيد وسعيد بن جبير وابن مغفل. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 253، وتفسير القرطبي: ج 3 ص 321، والدر المنثور: ج 2 ص 62.

103- في نسخة زيادة: والمعادن.

104- في نسخة: بحشو.

105- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 315، وأخرجه السيوطي عن ابن جرير عنه كما في الدر المنثور: ج 2 ص 61.

106- هو طرفة بن العبد بن سفيان البكري الوائلي، أبو عمرو، شاعر جاهلي، ولد في بادية البحرين سنة 60 ه?، وتنقل في بقاع نجد، واتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه، ثم أرسله بكتاب إلى المكعبر عامله على البحرين وعمان يأمره فيه بقتله لأبيات بلغ الملك أن طرفة هجاه بها، فقتله المكعبر شابا في هجر سنة 86 ه?، من آثاره: ديوان شعر صغير. (الأعلام للزركلي: ج 3 ص 324 - 325، معجم الشعراء للمرزباني: ص 146، مناهل الأدب العربي: ص 58).

107- راجع ديوان طرفة بن العبد: ص 36، والكامل للمبرد: ج 1 ص 464، ولسان العرب: مادة (شدد).

108- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 351.

109- قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية ومجاهد. راجع تفسير ابن عباس: ص 39، وتفسير مجاهد: ص 245، وتفسير الطبري: ج 3 ص 89 - 90، وتفسير البغوي: ج 1 ص 256، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 344، وتفسير القرطبي: ج 3 ص 330.

110- قرأه يعقوب والأعمش والزهري. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 24، والمحتسب لابن جني: ج 1 ص 143، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 320.

111- قرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف والأعمش. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 191، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 341، وإعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 290، والتيسير في القراءات للداني: ص 84، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 316، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 324.

112- قرأه ابن كثير وأبو عمرو وعاصم برواية أبي بكر ويعقوب وابن محيصن واليزيدي وقتادة وابن أبي إسحاق والجحدري وشعبة. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 191، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 316 - 317، والتيسير في القراءات للداني: ص 84، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 147 - 148، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 325.

113- وهي قراءة الحسن والأعمش والجعفي. راجع الكشاف: ج 1 ص 316، والبحر المحيط: ج 2 ص 325.

114- قرأه ابن عباس وابن هرمز والمهدوي. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 24، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 325.

115- وهي قراءة ابن عباس. راجع كتاب الاملاء للعكبري: ج 1 ص 291، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 325.

116- في بعض النسخ: نهوا.

117- قاله السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 233، وذكره الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 318.

118- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 357.

119- امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، من بني آكل المرار، اشتهر بلقبه، واختلف في اسمه، فقيل: حندج، وقيل: مليكة، وقيل: عدي، أشهر شعراء العرب على الاطلاق، يماني الأصل، ومولده بنجد نحو 130 قبل الهجرة، وقيل في مخلاف السكاسك باليمن، وكان أبوه ملك أسد وغطفان، وأمه أخت المهلهل الشاعر، فلقنه الشعر فقاله وهو غلام، وأخذ يعاشر صعاليك العرب فبلغ ذلك أباه، فنهاه عن سيرته فلم ينته، ويعرف بالملك الضليل لاضطراب أمره طول حياته، وذي القروح لما أصابه في مرض موته، مات في أنقرة نحو سنة 80 قبل الهجرة عند عودته من أرض الروم. (تاريخ ابن عساكر: ج 3 ص 104، والأغاني: ج 9 ص 77، وجمهرة الأنساب: ص 39، والشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 31، وخزانة الأدب للبغدادي: ج 1 ص 160، و ج 3 ص 609 - 612).

120- وعجزه: إذا سافه العود النباطي جرجرا. وهو من قصيدة يصف فيها سفره إلى قيصر مستنجدا على بني أسد. راجع ديوان امرئ القيس: ص 95، وخزانة الأدب: ج 10 ص 258، ولسان العرب: مادة (سوف).

121- انظر أسباب النزول للواحدي: ص 80، والكشاف للزمخشري: ج 1 ص 319.

122- تفسير العياشي: ج 1 ص 151 ح 502، وعنه البرهان: ج 1 ص 257 ح 4، التبيان: ج 2 ص 357.

123- مسند أحمد: ج 2 ص 235 و 386، وسنن البيهقي: ج 10 ص 235، والترغيب والترهيب للمنذري: ج 2 ص 5 و ج 3 ص 307 و 558، وإتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 6 ص 256 و ج 8 ص 39، ومجمع الزوائد للهيثمي: ج 3 ص 105 و 110.

124- الآية: 274.

125- رواها البغوي في تفسيره: ج 1 ص 264 عن السدي، وراجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 351، وأسباب النزول للواحدي: ص 81.

126- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 322.

127- قرأه أبو بكر وحمزة والأعمش وشعبة وطلحة. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 343، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 192، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 318، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 338.

128- في بعض النسخ: الارباء.

129- انظر الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 522.

130- قرأه مجاهد كما في التبيان: ج 2 ص 369، ونسبه ابن خالويه في الشواذ: ص 24 إلى عطاء وأبي السراج.

