سورة البقرة

مدنية (1) (2)، وهي مائتان وست وثمانون آية كوفي، وسبع بصري ﴿ألم﴾ و ﴿تتفكرون﴾ (3) كوفي، ﴿إلا خائفين﴾ (4) و ﴿قولا معروفا﴾ (5) و ﴿الحي القيوم﴾ (6) بصري.

عن أبي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " من قرأ سورة البقرة فصلوات الله عليه ورحمته، وأعطي من الأجر كالمرابط في سبيل الله سنة لا تسكن روعته "، وقال لي: " يا أبي، مر المسلمين أن يتعلموا سورة البقرة فإن تعلمها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة "، قلت: يا رسول الله من البطلة؟قال: " السحرة " (7).

وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأ البقرة وآل عمران جاء يوم القيامة يظلان (8) على رأسه مثل الغمامتين أو مثل الغيايتين " (9) (10).

﴿بسم الله الرحمن الرحيم ألم (1)﴾ اختلف في هذه الفواتح المفتتح بها السور، فورد عن أئمتنا (عليهم السلام): أنها من المتشابهات التي استأثر الله بعلمها، ولا يعلم تأويلها غيره (11).

وعن الشعبي (12) قال: لله تعالى في كل كتاب سر، وسره في القرآن حروف التهجي في أوائل السور (13).

وقال الأكثرون في ذلك وجوها: منها: أنها أسماء للسور، تعرف كل سورة بما افتتحت به.

ومنها: أنها أقسام أقسم الله تعالى بها لكونها مباني كتبه، ومعاني أسمائه وصفاته، وأصول كلام الأمم كلها.

ومنها: أنها مأخوذة من صفات الله عز وجل، كقول ابن عباس في ﴿كهيعص﴾: إن الكاف من كاف، والهاء من هاد، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، و ﴿ألم﴾ معناه: أنا الله أعلم (14).

ومنها: أن كل حرف منها يدل على مدة قوم وآجال آخرين، إلى غير ذلك من الوجوه (15).

على أن هذه الفواتح وغيرها من الألفاظ التي يتهجى بها عند المحققين أسماء مسمياتها حروف الهجاء (16) التي ركبت منها الكلم، وحكمها أن تكون موقوفة كأسماء الأعداد، تقول: ألف، لام، ميم، كما تقول: واحد، اثنان، ثلاثة، فإذا وليتها العوامل أعربت، فقيل: هذه الف، وكتبت لاما، ونظرت إلى ميم.

قال الشاعر: إذا اجتمعوا على ألف وياء * وواو هاج بينهم جدال (17) ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين(2)﴾

إن جعلت ﴿ألم﴾ اسما للسورة، ففيه وجوه: أحدها: أن يكون ﴿ألم﴾ مبتدأ، و ﴿ذلك﴾ مبتدأ ثانيا، و ﴿الكتاب﴾ خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، فيكون المعنى: إن ذلك هو الكتاب الكامل الذي يستأهل أن يسمى كتابا، كأن ما سواه من الكتب ناقص بالإضافة إليه، كما تقول: هو الرجل، أي: الكامل في الرجولية.

والثاني: أن يكون الكتاب صفة، فيكون المعنى: هو ﴿ذلك الكتاب﴾ الموعود.

والثالث: أن يكون التقدير: " هذه ألم " فتكون جملة، و ﴿ذلك الكتاب﴾ جملة أخرى.

وإن جعلت ﴿ألم﴾ بمنزلة الصوت كان ﴿ذلك﴾ مبتدأ و ﴿الكتاب﴾ خبره، أي: ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل، أو الكتاب صفة والخبر ما بعده، أو قدر مبتدأ محذوف، أي: هو - يعني المؤلف من هذه الحروف - ذلك الكتاب.

والريب: مصدر رابه يريبه إذا حصل فيه الريبة، وحقيقة الريبة: قلق النفس واضطرابها، وفي الحديث: " دع ما يريبك إلى مالا يريبك " (18) والمعنى أنه من وضوح دلالته بحيث لا ينبغي أن يرتاب فيه، إذ لا مجال للريبة فيه.

والمشهور الوقف على ﴿فيه﴾، وبعض القراء يقف على ﴿لا ريب﴾، ولابد لمن يقف عليه أن ينوي خبرا، ونظيره قوله: لا ضير، والتقدير: " لا ريب فيه، فيه هدى "، والهدى: مصدر على فعل كالسرى، وهو الدلالة الموصلة إلى البغية، وقد وضع المصدر الذي هو ﴿هدى﴾ موضع الوصف الذي هو " هاد "، والمتقي في الشريعة هو الذي يقي نفسه تعاطي ما يستحق به العقاب من فعل أو ترك، وسماهم عند مشارفتهم لاكتساء لباس التقوى متقين، كقول النبي (صلى الله عليه وآله): " من قتل قتيلا فله سلبه " (19) وقوله تعالى: ﴿ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا﴾ (20) أي: صائرا إلى الفجور والكفر، فكأنه قال: هدى للصائرين إلى التقى، ولم يقل: " هدى للضالين " لأن الضالين فريقان: فريق علم بقاؤهم على الضلالة وفريق علم مصيرهم إلى الهدى، فلا يكون هدى لجميعهم، وأيضا: فقد صدرت السورة التي هي أولى الزهراوين (21) وسنام القرآن وأول المثاني بذكر المرتضين من عباد الله وهم المتقون.

﴿الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة﴾ الموصول: إما أن يكون مجرورا بأنه صفة للمتقين أو منصوبا أو مرفوعا على المدح على تقدير: أعني الذين يؤمنون، أو هم الذين يؤمنون.

وإما أن يكون منقطعا عما قبله مرفوعا على الابتداء وخبره ﴿أولئك على هدى﴾، والإيمان إفعال من الأمن يقال: أمنت شيئا وآمنت غيري، ثم يقال: آمنه إذا صدقه، وحقيقته آمنه التكذيب والمخالفة، وعدي بالباء فقيل: آمن به، لأنه ضمن معنى: أقر واعترف، ويجوز أن يكون على قياس فعلته فأفعل، فيكون " آمن " بمعنى صار ذا أمن في نفسه بإظهار التصديق.

وحقيقة الإيمان في الشرع هو المعرفة بالله وصفاته وبرسله وبجميع ما جاءت به رسله، وكل عارف بشئ فهو مصدق به.

