تابع لسورة البقرة 1
﴿وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (88)﴾ ﴿قلوبنا غلف﴾ جمع أغلف، أي: هي خلقت مغشاة بأغطية لا يصل إليها ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله) ولا تفقهه (1)، مستعار من الأغلف الذي لم يختن، كقولهم: ﴿قلوبنا في أكنة﴾ (2)، ثم رد الله عليهم بقوله: ﴿بل لعنهم الله بكفرهم﴾ أي: ليس ذلك كما زعموا: أن قلوبهم خلقت كذلك، لأنها خلقت على الفطرة، لكن الله لعنهم وخذلهم بسبب كفرهم وأبعدهم من رحمته ﴿فقليلا ما يؤمنون﴾ فإيمانا قليلا يؤمنون، و ﴿ما﴾ مزيدة، وهو إيمانهم ببعض الكتاب، ويجوز أن يكون القلة بمعنى العدم.
﴿ولما جاءهم كتب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (89)﴾
﴿كتب من عند الله﴾ هو القرآن ﴿مصدق لما معهم﴾ من الكتب المنزلة: التوراة والإنجيل وغيرهما، لا يخالفها، وجواب ﴿لما﴾ محذوف وهو نحو كذبوا به وما أشبهه (3)، وقيل: إن قوله: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ في موضع جواب ﴿لما﴾ الأول وكرر " لما " لطول الكلام (4)، وقيل: إن جواب الثاني أغنى عن جواب الأول (5) ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾ يستنصرون على المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث في آخر الزمان الذي نجد نعته في التوراة، وكانوا يقولون: قد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا فنقتلكم معه قتل عاد وإرم (6) ﴿فلما جاءهم ما عرفوا﴾ من الحق ﴿كفروا به﴾ بغيا وحسدا وحرصا على الرياسة ﴿فلعنة الله﴾ أي: غضبه وعذابه ﴿على الكافرين﴾ أي: عليهم وضع الظاهر موضع الضمير (7).
﴿بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين (90) وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين (91)﴾ " ما " نكرة منصوبة مفسرة لفاعل " بئس "، أي: بئس شيئا ﴿اشتروا به أنفسهم﴾ والمخصوص بالذم ﴿أن يكفروا﴾ واشتروا بمعنى باعوا ﴿بغيا﴾ أي: حسدا وطلبا لما ليس لهم، وهو مفعول له ﴿أن ينزل الله من فضله﴾ أي: على أن ينزل الله من فضله الذي هو الوحي والنبوة ﴿على من يشاء من عباده﴾ ويقتضي حكمته إرساله ﴿فباؤا بغضب على غضب﴾ فصاروا أحقاء لغضب متوال، لأنهم كفروا بنبي الحق وبغوا عليه، وقيل: بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) بعد عيسى (عليه السلام) (8)، وقوله: ﴿بما أنزل الله﴾ مطلق في كل كتاب أنزله الله، وقوله: ﴿بما أنزل علينا﴾ مقيد بالتوراة ﴿ويكفرون بما وراءه﴾ أي: قالوا ذلك والحال أنهم يكفرون بما وراء التوراة ﴿وهو الحق مصدقا لما معهم﴾ منها غير مخالف له، وفيه رد لمقالتهم، لأنهم إذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها ﴿قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين﴾ اعتراض (9) عليهم بقتلهم الأنبياء مع ادعائهم الإيمان بالتوراة، والتوراة لا ترخص في قتل الأنبياء.
﴿ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (92)﴾ يعني: ﴿جاءكم موسى﴾ بالمعجزات الدالة على صدقه ﴿ثم اتخذتم العجل﴾ إلها معبودا من بعد مجيئه، أو من بعد موسى لما مضى إلى ميقات ربه ﴿وأنتم ظالمون﴾ وأنتم واضعون العبادة في غير موضعها، فتكون الجملة حالا أو تكون اعتراضا بمعنى: وأنتم قوم عادتكم الظلم.
﴿وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمنكم إن كنتم مؤمنين (93)﴾ كرر سبحانه ذكر ﴿الطور﴾ ورفعه فوقهم، لما في الثانية من الزيادة غير المذكورة في الأولى مع ما فيه من التوكيد ﴿واسمعوا﴾ لما أمرتم به في التوراة ﴿قالوا سمعنا﴾ قولك ﴿وعصينا﴾ أمرك ﴿وأشربوا في قلوبهم العجل﴾ أي: تغلغل في بواطنهم وتداخلها حب العجل والحرص على عبادته كما يتداخل الثوب الصبغ، وقوله: ﴿في قلوبهم﴾ بيان لمكان الإشراب، كقوله: ﴿إنما يأكلون في بطونهم نارا﴾ (10)، ﴿بكفرهم﴾ أي: بسبب كفرهم ﴿قل بئسما يأمركم به إيمنكم﴾ بالتوراة، لأنه ليس في التوراة عبادة العجل، وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم، كما قال قوم شعيب: ﴿أصلاتك تأمرك﴾ (11)، وكذلك إضافة الإيمان إليهم، وقوله: ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ تشكيك في إيمانهم، وقدح في صحة دعواهم له.
﴿قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (94)﴾ ﴿خالصة﴾ نصب على الحال من ﴿الدار الآخرة﴾ والمراد الجنة، أي: خالصة لكم خاصة بكم ليس لأحد سواكم فيها حق كما تزعمون في قولكم: ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هودا﴾ (12)، و ﴿الناس﴾ للجنس، وقيل: للعهد وهم المسلمون (13) ﴿فتمنوا الموت﴾ لان من أيقن أنه من أهل الجنة اشتاق إليها وتمنى سرعة الوصول إلى نعيمها، كما روي: أن عليا (عليه السلام) كان يطوف بين الصفين بصفين في غلالة، فقال له ابنه الحسن (عليه السلام): ما هذا بزي المحاربين، فقال: يا بني لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت (14).
ويروى: أن حبيب بن مظاهر (15) ضحك يوم الطف، فقيل له في ذلك، فقال: وأي موضع أحق بالسرور من هذا الموضع ؟! والله ما هو إلا أن يقبل علينا هؤلاء القوم (16) بسيوفهم فنعانق الحور العين (17).
﴿ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (95)﴾ هذا من المعجزات لأنه إخبار بالغيب، وكان كما أخبر به، وفي الحديث: " لو تمنوا الموت لغص كل إنسان منهم بريقه فمات مكانه، وما بقي على وجه الأرض يهودي " (18)، ﴿بما قدمت أيديهم﴾ أي: بما أسلفوا من موجبات النار من تحريف كتاب الله والكفر بمحمد (صلى الله عليه وآله) وغير ذلك من أنواع الكفر، والتمني: قول الإنسان بلسانه: ليت لي كذا ﴿والله عليم بالظالمين﴾ تهديد لهم.
﴿ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون (96)﴾ هو من وجدت بمعنى علمت في قولهم: وجدت زيدا ذا الحفاظ، ومفعولاه " هم " و ﴿أحرص الناس﴾، ونكر ﴿حياة﴾ لأنه أراد على حياة مخصوصة متطاولة ﴿ومن الذين أشركوا﴾ محمول على المعنى، لأن معنى ﴿أحرص الناس﴾ أحرص من الناس، وجاز ذلك وإن دخل الذين أشركوا تحت الناس لأنهم أفردوا بالذكر من جهة أن حرصهم أشد، ويجوز أن يراد: وأحرص من الذين أشركوا، فحذف لدلالة ﴿أحرص الناس﴾ عليه، وفيه توبيخ شديد لأن حرص المشركين على الحياة غير مستبعد لأنها جنتهم ولم يؤمنوا بعاقبة، فإذا زادوا عليهم في الحرص وهم مقرون بالجزاء كانوا أحقاء بأعظم التوبيخ، وقيل: أراد بالذين أشركوا المجوس لأنهم كانوا يقولون لملوكهم: عش ألف نيروز (19)، وقيل: ﴿ومن الذين أشركوا﴾ كلام مبتدأ، أي: ومنهم ناس يود أحدهم، على حذف الموصوف، كقوله: ﴿وما منا إلا له مقام معلوم﴾ (20) (21)، والضمير في ﴿وما هو﴾ لأحدهم، و ﴿أن يعمر﴾ فاعل لـ " مزحزحه "، أي: وما أحدهم بمزحزحه من العذاب تعميره، وقيل: الضمير لما دل عليه يعمر من مصدره و ﴿أن يعمر﴾ بدل منه (22)، ويجوز أن يكون ﴿هو﴾ مبهما و ﴿أن يعمر﴾ مبينه، والزحزحة: التنحية والتبعيد، وقوله: ﴿لو يعمر﴾ في معنى التمني، وكان القياس: لو أعمر إلا أنه أجري على لفظ الغيبة لقوله: ﴿يود أحدهم﴾ كقولك: حلف بالله ليفعلن، فقوله: ﴿لو يعمر﴾ حكاية لودادتهم.
﴿قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (97) من كان عدوا لله وملئكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين (98)﴾ روي: أن عبد الله بن صوريا - وهو من أحبار فدك - سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمن يهبط عليه بالوحي، فقال: جبرئيل، فقال: ذاك عدونا ولو كان غيره لآمنا بك، فنزلت (23) جوابا لقوله وردا عليه ﴿قل﴾ يا محمد: ﴿من﴾ عادى جبرئيل من أهل الكتاب ﴿فإنه﴾ نزل القرآن، أضمر ما لم يسبق ذكره، وفيه فخامة لشأنه، إذ جعله لفرط شهرته كأنه يدل على نفسه ﴿على قلبك﴾ أي: حفظه إياك وفهمكه بإذن الله، أي: بتيسيره وتسهيله، والمعنى: أنه لا وجه لمعاداته حيث نزل كتابا ﴿مصدقا لما بين يديه﴾ من الكتب فيكون مصدقا لكتابهم، فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما يصحح الكتاب المنزل عليهم ﴿وهدى وبشرى﴾ أي: وهاديا ومبشرا ﴿للمؤمنين﴾ بالنعيم الدائم، وإنما أعاد ذكر جبرئيل وميكائيل بعد ذكر الملائكة لفضلهما، فأفردهما بالذكر كأنهما من جنس آخر، وهو مما ذكر: أن التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات.
الصادق (عليه السلام) كان يقرأ جبريل وميكال بغير همزة.
﴿فإن الله عدو للكافرين﴾ أراد عدو لهم، وضع الظاهر موضع الضمير ليدل على أنه سبحانه إنما عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة كفر.
﴿ولقد أنزلنا إليك آيات بينت وما يكفر بها إلا الفاسقون (99) أوكلما عهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون (100)﴾ ﴿آيات﴾ أي: معجزات ظاهرات واضحات ﴿وما يكفر بها إلا﴾ المتمردون من الكفرة، وعن الحسن: إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على أعظم ذلك النوع من كفر وغيره (24)، واللام في ﴿الفاسقون﴾ للجنس، والأولى أن يكون إشارة إلى أهل الكتاب ﴿أو كلما﴾ الواو للعطف على محذوف، معناه: ﴿أ﴾ كفروا بالآيات البينات ﴿وكلما عهدوا﴾ واليهود موصوفون بنقض العهد (25) قال سبحانه: ﴿الذين عهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة﴾ (26)، والنبذ: الرمي بالشئ ورفضه، وقال: ﴿فريق منهم﴾ لأن منهم من لم ينقض ﴿بل أكثرهم لا يؤمنون﴾ بالتوراة وليسوا من الدين في شئ، فلا يبالون بنقض الميثاق ولا يعدونه ذنبا.
﴿ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون (101)﴾ ﴿كتب الله﴾ يعني: التوراة، لأنهم بكفرهم برسول الله المصدق لها كافرون بها نابذون لها، أو يريد القرآن نبذوه بعد أن لزمهم أن يتلقوه بالقبول، كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله، يعني: أنهم يعلمون ذلك ولكنهم يكابرون ويعاندون، ونبذوه ﴿وراء ظهورهم﴾ مثل لتركهم وإعراضهم عنه.
﴿واتبعوا ما تتلوا الشيطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشيطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هروت ومروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتريه ماله في الآخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)﴾
المعنى: أن هذا الفريق المذكور من اليهود نبذوا كتاب الله ﴿واتبعوا ما تتلوا الشيطين﴾ أي: واتبعوا كتب السحر التي كانت تقرأها الشياطين على عهد ملك سليمان وفي زمانه، وكانوا يقولون: هذا علم سليمان، وبه يسخر الجن والإنس والريح ﴿وما كفر سليمان﴾ هذا تكذيب للشياطين ودفع لما بهتوه به من العمل بالسحر وسماه كفرا ﴿ولكن الشيطين﴾ هم الذين ﴿كفروا﴾ باستعمال السحر وتدوينه في كتب يقرؤونها ويعلمونها ﴿الناس﴾ يقصدون بذلك إغواءهم ﴿وما أنزل على الملكين﴾ (27)، قيل: هو عطف على ﴿ما تتلوا﴾ أي: واتبعوا ما أنزل على الملكين (28)، ﴿ببابل هروت ومروت﴾ (29) عطف بيان للملكين علمان لهما، والذي أنزل عليهما علم السحر ابتلاء من الله للناس، من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا، ومن تجنبه أو تعلمه لأن لا يعمل به ولكن ليتوقاه كان مؤمنا، كما ابتلي قوم طالوت بالنهر ﴿فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه منى﴾ (30) ﴿وما يعلمان من أحد﴾ أي: وما يعلم الملكان أحدا ﴿حتى﴾ ينبهاه و ﴿يقولا﴾ له ﴿إنما نحن فتنة﴾ أي: ابتلاء واختبار من الله ﴿فلا تكفر﴾ أي: فلا تتعلم معتقدا أنه حق فتكفر ﴿فيتعلمون﴾ الضمير لما دل عليه من أحد، أي: فيتعلم الناس من الملكين ﴿ما يفرقون به بين المرء وزوجه﴾ أي: علم السحر الذي يكون سببا في التفريق بين الزوجين من حيلة وتمويه كالنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك (31) والنشوز والخلاف ابتلاء منه ﴿وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله﴾ لأنه ربما يحدث الله عنده فعلا من أفعاله وربما لم يحدث ﴿ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم﴾ لأنهم يقصدون به الشر ﴿ولقد علموا﴾ أي: علم هؤلاء اليهود ﴿لمن اشتريه﴾ أي: استبدل ﴿ما تتلوا الشيطين﴾ على كتاب الله ﴿ماله في الآخرة من خلق﴾ أي: نصيب ﴿ولبئس ما شروا به أنفسهم﴾ أي: باعوها ﴿لو كانوا يعلمون﴾ أي: يعملون بعلمهم، جعلهم حين لم يعملوا كأنهم لم يعلموا.
﴿ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون (103)﴾ يريد ﴿ولو أنهم آمنوا﴾ برسول الله ﴿واتقوا﴾ الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين ﴿لمثوبة من عند الله خير﴾ أي: ﴿لو كانوا يعلمون﴾ أن ثواب الله خير مما هم فيه، وقد علموا ولكنه سبحانه جهلهم لتركهم العمل بالعلم.
وجواب ﴿لو﴾ قوله: ﴿لمثوبة من عند الله خير﴾، وإنما أوثرت الجملة الإسمية على الفعلية لما في ذلك من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها، والمعنى: لشئ من الثواب خير لهم، وقيل: إن جواب ﴿لو﴾ محذوف يدل الكلام عليه أي: لأثيبوا (32).
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم (104)﴾ كان المسلمون يقولون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا ألقى إليهم شيئا من العلم: ﴿راعنا﴾ يا رسول الله، أي: راقبنا وانتظرنا حتى نفهمه ونحفظه، وكانت لليهود كلمة يتسابون بها وهي " راعينا "، فلما سمعوا بقول المسلمين: ﴿راعنا﴾ افترصوه (33) وخاطبوا الرسول به وهم يعنون تلك اللفظة عندهم، فنهي المؤمنون عنها وأمروا بما هو في معناها وهو ﴿انظرنا﴾ من نظره: إذا انتظره ﴿واسمعوا﴾ وأحسنوا سماع ما يكلمكم به النبي (صلى الله عليه وآله) بآذان (34) واعية حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة (35) وطلب المراعاة، أو واسمعوا سماع قبول وطاعة ولا يكن مثل سماع اليهود حيث قالوا: ﴿سمعنا وعصينا﴾ (36)، ﴿وللكافرين﴾ أي: ولليهود الذين سبوا رسول الله ﴿عذاب﴾ مؤلم.
- 107 ﴿ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم (105)﴾ ﴿من﴾ الأولى للبيان، لأن ﴿الذين كفروا﴾ جنس تحته نوعان: ﴿أهل الكتاب﴾ والمشركون، والثانية مزيدة للاستغراق، والثالثة لابتداء الغاية.
والخير: الوحي، وكذلك الرحمة كقوله: ﴿أهم يقسمون رحمت ربك﴾ (37) والمعنى: أن اليهود والمشركين يرون أنفسهم أحق بالوحي فيحسدونكم، وما يحبون ﴿أن ينزل عليكم﴾ شئ من الوحي ﴿والله يختص﴾ بالنبوة ﴿من يشاء﴾ ولا يشاء إلا ما تقتضيه الحكمة ﴿والله ذو الفضل العظيم﴾ إيذان بأن إيتاء النبوة من الفضل العظيم، كقوله: ﴿إن فضله كان عليك كبيرا﴾ (38).
﴿ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير (106) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ومالكم من دون الله من ولى ولا نصير (107)﴾ نسخ الآية: إزالتها بإبدال أخرى مكانها، وإنساخها: الأمر بنسخها، ونسؤها: تأخيرها وإذهابها لا إلى بدل، وإنساؤها: أن يذهب بحفظها عن القلوب، والمعنى: أن كل ﴿آية﴾ نذهب بها على ما توجبه الحكمة وتقتضيه المصلحة من إزالة لفظها وحكمها معا، أو من إزالة أحدهما إلى بدل، أولا إلى بدل ﴿نأت بخير منها﴾ للعباد، أي: بآية العمل بها أحوز للثواب ﴿أو مثلها﴾ في ذلك الثواب ﴿ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير﴾ فهو يقدر على الخير وما هو خير منه وعلى مثله في ذلك و ﴿أن الله له ملك السماوات والأرض﴾ فهو يملك تدبيركم ويجريه على حسب مصالحكم، وهو أعلم بما يتعبدكم (39) به من ناسخ ومنسوخ ﴿ومالكم﴾ سوى ﴿الله من ولى﴾ يقوم بأموركم ﴿ولا نصير﴾ أي: ناصر ينصركم.