131- النور: 37.

132- البقرة: 237.

133- قرأه أبو عمرو ويعقوب. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 193، والحجة في علل القراءات لابن علي الفارسي: ج 2 ص 309، والتيسير في القراءات للداني: ص 85، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 319، وكتاب الاملاء للعكبري: ج 1 ص 69، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 341.

134- حكاه عنه الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 183، والطبري في تفسيره: ج 3 ص 115.

135- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 325.

136- حكاه عنه السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 237، والزمخشري في كشافه: ج 1 ص 325، وابن كثير في تفسيره: ج 1 ص 316.

137- قاله السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 237.

138- حكاه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 372 عن عامر الشعبي، وقال: وهو اختيار الرماني والجبائي، وراجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 355، والكشاف: ج 1 ص 325.

139- الفرقان: 5.

140- في بعض النسخ: سفيها أو ضعيفا.

141- انظر المقنعة للشيخ المفيد: ص 727، والنهاية ونكتها: ج 2 ص 61، وكشف الرموز للآبي: ج 2 ص 525، ومختلف الشيعة للعلامة: ص 712 ط حجر.

142- قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن واليزيدي والحسن. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 194، والحجة في القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 310، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 149، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 349.

143- حكاها عنه ابن مجاهد في كتاب السبعة في القراءات: ص 194، والشيخ في التبيان: ج 2 ص 371.

144- المائدة: 95.

145- قاله مجاهد والشعبي وعطاء والأعمش وحمزة. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 357، والتبيان: ج 2 ص 371، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 194، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 320، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 349.

146- في بعض النسخ: الكتبة.

147- في نسخة بزيادة: بكم.

148- قاله البغوي في تفسيره: ج 1 ص 270، وابن كثير في تفسيره: ج 1 ص 318، وأبو حيان في بحره: ج 2 ص 354.

149- قرأه ابن عباس وابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن واليزيدي. راجع الحجة في القراءات لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 324، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 152، والسبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 194، والتيسير في القراءات للداني: ص 85، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 355.

150- هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن، كان إسلامه بمكة مع إسلام أبيه عمر ولم يكن بلغ يومئذ، وهاجر مع أبيه إلى المدينة، وقيل: إن إسلامه قبل إسلام أبيه، وقد أجمعوا على أنه لم يشهد بدرا، واختلفوا في شهوده أحد، قال ابن الأثير: والصحيح أن أول مشاهده الخندق وشهد غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وكان من أئمة المسلمين، قال الشعبي: كان ابن عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه، ولم يقاتل في شئ من الفتن، ولم يشهد مع علي شيئا من حروبه حين أشكلت عليه، ثم كان بعد ذلك يندم على ترك القتال معه، وروى أبو نعيم باسناده عن عبد الله بن حبيب عن أبيه قال: قال ابن عمر حين حضره الموت: ما أجد في نفسي من الدنيا إلا اني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي. (طبقات ابن سعد: ج 4 ص 142، وأسد الغابة لابن الأثير: ج 4 ص 227 - 231، وراجع معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 10 ص 268).

151- في بعض النسخ: نحيبه.

152- تفسير الطبري: ج 3 ص 144 ح 6455 و 6456، والآية: 286.

153- قرأه ابن عباس وابن مسعود وحمزة والكسائي وخلف والأعمش. راجع التبيان: ج 2 ص 383، والسبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 195، ومعاني القرآن للزجاج: ج 1 ص 368، والاملاء للعكبري: ج 1 ص 71، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 364.

154- في نسخة زيادة: به.

155- حكاه عنه الطبري في تفسيره: ج 3 ص 152، والزمخشري في كشافه: ج 1 ص 331.

156- في نسخة: منها.

157- قاله قطرب. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 364.

158- أورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 404 عنه، وحكاه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 274 عن عطاء.

159- أخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج 2 ص 138 عن إسحاق بن راهويه وأحمد والبيهقي في الشعب عن أبي ذر عنه (صلى الله عليه وآله)، ورواه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 333 مرفوعا.

160- قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في التبيان: ج 2 ص 388: روي عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وجميع المفسرين: أن هذه السورة مدنية، وقيل: إن من أولها إلى رأس نيف وستين آية نزلت في قصة وفد نجران لما جاءوا يحاجون النبي (صلى الله عليه وآله) في قول ابن إسحاق والربيع. وقال القرطبي في تفسيره: ج 4 ص 1: هذه السورة مدنية بإجماع، وحكى النقاش: أن اسمها في التوراة طيبة.

161- الآية: 48.

162- الآية: 4.

163- الآية: 49.

164- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 460، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 405.

165- مسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 348، مستدرك الحاكم: ج 1 ص 560.

166- قال ابن مجاهد في السبعة في القراءات: ص 200 ما لفظه: قرأ كلهم (ألم الله) الميم مفتوحة والألف ساقطة إلا عاصم برواية أبي بكر فإنه قرأ (ألم) ثم قطع فابتدأ (الله) ثم سكن فيها.