ولما ذكر سبحانه الإيمان علقه بالغيب ليعلم أنه التصديق لله تعالى فيما أخبر به رسوله مما غاب عن العباد علمه: من ذكر القيامة والجنة والنار وغير ذلك، ويجوز أن يكون ﴿بالغيب﴾ في موضع الحال، ولا يكون صلة لـ ﴿يؤمنون﴾، أي: يؤمنون غائبين عن مرأى الناس، وحقيقته متلبسين (22) بالغيب، كقوله: ﴿يخشون ربهم بالغيب﴾ (23) فيكون الغيب بمعنى: الغيبة والخفاء، وعلى المعنى الأول يكون الغيب بمعنى: الغائب، من قولك: غاب الشئ غيبا، فيكون مصدرا سمي به.

ثم عطف - سبحانه - على الإيمان بذكر الصلاة التي هي رأس العبادات البدنية، فقال: ﴿ويقيمون الصلاة﴾ أي: يحافظون عليها ويتشمرون لأدائها، من قولهم: قام بالأمر، أو (24) يؤدونها، فعبر عن الأداء بالإقامة، أو يعدلون أركانها، من قولهم: أقام العود إذا قومه.

﴿ومما رزقناهم ينفقون (3)﴾ ثم عطف على ذلك بالعبادة المالية التي هي الإنفاق، فقال: ﴿ومما رزقناهم﴾ أسند الرزق إلى نفسه للإعلام بأنهم ﴿ينفقون﴾ الحلال الطلق الذي يستأهل أن يسمى رزقا من الله، و " من " للتبعيض، فكأنه يقول: ويخصون بعض المال الحلال بالتصدق به.

وجائز أن يراد به الزكاة المفروضة لاقترانه بالصلاة، وأن تراد هي وغيرها من الصدقات والنفقات في وجوه البر لمجيئه مطلقا، وعن الصادق (عليه السلام): " ومما علمناهم يبثون " (25).

﴿والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون(4) ﴾ يحتمل أن يراد بهؤلاء مؤمنو أهل الكتاب كعبد الله بن سلام (26) وغيره، فيكون المعطوف غير المعطوف عليه، ويحتمل أن يراد وصف الأولين، فيكون المعنى: أنهم الجامعون بين تلك الصفات وهذه.

وقوله: ﴿هم يوقنون﴾ تعريض بأهل الكتاب، وأنهم يثبتون أمر الآخرة على خلاف حقيقته، ولا يصدر قولهم عن إيقان، و " الآخرة " تأنيث الآخر وهي صفة الدار، بدليل قوله تعالى: ﴿تلك الدار الآخرة﴾ (27) وهي من الصفات الغالبة وكذلك الدنيا.

والإيقان واليقين: هو العلم الحاصل بعد استدلال ونظر، ولذلك لا يطلق " الموقن " على الله تعالى لاستواء الأشياء في الجلاء عنده.

﴿أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون(5)﴾ الجملة في محل (28) الرفع إن كان ﴿الذين يؤمنون بالغيب﴾ مبتدأ وإلا فلا محل لها، وفي اسم الإشارة الذي هو ﴿أولئك﴾ إيذان بأن ما يرد عقيبه، فالمذكورون قبله أهل له من أجل الخصال التي عددت لهم، ومعنى الاستعلاء في قوله: ﴿على هدى﴾ مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه، شبهت حالهم بحال من اعتلى شيئا وركبه، ومعنى ﴿من ربهم﴾: منحوه وأعطوه من عنده، وهو اللطف والتوفيق على أعمال البر.

ونكر ﴿هدى﴾ ليفيد ضربا مبهما لا يبلغ كنهه، كأنه قيل: على أي هدى، وفي تكرير ﴿أولئك﴾ تنبيه على أنهم تميزوا بكل واحدة من الأثرتين اللتين هما الهدى والفلاح عن غيرهم.

و ﴿هم﴾ سماه البصريون فصلا، والكوفيون عمادا، وفائدته الدلالة على أن المذكور بعده خبر لا صفة وتوكيد، وإيجاب أن فائدة الخبر ثابتة للمخبر عنه دون غيره، ويجوز أن يكون ﴿هم﴾ مبتدأ و ﴿المفلحون﴾ خبره، والجملة خبر ﴿أولئك﴾.

و " المفلح ": الفائز بالبغية، كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر.

و " المفلج " بالجيم مثله (29).

وقوله: ﴿على هدى من ربهم﴾ أدغمت بغنة وغير غنة، والغنة: صوت خفي يخرج من الخيشوم، والنون الساكنة والتنوين لهما ثلاثة أحوال مع الحروف في جميع القرآن: الإظهار وذلك مع حروف الحلق، والإدغام و (30) ذلك مع الميم، نحو ﴿هدى من ربهم﴾ و ﴿على أمم ممن معك﴾ (31) لا يجوز إلا الإدغام هنا لاشتراك النون والميم في الغنة، والإخفاء وذلك مع سائر الحروف، نحو ﴿من دابة﴾ (32) و ﴿بمن فيها﴾ (33).

وهذا عند جميع القراء إلا أبا عمرو (34) وحمزة (35) والكسائي (36) فإنهم يدغمونهما في اللام والراء نحو: ﴿هدى للمتقين﴾ و ﴿من ربهم﴾، ويدغمهما حمزة والكسائي في الياء نحو: ﴿من يقول﴾ (37)، ويدغمهما حمزة في الواو، نحو: ﴿ظلمت ورعد وبرق﴾ (38) فاللام والراء والواو والياء عندهم بمنزلة الميم، ويقال لها: حروف يرملون، لأنها أيضا تدغم في النون نحو: ﴿منى﴾ (39) و ﴿منا﴾ (40) (41).

﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون(6)﴾

لما قدم سبحانه ذكر الأتقياء عقبه بذكر الأشقياء وهم الكفار الذين لا ينفعهم اللطف، و ﴿سواء عليهم﴾ وجود الكتاب وعدمه، وإنذار الرسول وترك إنذاره، و ﴿سواء﴾ اسم بمعنى الاستواء، وصف به كما يوصف بالمصادر، وهو خبر ﴿إن﴾، و ﴿أنذرتهم أم لم تنذرهم﴾ في موضع الرفع بالفاعلية، كأنه (42) قيل: مستو عليهم إنذارك وعدمه، كما تقول: إن زيدا مختصم أخوه (43) وابن عمه، أو يكون ﴿أأنذرتهم أم لم تنذرهم﴾ في موضع الابتداء و ﴿سواء﴾ خبرا مقدما بمعنى سواء ﴿عليهم﴾ إنذارك وعدمه، والجملة خبر لـ ﴿إن﴾، كذا ذكره جار الله العلامة (44) لله دره، وما أوردناه في مجمع البيان (45) فهو من كلام أبي علي الفارسي (رحمه الله) (46) (47).

والإنذار: التخويف من عقاب الله.

وقوله: ﴿لا يؤمنون﴾ جملة مؤكدة للجملة قبلها، أو خبر لـ ﴿إن﴾ والجملة قبلها اعتراض.

قيل: نزلت هذه الآية والتي بعدها في أبي جهل وأضرابه (48)، وعلى هذا فيكون التعريف في ﴿الذين كفروا﴾ للعهد، وقيل: هي في جميع من صمم على كفره على العموم، فيكون التعريف للجنس (49).

﴿ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصرهم غشوة ولهم عذاب عظيم(7)﴾ الختم والكتم أخوان، والغشاوة فعالة من غشاه: إذا غطاه، وهذا البناء لما يشتمل على الشئ كالعمامة.

والختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار من باب المجاز، وهو نوعان: استعارة وتمثيل، ويحتمل هنا كلا النوعين: أما الاستعارة، فأن (50) يجعل قلوبهم لأن الحق لا ينفذ فيها لإعراضهم عنه واستكبارهم عن قبوله، وأسماعهم لأنها تنبو عن استماعه (51) كأنهما (52) مختوم عليهما، وأبصارهم كأنما (53) غطي عليها وحيل بينها وبين الإدراك.

وأما التمثيل، فأن تمثل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدينية التي خلقوا من أجلها بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الانتفاع بها بالختم والتغطية.

وأما إسناد الختم إلى الله، فللتنبيه على أن هذه الصفة في فرط تمكنها كالشئ الخلقي غير العرضي، كما يقال: فلان مجبول على كذا ومفطور عليه، يريدون أنه مبالغ في الثبات عليه.

ووجه آخر: وهو أنهم لما علم الله سبحانه أنه لا طريق لهم إلى أن يؤمنوا طوعا واختيارا فلم يبق إلا القسر والإلجاء، ولم يقسرهم لئلا ينتقض الغرض في التكليف، عبر عن ترك الإلجاء والقسر بالختم، إشعارا بأنهم قد بلغوا الغاية القصوى في لجاجهم واستشرائهم في الغي والضلال.

ووحد السمع لأنه مصدر في الأصل والمصادر لا تجمع، ولأنهم قالوا: كلوا في بعض بطنكم (54) تعفوا، يفعلون ذلك إذا أمن اللبس، وإذا لم يؤمن (55) لم يفعلوا، لا تقول: ثوبهم وغلامهم وأنت تريد الجمع.

والبصر: نور العين وهو ما يبصر به الرائي، كما أن البصيرة نور القلب وهو ما به يستبصر ويتأمل.

والعذاب مثل النكال بناء ومعنى، لأنك تقول: أعذب عن الشئ إذا أمسك عنه، كما تقول: نكل عنه، ثم اتسع فيه فسمي كل ألم فادح عذابا وإن لم يكن نكالا، أي: عقابا يرتدع به الجاني.

والعظيم: نقيض الحقير، كما أن الكبير نقيض الصغير، فالعظيم فوق الكبير، كما أن الحقير دون الصغير.

ويستعملان في الجثث والأحداث جميعا، تقول: رجل عظيم وكبير جثته أو خطره.

﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين(8)﴾

افتتح سبحانه بذكر الذين آمنوا بالله سرا وعلانية، ثم ثنى بالذين كفروا قلوبا وألسنة، ثم ثلث بالمنافقين الذين أبطنوا خلاف ما أظهروا، وهم أخبث (56) الكفار وأمقتهم عنده، ووصف حال الذين كفروا في آيتين، وحال الذين نافقوا في ثلاث عشرة آية، وقصتهم معطوفة على قصتهم كما تعطف الجملة على الجملة.

وأصل " ناس " أناس فحذفت همزته تخفيفا، وحذفها مع لام التعريف كاللازم، لا يكاد يقال: الأناس، ويشهد لأصله إنسان وإنس، وسموا بذلك لظهورهم وأنهم يؤنسون أي: يبصرون كما سمي الجن جنا لاجتنانهم، و " من " في ﴿من يقول﴾ موصوفة، كأنه يقول: ﴿ومن الناس﴾ ناس يقولون كذا، كقوله: ﴿من المؤمنين رجال﴾ (57)، هذا إن جعلت اللام للجنس، وإن جعلتها للعهد فموصولة، كقوله: ﴿ومنهم الذين يؤذون النبي﴾ (58).

وفي تكرير الباء أنهم ادعوا كل واحد من الإيمانين على صفة الصحة، وفي قوله: ﴿وما هم بمؤمنين﴾ من التوكيد والمبالغة ما ليس في قولك: وما آمنوا، لأن فيه إخراج ذواتهم وأنفسهم من أن يكون (59) طائفة من طوائف المؤمنين، فقد انطوى تحته نفي ما ادعوه لأنفسهم من الإيمان على القطع.

﴿يخدعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون (9)﴾ المعنى: أن هؤلاء المنافقين صنعوا صنع الخادعين حيث تظاهروا بالإيمان وهم كافرون، وصنع الله معهم صنع الخادع حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده أهل الدرك الأسفل من النار، وكذلك صورة صنع المؤمنين معهم حيث امتثلوا أمر الله فيهم، فإن حقيقة الخدع أن يوهم الرجل صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه.

ويجوز أن يريد: ﴿يخدعون﴾ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله، كما يقال: قال الملك كذا، وإنما القائل وزيره أو (60) خاصته الذين قولهم قوله ﴿وما يخدعون إلا أنفسهم﴾ لأن ضررها يلحقهم ولا يعدوهم إلى غيرهم، ومن قرأ: " يخادعون " (61) أتى به على لفظ يفاعلون للمبالغة.