﴿أم تريدون أن تسلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالأيمن فقد ضل سواء السبيل (108)﴾ لما بين سبحانه أنه مدبر أمورهم أراد أن يوصيهم بالثقة به فيما هو أصلح لهم مما يتعبدهم به، وأن لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحته آباء اليهود على موسى من الأشياء التي كانت عقباها وبالا عليهم، كقولهم: ﴿أرنا الله جهرة﴾ (40) وغير ذلك ﴿ومن يتبدل الكفر بالأيمن﴾ بأن ترك الثقة بالآيات وشك فيها واقترح غيرها ﴿فقد ضل سواء السبيل﴾ أي: ذهب عن قصد الطريق واستقامته.
﴿ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمنكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شئ قدير (109)﴾
- 112 معناه: تمنى ﴿كثير من أهل الكتاب﴾ كحي بن أخطب وكعب بن الأشرف وأمثالهما ﴿لو يردونكم﴾ على معنى: أن يردوكم يا معشر المؤمنين، أي: يرجعوكم ﴿من بعد إيمنكم كفارا حسدا﴾ منهم لكم بما أعد الله لكم من الثواب والفضل، وانتصب ﴿حسدا﴾ بأنه مفعول له، وتعلق قوله: ﴿من عند أنفسهم﴾ ب? ﴿ود﴾ أي: ودوا ذلك وتمنوه من قبل أنفسهم وشهواتهم لا من قبل الميل مع الحق، لأنهم ودوا ذلك ﴿من بعد ما تبين لهم﴾ أنكم على ﴿الحق﴾ فكيف يكون تمنيهم من قبل الحق ؟! ويجوز أن يتعلق ب? ﴿حسدا﴾ أي: حسدا من أصل نفوسهم فيكون على طريق التوكيد ﴿فاعفوا واصفحوا﴾ أي: فاسلكوا معهم سبيل العفو والصفح عما يكون منهم من الجهل والعداوة ﴿حتى يأتي الله بأمره﴾ الذي هو قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير وإذلال من سواهم من اليهود بضرب الجزية عليهم ﴿إن الله على كل شئ قدير﴾ فهو يقدر على الانتقام منهم.
﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير (110)﴾ لما أمر سبحانه المسلمين بالصفح عنهم عقبه بالأمر بالصلاة والزكاة ليستعينوا بهما على ما شق عليهم من شدة عداوة اليهود لهم كما قال: ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة﴾ (41)، ﴿وما تقدموا... من خير﴾ من صلاة أو صدقة أو غيرهما من الطاعات تجدوا ثوابه ﴿عند الله إن الله بما تعملون بصير﴾ عالم لا يضيع عنده عمل عامل.
﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهنكم إن كنتم صادقين (111) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (112)﴾ الضمير في ﴿قالوا﴾ لأهل الكتاب، والمعنى: وقالت اليهود: ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هودا﴾ وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان ﴿نصارى﴾ فلف بين القولين، ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله، وأمنا من الالتباس لما علم من الخلاف بين الفريقين، ونحوه قوله: ﴿وقالوا كونوا هودا أو نصارى﴾ (42).
والهود جمع الهائد، ووحد اسم " كان " حملا على لفظ " من " في قوله: ﴿من كان هودا﴾ وجمع خبره حملا على معناه ﴿تلك أمانيهم﴾ إشارة إلى أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأمنيتهم أن يردوهم كفارا (43)، و (44) أمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم، أي: تلك الأماني الكاذبة أمانيهم ﴿قل هاتوا برهنكم﴾ أي: حجتكم ﴿إن كنتم صادقين﴾ في قولكم: ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى﴾، وفي هذا دليل على أن كل قول لا دليل عليه فهو باطل، وهات بمعنى أحضر ﴿بلى﴾ إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة ﴿من أسلم وجهه لله﴾ أي: من أخلص نفسه لله لا يشرك به غيره ﴿وهو محسن﴾ في عمله ﴿فله أجره﴾ الذي يستوجبه، ويجوز أن يكون ﴿من أسلم﴾ مبتدأ ويكون ﴿من﴾ متضمنا معنى الشرط وجوابه ﴿فله أجره﴾، ويجوز أن يكون فاعلا لفعل محذوف، أي: ﴿بلى﴾ يدخلها ﴿من أسلم﴾ ويكون ﴿فله أجره﴾ معطوفا على يدخلها ﴿من أسلم﴾.
﴿وقالت اليهود ليست النصرى على شئ وقالت النصرى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون (113)﴾
﴿على شئ﴾ مبالغة عظيمة، أي: ليسوا على شئ يصح ويعتد به، كقولهم: أقل من لا شئ ﴿وهم يتلون الكتاب﴾ الواو للحال والكتاب للجنس، أي: قالوا ذلك وحالهم أنهم من أهل العلم والتلاوة للكتب ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الذي سمعت به وعلى ذلك المنهاج ﴿قال﴾ الجهلة ﴿الذين﴾ لا علم عندهم ولا كتاب، كعبدة الأوثان والدهرية ونحوهم قالوا لأهل كل دين: ليسوا على شئ، وهذا توبيخ لهم حيث نظموا نفوسهم مع علمهم في سلك من لا يعلم ﴿فالله يحكم﴾ بين اليهود والنصارى ﴿يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون﴾ فيريهم من يدخل الجنة ومن يدخل النار عيانا.
﴿ومن أظلم ممن منع مسجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزى ولهم في الآخرة عذاب عظيم (114)﴾ ﴿أن يذكر﴾ في موضع النصب بأنه المفعول الثاني لـ ﴿منع﴾، تقول: منعته كذا، ومثله ﴿وما منع الناس أن يؤمنوا﴾ (45)، ويجوز أن يكون منصوبا بأنه مفعول له بمعنى: منعها كراهة أن يذكر، وهو حكم عام في جنس ﴿مسجد الله﴾ وأن مانعها من ذكر الله في غاية الظلم.
وروي عن الصادق (عليه السلام): " أن المراد بذلك قريش حين منعوا رسول الله دخول مكة والمسجد الحرام " (46)، وبه قال بعض المفسرين (47).
وقال بعضهم: إنهم الروم، غزوا بيت المقدس وسعوا في خرابه إلى أن أظهر الله المسلمين عليهم في أيام عمر (48) فصاروا لا يدخلونها ﴿إلا خائفين﴾ يتهيبون المؤمنين أن يبطشوا بهم.
وعلى القول الأول فقد روي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر أن ينادى: ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان (49)، فالمعنى: ﴿أولئك﴾ المانعون ﴿ما كان لهم﴾ في حكم الله ﴿أن﴾ يدخلوا مساجد الله ﴿إلا خائفين﴾، لأن الله تعالى قد حكم وكتب في اللوح أنه يعز الدين، وينصر عليهم المؤمنين ﴿لهم في الدنيا خزى﴾ أي: قتل وسبي أو ذلة بضرب الجزية عليهم، وقيل: بفتح مدائنهم قسطنطينية ورومية عند قيام المهدي (عليه السلام) (50) ﴿ولهم في الآخرة عذاب عظيم﴾ في نار جهنم.
﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله وا سع عليم (115)﴾ ﴿ولله﴾ بلاد ﴿المشرق والمغرب﴾ والأرض كلها هو مالكها ﴿فأينما تولوا﴾ أي: ففي أي مكان فعلتم التولية، يعني: تولية وجوهكم شطر القبلة، بدليل قوله: ﴿فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾ الآية (51)، ﴿فثم وجه الله﴾ أي: جهته التي أمر بها ورضيها، والمعنى: أنكم إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام فقد جعلت لكم الأرض مسجدا في أي بقعة شئتم من بقاعها، وافعلوا التولية فيها، فإن التولية لا تختص بمسجد دون مسجد ﴿إن الله وا سع﴾ الرحمة يريد التوسعة على عباده والتيسير عليهم ﴿عليم﴾ بمصالحهم، وقيل: إنها نزلت في صلاة التطوع على الراحلة للمسافر أينما توجهت (52)، وهو المروي عنهم (عليهم السلام) (53).
- 118 ﴿وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون (116) بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (117)﴾ ثم رد الله على اليهود والنصارى قولهم: ﴿اتخذ الله ولدا﴾ وهم الذين قالوا: " المسيح ابن الله " و " عزير ابن الله "، وعلى من قال: " الملائكة بنات الله "، ﴿سبحانه﴾ تنزيه له عن ذلك وتبعيد ﴿بل له ما في السماوات والأرض﴾ وهو خالقه ومالكه، ومن جملته الملائكة وعزير والمسيح ﴿كل له قانتون﴾ مطيعون منقادون لا يمتنع شئ منهم عن تقديره وتكوينه ومشيته، ومن كان بهذه الصفة لم يجانس له تعالى، ومن حق الولد أن يكون من جنس الوالد، والتنوين في ﴿كل﴾ عوض من المضاف إليه، أي: كل من في السماوات والأرض، وجاء بلفظة " ما " دون " من " كقوله (54): سبحان ما سخركن لنا.
ويقال: بدع الشئ فهو بديع، و ﴿بديع السماوات﴾ من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، أي: بديع سماواته وأرضه، وقيل: هو بمعنى المبدع (55).
وقوله: ﴿كن فيكون﴾ أي: أحدث فيحدث، وهو من " كان " التامة، وهذا تمثيل ولا قول هناك، والمعنى: أن ما قضاه من الأمور وأراد كونه يتكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف، كما أن المأمور المطيع إذا أمر لا يتوقف، (56) أكد بهذا استبعاد الولادة، لأن من كانت هذه صفته في كمال القدرة فحاله مباينة لحال الأجسام في توالدها.
﴿وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشبهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون (118)﴾ أي: ﴿وقال﴾ الجاهلون من المشركين، وقيل: من أهل الكتاب (57)، نفى عنهم العلم لأنهم لم يعملوا به ﴿لولا يكلمنا الله﴾ أي: هلا يكلمنا (58) كما يكلم الملائكة وكلم موسى، استكبارا منهم وعتوا ﴿أو تأتينا آية﴾ هذا جحود منهم لأن يكون ما آتاهم من آيات الله آيات ﴿كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم﴾ حيث اقترحوا الآيات على موسى (عليه السلام) ﴿تشبهت قلوبهم﴾ أي: قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى كقوله سبحانه: ﴿أتواصوا به﴾ (59)، ﴿قد بينا الآيات لقوم﴾ ينصفون فـ ﴿يوقنون﴾ أنها آيات يجب الاعتراف بها والاكتفاء بوجودها عن غيرها.
﴿إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسل عن أصحب الجحيم (119) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصرى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولى ولا نصير (120)﴾
- 123 ﴿إنا أرسلناك﴾ لأن تبشر وتنذر لا لتجبر على الإيمان، وهذه تسلية له (عليه السلام) لئلا يضيق صدره بإصرارهم على الكفر، ولا نسألك ﴿عن أصحب الجحيم﴾ مالهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت واجتهدت في الدعوة، وأما قراءة نافع: " ولا تسأل " (60) فهو على النهي، وقيل: إن معناه تفخيم الشأن (61) كما يقول القائل: لا تسأل عن حال فلان، أي: قد صار إلى أكثر مما تريده، أو أنت لا تستطيع استماع خبره، وكان اليهود قالوا: لن نرضى عنك وإن طلبت رضانا جهدك (62) حتى تتبع ملتنا، فحكى الله كلامهم، ولذلك قال: ﴿قل إن هدى الله هو الهدى﴾ جوابا لهم عن قولهم، يعني: أن هدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى الحق والذي يصح أن يسمى هدى ﴿ولئن اتبعت﴾ أقوالهم التي هي أهواء وبدع ﴿بعد الذي جاءك من العلم﴾ أي: من الدين المعلوم صحته بالدلائل والبراهين.
﴿الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون (121)﴾ يعني: ﴿الذين﴾ آمنوا من جملة أهل الكتاب ﴿يتلونه حق تلاوته﴾ لا يحرفونه ولا يغيرون ما فيه من نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
الصادق (عليه السلام) قال: " إن حق تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنة والنار، يسأل في الأولى ويستعيذ في الأخرى " (63).
﴿أولئك يؤمنون﴾ بكتابهم دون المحرفين ﴿ومن يكفر به﴾ من المحرفين ﴿فأولئك هم الخاسرون﴾ حيث اشتروا الضلالة بالهدى.
﴿يبنى إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العلمين (122) واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفعة ولا هم ينصرون (123)﴾ قد تقدم مثل الآيتين (64)، ولما بعد ما بين الكلامين حسن الإعادة والتكرير إبلاغا في التنبيه والاحتجاج، وتأكيدا للتذكير.
﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (124)﴾ العامل في " إذ " مضمر نحو " أذكر "، ﴿وإذ ابتلى إبراهيم﴾ أي: اختبر إبراهيم ﴿ربه بكلمات﴾ بأوامر ونواه، واختبار الله عبده مجاز عن تمكينه من اختيار أحد الأمرين: ما يريده الله وما يشتهيه العبد، كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك ﴿فأتمهن﴾ أي: فقام بهن حق القيام وأداهن حق التأدية من غير تفريط وتقصير، أو يكون تقديره: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات كان كيت وكيت، ويجوز أن يكون العامل في " إذ " قوله: ﴿قال إني جاعلك﴾، ويكون على القول الأول قد استؤنف الكلام، كأنه قيل: فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات؟فقيل: ﴿قال إني جاعلك للناس إماما﴾، وعلى الثاني هي جملة معطوفة على ما قبلها، أو يكون بيانا وتفسيرا لقوله: ﴿ابتلى﴾.
ويراد بالكلمات ما ذكره من الإمامة.
وقيل في " الكلمات ": هي خمس في الرأس: الفرق وقص الشارب والسواك والمضمضة والاستنشاق، وخمس في البدن: الختان والاستحداد (65) والاستنجاء وتقليم الأظفار ونتف الإبط (66).
وقيل: هي ثلاثون خصلة من شرائع الإسلام: عشر في " البراءة ": ﴿التائبون العابدون﴾ (67) وعشر في " الأحزاب ": ﴿إن المسلمين والمسلمات﴾ (68) وعشر في " المؤمنون " (69) و " سأل سائل " إلى قوله: " والذين هم على صلاتهم يحافظون " (70) (71).
وقيل: هي مناسك الحج (72)، وقيل: هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهي أسماء محمد وأهل بيته عليه وعليهم السلام، عن الصادق (عليه السلام) (73).
والإمام اسم من يؤتم به، جعله سبحانه إماما يأتمون به في دينهم ويقوم بتدبيرهم وسياسة أمورهم، وقوله: ﴿ومن ذريتي﴾ عطف على الكاف، كأنه قال: وجاعل بعض ذريتي؟كما يقال لك: سأكرمك، فتقول: وزيدا؟﴿قال لا ينال عهدي الظالمين﴾ أي: من كان ظالما من ذريتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة، وإنما ينال من لا يفعل ظلما، وهذا يدل على وجوب العصمة للإمام، لأن من ليس بمعصوم فقد يكون ظالما إما لنفسه وإما لغيره.
﴿وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود (125)﴾ ﴿البيت﴾ اسم غالب للكعبة كالنجم للثريا ﴿مثابة للناس﴾ مرجعا يثاب إليه كل عام ﴿وأمنا﴾ موضع أمن كقوله: ﴿حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم﴾ (74)، ولأن الجاني يأوي إليه فلا يتعرض له حتى يخرج ﴿واتخذوا﴾ على إرادة القول، أي: وقلنا لهم: اتخذوا منه موضع صلاة تصلون فيه، و ﴿مقام إبراهيم﴾ الموضع الذي كان فيه الحجر حين وضع إبراهيم (عليه السلام) عليه قدميه، أمرنا بالصلاة عنده بعد الطواف، وقرئ: " واتخذوا " بلفظ الماضي (75) عطفا على ﴿جعلنا﴾ أي: واتخذ الناس ﴿من مقام إبراهيم﴾ موضع صلاة.
ومن قرأ: ﴿واتخذوا﴾ على الأمر وقف على قوله: ﴿وأمنا﴾، ومن قرأ: " واتخذوا " على الخبر لم يقف، لأن قوله: " واتخذوا " عطف على ﴿جعلنا﴾ (76).
﴿وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل﴾ أمرناهما ب? ﴿أن طهرا بيتي﴾ أو أي طهرا بيتي، فتكون ﴿أن﴾ المفسرة التي تكون عبارة عن القول، أي طهراه من الأوثان والخبائث كلها، وأضاف " البيت " إلى نفسه تفضيلا له على سائر البقاع ﴿للطائفين﴾ أي: للدائرين حوله ﴿والعاكفين﴾ أي: المجاورين له والمقيمين بحضرته ﴿والركع السجود﴾ أي: المصلين عنده، لأن الركوع والسجود من هيئات المصلي.
﴿وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير (126)﴾
أي: ﴿اجعل هذا﴾ البلد وهو مكة ﴿بلدا آمنا﴾ ذا أمن، كقوله: ﴿في عيشة راضية﴾ (77) أي: ذات رضى، وبلد أهل أي: ذو أهل، أو آمنا يؤمن فيه كقولهم: ليل نائم، أي: ينام فيه ﴿وارزق أهله﴾ يعني: وارزق المؤمنين منهم خاصة، لأن قوله: ﴿من آمن منهم﴾ بدل من ﴿أهله﴾، ﴿ومن كفر﴾ عطف على ﴿من آمن﴾ كما أن قوله: ﴿ومن ذريتي﴾ عطف على الكاف في ﴿جاعلك﴾.
وإنما خص إبراهيم (عليه السلام) المؤمنين بالدعاء حتى قال سبحانه: ﴿ومن كفر﴾، لأن الله كان أعلمه أنه يكون في ذريته ظالمون بقوله: ﴿لا ينال عهدي الظالمين﴾ فعرفه سبحانه الفرق بين الرزق والإمامة، لأن الاستخلاف استرعاء يختص بمن لا يقع منه الظلم بخلاف الرزق فإنه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجة.