والنفس: ذات الشئ وحقيقته، ثم قيل للقلب: نفس، لأن النفس به نفس (62)، قالوا: المرء بأصغريه، أي بقلبه ولسانه.

وقيل أيضا للروح: نفس، وللدم: نفس، لأن قوامها بالدم، وللماء: نفس لفرط حاجتها إليه، ونفس الرجل أي: عين، وحقيقته: أصيبت نفسه، كما قيل: صدر الرجل وفئد، وقالوا: فلان يؤامر نفسه، إذا تردد في الأمر واتجه له رأيان لا يدري على أيهما يعول، كأنهم أرادوا داعي النفس، والمراد بالأنفس هاهنا ذواتهم، ويجوز أن يراد قلوبهم ودواعيهم وآراؤهم.

والشعور: علم الإنسان بالشئ علم حس، ومشاعر الإنسان: حواسه.

﴿في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (10)﴾

استعير المرض لأعراض القلب، كسوء الاعتقاد والغل والحسد وغير ذلك مما هو فساد وآفة شبيهة بالمرض، كما استعيرت الصحة والسلامة في نقائض ذلك، والمراد به هاهنا ما ﴿في قلوبهم﴾ من الكفر أو من الغل والحنق على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمؤمنين ﴿فزادهم الله مرضا﴾ بما ينزل على رسوله من الوحي، فيكفرون به ويزدادون كفرا إلى كفرهم، فكأنه سبحانه زادهم ما ازدادوه، وأسند الفعل إلى المسبب (63) كما أسنده إلى السورة في قوله: ﴿فزادتهم رجسا إلى رجسهم﴾ (64) لكونها سببا، أو أراد: كلما زاد رسوله نصرة وتمكنا في البلاد والعباد ازدادوا غلا وحسدا، و (65) ازدادت قلوبهم ضعفا وجبنا وخورا (66).

وألم فهو أليم كوجع فهو وجيع، ووصف العذاب به كقوله: تحية بينهم ضرب وجيع (67) وهذا على طريقة قولهم: " جد جده ".

والألم في الحقيقة للمؤلم كما أن الجد للجاد، و ﴿بما كانوا يكذبون﴾ أي: بكذبهم، وفي هذا إشارة إلى قبح الكذب وأن لحوق العذاب الأليم من أجل كذبهم، وقرئ: " يكذبون " (68) من كذبه الذي هو نقيض صدقه، أو من كذب الذي هو مبالغة في كذب، أو بمعنى الكثرة.

﴿وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (11)﴾ هذا معطوف على ﴿يكذبون﴾، ويجوز أن يكون معطوفا على ﴿يقول آمنا﴾ لأنك لو قلت: ومن الناس من إذا قيل لهم: لا تفسدوا، صح الكلام، والفساد: خروج الشئ عن حال استقامته وكونه منتفعا به، ونقيضه الصلاح، وكان فساد المنافقين بميلهم إلى الكفار، وإفشاء أسرار المسلمين (69) إليهم وإغرائهم عليهم، ومعنى ﴿إنما نحن مصلحون﴾: أن صفة المصلحين تمحضت لهم وخلصت من غير شائبة قادحة فيها (70) من وجوه الفساد.

﴿ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (12)﴾ ﴿ألا﴾ مركبة من همزة الاستفهام وحرف النفي لإعطاء معنى التنبيه على تحقيق ما بعدها، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقا، كقوله: ﴿أليس ذلك بقدر﴾ (71)، رد الله سبحانه دعواهم أنهم المصلحون أبلغ رد بما في كلتا الكلمتين: " ألا " و " إن " من التأكيد، وبتعريف الخبر وتوسيط الفصل وقوله: ﴿لا يشعرون﴾.

﴿وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13)﴾ السفه: خفة الحلم وسخافة العقل، والمعنى: إذا نصحوا أو بصروا طريق الرشد بأن قيل لهم: صدقوا رسول الله كما صدقه الناس، واللام في ﴿الناس﴾ للعهد، أي: كما آمن أصحاب رسول الله وهم ناس معهودون، أو عبد الله بن سلام وأضرابه، أي: كما آمن أصحابكم وإخوانكم، أو للجنس، أي: كما آمن الكاملون في الإنسانية، أو جعل المؤمنون كأنهم الناس على الحقيقة، ومن عداهم كالبهائم في فقد التمييز بين الحق والباطل، والاستفهام في ﴿أنؤمن﴾ للإنكار، واللام في ﴿السفهاء﴾ مشار بها إلى الناس.

وفصلت هذه الآية ب? ﴿لا يعلمون﴾ والتي قبلها ب? ﴿لا يشعرون﴾ لأن أمر الديانة والوقوف على أن المؤمنين على الحق وهم على الباطل يحتاج إلى نظر واستدلال حتى يعلم، وأما النفاق وما فيه من الفساد فأمر دنيوي، فهو كالمحسوس المشاهد، ولأنه قد ذكر السفه فكان ذكر العلم معه أحسن.

﴿وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون (14)﴾ هذا بيان ما كانوا يعملونه مع المؤمنين، أي: إذا لقوهم أوهموهم أنهم معهم، وإذا فارقوهم إلى رؤسائهم من الكفار أو اليهود الذين أمروهم بالتكذيب قالوا: إنا على دينكم وصدقوهم ما في قلوبهم.

وخلوت بفلان وخلوت إليه بمعنى انفردت معه، و ﴿إنا معكم﴾ أي: إنا مصاحبوكم وموافقوكم على دينكم، وقولهم: ﴿إنما نحن مستهزءون﴾ توكيد لقولهم: ﴿إنا معكم﴾، لأن المعنى في ﴿إنا معكم﴾ الثبات على اليهودية، وقولهم: ﴿إنما نحن مستهزءون﴾ رد للإسلام ودفع له، لأن المستهزئ بالشئ - وهو المستخف به - منكر له ودافع، ويجوز أن يكون بدلا منه أو استئنافا.

﴿الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون (15)﴾ معنى استهزاء الله تعالى بهم إنزال الهوان والحقارة بهم، أو إجراء أحكام المسلمين عليهم عاجلا وقد أعد لهم أليم العقاب آجلا، وسمي جزاء الاستهزاء باسمه، كقوله: ﴿وجزاؤا سيئة سيئة مثلها﴾ (72).

وفي استئناف قوله: ﴿الله يستهزئ﴾ من غير حرف عطف أن الله تعالى هو الذي يتولى الاستهزاء ﴿بهم﴾ انتقاما للمؤمنين ولا يحوج المؤمنين إلى أن يعارضوهم بذلك، وقوله: ﴿ويمدهم﴾ من مد الجيش وأمده إذا زاده، والمعنى: أنه يمنعهم ألطافه التي يمنحها المؤمنين ويخذلهم بسبب كفرهم، فتبقى قلوبهم يتزايد الرين والظلمة فيها كما يتزايد الانشراح والنور في قلوب المؤمنين.

وأسند ذلك التزايد إلى الله سبحانه لأنه مسبب عن فعله بهم بسبب كفرهم.

وعن الحسن (73) قال: في ضلالتهم يتمادون (74) والطغيان: الغلو في الكفر ومجاوزة الحد في العتو، وفي إضافة الطغيان إليهم ما يدل على أن الطغيان والتمادي في الضلال مما اقترفته نفوسهم، والعمه مثل العمى إلا أن العمة في الرأي خاصة، وهو التحير والتردد، لا يدري أين يتوجه.

﴿أولئك الذين اشتروا الضللة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (16)﴾

معنى اشتراء ﴿الضللة بالهدى﴾ اختيارها عليه واستبدالها به على سبيل الاستعارة، لأن الاشتراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر، والضلالة: الجور عن القصد، وفي المثل: " ضل دريص نفقه " (75)، فاستعير للذهاب عن الصواب في الدين، والربح: الفضل على رأس المال، وأسند الخسران إلى التجارة مجازا، والمعنى: أن المطلوب في التجارة سلامة رأس المال والربح، وهؤلاء قد أضاعوا الطلبتين (76) معا، لأن رأس المال كان هو الهدى فلم يبق لهم، ولم يصيبوا الربح لأن الضال خاسر.

﴿مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمت لا يبصرون (17)﴾ ثم زاد سبحانه في الكشف عن حالهم بضرب المثل، فقال: ﴿مثلهم﴾ أي: حالهم كحال ﴿الذي استوقد نارا﴾، وضع " الذي " موضع " الذين "، كقوله سبحانه: ﴿وخضتم كالذي خاضوا﴾ (77)، أو قصد جنس المستوقدين، أو أراد الجمع الذي استوقد نارا، على أن المنافقين لم تشبه ذواتهم بذات المستوقد، بل شبهت قصتهم بقصة المستوقد، فلا يلزم تشبيه الجماعة بالواحد، واستوقد: طلب الوقود، والوقود: سطوع النار وارتفاع لهبها، والإضاءة: فرط الإنارة، وهي متعدية في الآية، ويحتمل أن تكون غير متعدية مسندة إلى ﴿ما حوله﴾ والتأنيث للحمل على المعنى، لأن ما حول المستوقد أشياء وأماكن.

وجواب " لما ": ﴿ذهب الله بنورهم﴾، ويجوز أن يكون محذوفا، لطول الكلام وأمن الالتباس، كأنه قيل: ﴿فلما أضاءت ما حوله﴾ خمدت فبقوا متحيرين متحسرين على فوت الضوء، وعلى هذا فيكون ﴿ذهب الله بنورهم﴾ كلاما مستأنفا، كأنهم لما شبهت حالهم بحال المستوقد اعترض سائل فقال: ما بالهم قد اشبهت حالهم حال هذا المستوقد؟فقيل له: ﴿ذهب الله بنورهم﴾، ويجوز أن يكون قوله: ﴿ذهب الله بنورهم﴾ بدلا من جملة التمثيل على سبيل البيان.

والفرق بين أذهبه وذهب به: أن معنى " أذهبه ": أزاله وجعله ذاهبا، و " ذهب به ": استصحبه ومضى به معه، قال: ﴿فلما ذهبوا به﴾ (78)، فالمعنى: أخذ الله نورهم وأمسكه، وما يمسك الله فلا مرسل له، فهو أبلغ من الإذهاب، و " ترك " بمعنى طرح وخلى، قالوا: تركه ترك الظبي ظله، فإذا ضمن معنى " صير " تعدى إلى مفعولين وجرى مجرى أفعال القلوب، نحو قول عنترة (79): فتركته جزر السباع ينشنه * يقضمن حسن بنانه والمعصم (80) والمراد بالإضاءة انتفاع المنافقين بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق الذي ترمي بهم إلى ظلمة سخط الله والعقاب الدائم، ويجوز أن يكون قد شبه اطلاع الله على أسرارهم بذهاب الله بنورهم.

ووجه آخر: وهو أنهم لما وصفوا باشتراء الضلالة بالهدى عقب ذلك بهذا التمثيل، ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها بذهاب الله بنورهم.

﴿صم بكم عمى فهم لا يرجعون (18)﴾ كانت حواسهم صحيحة لكنهم لما أبوا أن يصيخوا (81) مسامعهم إلى الحق، وأن ينطقوا ألسنتهم بالحق، وأن ينظروا ويتبصروا بعيونهم، جعلوا كأنهم انتقضت بنى مشاعرهم التي هي أصل الإحساس والإدراك كقوله: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به * وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا (82) و ﴿لا يرجعون﴾ معناه: لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها، أو بقوا متحيرين لا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون، فكيف يرجعون إلى حيث ابتدأوا منه؟﴿أو كصيب من السماء فيه ظلمت ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19)﴾ الصيب: المطر الذي يصوب، أي: ينزل ويقع، ويقال للسحاب: صيب أيضا (83).

هذا تمثيل آخر لحال المنافقين، ليكون كشفا لها بعد كشف، والمعنى: أو كمثل ذوي صيب، أي: كمثل قوم أخذهم المطر على هذه الصفة فلقوا منها ما لقوا.

قالوا: شبه دين الإسلام بالمطر، لأن القلوب تحيا به كما تحيا الأرض بالمطر، وشبه ما يتعلق به من شبهات الكفار بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق، وما يصيبهم من أهل الإسلام بالصواعق.

وقيل: شبه القرآن بالمطر، وما فيه من الابتلاء والزجر بالظلمات والرعد، وما فيه من البيان بالبرق، وما فيه من الوعيد آجلا والدعاء إلى الجهاد عاجلا بالصواعق (84).

وجاءت هذه الأشياء منكرة، لأن المراد أنواع منها، كأنه قيل: في الصيب ظلمات داجية (85)، ورعد قاصف، وبرق خاطف.