والمعنى: ﴿قال﴾ وأرزق من كفر ﴿فأمتعه﴾، ويجوز أن يكون ﴿ومن كفر﴾ مبتدأ متضمنا معنى الشرط و ﴿فأمتعه﴾ جوابا للشرط، أي: ومن كفر فأنا أمتعه، وقرئ: " فأمتعه " (78)، ﴿ثم أضطره﴾ أي: أدفعه ﴿إلى عذاب النار﴾ دفع المضطر الذي لا يملك الامتناع مما اضطر إليه.
﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (127) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم (128)﴾ ﴿يرفع﴾ حكاية حال ماضية، و ﴿القواعد﴾: جمع القاعدة وهي الأساس لما فوقه، وهي صفة غالبة ومعناها الثابتة، ورفع القواعد: البناء عليها لأنها إذا بني عليها ارتفعت، ويجوز أن يكون المراد بها سافات (79) البناء لأن كل ساف قاعدة لما يبنى عليه ويوضع فوقه، وروي: أن إبراهيم (عليه السلام) كان يبني وإسماعيل يناوله الحجارة (80) ﴿ربنا﴾ أي يقولان: ربنا، وهذا الفعل في محل النصب على الحال ﴿تقبل منا﴾ فيه دلالة على أنهما بنيا الكعبة مسجدا لا مسكنا، لأنهما التمسا القبول الذي معناه الإثابة، والثواب إنما يطلب على الطاعات ﴿إنك أنت السميع﴾ لدعائنا ﴿العليم﴾ بنياتنا، وإنما لم يقل: قواعد البيت بل أبهمت ﴿القواعد﴾ ثم بينت بعد الإبهام لما في الإيضاح بعد الإبهام من تفخيم شأن المبين ﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك﴾ أي: مخلصين لك أوجهنا من قوله: ﴿أسلم وجهه لله﴾ (81) أو مستسلمين لك خاضعين منقادين، ومعناه: زدنا إخلاصا أو خضوعا وإذعانا لك ﴿ومن ذريتنا﴾ أي: واجعل من ذريتنا ﴿أمة مسلمة لك﴾، و ﴿من﴾ للتبعيض أو للتبيين كقوله: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم﴾ (82)، وروي عن الصادق (عليه السلام): أنه
- 130 أراد بالأمة بني هاشم خاصة (83)، ﴿وأرنا مناسكنا﴾ أي: وعرفنا وبصرنا متعبداتنا في الحج لنقضي عباداتنا على حد ما توقفنا عليه، وقد قرئ بسكون الراء (84) من ﴿أرنا﴾ قياسا على (85) فخذ في " فخذ "، وهي قراءة مسترذلة، إلا أن يقرأ بإشمام الكسرة (86) ﴿وتب علينا﴾ قالا هذه الكلمة انقطاعا إلى الله ليقتدى بهما، أو استتابا لذريتهما ﴿إنك أنت﴾ القابل للتوبة ﴿الرحيم﴾ بعبادك.
﴿ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم (129)﴾ ﴿وابعث﴾ في الأمة المسلمة ﴿رسولا منهم﴾ من أنفسهم وهو نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، قال (عليه السلام): " أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي " (87).
﴿يتلوا عليهم آياتك﴾ يقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى إليه ﴿ويعلمهم الكتاب﴾ وهو القرآن ﴿والحكمة﴾ وهي الشريعة وبيان الأحكام ﴿ويزكيهم﴾ ويطهرهم من الشرك والأدناس ﴿إنك أنت العزيز﴾ القوي في كمال قدرتك ﴿الحكيم﴾ المحكم لبدائع صنعك.
﴿ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصلحين (130)﴾ ﴿ومن يرغب عن ملة إبراهيم﴾ التي هي الحق والحقيقة، وهو إنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عنه، و ﴿من سفه﴾ في محل الرفع على البدل من الضمير المستكن في ﴿يرغب﴾، ومعنى ﴿سفه نفسه﴾ امتهنها واستخف بها، وأصل السفه: الخفة، وقيل: إن ﴿نفسه﴾ منصوبة على التمييز (88) نحو غبن رأيه، وقيل: معناه سفه في نفسه، فحذف الجار (89) كقولهم: زيد ظني مقيم، أي: في ظني، والأول أوجه ﴿ولقد اصطفيناه﴾ بيان لخطأ رأي من رغب عن ملته، أي: اجتبيناه بالرسالة ﴿وإنه في الآخرة لمن الصلحين﴾ الفائزين، ومن جمع الكرامة عند الله في الدارين لم يكن أحد أولى بأن يرغب في طريقته منه.
﴿إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العلمين (131) ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يبنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (132)﴾
﴿إذ قال﴾ ظرف لـ ﴿اصطفيناه﴾ أي: اخترناه في ذلك الوقت، ومعنى ﴿قال له ربه أسلم﴾: أخطر بباله النظر في الدلائل المفضية به إلى التوحيد والإسلام ﴿قال أسلمت﴾ أي: فنظر وعرف، وقيل: إن معنى ﴿أسلم﴾ أذعن وأطع (90).
وقرئ: " وأوصى " بالألف (91) والضمير في ﴿بها﴾ لقوله: ﴿أسلمت لرب العلمين﴾ على تأويل الكلمة والجملة، ومثله الضمير في قوله: ﴿وجعلها كلمة باقية﴾ (92) فإنه يرجع إلى قوله: ﴿إنني برآء مما تعبدون إلا الذي فطرني﴾ (93) ﴿ويعقوب﴾ عطف على ﴿إبراهيم﴾ داخل في حكمه، يعني: ﴿ووصى بها﴾ يعقوب بنيه أيضا ﴿اصطفى لكم الدين﴾ معناه: أعطاكم الدين الذي هو صفوة الأديان وهو دين الإسلام، ووفقكم للأخذ به ﴿فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ أي: فلا يكن موتكم إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام، فالنهي على الحقيقة عن كونهم مخالفي الإسلام إذا ماتوا، والنكتة في إدخال حرف النهي على الموت أن فيه إظهارا لكون الموت على خلاف الإسلام موتا لا خير فيه.
﴿أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها وا حدا ونحن له مسلمون (133)﴾ ﴿أم﴾ هي المنقطعة، أي: بل أ ﴿كنتم شهداء﴾، ومعنى الهمزة فيها الإنكار، أي: ما كنتم حاضرين يعقوب، والشهيد: الحاضر ﴿إذ حضر يعقوب الموت﴾ أي: حين احتضر، والخطاب للمؤمنين، يعني: ما شهدتم ذلك وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي، وقيل: الخطاب لليهود (94) لأنهم كانوا يقولون ما مات نبي إلا على اليهودية، فتكون ﴿أم﴾ على هذا متصلة على أن يقدر قبلها محذوف، كأنه قيل: أتدعون على الأنبياء اليهودية أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت (95)، يعني: أن أوائلكم كانوا شاهدين له إذ أراد بنيه على ملة الإسلام وقد علمتم ذلك، فما لكم تدعون على الأنبياء ما هم منه براء؟﴿ما تعبدون من بعدى﴾ أي: أي شئ تعبدون من بعدي؟أي: من بعد وفاتي، فحذف المضاف، و ﴿إبراهيم وإسماعيل وإسحق﴾ عطف بيان لـ ﴿آبائك﴾، وجعل إسماعيل وهو عمه من جملة آبائه لأن العم أب والخالة أم لانخراطهما في سلك واحد وهو الأخوة لا تفاوت بينهما ﴿إلها وا حدا﴾ بدل من ﴿إله آبائك﴾، ﴿ونحن له مسلمون﴾ حال من فاعل ﴿نعبد﴾ أو من مفعوله لرجوع الضمير إليه في ﴿له﴾، ويجوز أن يكون جملة معطوفة على ﴿نعبد﴾ أو جملة اعتراضية، أي: ومن حالنا أنا له مسلمون (96).
﴿تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون (134)﴾ ﴿تلك﴾ إشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون، والمعنى أن أحدا لا ينفعه كسب غيره متقدما كان أو متأخرا، وذلك أنهم افتخروا بأوائلهم ﴿ولا تسئلون عما كانوا يعملون﴾ لا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تنفعكم حسناتهم.
﴿وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (135)﴾
- 138 الضمير في ﴿قالوا﴾ يرجع إلى اليهود والنصارى، أي: قالت اليهود: ﴿كونوا هودا﴾ وقالت النصارى: كونوا ﴿نصارى تهتدوا﴾ تصيبوا طريق الهدى والحق ﴿قل بل ملة إبراهيم﴾ بل نكون أهل ملة إبراهيم كقول عدي بن حاتم (97): إني من دين، أي: من أهل دين (98)، وقيل: بل نتبع ملة إبراهيم (99) و ﴿حنيفا﴾ حال من المضاف إليه كقولك رأيت وجه هند قائمة، والحنيف المائل عن كل دين إلى دين الحق ﴿وما كان من المشركين﴾ تعريض بأهل الكتاب وغيرهم، لأن كلا منهم يدعي اتباع ملة إبراهيم وهو على الشرك.
﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (136)﴾ ﴿قولوا﴾ خطاب للمسلمين، أمرهم الله سبحانه بإظهار ما تدينوا به على الشرح، فبدأ بالإيمان ﴿بالله﴾ لأنه أول الواجبات، وثنى بالإيمان بالقرآن والكتب المنزلة على الأنبياء المذكورين ﴿والأسباط﴾ حفدة يعقوب وذراري أبنائه الاثني عشر، جمع السبط: وهو الحافد، وكان الحسن والحسين (عليهما السلام) سبطي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿لا نفرق بين أحد منهم﴾ لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى، و ﴿أحد﴾ في معنى الجماعة ولذلك صح دخول ﴿بين﴾ عليه.
﴿فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (137) صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عبدون (138)﴾ ﴿فإن آمنوا﴾ أي: إن آمن هؤلاء الكفار ﴿بمثل ما آمنتم به﴾ أي: مثل إيمانكم بالله وكتبه ورسله، والباء مزيدة، و ﴿ما﴾ مصدرية ﴿فقد اهتدوا﴾ أي: فقد سلكوا طريق الهداية ﴿وإن تولوا﴾ عما تقولون لهم ولم ينصفوا، أو تولوا عن الدخول في مثل إيمانكم ﴿فإنما هم في شقاق﴾ أي: مناواة ومعاندة لا غير، وليسوا من طلب الحق في شئ ﴿فسيكفيكهم الله﴾ هذا ضمان من الله لإظهار نبيه (صلى الله عليه وآله) عليهم وكفايته من يشاقه من اليهود والنصارى، وفيه دلالة على صحة نبوته، لأنه سبحانه قد أنجز وعده فوافق المخبر الخبر، ومعنى السين: أن ذلك كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين ﴿وهو السميع العليم﴾ وعيد لهم، أو وعد لرسول الله، أي: يسمع ما ينطقون به ويعلم ما يضمرون فيعاقبهم على ذلك، أو يسمع ما تدعو به ويعلم نيتك وإرادتك من إظهار الدين وهو مستجيب لك ﴿صبغة الله﴾ مصدر مؤكد ينتصب عن قوله: ﴿آمنا بالله﴾ كما انتصب ﴿وعد الله﴾ (100) عما تقدمه، وهي فعلة من " صبغ " كالجلسة من " جلس "، وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ، والمعنى: تطهير الله، لأن الإيمان يطهر النفوس، والأصل فيه: أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية (101) ويقولون: هو تطهير لهم، فأمر المسلمون أن يقولوا: آمنا وصبغنا الله بالإيمان ﴿صبغة﴾ لا مثل صبغتكم، وطهرنا به تطهيرا لا مثل تطهيركم، ولا صبغة أحسن من صبغة الله ﴿ونحن له عبدون﴾ عطف على ﴿آمنا بالله﴾.
﴿قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (139)﴾
أمر نبيه أن يقول لليهود وغيرهم: ﴿أتحاجوننا في الله﴾ أي: أتجادلوننا في أمر الله واصطفائه النبي من العرب دونكم ﴿وهو ربنا وربكم﴾ نشترك جميعا في أنا عبيده وهو ربنا وربكم، وهو يصيب بكرامته من يشاء من عباده إذا كان أهلا للكرامة ﴿ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم﴾ يعني: أن العمل هو أساس الأمر، وكما أن لكم أعمالا يعتبرها الله في إعطاء الكرامة ومنعها فإن لنا أعمالا معتبرة في ذلك ﴿ونحن له مخلصون﴾ موحدون نخلصه بالإيمان والإيقان فلا تستبعدوا أن نؤهل للكرامة (102) بالنبوة، وهذا رد لقولهم: نحن أحق بالنبوة لأنا أهل الكتاب والعرب عبدة الأوثان.
﴿أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهدة عنده من الله وما الله بغفل عما تعملون (140) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون (141)﴾ من قرأ: ﴿أم تقولون﴾ بالتاء فإن ﴿أم﴾ يمكن أن تكون متصلة معادلة للهمزة في ﴿أتحاجوننا﴾ بمعنى: أي الأمرين تأتون: المحاجة في حكم (103) الله أم ادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء؟والمراد بالاستفهام الإنكار، ويمكن أن تكون منقطعة بمعنى: بل أتقولون، والهمزة للإنكار، ومن قرأ بالياء (104) فلا تكون " أم " إلا منقطعة.
﴿قل أأنتم أعلم أم الله﴾ يعني: أن الله شهد لهم بملة الإسلام في قوله: ﴿ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا﴾ الآية (105)، ﴿ومن أظلم ممن كتم شهدة عنده من الله﴾ أي: كتم شهادة الله التي عنده أنه شهد بها وهي شهادته لإبراهيم بالحنيفية، ويحتمل معنيين: أحدهما: أنه لا أحد أظلم من أهل الكتاب لكتمانهم هذه الشهادة مع علمهم بها، والآخر: لا أحد أظلم منا لو كتمنا هذه الشهادة فنحن لا نكتمها، و " من " في قوله: ﴿من الله﴾ مثلها في قولك: هذه شهادة مني لفلان إذا شهدت له، ومثله ﴿براءة من الله﴾ (106).
﴿سيقول السفهاء من الناس ما وليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صرا ط مستقيم (142)﴾ ﴿سيقول﴾ أي: سوف يقول الجهال الخفاف الأحلام وهم اليهود، لكراهتهم التوجه إلى الكعبة ﴿ما وليهم عن قبلتهم﴾ ما صرفهم عن بيت المقدس الذي كان قبلتهم يتوجهون إليها في صلاتهم، وقيل: هم المنافقون قالوا ذلك لحرصهم على الاستهزاء بالإسلام (107)، وقيل: هم المشركون قالوا: رغب عن قبلة (108) آبائه ثم رجع إليها، وليرجعن إلى دينهم (109) ﴿قل لله المشرق والمغرب﴾ أي: بلاد المشرق والمغرب ﴿يهدى من يشاء﴾ من أهلها ﴿إلى صرا ط مستقيم﴾ وهو ما توجبه الحكمة والصلاح من توجيههم تارة إلى بيت المقدس وأخرى إلى الكعبة.
﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمنكم إن الله بالناس لرءوف رحيم (143)﴾ ﴿وكذلك﴾ أي: ومثل ذلك الجعل العجيب والإنعام بالهداية ﴿جعلناكم أمة وسطا﴾ أي: خيارا، وهو وصف بالاسم الذي هو وسط الشئ، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وإنما قيل للخيار: وسط، لأن الأطراف يتسارع إليها الفساد والأوساط محفوظة (110) مكنوفة، أو عدولا لأن الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض ﴿لتكونوا شهداء على الناس﴾ روي: أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالب الله الأنبياء بالبينة على أنهم قد بلغوا وهو أعلم، فيؤتى بأمة محمد (صلى الله عليه وآله) فيشهدون لهم، وهو صلوات الله عليه وآله يزكيهم (111).
ويروى عن علي (عليه السلام) أنه قال: " إن الله إيانا عنى، فرسول الله شاهد علينا، ونحن شهداء الله على خلقه وحجته في أرضه " (112).
وقيل: لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا، أي: حجة عليهم فتبينوا لهم الحق والدين (113)، ﴿ويكون الرسول﴾ مؤديا للشرع وأحكام الدين إليكم، والشاهد مبين، ويقال للشاهد: بينة، ولما كان الشهيد كالرقيب جئ ب? " على " التي هي كلمة الاستعلاء، كما في قوله تعالى: ﴿كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد﴾ (114)، ﴿التي كنت عليها﴾ ليست بصفة للقبلة، وإنما هي المفعول الثاني لـ " جعل "، يريد: ﴿وما جعلنا القبلة﴾ الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة، لأنه (عليه السلام) كان يصلي بمكة إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود، ثم حول إلى الكعبة، فيقول: وما جعلنا قبلتك الجهة التي كنت تستقبلها بمكة أولا ثم رددناك إليها ثانيا ﴿إلا﴾ امتحانا للناس وابتلاء ﴿لنعلم﴾ الثابت على الإسلام ﴿ممن﴾ هو على حرف (115) منه فينكص ﴿على عقبيه﴾ ويرتد، وقيل: يريد بالتي كنت عليها بيت المقدس، أي: جعلناها جهتك التي كنت تستقبلها لنمتحن الناس، وننظر من يتبعك منهم ومن لا يتبعك (116)، وعن ابن عباس قال: كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه (117)، وقوله: ﴿لنعلم﴾ معناه: لنعلمه علما يتعلق به الجزاء، وهو أن يعلمه موجودا حاصلا ﴿وإن كانت﴾ هي " إن " المخففة التي تلزمها اللام الفارقة ﴿لكبيرة﴾ لثقيلة شاقة ﴿إلا على الذين هدى الله﴾ إلا على الذين صدقوا في اتباع الرسول، الذين لطف الله بهم وكانوا أهلا للطفه ﴿وما كان الله ليضيع إيمنكم﴾ أي: ثباتكم على الإيمان، بل شكر صنيعكم وأعد لكم الثواب الجزيل، وقيل: معناه: من كان صلى إلى بيت المقدس قبل التحويل فصلاته غير ضائعة (118)، ﴿إن الله بالناس لرءوف رحيم﴾ لا يضيع أجورهم ولا يترك مصالحهم.
﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغفل عما يعملون (144)﴾
﴿قد نرى﴾ ربما نرى، ومعناه كثرة الرؤية كقول الشاعر: قد أترك القرن مصفرا أنامله (119) ﴿تقلب وجهك﴾ تردد وجهك ﴿في﴾ جهة ﴿السماء﴾ وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينتظر الوحي من السماء في تحويله إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم، ومفخرة العرب ومطافهم، فيكون أدعى لهم إلى الإيمان، ولمخالفة اليهود (120) ﴿فلنولينك قبلة ترضيها﴾ فلنعطينك ولنمكننك من استقبالها، من قولهم: وليته كذا، أي: جعلته واليا عليه، أو فلنجعلنك تلي سمتها دون سمت بيت المقدس ﴿فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾ أي: نحوه، قيل: كان ذلك في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحول في الصلاة وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، فسمي المسجد مسجد القبلتين (121)، و ﴿شطر﴾ نصب على الظرف، أي: اجعل تولية الوجه تلقاء ﴿المسجد﴾ أي: في جهته وسمته ﴿وحيث ما كنتم﴾ أينما كنتم من الأرض ﴿فولوا وجوهكم شطره﴾ وهو خطاب لجميع أهل الآفاق ﴿وإن الذين أوتوا الكتاب﴾ يعني: علماء اليهود والنصارى ﴿ليعلمون﴾ أن التحويل إلى الكعبة هو ﴿الحق﴾ لأنه كان في بشارة أنبيائهم برسول الله أنه يصلي إلى القبلتين.
﴿ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين (145)﴾ اللام في ﴿لئن أتيت﴾ هو الموطئة للقسم، و ﴿ما تبعوا قبلتك﴾ جواب للقسم المحذوف وقد سد مسد جواب الشرط، يعني: إن أتيتهم ﴿بكل آية﴾ بكل برهان قاطع على أن التوجه إلى الكعبة هو الحق ﴿ما تبعوا قبلتك﴾ لأن تركهم اتباعك ليس عن شبهة تزيلها الحجة، إنما هو عن عناد ومكابرة، لعلمهم بما في كتبهم من نعتك وكونك على الحق ﴿وما أنت بتابع قبلتهم﴾ حسم لأطماعهم، إذ قالوا: لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره، وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم ﴿وما بعضهم بتابع قبلة بعض﴾ يعني: أنهم مع اتفاقهم على مخالفتك مختلفون في شأن القبلة لا يرجى اتفاقهم، وذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس، والنصارى مطلع الشمس، وقوله: ﴿ولئن اتبعت أهواءهم﴾ بعد بيان حاله المعلومة عنده في قوله: ﴿وما أنت بتابع قبلتهم﴾ كلام وارد على سبيل الفرض والتقدير، بمعنى: ولئن اتبعتهم مثلا من بعد وضوح الأمر ﴿إنك إذا لمن الظالمين﴾ لمن المرتكبين الظلم الفاحش، وفي ذلك زيادة تحذير وتهجين لحال من يترك الدليل بعد تبينه.
- 148 ﴿الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون (146) الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (147)﴾ ﴿يعرفونه﴾ الضمير لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، أي: يعرفون رسول الله معرفة جلية ﴿كما يعرفون أبنائهم﴾ لا يشتبه عليهم أبناؤهم وأبناء غيرهم، وجاز الإضمار وإن لم يجر له ذكر، لأن الكلام يدل عليه، ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإيذان بأنه لشهرته معلوم بغير إعلام، وقيل: الضمير للعلم (122) أو للقرآن (123) أو لتحويل القبلة (124)، ﴿وإن فريقا منهم﴾ خص الفريق منهم استثناء لمن آمن منهم كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار ﴿الحق من ربك﴾ مبتدأ وخبر، وفيه وجهان: أن يكون اللام للعهد والإشارة إلى الحق الذي عليه رسول الله، وأن يكون للجنس على معنى: الحق من ربك لا من غيره، ويجوز أن يكون ﴿الحق﴾ خبر مبتدأ محذوف، فيكون ﴿من ربك﴾ في محل النصب على الحال، أو يكون خبرا بعد خبر ﴿فلا تكونن من الممترين﴾ الشاكين في كتمانهم الحق مع علمهم، أو في أنه من ربك.
﴿ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير (148)﴾ ﴿ولكل﴾ أي: لكل أهل ملة ﴿وجهة﴾ أي: قبلة ﴿هو موليها﴾ وجهه، فحذف أحد المفعولين، وقيل: ﴿هو﴾ الله تعالى (125) أي: الله موليها إياه، وقرئ: " هو مولاها " (126) أي: هو مولى تلك الجهة قد وليها، والمعنى: لكل أمة قبلة يتوجه إليها منكم ومن غيركم ﴿فاستبقوا﴾ أنتم ﴿الخيرات﴾ واسبقوا إليها غيركم في أمر القبلة وغيرها، ويجوز أن يكون المعنى: ولكل منكم يا أمة محمد جهة يصلي إليها جنوبية أو شمالية أو شرقية أو غربية، فاستبقوا الفاضلات من الجهات وهي الجهات المسامتة للكعبة وإن اختلفت ﴿أين ما تكونوا﴾ من الجهات المختلفة ﴿يأت بكم الله جميعا﴾ يجمعكم ويجعل صلواتكم كأنها إلى جهة واحدة، وكأنكم تصلون حاضري المسجد الحرام، وقيل: أينما كنتم من البلاد فيدرككم الموت يأت بكم الله إلى المحشر يوم القيامة، أي: يحشركم جميعا (127).
وروي عنهم (عليهم السلام): أن المراد به أصحاب المهدي في آخر الزمان (128).
﴿ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون (149) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون (150)﴾ ﴿ومن حيث خرجت﴾ أي: ومن أي بلد خرجت فاستقبل بوجهك نحو ﴿المسجد الحرام﴾ إذا صليت ﴿وإنه﴾ أي: إن هذا المأمور به ﴿للحق﴾ الثابت الذي لا يزول بنسخ ﴿من ربك وما الله بغافل عما تعملون﴾ تهديد، وهذا التكرير لتأكيد أمر القبلة، لأن النسخ من مظان الشبهة، ولأنه نيط بكل واحد ما لم ينط بالآخر فاختلفت فوائدها ﴿إلا الذين ظلموا﴾ استثناء من " الناس "، ومعناه: ﴿لئلا يكون﴾ حجة لأحد من اليهود إلا للمعاندين منهم القائلين: إن محمدا ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه وحبا لبلده، ولو كان على الحق للزم قبلة الأنبياء، وأما الحجة التي كانت للمنصفين منهم لو لم يحول القبلة فهي أنهم كانوا يقولون: ماله لا يحول إلى قبلة أبيه إبراهيم كما هو مذكور في نعته في التوراة ؟! وإنما أطلق اسم الحجة عليه لأنهم كانوا يسوقونه سياق الحجة.
ويجوز أن يكون المعنى: ﴿لئلا يكون﴾ للعرب ﴿عليكم حجة﴾ في ترككم التوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم وإسماعيل أبي العرب ﴿إلا الذين ظلموا منهم﴾ وهم أهل مكة حين يقولون: بدا له فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم ﴿فلا تخشوهم﴾ فلا تخافوا مطاعنهم في قبلتكم ﴿واخشوني﴾ ولا تخالفوا أمري ﴿ولأتم نعمتي﴾ متعلق اللام محذوف، أي: ولإتمامي النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم أمرتكم بذلك، أو هو معطوف (129) على علة مقدرة، كأنه قيل: واخشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم، وقيل: هو معطوف على ﴿لئلا يكون﴾ (130) وفي الحديث: " تمام النعمة دخول الجنة " (131).
﴿كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (152)﴾ الكاف: إما أن يتعلق بما قبله، أي: ﴿ولأتم نعمتي عليكم) في الآخرة بالثواب كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول، وإما أن يتعلق بما بعده، أي: كما ذكرتكم بإرسال الرسول ﴿فاذكروني﴾ بالطاعة ﴿أذكركم﴾ بالثواب، ﴿واشكروا لي﴾ ما أنعمت به عليكم ﴿ولا تكفرون?﴾ - ي ولا تجحدوا نعمائي، ويعني بالرسول: محمدا (صلى الله عليه وآله) ﴿منكم﴾ أي: من نسبكم، من سبحانه عليهم بكونه (عليه السلام) من العرب لما حصل لهم بذلك من الشرف.
﴿يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصبرين (153) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموا ت بل أحياء ولكن لا تشعرون (154)﴾
- 157 خاطب سبحانه المؤمنين وأمرهم بأن يستعينوا ﴿بالصبر﴾ وهو حبس النفس على المكروه وحبسها عن المحبوب ﴿و﴾ ب? ﴿الصلاة﴾ لما فيها من الذكر والخشوع ﴿إن الله مع الصبرين﴾ بالمعونة والنصرة ﴿أموا ت﴾ أي: ﴿لا تقولوا﴾: هم ﴿أموا ت بل﴾ هم ﴿أحياء﴾ عند الله ﴿ولكن لا تشعرون﴾ كيف حالهم في حياتهم، قال الحسن: إن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح، كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدوة وعشيا فيصل إليهم الألم والوجع (132).
قالوا: ويجوز أن يجمع الله من أجزاء الشهيد جملة فيحييها ويوصل إليها النعيم وإن كانت في حجم الذرة (133)، وقيل: نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر (134).
﴿ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157)﴾ ﴿ولنبلونكم﴾ ولنصيبنكم إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم، هل تصبرون وتسلمون لحكم الله أم لا ﴿بشئ﴾ أي: بقليل من كل هذه البلايا أو (135) بطرف منه ﴿وبشر الصبرين﴾ المسترجعين عند البلاء، لأن الاسترجاع تسليم وإذعان.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " إن قولنا: " إنا لله " إقرار على أنفسنا بالملك، وقولنا: " إنا إليه راجعون " إقرار على أنفسنا بالهلك " (136).
وإنما قلل في قوله: ﴿بشئ﴾ ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان وإن جل ففوقه ما يقل هذا بالإضافة إليه، وقوله: ﴿ونقص﴾ عطف على " شئ " أو على ﴿الخوف﴾ بمعنى: وشئ من نقص الأموال ﴿وبشر﴾ خطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أو لكل من تتأتى منه البشارة، والصلاة من الله: العطف والرأفة، جمع بينها وبين الرحمة كقوله: ﴿رأفة ورحمة﴾ (137) و ﴿رؤوف رحيم﴾ (138)، والمعنى: عليهم رأفة بعد رأفة، ورحمة بعد رحمة ﴿وأولئك هم المهتدون﴾ لطريق الصواب (139) حيث استرجعوا وسلموا لأمر الله.
﴿إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم (158)﴾ ﴿الصفا والمروة﴾ علمان للجبلين، والشعائر: جمع شعيرة وهي العلامة، أي: هما من أعلام مناسكه ومتعبداته، والحج: القصد، والاعتمار: الزيارة، وهما في الشرع: قصد البيت وزيارته للنسكين المعروفين، وهما في المعاني كالنجم والبيت في الأعيان، و ﴿يطوف﴾ أصله: " يتطوف " فأدغم، وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): " أن يطوف بهما " (140)، وإنما قال: ﴿فلا جناح عليه﴾ والسعي بينهما واجب، لأنه كان على الصفا إساف وعلى المروة نائلة، وهما صنمان، يروى: أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين فوضعا عليهما ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عبدا، وكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسحوهما، فلما جاء الإسلام كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية فرفع عنهم الجناح (141)، ﴿ومن تطوع خيرا﴾ أي: من تبرع بالسعي بين الصفا والمروة بعدما أدى الواجب ﴿فإن الله شاكر﴾ مجاز على ذلك ﴿عليم﴾ بقدر الجزاء فلا يبخس أحدا حقه.
﴿إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (160)﴾ يعني: أحبار اليهود، أي: ﴿يكتمون ما أنزلنا﴾ ه في التوراة من الآيات الشاهدة على صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله): والهادية إلى نعته وصفته والأمر باتباعه والإيمان به ﴿من بعد ما بينه﴾ ولخصناه ﴿للناس في الكتاب﴾ أي: في التوراة، لم ندع فيه موضع إشكال ولا اشتباه على أحد منهم فكتموا ذلك المبين الملخص ﴿أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون﴾ من الملائكة والمؤمنين ﴿إلا الذين تابوا﴾ أي: ندموا على ما فعلوا ﴿وأصلحوا﴾ نياتهم فيما يستقبل من الأوقات وتداركوا ما فرط منهم ﴿وبينوا﴾ ما قد بينه الله في كتابهم، أو بينوا للناس ما أحدثوه من توبتهم ليعرفوا بضد ما عرفوا به ويقتدي غيرهم بهم ﴿فأولئك أتوب عليهم﴾ أقبل توبتهم.
﴿إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (161) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (162)﴾ أي: ﴿إن الذين﴾ ماتوا من هؤلاء الكاتمين ولم يتوبوا ﴿أولئك عليهم لعنة الله﴾ ذكر سبحانه لعنتهم أحياء ثم ذكر لعنتهم أمواتا، ومعنى قوله: ﴿والناس أجمعين﴾ والمراد به: من يعتد بلعنه وهم المؤمنون، وقيل: إن يوم القيامة يلعن بعضهم بعضا (142)، ﴿خالدين فيها﴾ في اللعنة، وقيل: في النار إلا أنها أضمرت لتفخيم شأنها وتهويل أمرها (143)، ﴿ولا هم ينظرون﴾ لا يمهلون - من الإنظار - أو لا ينتظرون أو لا ينظر الله إليهم نظر رحمة، واللعن من الله: الإبعاد من الرحمة وإيجاب العقاب، ومن الناس: هو الدعاء عليهم بذلك.
﴿وإلهكم إله وا حد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم (163) إن في خلق السماوات والأرض واختلف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الريح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (164)﴾ ﴿إله وا حد﴾ فرد في الإلهية لا شريك له فيها فلا يصح أن يسمى غيره إلها، و ﴿لا إله إلا هو﴾ تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثباته، وهو بدل من موضع ﴿لا إله﴾ وهو الرفع، لأن ﴿لا﴾ مع ما بعده مبتدأ، وكذلك (144) في قولك: " لا إله إلا الله ": " الله " بدل من موضع " لا إله " والخبر محذوف، والتقدير: الله في الوجود ﴿الرحمن الرحيم﴾ المولى بجميع (145) النعم: أصولها وفروعها، ولا شئ سواه بهذه الصفة، فإن كل ما سواه: إما نعمة وإما منعم عليه.
وروي: أن المشركين كان لهم حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فلما سمعوا هذه الآية قالوا: إن كنت صادقا فأت بآية نعرف بها صدقك، فنزل (146): ﴿إن في خلق السماوات والأرض﴾ وإنشائهما على سبيل الاختراع والإبداع ﴿واختلف الليل والنهار﴾ أي: أعتقا بهما، كل واحد يعقب الآخر ويخلفه، أو اختلافهما في الجنس والهيئة والصفة ﴿والفلك﴾ أي: السفن ﴿التي تجرى في البحر بما ينفع الناس﴾ أي: بالذي ينفعهم فتكون " ما " موصولة، أو بنفعهم فتكون " ما " مصدرية ﴿وما أنزل الله من السماء﴾ أي: من نحو السماء أو من السحاب ﴿من ماء فأحيا به الأرض﴾ بالإنبات وإنماء النبات، أو أهل الأرض بإخراج الأقوات ﴿وبث فيها من كل دابة﴾ عطف على ﴿أنزل﴾ أي: وما أنزل في الأرض من ماء وبث فيها من كل دابة، ويجوز أن يكون عطفا على ﴿فأحيا﴾ أي: فأحيا بالمطر الأرض وبث فيها من كل دابة، لأنهم ينمون ويعيشون بالحيا (147) والخصب ﴿وتصريف الريح﴾ في مهابها قبولا ودبورا وشمالا وجنوبا، وفي أحوالها باردة وحارة ولينة وعاصفة ﴿والسحاب المسخر﴾ للرياح تقلبه في سكائك الجو ﴿بين السماء والأرض﴾ بمشية الله تمطر حيث شاء ﴿لآيات لقوم يعقلون﴾ أي: ينظرون بعيون عقولهم ويعتبرون بها، لأنها دلائل على عظيم القدرة وعجيب الحكمة.
﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب (165)﴾ ﴿ومن الناس﴾ " من " للتبعيض، أي: وبعض الناس ﴿من يتخذ من دون الله أندادا﴾ أمثالا من الأصنام التي يعبدونها، وقيل: من الرؤساء بدلالة قوله: ﴿إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا﴾ (148)، وقال الباقر (عليه السلام): " هم أئمة الظلمة وأشياعهم " (149)، ﴿يحبونهم﴾ يعظمونهم ويخضعون لهم ويحبون عبادتهم والانقياد لهم ﴿كحب الله﴾ أي: كما يحب الله، على أنه مصدر من الفعل المبني للمفعول، واستغني عن ذكر من يحبه لأنه معلوم، وقيل: كحبهم الله، أي: يسوون بينه وبينهم في محبتهم (150) ﴿والذين آمنوا أشد حبا لله﴾ لأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره بخلاف المشركين فإنهم يعدلون من صنم إلى غيره ﴿ولو يرى الذين ظلموا﴾ باتخاذ الأنداد، أي: ولو يعلم هؤلاء الذين أشركوا ﴿أن﴾ القدرة كلها ﴿لله﴾ على كل شئ دون أندادهم، ويعلمون شدة عقابه للظالمين إذا عاينوا العذاب يوم القيامة لكان منهم مالا يدخل تحت الوصف من الندم والتحسر فحذف الجواب، وقرئ: " ولو ترى " بالتاء (151) على خطاب الرسول (عليه السلام) أو كل مخاطب، أي: ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما وخطبا جسيما، وقرئ: " إذ يرون " على البناء للمفعول (152)، و ﴿إذ﴾ في المستقبل كقوله: ﴿ونادى أصحب الجنة﴾ (153).