والضمير في ﴿يجعلون﴾ يرجع إلى أصحاب الصيب المضاف، مع كونه محذوفا وقيام الصيب مقامه، و ﴿يجعلون﴾ استئناف لا محل له، و ﴿من الصواعق﴾ يتعلق ب? ﴿يجعلون﴾ أي: من أجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم، وصعقته الصاعقة: أهلكته، فصعق أي مات: إما بشدة الصوت أو بالإحراق، و ﴿حذر الموت﴾ مفعول له، ومعنى إحاطة الله بالكافرين: أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة، وهذه الجملة اعتراض.

﴿يكاد البرق يخطف أبصرهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصرهم إن الله على كل شئ قدير (20)﴾

الخطف: الأخذ بسرعة، لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول، فكأن قائلا قال: كيف حالهم مع مثل ذلك البرق؟فقيل: ﴿يكاد البرق يخطف أبصرهم﴾، فهذه جملة مستأنفة أيضا لا محل لها، و ﴿كلما أضاء لهم﴾ استئناف ثالث، كأنه جواب لمن يقول: كيف يصنعون في حالتي خفوق (86) البرق وخفوته (87)؟وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون به ويذرون، إذا خفق البرق مع خوفهم أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة (88)، فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي بقوا واقفين متحيرين ﴿ولو شاء الله﴾ لزاد في قصيف الرعد فأصمهم، و (89) في بريق البرق فأعماهم، و ﴿أضاء﴾ إما متعد والمفعول محذوف، بمعنى: كلما نور لهم مسلكا أخذوه، وإما غير متعد بمعنى: كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره، ومعنى ﴿قاموا﴾ وقفوا وثبتوا في مكانهم، والمعنى: ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما، وقد كثر هذا الحذف في " شاء " و " أراد "، ولم يبرزوا المفعول إلا في النادر، كقوله: ﴿لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا﴾ (90) والشئ ما يصح (91) أن يعلم ويخبر عنه.

﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21)﴾ ولما عدد سبحانه فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين، أقبل عليهم بالخطاب، وهو من الالتفات الذي تقدم ذكره، وهو فن من الكلام فيه هز وتحريك من السامع، وتنبيه واستدعاء لإصغائه إلى الحديث، و ﴿يا﴾ حرف وضع في أصله لنداء البعيد، و " أي " و " الهمزة " لنداء القريب، و " أي " وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام، كما أن " ذو " و " الذي " وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم يحتاج إلى ما يوضحه، فلابد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يتضح (92) المقصود بالنداء، والذي عمل فيه حرف النداء " أي " والاسم التابع له صفته، وقد كثر في كتاب الله النداء على هذه الطريقة، لاستقلاله بأوجه من التأكيد في التدرج من الإبهام إلى التوضيح، وكلمة التنبيه المقحمة بين " أي " وصفته لتعاضد حرف النداء بتأكيد معناه، وتكون عوضا مما يستحقه من الإضافة، وكل ما نادى الله لأجله عباده من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد وغير ذلك أمور عظام ومعان جليلة عليهم أن يتيقظوا لها، فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ.

﴿الذي خلقكم﴾ صفة لـ ﴿ربكم﴾ جرت عليه على سبيل المدح والثناء، أي: ﴿اعبدوا ربكم﴾ على الحقيقة.

والخلق: إيجاد الشئ على تقدير واستواء، و " لعل " للترجي أو الإشفاق، وقد جاء في مواضع من القرآن على سبيل الإطماع، ولكن لأنه إطماع من كريم رحيم إذا أطمع فعل ما يطمع فيه لا محالة، جرى إطماعه مجرى وعده المحتوم وفاؤه به، و " لعل " في الآية ليس مما ذكرته في شئ بل هو واقع موقع المجاز، لأنه سبحانه خلق عباده ليكلفهم، وأزاح عللهم في التكليف من الإقدار والتمكين، وأراد منهم الخير والتقوى، فهم في صورة المرجو منهم أن يتقوا، لترجح أمرهم وهم مختارون بين الطاعة والمعصية، كما ترجحت حال المرتجى بين أن يفعل وأن لا يفعل، ومصداقه قوله: ﴿ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾ (93)، وإنما يبلو ويختبر من يخفى عليه العواقب، ولكن شبه بالاختبار بناء أمرهم على الاختيار.

﴿الذي جعل لكم الأرض فرا شا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون (22)﴾

قدم سبحانه من موجبات عبادته خلقهم أحياء قادرين أولا، ثم خلق الأرض التي هي مستقرهم الذي لابد لهم منه ومفترشهم، ثم خلق السماء التي هي كالقبة المضروبة على هذا المستقر، ثم ما سواه سبحانه من شبه عقد النكاح بينهما بإنزال الماء من المظلة منهما على المقلة (94)، والإخراج به من بطنها أشباه النسل من ألوان الثمار ﴿رزقا﴾ لبني آدم، ليقابلوا هذه النعمة العظيمة بواجب الشكر، ويتفكروا في خلق أنفسهم وخلق ما فوقهم وما تحتهم، فيعلموا أنه لابد لها من خالق ليس كمثلها، حتى لا يجعلوا المخلوقات ﴿أندادا﴾ له وهم يعلمون أنها لا تقدر على بعض ما هو عليه قادر.

ومعنى جعل الأرض فراشا وبساطا ومهادا للناس: أنهم يتقلبون عليها كما يتقلب على الفراش والبساط والمهاد.

والبناء مصدر سمي به المبني، وأبنية العرب أخبيتهم (95)، ومنه " بنى على امرأته ".

و " من " في ﴿من الثمرات﴾ للتبعيض، كأنه قال: أنزلنا من السماء بعض الماء، فأخرجنا به بعض الثمرات ليكون بعض رزقكم، لأنه لم ينزل من السماء الماء كله ولا أخرج بالمطر جميع الثمرات ولا جعل الرزق كله في الثمرات.

ويجوز أن يكون " من " للبيان، كما تقول: أنفقت من الدراهم ألفا.

وإذا كان " من " للتبعيض كان قوله: ﴿رزقا﴾ منصوبا بأنه مفعول له، وإذا كان للبيان كان ﴿رزقا﴾ مفعولا به لـ " أخرج ".