﴿إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب (166) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعملهم حسرا ت عليهم وما هم بخرجين من النار (167)﴾ ﴿إذ تبرأ﴾ بدل من ﴿إذ يرون العذاب﴾ أي: تبرأ المتبوعون وهم الرؤساء من الأتباع ﴿ورأوا العذاب﴾ الواو للحال، أي: تبرأوا في حال رؤيتهم العذاب ﴿وتقطعت﴾ عطف على ﴿تبرأ﴾، و ﴿الأسباب﴾ الوصلات التي كانت بينهم يتواصلون عليها والأرحام التي كانوا يتعاطفون بها، والمعنى: زال عنهم كل سبب
يمكن أن يتوصل به من مودة أو عهد أو قرابة فلا ينتفعون بشئ من ذلك ﴿وقال﴾ الأتباع: ﴿لو أن لنا كرة﴾ أي: عودة إلى دار الدنيا ﴿فنتبرأ﴾ فيها من الرؤساء ﴿كما تبرءوا منا﴾ في الآخرة، و ﴿لو﴾ في معنى التمني، ولذلك أجيب بالفاء الذي يجاب به التمني، كأنه قيل: ليت لنا كرة فنتبرأ منهم ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الإراءة الفظيعة ﴿يريهم الله أعملهم حسرا ت﴾ أي: ندامات، والمعنى: أن أعمالهم تنقلب حسرات ﴿عليهم﴾ فلا يرون إلا حسرات مكان أعمالهم ﴿وما هم بخرجين من النار﴾ أي: يخلدون فيها، وفي ﴿هم﴾ دلالة على قوة أمرهم أسند إليهم لا على الاختصاص.
﴿يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حللا طيبا ولا تتبعوا خطوا ت الشيطان إنه لكم عدو مبين (168) إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله مالا تعلمون (169)﴾ هذا خطاب لجميع بني آدم ﴿حللا﴾ مفعول ﴿كلوا﴾ أو حال من ما ﴿في الأرض﴾، ﴿طيبا﴾ طاهرا من كل شبهة ﴿ولا تتبعوا خطوا ت الشيطان﴾ فتدخلوا في حرام أو شبهة، و " من " للتبعيض، لأن كل ما في الأرض غير مأكول، والخطوة: ما بين قدمي الخاطي، والخطوة: المرة من الخطو كالغرفة والغرفة، و " اتبع خطواته " و " وطئ على عقبه " في معنى: " اقتدى به " و " استن بسنته " ﴿عدو مبين﴾ أي: ظاهر العداوة ﴿إنما يأمركم﴾ بيان لوجوب الكف عن اتباعه وظهور عداوته، أي: لا يأمركم بخير قط، إنما يأمركم ﴿بالسوء﴾ بالقبيح ﴿والفحشاء﴾ ما يتجاوز الحد في القبح، وقيل: السوء ما لاحد فيه، والفحشاء ما يجب فيه الحد (154)، ﴿وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون﴾ وهو أن تقولوا: هذا حلال وهذا حرام بغير علم، ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله سبحانه مما لا يجوز عليه وجميع الاعتقادات الباطلة والمذاهب الفاسدة.
﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون (170)﴾ الضمير في ﴿لهم﴾ للناس، وعدل بالخطاب عنهم على طريقة الالتفات لبيان ضلالتهم فإنه لا ضال أضل من المقلد، كأنه يقول للعقلاء: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون، والقائل لهم هو النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمون، والمقول لهم: المشركون أو قوم من اليهود، و ﴿ألفينا﴾ وجدنا ﴿أولو كان آباؤهم﴾ الواو للحال، والهمزة بمعنى الرد والتعجيب، معناه: أيتبعون آباءهم ولو كانوا ﴿لا يعقلون شيئا﴾ من الدين ﴿ولا يهتدون﴾ للصواب.
﴿ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون (171)﴾ لابد هنا من حذف المضاف، والتقدير: ﴿ومثل﴾ داعي ﴿الذين كفروا كمثل الذي ينعق﴾ أو مثل الذين كفروا كبهائم (155) الذي ينعق، والمعنى: ومثل داعيهم إلى الإيمان في أنهم لا يسمعون من الدعاء إلا جرس النغمة والصوت من غير تفهم واستبصار كمثل الناعق بالبهائم التي لا تسمع ﴿إلا دعاء﴾ الناعق ونداءه، ولا تفقه شيئا آخر ولا تعي كما يفهم العقلاء ويعون، ونعق الراعي بالغنم: إذا صوت بها، وأما نغق الغراب فبالغين ﴿صم﴾ أي: هم صم، رفع على الذم.
﴿يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبت ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172)﴾ أي: ﴿كلوا من﴾ مستلذات ﴿ما رزقناكم﴾ لأن ما رزقه الله تعالى لا يكون إلا حلالا ﴿واشكروا لله﴾ الذي رزقكم إياها ﴿إن﴾ صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه المنعم على الحقيقة.
وفي الحديث: " يقول الله تعالى: إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري " (156).
﴿إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)﴾ ﴿الميتة﴾ ما يموت من الحيوان، ﴿و﴾ خص ﴿لحم الخنزير﴾ لأنه المعظم والمقصود وإلا فجملته محرمة ﴿وما أهل به لغير الله﴾ أي: رفع به الصوت للصنم، وكذلك قول أهل الجاهلية: باسم اللات والعزى ﴿فمن اضطر﴾ إلى أكل هذه الأشياء لضرورة مجاعة أو إكراه ﴿غير باغ﴾ على مضطر آخر بالاستيثار عليه ﴿ولا عاد﴾ سد الجوعة، وعنهم (عليهم السلام): " غير باغ على إمام المسلمين، ولا عاد بالمعصية طريقة المحقين " (157) ﴿فلا إثم عليه﴾ أي: لا حرج عليه.
﴿إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيمة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (174) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار (175) ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد (176)﴾ أعيد ذكر اليهود الذين تقدم ذكرهم ﴿في بطونهم﴾ أي: ملء بطونهم، يقال: أكل فلان في بطنه، وأكل في بعض بطنه ﴿إلا النار﴾ لأنه إذا أكل ما يؤدي إلى النار فكأنه أكل النار، ومنه قولهم: أكل فلان الدم إذا أكل الدية التي هي بدل منه ﴿ولا يكلمهم﴾ تعريض بحرمانهم حال أهل الجنة في إكرام الله إياهم بكلامه وتزكيتهم بالثناء عليهم، وقيل: نفي الكلام عبارة عن غضبه عليهم (158) ﴿فما أصبرهم على النار﴾ تعجب من حالهم في جرأتهم على النار والتباسهم بموجبات النار، وقيل: معناه أي شئ صبرهم على النار (159)، يقال: " أصبره " و " صبره " بمعنى ﴿ذلك﴾ العذاب ﴿ب?﴾ سبب ﴿أن الله﴾ تعالى ﴿نزل الكتاب﴾ أي: نزل ما نزل من الكتاب ﴿بالحق﴾، ﴿وإن الذين اختلفوا في﴾ كتب الله فقالوا في بعضها: حق، وفي بعضها: باطل، وهم أهل الكتاب ﴿لفي شقاق﴾ أي: في خلاف ﴿بعيد﴾ عن الحق، و ﴿الكتاب﴾ للجنس، أو يكون المعنى: كفرهم ذلك بسبب أن الله نزل القرآن بالحق وإن الذين اختلفوا فيه فقالوا: سحر أو شعر أو أساطير (160) ﴿لفي شقاق بعيد﴾ عن الاجتماع على الصواب.
﴿ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمسكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177)﴾ الخطاب لأهل الكتاب، لأن اليهود كانت تصلي قبل المغرب إلى بيت المقدس والنصارى قبل المشرق، وذلك أنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حول رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الكعبة، وزعم كل واحد من الفريقين: أن البر التوجه إلى قبلته، فرد عليهم وقيل لهم: ﴿ليس البر﴾ فيما أنتم عليه لأنه منسوخ، وقيل: كثر خوض المسلمين وأهل الكتاب في أمر القبلة فقيل: ليس كل البر أمر القبلة ﴿ولكن البر﴾ الذي يجب صرف الهمة إليه بر ﴿من آمن﴾ وقام بهذه الأعمال (161)، والبر: اسم لكل فعل مرضي، وقرئ: ﴿البر﴾ بالنصب على أنه خبر مقدم ﴿ولكن البر من آمن﴾ على تأويل حذف المضاف، أي: بر من آمن، أو يكون البر بمعنى: ذي البر، أو يكون البر بمعنى: البار كما قال: فإنما هي إقبال وإدبار (162) وقال المبرد (163): لو كنت ممن يقرأ القرآن لقرأت: ولكن البر بفتح الباء (164).
و ﴿الكتاب﴾ جنس الكتاب أو القرآن ﴿على حبه﴾ مع حب المال والشح به كما قال ابن مسعود (165): أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا (166)، وقيل: على حب الله (167)، وقيل: على حب الإيتاء (168)، أي: يعطيه وهو طيب النفس بإعطائه، والمسكين: الدائم السكون إلى الناس لأنه لا شئ له كالمسكير: الدائم السكر ﴿وابن السبيل﴾ المسافر المنقطع به، جعل ابنا للسبيل لملازمته له، كما يقال للص القاطع: ابن الطريق، وقيل: هو الضيف لأن السبيل يرعف به (169) ﴿والسائلين﴾ الطالبين للصدقة، وقيل: المستطعمين (170).
وفي الحديث: " للسائل حق وإن جاء على فرس " (171).
﴿وفى الرقاب﴾ وفي معاونة المكاتبين حتى يفكوا رقابهم، وقيل: في ابتياع الرقاب وإعتاقها (172)، وعن الشعبي قال: إن في المال حقا سوى الزكاة وتلا هذه الآية (173) لأنه ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه ثم قيل: ﴿وآتى الزكاة﴾،
﴿والموفون﴾ عطف على ﴿من آمن﴾، ﴿و﴾ أخرج ﴿الصبرين﴾ منصوبا على الاختصاص والمدح إظهارا لفضل الصبر في الشدائد ومواطن القتال على سائر الأعمال، و ﴿البأساء﴾ الفقر والشدة ﴿والضراء﴾ المرض والزمانة ﴿وحين البأس﴾ أي: وقت القتال وجهاد الكفار ﴿أولئك الذين صدقوا﴾ أي: كانوا صادقين جادين في الدين ﴿وأولئك﴾ الذين اتقوا النار بفعل هذه الخصال.
﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم (178) ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون (179)﴾ ﴿كتب عليكم﴾ أي: فرض وأوجب ﴿القصاص﴾ المساواة في القتلى، وهو أن يفعل بالقاتل مثل ما فعله بالمقتول ﴿الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى﴾.
وعن الصادق (عليه السلام) قال: " لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم دية العبد، ولا يقتل الرجل بالمرأة إلا إذا أدي إلى أهله نصف ديته ".
(174) ﴿فمن عفى له من أخيه شئ﴾ معناه: فمن عفي له من جهة أخيه شئ من العفو كما يقال: سير بزيد بعض السير، ولا يصح أن يكون ﴿شئ﴾ في معنى المفعول به، لأن ﴿عفى﴾ لا يتعدى إلى مفعول به إلا بواسطة، و " أخوه " هو ولي المقتول، وذكر بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من أخوة الإسلام، ويقال: عفوت له ذنبه وعفوت لفلان عما جنى فيعدى إلى المذنب باللام، ويعدى إلى الجاني وإلى الذنب ب? " عن " فيقال: عفوت عن فلان وعن ذنبه، وإنما قيل: شئ من العفو للإشعار بأنه إذا عفي له طرف من العفو وبعض منه بأن يعفى عن بعض الدم أو عفى عنه بعض الورثة تم العفو وسقط القصاص ولم يجب إلا الدية ﴿فاتباع بالمعروف﴾ أي: فليكن اتباع أو فالأمر اتباع، وهذه توصية للعافي والمعفو عنه جميعا، أي: فليتبع الولي القاتل بالمعروف بأن لا يعنف به ولا يطالبه إلا مطالبة جميلة وليؤد إليه القاتل بدل الدم أداء ﴿بإحسان﴾ بأن لا يمطله ولا يبخسه ﴿ذلك﴾ الحكم المذكور من: القصاص أو العفو أو الدية ﴿تخفيف من ربكم ورحمة﴾ لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص أو العفو وحرم عليهم أخذ الدية، وعلى أهل الإنجيل العفو أو الدية وحرم القصاص ﴿فمن اعتدى بعد ذلك﴾ بأن قتل بعد قبول الدية أو العفو أو تجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل ﴿فله عذاب أليم﴾ أي: نوع من العذاب شديد الألم في الآخرة ﴿ولكم في القصاص حياة﴾ فيه فصاحة عجيبة، وذلك أن القصاص قتل وتفويت للحياة وقد جعل ظرفا ومكانا للحياة، وفي تعريف القصاص وتنكير الحياة معنى: أن لكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة، وذلك أنهم كانوا يقتلون بالواحد الجماعة ويقتلون بالمقتول غير قاتله فتقع الفتنة، فكانت في القصاص حياة أي حياة أو نوع من الحياة، وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل فيسلم صاحبه من القتل وسلم هو من القود، فكأن القصاص سبب حياة نفسين ﴿لعلكم تتقون﴾ القتل خوفا من القصاص، أو لعلكم تعملون عمل أهل التقوى.
- 182 ﴿كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين (180)﴾ ﴿الوصية﴾ فاعل ﴿كتب﴾ وذكر للفاصل، ولأنها بمعنى: أن يوصي ولذلك ذكر الراجع في قوله: ﴿فمن بدله بعد ما سمعه﴾، ﴿إذا حضر أحدكم الموت﴾ إذا دنا منه وظهرت أماراته ﴿إن ترك خيرا﴾ أي: مالا ﴿للوالدين والأقربين﴾ أي: لوالديه وأقربائه ﴿بالمعروف﴾ أي: بالشئ الذي يعرف العقلاء أنه لا جور فيه ولا حيف ﴿حقا﴾ مصدر مؤكد، أي: حق ذلك حقا ﴿على المتقين﴾ على من آثر التقوى.
قالوا: إن هذه الآية منسوخة (175) بقوله (عليه السلام): " لا وصية لوارث " (176)، ولم يجوز أصحابنا نسخ القرآن بخبر الواحد (177)، وقالوا: إن الوصية لذي القرابة من أوكد السنن، ورووا عن الباقر (عليه السلام): أنه سئل هل تجوز الوصية للوارث؟فقال: " نعم " وتلا هذه الآية (178).
﴿فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم (181) فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (182)﴾ ﴿فمن بدله﴾ أي: فمن غير الإيصاء عن وجهه من الأوصياء أو الشهود ﴿بعد ما سمعه﴾ وتحققه ﴿فإنما إثمه على الذين يبدلونه﴾ أي: فما إثم الإيصاء المغير أو إثم التبديل إلا على مبدليه دون غيرهم من الموصي والموصى له لأنهما بريان من الجنف ﴿إن الله سميع عليم﴾ وعيد للمبدل ﴿فمن خاف﴾ أي: فمن توقع وعلم، وقد شاع في كلامهم " أخاف أن يقع " يريدون التوقع والظن الغالب الجاري مجرى العلم ﴿من موص جنفا﴾ أي: ميلا عن الحق بالخطأ في الوصية ﴿أو إثما﴾ أو تعمدا للجنف ﴿فأصلح بينهم﴾ أي: بين الورثة والموصى لهم ﴿فلا إثم عليه﴾ لأن تبديله تبديل باطل إلى حق.
﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (183) أياما معدودا ت فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون (184)﴾
﴿كتب عليكم﴾ أي: فرض عليكم ﴿الصيام كما كتب على الذين من قبلكم﴾ من الأنبياء وأممهم من لدن عهد آدم (عليه السلام) إلى عهدكم، وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: " أولهم آدم " (179)، يعني: أن الصوم عبادة قديمة ما أخلى الله تعالى أمة من إيجابها عليهم، لم يوجبها عليكم وحدكم ﴿لعلكم تتقون﴾ بالمحافظة عليها وتعظيمها، أو لعلكم تتقون المعاصي، لأن الصائم أردع لنفسه عن مواقعة السوء ﴿أياما معدودا ت﴾ موقتات بعدد معلوم، أو قلائل كقوله: ﴿دراهم معدودة﴾ (180) وأصله: أن المال القليل يقدر بالعدد والكثير يحثى حثيا، والمعنى يقتضي أن يكون ﴿أياما﴾ منصوبا ب? ﴿الصيام﴾ كما تقول: نويت الخروج يوم الجمعة، إلا أن الصيغة تأباه للفصل بينه وبين ﴿أيام﴾ بقوله: ﴿كما كتب﴾، فينبغي أن يكون انتصابه بفعل مضمر نحو: " صوموا أياما " لدلالة قوله تعالى: ﴿كتب عليكم الصيام﴾ عليه ﴿أو على سفر﴾ أو راكب سفر ﴿فعدة﴾ أي: فعليه عدة ﴿من أيام أخر﴾.
وفيه دلالة على أن المسافر والمريض مكتوب عليهما الإفطار وأن يصوما أياما أخر، وفي الحديث: " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " (181).
﴿وعلى الذين يطيقونه﴾ وعلى المطيقين للصيام الذين لا عذر لهم إن أفطروا ﴿فدية طعام مسكين﴾ نصف صاع، وعن الباقر (عليه السلام): " طعام مساكين " (182)، وكان ذلك في بدء الإسلام فرض عليهم الصوم ولم يتعودوا فاشتد عليهم فرخص لهم في الإفطار والفدية ﴿فمن تطوع خيرا﴾ فزاد على (183) مقدار الفدية ﴿فهو خير له﴾ فالتطوع أخير له، وقرئ: " ومن يطوع " (184) بمعنى: يتطوع ﴿وأن تصوموا﴾ أيها المطيقون ﴿خير لكم﴾ من الفدية وتطوع الخير، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ (185).
وروى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام): أن معناه: وعلى الذين كانوا يطيقون الصوم ثم أصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فدية لكل يوم مد من الطعام (186)، وعلى هذا فلا نسخ.
﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينت من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (185)﴾ الرمضان مصدر رمض: إذا احترق، من الرمضاء، فأضيف إليه الشهر وجعل علما، ومنع الصرف للتعريف والألف والنون، وهو مبتدأ خبره ﴿الذي أنزل فيه القرآن﴾ أو بدل من ﴿الصيام﴾ في قوله: ﴿كتب عليكم الصيام﴾ أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه الأيام المعدودات ﴿شهر رمضان﴾، ومعنى ﴿أنزل فيه القرآن﴾ ابتدئ فيه إنزاله وكان ذلك في ليلة القدر، وقيل: أنزل جملة إلى السماء الدنيا ثم نزل إلى الأرض نجوما (187)، وقيل: أنزل في شأنه القرآن وهو قوله: ﴿كتب عليكم الصيام﴾ (188)، ﴿هدى للناس وبينت﴾ نصب على الحال، أي: أنزل وهو هاد للناس إلى الحق، وهو آيات واضحات مما يهدي إلى الحق ويفرق بين الحق والباطل، ذكر أولا أنه هدى ثم ذكر أنه بينات من جملة ما هدى الله به وفرق به بين الحق والباطل من الكتب السماوية.
﴿فمن شهد منكم الشهر فليصمه﴾ أي: فمن كان حاضرا مقيما غير مسافر في الشهر فليصم فيه ولا يفطر، والشهر منصوب على الظرف وكذلك الهاء في ﴿فليصمه﴾، ولا يكون مفعولا به، لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر ﴿ومن كان مريضا أو على سفر﴾ حد المرض الذي يوجب الإفطار (189): ما يخاف بالصوم الزيادة المفرطة فيه، وحد السفر الذي يوجب الإفطار: ثمانية فراسخ ﴿يريد الله بكم اليسر﴾ أي: يريد أن ييسر عليكم ولا يعسر وقد نفى عنكم الحرج في الدين وأمركم بالحنيفية السمحة التي لا إصر فيها، ومن جملة ذلك: ما أمركم بالإفطار في السفر والمرض ﴿ولتكملوا العدة﴾ الفعل المعلل محذوف ويدل عليه ما سبق، والتقدير: ﴿ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون﴾ شرع ذلك لكم، ويجوز أن يكون ﴿ولتكملوا﴾ معطوفا على علة مقدرة، كأنه قيل: يريد الله ليسهل عليكم ولتكملوا العدة.
والمراد بالتكبير عندنا: التكبير عقيب أربع صلوات المغرب والعشاء ليلة الفطر والغداة وصلاة العيد.
﴿وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (186)﴾ ﴿فإني قريب﴾ تمثيل لحاله في سرعة إجابته لمن دعاه بحال من قرب مكانه، ونحوه قوله تعالى: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ (190)، ﴿فليستجيبوا لي﴾ إذا دعوتهم للإيمان والطاعة كما أني أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم ﴿وليؤمنوا بي﴾ روي عن الصادق (عليه السلام): أن معناه: وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوه (191)، ﴿لعلهم يرشدون﴾ أي: لعلهم يصيبون الحق ويهتدون إليه.
﴿أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المسجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون (187)﴾ ﴿الرفث﴾ أصله: القول الفاحش، فكني به عن الجماع، وعدي ب? ﴿إلى﴾ لتضمنه معنى الإفضاء ﴿هن لباس لكم وأنتم لباس لهن﴾ استئناف كالبيان لسبب الإحلال، وهو أنه إذا كانت بينكم وبينهن المخالطة والمعانقة قل صبركم عنهن فلذلك رخص لكم في مباشرتهن، والاختيان: من الخيانة كالاكتساب من الكسب، أي: ﴿علم الله أنكم كنتم﴾ تنقصون أنفسكم حظها من الخير ﴿فتاب عليكم﴾ فرخص لكم وأزال التشديد عنكم.
قال الصادق (عليه السلام): " كان الأكل محرما في شهر رمضان بالليل بعد النوم، وكان النكاح حراما بالليل والنهار، وكان رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له: مطعم بن جبير نام قبل أن يفطر وحضر حفر الخندق فأغمي عليه، وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان، فنزلت الآية، فأحل النكاح بالليل والأكل بعد النوم، فذلك قوله: ﴿وعفا عنكم﴾ " (192).
﴿وابتغوا ما كتب الله لكم﴾ من الولد بالمباشرة، أي: لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها ولكن لابتغاء ما وضع الله النكاح له من التناسل، وقيل: وابتغوا ما كتب الله لكم من الإباحة بعد الحظر (193)، ﴿وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض﴾ وهو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود ﴿من الخيط الأسود﴾ وهو ما يمتد معه من ظلمة الليل شبها بخيطين، وقوله: ﴿من الفجر﴾ بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود ﴿ولا تباشروهن وأنتم عكفون﴾ أي: معتكفون في المساجد، والاعتكاف: أن يحبس نفسه في المسجد للعبادة ﴿تلك﴾ الأحكام التي ذكرت ﴿حدود الله﴾ أي: حرمات الله ومناهيه ﴿فلا تقربوها﴾ فلا تأتوها.
وفي الحديث: " إن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه " (194) والرتع حول الحمى والقرب منه واحد.
﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك البيان ﴿يبين الله﴾ حججه ودلائله ﴿للناس﴾ على ما أمرهم به ونهاهم عنه ﴿لعلهم يتقون﴾ معاصيه ومناهيه.
﴿ولا تأكلوا أموا لكم بينكم بالبطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموا ل الناس بالاثم وأنتم تعلمون (188)﴾ أي: لا يأكل بعضكم مال بعض ﴿بالبطل﴾ بالوجه الذي لا يحل ولم يشرعه الله، ﴿وتدلوا﴾ أي: ولا تدلوا ﴿بها﴾ أي: ولا تلقوا أمرها والحكومة فيها ﴿إلى الحكام لتأكلوا﴾ بالتحاكم ﴿فريقا﴾ طائفة ﴿من أموا ل الناس بالاثم﴾ بشهادة الزور أو باليمين الكاذبة أو بالصلح مع العلم بأن المقضي له ظالم، وقيل: وتدلوا وتلقوا بعضها إلى حكام السوء على وجه الرشوة (195)، ﴿وأنتم تعلمون﴾ أنكم على الباطل، وارتكاب المعصية مع العلم بقبحها أقبح.
﴿يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوا بها واتقوا الله لعلكم تفلحون (189)﴾ ﴿يسئلونك عن﴾ أحوال ﴿الأهلة﴾ في زيادتها ونقصانها، ووجه الحكمة في ذلك ﴿قل هي مواقيت للناس﴾ أي: معالم يوقت بها الناس مزارعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وصومهم وفطرهم وعدد نسائهم وغير ذلك، ومعالم للحج يعرف بها وقته ﴿وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها﴾ كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ونقبوا في ظهور بيوتهم نقبا منه يدخلون ويخرجون، فقيل لهم: ليس البر بتحرجكم من دخول الباب ﴿ولكن البر﴾ بر ﴿من اتقى﴾ ما حرم الله ﴿وأتوا البيوت من أبوا بها﴾ وقيل: معناه باشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن يباشر عليها أي الأمور كان (196).
﴿وقتلوا في سبيل الله الذين يقتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190)﴾
قيل: إنها أول آية نزلت في القتال بالمدينة (197)، والمقاتلة ﴿في سبيل الله﴾ هو الجهاد لإعزاز دين الله وإعلاء كلمته ﴿الذين يقتلونكم﴾ يناجزونكم القتال دون المحاجزين، وعلى هذا فيكون منسوخا بقوله: ﴿وقتلوا المشركين كآفة﴾ (198) (199)، ويجوز أن يريد الذين يناصبونكم القتال دون الصبيان والنساء، أو يريد الكفرة كلهم لأنهم جميعا يقصدون مقاتلة أهل الإسلام فهم في حكم المقاتلة فلا يكون حكم الآية منسوخا ﴿ولا تعتدوا﴾ بقتال من نهيتم عن قتاله أو بالمثلة أو بالمفاجأة من غير دعوة.
﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين (191) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (192)﴾ ﴿حيث ثقفتموهم﴾ وجدتموهم ﴿وأخرجوهم من حيث أخرجوكم﴾ أي: أخرجوهم من مكة كما أخرجوكم منها، وقد فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم الفتح بمن لم يسلم منهم ﴿والفتنة أشد من القتل﴾ أي: المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشد عليه من القتل، جعل الإخراج من الوطن من المحن التي يتمنى عندها الموت، وقيل: الفتنة عذاب الآخرة كما قال: ﴿ذوقوا فتنتكم﴾ (200) (201)، وقيل: الشرك أعظم من القتل في الحرم، وذلك أنهم كانوا يستعظمون القتل في الحرم ويعيبون المسلمين به (202)، وقرئ: " ولا تقتلوهم... حتى يقتلوكم فيه... فإن قتلوكم " (203)، جعل وقوع القتل في بعضهم كوقوعه فيهم، قال: فإن تقتلونا نقتلكم، ﴿فإن انتهوا﴾ من الشرك والقتل كقوله: ﴿إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف﴾ (204).
﴿وقتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوا ن إلا على الظالمين (193)﴾ ﴿حتى لا تكون فتنة﴾ أي: شرك ﴿ويكون الدين لله﴾ خالصا ليس للشيطان فيه نصيب ﴿فإن انتهوا﴾ عن الشرك ﴿فلا عدوا ن إلا على الظالمين﴾ أي: فلا تعتدوا على المنتهين، لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم، فوضع قوله: ﴿إلا على الظالمين﴾ موضع " على المنتهين ".
﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194)﴾
قاتلهم المشركون عام الحديبية في الشهر الحرام وهو ذو القعدة، فقيل لهم عند خروجهم لقضاء العمرة وكراهتهم القتال وذلك في ذي القعدة ﴿الشهر الحرام بالشهر الحرام﴾ أي: هذا الشهر بذلك الشهر وهتكه بهتكه، يعني: تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم ﴿والحرمات قصاص﴾ أي: كل حرمة يجري فيها القصاص، فمن هتك حرمة اقتص منه بأن يهتك له حرمة، فحين هتكوا حرمة شهركم فافعلوا بهم مثل ذلك ولا تبالوا، ثم أكد ذلك بقوله: ﴿فمن اعتدى عليكم﴾ إلى آخره، ﴿واتقوا الله﴾ في حال كونكم منتصرين، فمن اعتدى عليكم فلا تعتدوا، أي: لا تجاوزوا إلى مالا يحل لكم.
﴿وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين (195)﴾ ﴿وأنفقوا﴾ من أموالكم في الجهاد وأبواب البر ﴿ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ أي: الهلاك، والباء مزيدة كما يقال للمنقاد: أعطى بيده، بزيادة الباء، والمعنى: ولا تقبضوا التهلكة أيديكم (205) أي: لا تجعلوها آخذة بأيديكم مالكة لكم، وقيل: معناه ولا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة بأيديكم بأن تتركوا الإنفاق في سبيل الله فيغلب عليكم العدو كما يقال: فلان أهلك نفسه بيده (206)، وقيل: هو نهي عن الإسراف في النفقة (207) ﴿وأحسنوا﴾ أمر بالاقتصاد ﴿إن الله يحب المحسنين﴾ أي: المقتصدين.
﴿وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب (196)﴾ ﴿وأتموا الحج والعمرة﴾ أي: ايتوا بالحج والعمرة تامين كاملين بشرائطهما وأركانهما ومناسكهما ﴿لله﴾ أي: لوجه الله خالصا وأقيموهما إلى آخر ما فيهما، وظاهر الأمر يقتضي الوجوب فدل الأمر بإتمامهما على أن العمرة واجبة مثل الحج (208) ﴿فإن أحصرتم﴾ أي: منعكم خوف أو عدو أو مرض عن المضي إليه وأنتم محرمون بحج أو عمرة فامتنعتم لذلك ﴿فما استيسر من الهدى﴾ أي: ما تيسر من الهدي، يقال: يسر الأمر واستيسر، وصعب واستصعب ضده، و ﴿الهدى﴾: ما يهدى إلى الحرم جمع هدية، أي: فعليكم إذا أردتم التحلل من الإحرام ما تيسر من الهدي من بعير أو بقرة أو شاة، أو فاهدوا ما تيسر ﴿ولا تحلقوا رءوسكم﴾ الخطاب للمحصرين، أي: لا تحلوا ﴿حتى﴾ تعلموا أن ﴿الهدى﴾ الذي بعثتموه قد بلغ ﴿محله﴾ أي: مكانه الذي يجب نحره فيه أو ذبحه، ومحله منى يوم النحر إن كان الإحرام بالحج، ومكة إن كان الإحرام بالعمرة، هذا إذا كان محصرا بالمرض، فأما إن كان محصرا بالعدو وهو المصدود فمحله الموضع الذي يصد فيه، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) نحر هديه بالحديبية (209).
﴿فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه﴾ يحتاج فيه إلى الحلق للمداواة، أو تأذى بهوام رأسه فحلق لذلك العذر ﴿ففدية﴾ أي: فعليه فدية، أي: بدل وجزاء يقوم مقامه ﴿من صيام أو صدقة أو نسك﴾ وروي عن أئمتنا (عليهم السلام): " أن الصيام ثلاثة أيام، والصدقة على ستة مساكين - وروي: عشرة (210) - والنسك شاة، وهو مخير فيها (211)، ورووا ذلك أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله) (212).
والنسك مصدر، وقيل: هو جمع نسيكة أي: ذبيحة (213).
﴿فإذا أمنتم﴾ الإحصار يعني: فإذا لم تحصروا وكنتم في حال أمن وسعة ﴿فمن تمتع بالعمرة إلى الحج﴾ وتمتعه بالعمرة إلى وقت الحج هو أنه إذا أحل من عمرته انتفع باستباحة ما كان محرما عليه إلى أن يحرم بالحج ﴿فما استيسر من الهدى﴾ هو هدي المتعة، وهو واجب بالإجماع على خلاف في أنه نسك أو جبران: فعندنا (214) وعند أبي حنيفة (215) (216) أنه نسك يأكل منه، وعند الشافعي (217) (218) هو جبران جار مجرى الجنايات ولا يأكل منه ﴿فمن لم يجد﴾ الهدي ﴿فـ﴾ عليه ﴿صيام ثلاثة أيام في الحج﴾ أي: في وقته، والأفضل أن يصوم يوما قبل التروية والتروية وعرفة ﴿وسبعة إذا رجعتم﴾ إلى أهاليكم ﴿تلك عشرة كاملة﴾ توكيد فيه وزيادة توصية بصيامها وإتمامها ﴿ذلك﴾ إشارة إلى التمتع ﴿لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام﴾ وحاضروا المسجد الحرام من كان بينهم وبينه اثنا عشر ميلا فما دونها من كل جانب ﴿واتقوا الله﴾ في المحافظة على أوامره ونواهيه ﴿واعلموا أن الله شديد العقاب﴾ لمن خالف أمره وتعدى حدوده.
﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب (197)﴾
أي: وقت ﴿الحج أشهر معلومات﴾ كقولك: البرد شهران، والأشهر المعلومات: شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة، وفائدة كونها أشهر الحج: أن الإحرام بالحج أو بالعمرة التي يتمتع بها إلى الحج لا يصح إلا فيها ﴿فمن فرض فيهن الحج﴾ أي: أحرم فيهن بالحج ﴿فلا رفث﴾ أي: فلا جماع ﴿ولا فسوق﴾ أي: ولا كذب، وقيل: لا خروج عن حدود الشريعة (219) ﴿ولا جدال في الحج﴾ وهو قول: " لا والله " و " بلى والله " عندنا، وقالوا: إنه المراء والسباب ﴿وما تفعلوا من خير يعلمه الله﴾ هذا حث على أفعال الخير والبر ﴿وتزودوا﴾ واتقوا الاستطعام وإبرام الناس والتثقيل عليهم ﴿فإن خير الزاد التقوى واتقون﴾ وخافوا عقابي ﴿يا أولي الألباب﴾ فإن قضية اللب تقوى الله، ومن لم يتقه من الألباء فكأنه لا لب له.
﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفت فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هديكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين (198)﴾ كانوا يتحرجون عن التجارة في الحج ويسمون من يخرج بالتجارة الداج (220) فرفع عنهم الجناح في ذلك ﴿أن تبتغوا﴾ في أن تبتغوا ﴿فضلا من ربكم﴾ أي: إعطاء منه وتفضلا وهو النفع والربح في التجارة ﴿فإذا أفضتم من عرفت﴾ أي: دفعتم بكثرة، وهو من إفاضة الماء وهو صبه بكثرة، وأصله: أفضتم أنفسكم، وعرفات علم للموقف سمي بجمع كأذرعات، وهي من الأسماء المرتجلة ﴿فاذكروا الله عند المشعر الحرام﴾ فيه دلالة على أن الوقوف بالمشعر الحرام فريضة، لأن ظاهر الأمر على الوجوب (221)، وإذا أوجب الله تعالى الذكر فيه فقد أوجب الكون فيه، والمعنى: فإذا أفضتم من عرفات فكونوا بالمشعر الحرام واذكروا الله عنده ﴿واذكروه كما هداكم﴾ " ما " مصدرية أو كافة، أي: اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة، أو اذكروه كما علمكم كيف تذكرونه ﴿وإن كنتم من قبله﴾ من قبل الهدى ﴿لمن الضالين﴾ أي: الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرونه وتعبدونه، و ﴿إن﴾ هي المخففة من الثقيلة.
وروي عن جابر: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما صلى الفجر بالمزدلفة بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل، ولم يزل واقفا حتى أسفر (222).
و ﴿المشعر﴾: المعلم، لأنه معلم للعبادة، ووصف بالحرام لحرمته، وسميت المزدلفة جمعا لأن آدم (عليه السلام) اجتمع فيها مع حواء، وازدلف منها أي: دنا منها، وقيل: لأنه يجمع فيها بين الصلاتين (223).