والند: المثل، ولا يقال: الند إلا للمثل المخالف المناوئ أي: هو الذي حفكم (96) بهذه الدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية، فلا تتخذوا له شركاء ﴿وأنتم﴾ أهل المعرفة والتمييز، أو أنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت، أو أنتم تعلمون أنه لا يماثل.

﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23)﴾ لما احتج سبحانه على الناس للتوحيد وعلم الطريق إلى تصحيحه، عطف على ذلك الحجة على نبوة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) فقال: إن ارتبتم فيما نزلنا، أتى بلفظ التنزيل، لأن المراد النزول على سبيل التدريج نجوما سورة بعد سورة وآيات بعد آيات على حسب النوازل والحوادث ﴿على عبدنا﴾ ورسولنا محمد (صلى الله عليه وآله)، فهاتوا أنتم سورة من أصغر السور.

والسورة إن كانت واوها أصلا: فإما أن سميت بسور المدينة لأنها طائفة من القرآن محدودة، أو لأنها محتوية على فنون من العلم كاحتواء سور المدينة على ما فيها، وإما أن سميت بالسورة التي هي الرتبة، لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب، و (97) لرفعة شأنها في الدين.

وإن كانت واوها منقلبة عن همزة، فلأنها قطعة من القرآن، كالسؤرة (98) التي هي البقية من الشئ ﴿من مثله﴾ متعلق ب? " سورة " صفة لها، أي ﴿بسورة﴾ كائنة ﴿من مثله﴾، والضمير لما نزلنا أو لعبدنا، ويجوز أن يتعلق بقوله: ﴿فأتوا﴾ والضمير للعبد، والمعنى: فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وحسن النظم، أو هاتوا ممن هو على حاله من كونه بشرا عربيا أو أميا لم يأخذ من العلماء ولم يقرأ الكتب، ورد الضمير إلى المنزل أوجه، لقوله: ﴿بسورة مثله﴾ (99) وقوله: ﴿لا يأتون بمثله﴾ (100)، ولأن الحديث في المنزل لا في المنزل عليه، فمن حقه أن لا يرد الضمير إلى غيره، لأن المعنى: وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبذا مما يماثله ويجانسه، وإن كان الضمير مردودا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالمعنى: وإن ارتبتم في أن محمدا (صلى الله عليه وآله) منزل عليه فهاتوا قرآنا من مثله، و " الشهداء " جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة، والمعنى: ادعوا كل من يشهدكم واستظهروا به من الجن والإنس إلا الله تعالى فإنه القادر على أن يأتي بمثله دون كل شاهد.

﴿فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24)﴾ لما أرشدهم سبحانه إلى الوجه الذي منه يعرفون صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) قال لهم: فإذا لم تعارضوه بسورة مثله، ولم يتيسر لكم ذلك، وبان لكم أنه معجز، فآمنوا واتقوا النار المعدة لمن كذب، وفيه دليلان على إثبات نبوته (صلى الله عليه وآله): صحة كون القرآن معجزا، والإخبار بأنهم لن يفعلوا أبدا، وهو غيب لا يعلمه إلا الله.

والوقود: ما يوقد به النار وهو الحطب، والمعنى في قوله: ﴿وقودها الناس والحجارة﴾ أنها نار ممتازة عن النيران الأخر، بأنها لا تتقد إلا بالناس والحجارة، وقرن الناس بالحجارة، لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا، حيث نحتوها أصناما، وجعلوها لله أندادا، وعبدوها من دونه، قال سبحانه: ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم﴾ (101)، ومعنى ﴿أعدت﴾: هيئت وجعلت عدة لعذابهم.

﴿وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنت تجرى من تحتها الأنهر كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشبها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خلدون (25)﴾ ثم ذكر سبحانه الترغيب بعد الترهيب، وشفع الإنذار بالبشارة، فبشر عباده الذين جمعوا بين الإيمان وصالح الأعمال بعد أن أنذر الكفار وأوعدهم بالعذاب والنكال، والبشارة: الإخبار بما يظهر سرور المخبر به، والجنة: البستان من النخل والشجر، وأصلها من الستر، فكأنها لتكاثفها والتفاف أغصان أشجارها سميت بالجنة التي هي المرة من مصدر جنه إذا ستره، ولولا أن الماء الجاري من أعظم النعم وأكبر (102) اللذات لما جاء الله سبحانه بذكر الجنات مشفوعا بذكر الأنهار الجارية من تحتها في قرن واحد، كالشيئين لابد لأحدهما من صاحبه، وإسناد الجري إلى الأنهار إسناد مجازي، كقولهم: بنو فلان يطأهم الطريق.

وإنما نكرت " الجنات " لأن دار الثواب تشتمل على جنات (103) كثيرة مرتبة على حسب استحقاق كل طبقة من أهلها، وعرفت " الأنهار " لإرادة الجنس، كما تقول: لفلان بستان فيه الماء الجاري والعنب والفواكه، أو يراد الأنهار المذكورة في قوله تعالى: ﴿فيها أنهر من ماء غير آسن﴾ الآية (104).

﴿كلما رزقوا﴾ إما أن يكون صفة ثانية لـ ﴿جنت﴾، أو خبر مبتدأ محذوف، أو جملة مستأنفة، والمعنى: أنهم كلما رزقوا من أشجار الجنات نوعا من أنواع الثمار ﴿رزقا قالوا هذا﴾ مثل ﴿الذي رزقنا من قبل﴾ وشبهه، بدليل قوله: ﴿وأتوا به متشبها﴾، وهذا كقولك: أبو يوسف: أبو حنيفة، تريد أنه لاستحكام الشبه كأن ذاته ذاته، والضمير في قوله: ﴿وأتوا به﴾ يرجع إلى المرزوق في الدنيا والآخرة جميعا، لأن قوله: ﴿هذا الذي رزقنا من قبل﴾ انطوى تحته ذكر ما رزقوه في الدارين، ويجوز أن يرجع الضمير في ﴿وأتوا به﴾ إلى الرزق كما أن ﴿هذا﴾ إشارة إليه، فيكون المعنى: أن ما يرزقونه من ثمرات الجنة يأتيهم متجانسا في نفسه، كما يحكى عن الحسن: يوتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بالأخرى، فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل، فيقول الملك: كل فاللون واحد والطعم مختلف (105).