﴿ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (199) فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلق (200) ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار (201) أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب (202)﴾
ثم لتكن إفاضتكم ﴿من حيث أفاض الناس﴾ ولا تكن من المزدلفة، وذلك لما كان عليه الحمس (224) من الترفع على الناس عن أن يساووهم في الموقف، وقولهم: نحن أهل الله وسكان حرمه فلا نخرج منه، فيقفون بجمع وسائر الناس بعرفات، وقيل: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس وهم الحمس (225)، أي: من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات ﴿واستغفروا الله﴾ واطلبوا المغفرة من الله ﴿فإذا قضيتم مناسككم﴾ فإذا أديتم مناسككم، والمنسك: إما موضع النسك، أو مصدر جمع لأنه يشتمل على أفعال، أي: فإذا فرغتم من أفعال الحج ﴿فاذكروا الله كذكركم آباءكم﴾ فأكثروا ذكر الله وبالغوا فيه كما تفعلونه في ذكر آبائكم ومفاخرهم وأيامهم، وكانوا إذا قضوا مناسكهم وقفوا بين المسجد بمنى وبين الجبل فيعدون فضائل آبائهم ويذكرون أيامهم ﴿أو أشد ذكرا﴾ في موضع جر عطفا على ما أضيف إليه " الذكر " في قوله: ﴿كذكركم﴾ كما تقول: كذكر قريش آباءهم أو قوم أشد منهم ذكرا، أو في موضع نصب عطفا على ﴿آباءكم﴾ بمعنى: أو أشد ذكرا من آبائكم على أن ﴿ذكرا﴾ من فعل المذكور ﴿فمن الناس من يقول﴾ فإن الناس من بين مقل لا يطلب بذكر الله إلا الدنيا ومكثر يطلب خير الدارين، فكونوا من المكثرين ﴿آتنا في الدنيا﴾ اجعل إيتاءنا أي: إعطاءنا في الدنيا خاصة ﴿وماله في الآخرة من خلق﴾ يعني: من طلب خلاق أي: نصيب، لأن همه مقصور على الدنيا ﴿أولئك﴾ الداعون بالحسنتين ﴿لهم نصيب﴾ من جنس ما ﴿كسبوا﴾ من الأعمال الحسنة وهو الثواب الذي هو المنافع الحسنة، أو من أجل ما كسبوا، أو لهم نصيب مما دعوا به يعطيهم منه بحسب مصالحهم في الدنيا واستحقاقهم في الآخرة، وسمى الدعاء كسبا لأنه من الأعمال والأعمال موصوفة بالكسب، ويجوز أن يكون ﴿أولئك﴾ للفريقين جميعا ﴿والله سريع الحساب﴾ يحاسب الخلائق على كثرة عددهم وكثرة أعمالهم لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، وروي: أنه يحاسب الخلق في قدر حلب شاة (226)، وروي: في مقدار فواق ناقة (227)، وروي: في مقدار لمحة (228).
﴿واذكروا الله في أيام معدودا ت فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون (203)﴾ الأيام المعدودات: أيام التشريق، والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة، وذكر الله فيها التكبير في أعقاب الصلوات ﴿فمن تعجل﴾ أي: من تعجل في النفر أو استعجل النفر من منى ﴿في يومين﴾ بعد يوم النحر إذا فرغ من رمي الجمار ﴿فلا إثم عليه﴾ في التعجيل ﴿ومن تأخر﴾ حتى رمى في اليوم الثالث ﴿فلا إثم عليه لمن اتقى﴾ الصيد، وقيل: لمن اتقى الكبائر (229) ﴿واتقوا الله﴾ باجتناب معاصيه ﴿واعلموا أنكم إليه تحشرون﴾ فيجازيكم على أعمالكم.
﴿ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام (204) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد (205)﴾.
ثم ذكر سبحانه حال المنافقين بعد ذكره أحوال المؤمنين: ﴿ومن الناس من يعجبك قوله﴾ أي: يروقك ويعظم في قلبك ﴿في الحياة الدنيا﴾ الجار يتعلق بالقول، أي: يعجبك ما يقوله في معنى الدنيا لأنه يطلب به حظا من حظوظ الدنيا ﴿ويشهد الله على ما في قلبه﴾ من محبتك ﴿وهو ألد الخصام﴾ وهو شديد الجدال والمخاصمة، وإضافة ﴿ألد﴾ إلى ﴿الخصام﴾ بمعنى " في " كقولهم: ثبت الغدر ﴿وإذا تولى﴾ أي: ملك الأمر وصار واليا فعل بظلمه وسوء سريرته ما يفعله ولاة السوء من الفساد في الأرض بإهلاك ﴿الحرث والنسل﴾ وقيل: يظهر الظلم حتى يمنع الله بشؤم ظلمه القطر فيهلك الحرث والنسل (230)، وقيل: معناه وإذا تولى عنك وأعرض بعد إلانة المنطق (231) ﴿والله لا يحب﴾ العمل ب? ﴿الفساد﴾.
﴿وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد (206)﴾ ﴿أخذته العزة بالاثم﴾ من قولك: أخذته بكذا إذا حملته عليه وألزمته إياه، أي: حملته العزة التي فيه على الإثم المنهي عنه وألزمته ارتكابه.
﴿ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد (207)﴾ ﴿يشرى نفسه﴾ أي: يبيعها لـ ﴿ابتغاء مرضات الله﴾ أي: يبذل نفسه حتى يقتل، وقيل: نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) حين (232) بات على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهرب النبي إلى الغار (233)، وقيل: نزلت في كل مجاهد في سبيل الله (234)، ﴿والله رؤوف بالعباد﴾ حيث كلفهم الجهاد وعرضهم لثواب الشهداء.
﴿يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفة ولا تتبعوا خطوا ت الشيطان إنه لكم عدو مبين (208) فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم (209)﴾ ﴿السلم﴾ بكسر السين وفتحها، قال أبو عبيدة (235): السلم - بالكسر - والإسلام واحد، والسلم: الاستسلام، والمعنى: ادخلوا في الإسلام والطاعة (236)، وروى أصحابنا: أنه الدخول في الولاية (237) ﴿كآفة﴾ أي: جميعا لا يخرج أحد منكم يده عن طاعته، وهو من الكف كأنهم كفوا أن يخرج منهم أحد باجتماعهم ﴿فإن زللتم﴾ عن الدخول في السلم ﴿من بعد ما جاءتكم﴾ الحجج على أن ما دعيتم إليه حق ﴿فاعلموا أن الله عزيز﴾ غالب لا يعجزه الانتقام منكم ﴿حكيم﴾ لا ينتقم إلا بحق.
﴿هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضى الامر وإلى الله ترجع الأمور (210)﴾ إتيان الله: إتيان أمره وبأسه كقوله: ﴿أو يأتي أمر ربك﴾ (238) ﴿جاءهم بأسنا﴾ (239)، ويجوز أن يكون المأتي به محذوفا بمعنى: ﴿أن يأتيهم الله﴾ ببأسه للدلالة عليه بقوله: ﴿فاعلموا أن الله عزيز﴾ يعني: غالب وقهار ﴿في ظلل من الغمام﴾ جمع ظلة وهي ما أظلك ﴿والملائكة﴾ بالرفع، وقد قرئ بالجر (240) عطفا على ﴿ظلل﴾ أو ﴿الغمام﴾، ﴿وقضى الامر﴾ وأتم أمر إهلاكهم وفرغ منه، وقرئ: ﴿ترجع﴾ و " يرجع " (241) بالتأنيث والتذكير فيهما.
﴿سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب (211)﴾ ﴿سل﴾ أمر للرسول أو لكل أحد ﴿كم آتيناهم من آية بينة﴾ أي: دلالة معجزة على أيدي أنبيائهم، أو آية في التوراة شاهدة على صحة نبوة محمد (صلى الله عليه وآله): فمنهم من آمن ومنهم من جحد، ومنهم من أقر ومنهم من بدل ﴿ومن يبدل نعمة الله﴾ آيات الله التي هي أجل نعمة من الله لكونها أسباب الهدى والنجاة من النار، وتبديلهم إياها: أن الله سبحانه أظهرها لتكون أسباب نجاتهم فجعلوها أسباب ضلالتهم، أو حرفوا آيات التوراة الدالة على نعت محمد (صلى الله عليه وآله)، و ﴿كم﴾ يحتمل معنى الاستفهام والخبر معا ﴿من بعد ما جاءته﴾ معناه: من بعد ما تمكن من معرفتها أو من بعد ما عرفها ﴿فإن الله شديد العقاب﴾ له.
﴿زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة والله يرزق من يشاء بغير حساب (212)﴾ الذي زين لهم ﴿الدنيا﴾ هو الشيطان حسنها في أعينهم بوساوسه فلا يريدون غيرها، ويجوز أن يجعل ما خلق الله فيها من الأشياء المشتهيات وما ركبه فيهم من الشهوة لها تزيينا، لأن التكليف لا يتم إلا مع الشهوة ﴿ويسخرون من الذين آمنوا﴾ لزهدهم فيها أو من المؤمنين الذين لاحظ لهم منها ﴿والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة﴾ لأنهم في عليين وهم في سجين، أو حالهم عالية لحالهم لأنهم في كراهة وهم في هوان ﴿والله يرزق من يشاء بغير حساب﴾ بغير تقدير فيوسع الله على من توجب الحكمة التوسعة عليه، أو يعطي أهل الجنة مالا يأتي عليه الحساب.
1- في نسخة: المضمر.
2- نسبه السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 137 إلى مقاتل.
3- في بعض النسخ: اعترض.
4- النساء: 10.
5- هود: 87.
6- البقرة: 111.
7- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 161 عن ابن عباس، وانظر الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 342. .
8- رواها في الكشاف: ج 1 ص 166، وأوردها في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 164.
9- أبو القاسم حبيب بن مظهر أو مظاهر بن رئاب ابن الأشتر الأسدي الكندي ثم الفقعسي. وكان ذا جمال وكمال، وفي وقعة كربلاء كان عمره 75 سنة، وكان يحفظ القرآن كله، ويختمه في كل ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، قال أهل السير: إن حبيبا نزل الكوفة وصحب عليا (عليه السلام) في حروبه كلها، وكان من خاصته وحملة علومه، استشهد مع الحسين (عليه السلام) في كربلاء سنة 61 ه?. (أعيان الشيعة: ج 4 ص 554).
10- في نسخة: الطغام.
11- رجال الكشي: ص 79، سفينة البحار: ج 1 ص 203 - 204.
12- رواه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 95 عن ابن عباس عنه (صلى الله عليه وآله)، ونقله في الكشاف: ج 1 ص 167 مرفوعا.
13- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 168 عن ابن عباس، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 96 عن أبي العالية والربيع.
14- الصافات: 164.
15- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 168، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 96.
16- انظر الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 343 - 344.
17- راجع أسباب النزول للواحدي: ص 33، وتفسير البغوي: ج 1 ص 96، والكشاف: ج 1 ص 169، قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف: ص 9 ما لفظه: ذكره الثعلبي والواحدي والبغوي فقالوا: روى ابن عباس أن حبرا...، ولم أقف له على سند ولعله من تفسير الكلبي عن أبي صالح.
18- حكاه عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 171.
19- في بعض النسخ: العهود.
20- الأنفال: 56.
21- في نسخة زيادة: عطف على السحر، أي يعلمونهم ما انزل على الملكين و.
22- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 183.
23- بابل بكسر الباء: اسم ناحية الكوفة والحلة، وقيل: بابل العراق، وقيل: أول من سكنها نوح (عليه السلام)، وهو أول من عمرها، وكان قد نزلها بعقب الطوفان، فسار هو ومن خرج معه من السفينة إليها لطلب الدفء فأقاموا بها وتناسلوا فيها وكثروا من بعد نوح (عليه السلام). (معجم البلدان: ج 1 ص 447).
24- البقرة: 249.
25- الفرك - بالكسر والفتح - البغضة عامة، أو خاص ببغضة الزوجين. (القاموس المحيط: مادة فرك).
26- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 187، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 174.
27- افترص فلانا ظلما: اقتطعه، أي: تمكن بالوقيعة في عرضه. (أقرب الموارد).
28- في بعض النسخ: باذن.
29- في نسخة: الاستعانة.
30- البقرة: 93، النساء: 46.
31- الزخرف: 32.
32- الاسراء: 87.
33- في نسخة: يتعبد.
34- النساء: 153.
35- البقرة: 45.
36- البقرة: 135.
37- في بعض النسخ زيادة: حسدا.
38- في نسخة: أو.
39- الاسراء: 94.
40- أوردها في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 189.
41- كابن زيد والبلخي والجبائي والرماني. انظر التبيان: ج 1 ص 416.
42- وهو قول الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 74، وحكاه الشيخ في التبيان: ج 1 ص 416 عن ابن عباس ومجاهد.
43- رواها الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 180.
44- أورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 190 عن السدي، وراجع تفسير السمرقندي: ج 1 ص 151، والماوردي: ج 1 ص 175.
45- البقرة: 144.
46- وهو قول عمر وابنه عبد الله. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 175، وأسباب النزول للواحدي: ص 38 - 39.
47- أورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 ص 191.
48- في نسخة: كقولهم.
49- قاله الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 178.
50- في نسخة زيادة: فقد.
51- وهو قول ابن عباس ومجاهد. انظر تفسير الماوردي: ج 1 ص 180.
52- في نسخة زيادة: الله.
53- الذاريات: 53.
54- كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 169، إعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 209، والتيسير في القراءات للداني: ص 76، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 262، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 368.
55- قاله الأخفش كما حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 1 ص 438.
56- في نسخة: بجهدك.
57- تفسير العياشي: ج 1 ص 57 ح 84، وعنه البرهان: ج 1 ص 147 ح 3.
58- في ص 60، فراجع.
59- الاستحداد: الاحتلاق بالحديد. (القاموس المحيط: مادة حدد).
60- نسبه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 183 إلى ابن عباس وقتادة، وفي تفسير البغوي: ج 1 ص 111: هو قول ابن طاووس عن ابن عباس.
61- الآية: 112.
62- الآية: 35.
63- المؤمنون: 9.
64- المعارج: 34.
65- قاله ابن عباس على ما حكاه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 111.
66- وهو قول الربيع وقتادة. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 112.
67- رواه الصدوق عنه (عليه السلام) في الخصال: ص 305 ح 84.
68- العنكبوت: 67.
69- قرأه نافع وابن عامر وشريح والذماري. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 169، والتبيان: ج 1 ص 452، والكشف عن وجوه القراءات السبع للقيسي: ج 1 ص 264، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 384.
70- راجع تفصيل ذلك في كتاب الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 171، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 322.
71- الحاقة: 21.
72- وهي قراءة ابن عباس وابن عامر والمطوعي وشبل وابن محيصن والذماري وشريح. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 322، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 170، والتيسير في القراءات للداني: ص 76، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 384.
73- جمع ساف: وهو كل عرق (أي الصف من الحجر في الحائط) من الحائط. (القاموس المحيط: مادة سوف).
74- حكاه الشيخ في التبيان: ج 1 ص 462 عن ابن عباس.
75- البقرة: 112.
76- النور: 55.
77- تفسير العياشي: ج 1 ص 61 ح 101، وعنه البرهان: ج 1 ص 156 ح 12.
78- قرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وابن محيصن وأبو شعيب ومجاهد والسوسي وأبو حاتم وقتادة والسدي وعمر بن عبد العزيز ورويس وروح. راجع الحجة في علل القراءات للفارسي: ج 2 ص 173، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 170، وإعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 213، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 114، والحجة لابن خالويه: ص 78.
79- في بعض النسخ زيادة: تخفيف.
80- انظر الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 374.
81- منسد أحمد بن حنبل: ج 4 ص 127 و ج 5 ص 262. 2) قاله الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 79، وعنه الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 376.
82- قاله الأخفش في معاني القرآن: ج 1 ص 338، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 211.
83- قاله عطاء والكلبي. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 118، واختاره ابن كثير في تفسيره: ج 1 ص 176.
84- وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر والذماري وشريح. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 171، وتفسير السمرقندي: ج 1 ص 159، والتيسير في القراءات للداني: ص 77، والحجة لأبي زرعة: ص 115، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 398، وهي في مصاحف أهل الحجاز والشام كما في الكشاف: ج 1 ص 191.
85- الزخرف: 28.
86- الزخرف: 26 و 27.
87- قاله الربيع كما في التبيان: ج 1 ص 475.
88- اختاره الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 193، وذكره الهمداني في الفريد في إعراب القرآن: ج 1 ص 378.
89- انظر تفصيل ذلك في الكشاف: ج 1 ص 194، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 380.
90- عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي، أبو وهب وأبو طريف، أمير، صحابي، من الأجواد العقلاء، كان رئيس طي في الجاهلية والاسلام، كان إسلامه سنة 9 ه?، وشهد فتح العراق، ثم سكن الكوفة وشهد الجمل وصفين والنهروان مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد فقئت عينه يوم صفين. روى عنه المحدثون 66 حديثا، عاش أكثر من مائة سنة، توفي بالكوفة سنة 68 ه?. (الإصابة: ج 2 ص 468 ت 5475، وخزانة الأدب للبغدادي: ج 1 ص 139، والروض الأنف: ج 2 ص 343، وإمتاع الاسماع: ج 1 ص 509، ورغبة الآمل: ج 6 ص 135).
91- حكاه عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 194.
92- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 213.
93- الروم: 6.
94- في بعض النسخ: المعهودية.
95- في نسخة: لكرامته.
96- في نسخة: حكمة.
97- وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم برواية أبي بكر وأبي جعفر ويعقوب. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 171، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 266، والتيسير في القراءات للداني: ص 77، والحجة في القراءات لأبي زرعة ص 115، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 414.
98- آل عمران: 67.
99- التوبة: 1.
100- قائل ذلك السدي. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 197.
101- في بعض النسخ: ملة.
102- حكاه الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 218، والماوردي في تفسيره: ج 1 ص 197.
103- في نسخة: محوطة.
104- رواه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 199.
105- شواهد التنزيل: ج 1 ص 92، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 224.
106- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 220، وعنه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 199.
107- المائدة: 117.
108- في نسخة: طرف.
109- قاله الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 200، والبغوي أيضا في تفسيره: ج 1 ص 123. .
110- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 200.
111- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 221.
112- قائل البيت: عبيد بن الأبرص الأسدي وعجزه: كأن أثوابه مجت بفرصاد. وفيه يظهر مقام التمدح بشجاعته والافتخار بها، يقول: كل من يدعي القرن لي أي: المثل في شجاعتي أرديه قتيلا مصفرة أصابعه، وهي كناية على الموت، يقال: إذا مات الميت اصفرت أنامله، ودميت ملابسه بصبغة الدم التي شبهها بحمرة الفرصاد وهو التوت. والبيت هذا قد تداوله الشعراء، فبعضهم أخذ بعضه، وبعضهم أخذه بتمامه بلفظه، وبعضهم أخذ معناه. قال أبو المثلم الهذلي يرثي صخرا الهذلي: ويترك القرن مصفرا أنامله * كأن في ريطتيه نضح إرقان وقال زهير بن مسعود الضبي: هل أترك القرن مصفرا أنامله * قد بل أثوابه من جوفه العلق انظر ديوان عبيد بن الأحوص: ص 47 - 49، والأغاني لأبي فرج الأصفهاني: ج 19 ص 89، ومغني اللبيب: ص 231، وخزانة الأدب للبغدادي: ج 11 ص 253 - 260.
113- ذكره الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 202، وفصله الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 202 وعزاه إلى ابن عباس ومجاهد وابن زيد.
114- قاله مجاهد على ما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 125.
115- قاله الرازي في تفسيره: ج 4 ص 130.
116- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 241، والهمداني في الفريد في إعراب القرآن: ج 1 ص 389.
117- قاله ابن عباس وقتادة والربيع وابن زيد. راجع التبيان: ج 2 ص 21، وتفسير الرازي: ج 4 ص 129.
118- قاله الأخفش في معاني القرآن: ج 1 ص 343، وعنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 126، واختاره السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 166.
119- وهي قراءة ابن عباس وابن عامر وأبي رجاء وعاصم برواية أبي بكر والذماري وشريح والمروي عن الباقر (عليه السلام). راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 171، والتبيان: ج 2 ص 23، والتيسير في القراءات للداني: ص 77، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 117، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 267، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 437، والفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 391، وحسنه الزجاج في معاني القرآن واعرابه: ج 1 ص 225.
120- قاله البغوي في تفسيره: ج 1 ص 126، والسمرقندي أيضا في تفسيره: ج 1 ص 166.
121- تفسير العياشي: ج 1 ص 64 - 67 ح 117 و 118، وأوردها المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 231.
122- في نسخة: عطف.
123- قاله الأخفش في معاني القرآن: ج 1 ص 344، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 128.
124- ذكره الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 206، والزبيدي في الاتحاف: ج 9 ص 85.
125- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 130.
126- انظر الكشاف: ج 1 ص 206.
127- قاله الكلبي. راجع تفسير السمرقندي: ج 1 ص 169.
128- في نسخة: أي.
129- أورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 238.
130- الحديد: 27.
131- التوبة: 117.
132- في نسخة: الثواب.
133- انظر تفسير العياشي: ج 1 ص 69 ح 131.
134- رواها الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 208.
135- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 210.
136- قاله أبو العالية. راجع التبيان: ج 2 ص 51.
137- في بعض النسخ: هكذا.
138- في نسخة: لجميع.
139- راجع أسباب النزول للواحدي: ص 47، وتفسير البغوي: ج 1 ص 135.
140- الحيا: المطر. (القاموس المحيط: مادة حيا).
141- قاله السدي. راجع التبيان: ج 2 ص 62.
142- تفسير العياشي: ج 1 ص 72 ح 142، وعنه البرهان: ج 1 ص 172 ح 3، واثبات الهداة: ج 1 ص 262.
143- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 237، وعنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 136.
144- قرأه نافع وابن عامر ويعقوب والذماري وشريح وأبو جعفر النهرواني والحسن وقتادة وشيبة والفضل بن شاذان. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 137، والتبيان: ج 2 ص 61، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 173، ومعاني القرآن للأخفش: ج 1 ص 153، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 471.
145- وهي قراءة ابن عامر والذماري وشريح. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 173، والتبيان: ج 2 ص 61، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 471.
146- الأعراف: 44.
147- قاله ابن عباس على ما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 138.
148- في نسخة: كمثل بهائم.
149- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 214.
150- التبيان: ج 2 ص 76، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 257 ونسبه إلى أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، وعنه البرهان: ج 1 ص 175 ح 9.
151- نسبه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 89 إلى الحسن وواصل وأبي علي.
152- وهو قول الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 103، وعنه في التبيان: ج 2 ص 91.
153- في نسخة زيادة: الأولين.
154- قاله قتادة ومقاتل بن حيان. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 142.
155- البيت للخنساء ترثي أخاها صخرا وصدره: ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت. راجع ديوانها ص 48، والكامل للمبرد: ج 1 ص 374، و ج 3 ص 1356 و 1412، والمقتضب: ج 3 ص 230، و ج 4 ص 305.
156- هو محمد بن يزيد المعروف ب? " المبرد "، إمام نحاة البصرة في عصره، وإليه انتهى علم العربية بعد طبقة الجرمي والمازني، ولد بالبصرة سنة 210 ه?، وطلب العلم صغيرا، وتلقى على أعلام البصرة النحو واللغة والتصريف، ظل بالبصرة حتى سنة 246 ه?، ففي هذه السنة ورد " سر من رأى " بطلب من المتوكل، فحضر مجلسه ونال عطاياه، ولما قتل المتوكل سنة 247 ه?. رحل إلى بغداد وتوفي فيها سنة 285 ه?. (سير النبلاء للذهبي: ج 9 ص 136، وطبقات النحاة للسيرافي: ص 204، ومختصر طبقات النحاة للزبيدي: ص 607 - 609، وفهرست المؤلفين: ج 12 ص 114، وتاريخ بغداد: ج 3 ص 380 - 387، ومروج الذهب: ج 8 ص 190).
157- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 218.
158- في نسخة زيادة: (رضي الله عنه) رواية عن رسول الله حين سئل عنه أي الصدقة أفضل؟فقال (عليه السلام).
159- مستدرك الحاكم: ج 2 ص 272، والكشاف: ج 1 ص 218، وفي تفسير البغوي: ج 1 ص 143 بسنده عن أبي هريرة عنه (صلى الله عليه وآله).
160- حكاه الشيخ في التبيان: ج 1 ص 96.
161- حكاه الشيخ في التبيان: ج 1 ص 96.
162- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 24، وعنه في تفسير ابن كثير: ج 1 ص 197، ونسبه الجصاص في أحكام القرآن: ج 1 ص 132، والشيخ في التبيان: ج 1 ص 96 إلى قتادة.
163- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 219، والطبري في تفسيره: ج 2 ص 102.
164- نقله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 219 مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وأخرجه أحمد وأبو داود وابن أبي حاتم عن الحسين بن علي (عليهما السلام) عنه (صلى الله عليه وآله) كما في الدر المنثور: ج 1 ص 415.
165- نسبه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 227 إلى الشافعي.
166- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 220، وابن كثير في تفسيره: ج 1 ص 198.
167- تفسير العياشي: ج 1 ص 75 ح 158، وعنه البرهان: ج 1 ص 176 ح 6.
168- انظر الناسخ والمنسوخ للقاضي أبي بكر ابن العربي: ج 2 ص 17 - 18.
169- المصنف لعبد الرزاق: ج 4 ص 148 - 149 ح 7277، سنن الترمذي: ج 4 ص 433 ح 2120 و 2121، سنن البيهقي: ج 6 ص 244 و 264 و 363.
170- انظر التبيان: ج 2 ص 107 - 108.
171- تفسير العياشي: ج 1 ص 76 ح 164، وعنه البرهان: ج 1 ص 177 ح 5.
172- حكاه عنه (عليه السلام) الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 225.
173- يوسف: 20.
174- سنن ابن ماجة: ج 1 ص 532 ح 1666، سنن البيهقي: ج 4 ص 244، الترغيب والترهيب للمنذري: ج 2 ص 134.
175- حكاه عنه (عليه السلام) المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 272، وقد نسب هذه القراءة ابن غالبون في التذكرة: ج 2 ص 329 إلى نافع وابن ذكوان.
176- في نسخة: في.
177- وهي قراءة حمزة والكسائي وعيسى بن عمر ويحيى بن وثاب والأعمش. راجع التيسير في القراءات للداني: ص 77، والحجة في القراءات لابن خالويه: ص 90، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 269، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 38.
178- انظر الناسخ والمنسوخ لقتادة: ص 40، والناسخ والمنسوخ للزهري: ص 16، والناسخ والمنسوخ لابن البارزي: ص 25، والناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم لابن حزم: ص 26.
179- الكافي: ج 4 ص 116 ح 5.
180- حكاه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 2 ص 121 عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن، ثم قال: وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).
181- قاله مجاهد. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 240.
182- في نسخة زيادة: في الدين.
183- ق: 16.
184- أوردها الشيخ في التبيان: ج 2 ص 131.
185- تفسير القمي: ج 1 ص 66، وعنه البرهان: ج 1 ص 186 ح 7.
186- قاله قتادة وابن زيد. راجع الكشاف: ج 1 ص 231، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 50.
187- مسند أحمد بن حنبل: ج 4 ص 271، سنن البيهقي: ج 5 ص 264 و 334، مشكل الآثار للطحاوي: ج 1 ص 323، إتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 6 ص 32 و 472.
188- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 233، واختاره ابن عطية على ما حكاه عنه أبو حيان في بحره: ج 2 ص 56 وقال: وهو حسن.
189- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 235.
190- ذكره الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 251 ونسبه إلى الربيع وابن زيد.
191- التوبة: 36. .
192- انظر الناسخ والمنسوخ للزهري: ص 17، والناسخ والمنسوخ لابن البارزي: ص 26، والناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم للقاضي أبي بكر ابن العربي: ج 2 ص 57 - 58.
193- الذاريات: 14.
194- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 236، وأبو حيان في البحر المحيط: ج 2 ص 66.
195- قاله الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 236.
196- قرأه حمزة والكسائي والأعمش. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 179، والتبيان: ج 2 ص 145، والتيسير في القراءات للداني: ص 80، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 285، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 67، وتفسير البغوي: ج 1 ص 162.
197- الأنفال: 38.
198- في نسخة: بأيديكم.
199- قاله ابن عباس ومقاتل. راجع تفسير السمرقندي: ج 1 ص 190.
200- قاله الجبائي كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 152، والمصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 289.
201- وبه قال الحسن وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وعطاء وسعيد بن جبير وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء والشافعي. راجع التبيان: ج 2 ص 155.
202- انظر المحلى لابن حزم: ج 7 ص 206.
203- كما في تهذيب الأحكام للطوسي: ج 5 ص 333 ح 61، والاستبصار: ج 2 ص 195 ح 2.
204- الكافي: ج 4 ص 358 ح 2، تهذيب الأحكام للطوسي: ج 5 ص 333 ح 60، الاستبصار: ج 2 ص 195 ح 1، التبيان: ج 2 ص 158، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 291. والنسك بالضم وبضمتين: الذبيحة. (القاموس المحيط: مادة نسك).
205- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 241 عن كعب بن عجرة، والصدوق في الفقيه: ج 2 ص 358 ح 2697 مرسلا.
206- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 268، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 170.
207- راجع الخلاف للشيخ الطوسي: ج 2 ص 446 - 447.
208- هو النعمان بن ثابت بن زوطى، التيمي بالولاء الكوفي، ولد حوالي سنة 80 ه? بالكوفة، وكان جده زوطى قد جلب من فارس إلى الكوفة عبدا وأعتقه سيده وكان من قبيلة تيم الله، وقيل: إن جده زوطى من أهل كابل، وقيل: من الأنبار. إمام الحنفية، الفقيه المجتهد، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة، كان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ثم انقطع للتدريس والافتاء، أخذ الفقه عن حماد بن أبي سليمان، ويروى عنه انه تولى حلقة الدرس أثناء سفر شيخه حماد إلى البصرة، وبعد عودة حماد من سفره أعلن خطأ عشرين إجابة من إجابات أبي حنيفة الستين على أسئلة وجهت إليه. وسمع عطاء بن أبي رباح وأبا إسحاق السبيعي ومحارب بن دثار ونافعا مولى ابن عمر. روى عنه عبد الله بن المبارك ووكيع وأبو يوسف والشيباني وزفر وغيرهم. حضر مجلس درس الصادق (عليه السلام) لمدة عامين حتى تواتر عنه قوله: لولا السنتان لهلك النعمان، وقوله: جعفر بن محمد أفقه من رأيت، حتى عده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السلام)، وله قياسات عجيبة ذكرها العلماء في كتبهم كالجصاص والذهبي وغيرهما، ويقال: إنه كان يميل في آرائه العقيدية إلى المرجئة. (تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 10 ص 449 - 451، ووفيات الأعيان: ج 5 ص 39 - 47، وميزان الاعتدال: ج 4 ص 265، والأعلام للزركلي: ج 8 ص 36، وراجع رجال الطوسي: ص 325 ت 23، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 19 ص 163 - 165).
209- انظر اللباب: ج 1 ص 217، وأحكام القرآن لابن العربي: ج 3 ص 1278، وبداية المجتهد: ج 1 ص 367، والبحر الزخار: ج 3 ص 394.
210- محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي الشافعي الحجازي المكي، أبو عبد الله، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنسب الشافعية، ولد بغزة بفلسطين سنة 150 ه?، وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين فنشأ بها وبمدينة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقدم بغداد مرتين وحدث بها، وخرج إلى مصر فنزلها إلى حين وفاته، ودفن بها آخر يوم من رجب سنة 204 ه?. من تصانيفه: المسند في الحديث، إثبات النبوة والرد على البراهمة، والمبسوط في الفقه. (سير النبلاء للذهبي: ج 7 ص 166، وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 3 ص 305 - 310).
211- انظر الام: ج 2 ص 217، ومختصر المزني: ص 74، والمغني لابن قدامة: ج 3 ص 583.
212- قاله ابن عمر وابن عباس ومجاهد وعطاء واختاره الشيخ الطوسي. راجع التبيان: ج 2 ص 164.
213- الداج: المكارون والأعوان والتجار، ومنه الحديث: " هؤلاء الداج وليسوا بالحاج " راجع (القاموس المحيط: مادة داج).
214- في نسخة: يقتضي الايجاب.
215- رواها الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 246، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 175.
216- قاله قتادة. راجع الكشاف: ج 1 ص 246.
217- الحمس بضم الحاء وسكون الميم: الأمكنة الصلبة، جمع أحمس وبه لقب قريش. (القاموس المحيط: مادة حمس).
218- حكاه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 247.
219- رواها الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 249، وأبو حيان في البحر المحيط: ج 2 ص 106. والفواق - بضم الفاء وفتحها -: ما بين الحلبتين من الوقت، أو ما بين فتح يدك وقبضها على الضرع. (انظر القاموس المحيط: مادة فوق).
220- تقدم آنفا تحت رقم 1.
221- تقدم آنفا تحت رقم 1.
222- قاله قتادة عن ابن مسعود. راجع تفسير القرطبي: ج 3 ص 14.
223- قاله مجاهد. راجع تفسير البغوي: ج 1 ص 180.
224- قاله الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 251.
225- في نسخة: حيث.
226- حكاه الشيخ في التبيان: ج 2 ص 183 عن أبي جعفر (عليه السلام) وعمر بن شبة.
227- قاله الحسن. راجع تفسيره: ج 1 ص 148، ونسبه الطبري في تفسيره: ج 2 ص 333 إلى قتادة.
228- هو معمر بن المثنى التيمي، تيم قريش أو تيم بني مرة على خلاف بينهم، وهو على القولين معا مولى لتيم، وقد اختلفوا في مولده، ولعل الأقرب إلى الصحة أنه ولد في سنة 110 ه?، والمراجع تضعه في عداد علماء أهل البصرة فلعله ولد فيها، وتوفي فيما بين سنتي 209، و 213 ه? وقد عمر. ومن أخباره أنه بلغه أن الأصمعي يعيب عليه كتاب المجاز، فقال: يتكلم في كتاب الله تعالى برأيه! فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو، فركب حماره في ذلك اليوم، ومر بحلقته، فنزل عن حماره وسلم عليه، وجلس عنده وحادثه ثم قال له: أبا سعيد، ما تقول في الخبز أي شئ هو؟فقال: الذي تخبزه وتأكله، فقال أبو عبيدة: قد فسرت كتاب الله تعالى برأيك، فإن الله تعالى قال: * (وقال الآخر إني أريني أحمل فوق رأسي خبزا) * فقال الأصمعي: هذا شئ بان لي، فقلته ولم أفسره برأيي، فقال أبو عبيدة: والذي تعيب علينا كله شئ بان لنا فقلناه، ولم نفسره برأينا، وقام وركب حماره وانصرف. (أخبار النحويين للسيرافي: ص 67، ومختار أخبار النحويين: ص 150، ووفيات الأعيان لابن خلكان: ج 4 ص 313 - 331، والأغاني: ج 5 ص 107).
229- مجاز القرآن: ج 1 ص 71 - 72.
230- انظر الكافي: ج 1 ص 417 ح 29، وتفسير القمي: ج 1 ص 71.
231- النحل: 33.
232- الأعراف: 5.
233- قرأه أبو جعفر والحسن وأبو حياة. راجع التبيان: ج 2 ص 188، وتفسير البغوي: ج 1 ص 184، وإعراب القرآن للنحاس: ج 1 ص 251، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 125.
234- قرأه نافع وخارجة. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 181، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 125.
235- انظر تفسير الميزان: ج 2 ص 112 - 127 ففيه تفصيل ممتع وبحث مرتع حول الانسان وشعوره وعلومه وكونه مدنيا واجتماعيا بالطبع ثم حدوث الاختلاف بين أفراده ودور الدين في رفعه، فراجع.
236- حكاه عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 255.
237- قاله ابن عباس والحسن وعطاء واختاره الجبائي. راجع التبيان: ج 2 ص 194، وتفسير البغوي: ج 1 ص 186.
238- و.
239- في بعض النسخ: الخلاف.
240- في نسخة: للتقريع.
241- قرأه نافع ومجاهد وابن محيصن وشيبة والأعرج. انظر الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 232، والسبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 181، والتبيان: ج 2 ص 198، والتيسير في القراءات للداني: ص 80، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 131، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 2 ص 140.