﴿ولهم فيها أزواج مطهرة﴾ طهرن مما يختص بالنساء من المحيض، وما لا يختص بهن من الأقذار والأدناس، ويدخل تحت ذلك الطهر من دنس الطباع وسائر العيوب.

والخلد: الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع.

﴿إن الله لا يستحى ى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به إلا الفسقين (26)﴾ لما ضرب الله تعالى المثلين للمنافقين قبل هذه الآية، قالوا: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فنزلت (106) الآية لبيان أن ما استنكروه من أن يكون المحقرات من الأشياء مضروبا بها المثل ليس بموضع للاستنكار، لأن في التمثيل كشف المعنى ورفع الحجاب عن المطلوب، فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله، وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك، ووصف القديم سبحانه بالحياء في مثل قوله (عليه السلام): " إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا حتى يضع فيهما خيرا " (107) جار مجرى التمثيل، لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من لحوق (108) ما يعاب به ويذم، واشتقاقه من الحياة، يقال: حيي الرجل، كما يقال: نسي وحشي وشظي الفرس: إذا اعتلت منه هذه الأعضاء، وجعل الحيي لما يعتريه من الانكسار منتقص الحياة، فمثل تركه سبحانه تخييب العبد لكرمه بترك من يترك رد المحتاج إليه حياء منه، وكذلك المعنى في الآية: أن الله تعالى لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحيي أن يتمثل بها لحقارتها.

و ﴿ما﴾ هذه إبهامية وهي التي إذا اقترنت بنكرة زادته شياعا، تقول: أعطني شيئا ما، أو هي صلة زيدت للتأكيد نحو التي في قوله: ﴿فبما رحمة﴾ (109)، والمعنى: أن الله لا يستحيي ولا يترك أن يتمثل للأنداد بما لا شئ أصغر منه وأقل، وانتصب ﴿بعوضة﴾ بأنها عطف بيان أو مفعول لـ ﴿يضرب﴾، و ﴿مثلا﴾ حال عن النكرة مقدمة عليه، أو انتصبا مفعولين لـ ﴿يضرب﴾، لأنه أجري مجرى جعل.

﴿فما فوقها﴾ فيه معنيان: أحدهما: فما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلا وهو القلة والحقارة، والآخر: فما زاد عليها في الحجم، و ﴿الحق﴾: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، يقال: حق الأمر إذا ثبت ووجب، و ﴿ماذا﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن يكون " ذا " اسما موصولا بمعنى " الذي " فتكون كلمتين، والآخر: أن يكون " ذا " مركبة مع " ما " فتكون كلمة واحدة، والضمير في ﴿أنه الحق﴾ للمثل أو لـ ﴿أن يضرب﴾ و ﴿مثلا﴾ نصب على التمييز.

وقوله: ﴿يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا﴾ جار مجرى التفسير والبيان للجملتين المتقدمتين، وأن فريق العالمين بأنه الحق وفريق الجاهلين المستهزئين به كلاهما موصوف بالكثرة، وأن العلم بكونه حقا من باب الهدى، وأن الجهل بحسن مورده من باب الضلالة، وإسناد الإضلال إلى الله سبحانه إسناد الفعل إلى السبب، لأنه لما ضرب المثل فضل به قوم واهتدى به قوم تسبب لضلالتهم (110) وهديهم، والفسق: الخروج عن طاعة الله.

﴿الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (27)﴾ النقض: الفسخ، وشاع (111) استعمال النقض في إبطال العهد من جهة أنهم سموا العهد بالحبل على الاستعارة، ومنه قول ابن التيهان في بيعة العقبة: يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالا، ونحن قاطعوها، فنخشى إن الله أعزك وأظهرك أن ترجع إلى قومك (112)، و ﴿عهد الله﴾ هو ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد، أو ما أخذ عليهم في التوراة من اتباع محمد (صلى الله عليه وآله)، أو ما أخذ عليهم من الميثاق بأنه إذا بعث إليهم رسول مؤيد بالمعجزات صدقوه واتبعوه.

والضمير في ﴿ميثاقه﴾ للعهد، ويجوز أن يكون الميثاق بمعنى: التوثقة، كما أن الميعاد والميلاد بمعنى: الوعد والولادة، ويجوز أن يرجع الضمير إلى الله، أي: من بعد توثقته عليهم.

ومعنى قطعهم ﴿ما أمر الله به أن يوصل﴾: قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين، وقيل: قطعهم ما بين الأنبياء من الاجتماع على الحق في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض (113).

والأمر: طلب الفعل ممن هو دونك، وبه سمي الأمر الذي هو واحد الأمور، لأن الداعي الذي يدعو إليه شبه بأمر يأمر به ﴿هم الخاسرون﴾ لأنهم استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل والفساد بالصلاح.

﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28)﴾ معنى الهمزة التي في ﴿كيف﴾ مثله في قولك: أتكفرون بالله ومعكم ما يصرف عن الكفر ويدعو إلى الإيمان، وهو الإنكار والتعجب، والواو في قوله: ﴿وكنتم أمواتا﴾ للحال، أي وقصتكم هذه وحالكم أنكم كنتم أمواتا: نطفا في أصلاب آبائكم ﴿فأحياكم﴾ فجعلكم أحياء ﴿ثم يميتكم﴾ بعد هذه الحياة ﴿ثم يحييكم﴾ بعد الموت، وهذا الإحياء الثاني يجوز أن يراد به الإحياء في القبر، وبقوله: ﴿ثم إليه ترجعون﴾ الحشر والنشور، ويجوز أن يراد بالإحياء النشور وبالرجوع المصير إلى الحساب والجزاء، وعطف الأول بالفاء، لأن الإحياء الأول يعقب الموت بغير تراخ، وعطف الآخرين " ب? " ثم، لأن الموت قد تراخى عن الإحياء، والإحياء الثاني متراخ عن الموت، إن أريد به النشور أو الإحياء في القبر، والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور.

﴿هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم (29)﴾

﴿لكم﴾ أي: لأجلكم ولانتفاعكم به في دنياكم بأن تتمتعوا منه بفنون المطاعم والمناكح والمراكب والمناظر البهيجة، وفي دينكم بأن تنظروا فيه وما يتضمنه من عجائب الصنع الدالة على الصانع القادر الحكيم، وفي هذا دلالة على أن أصل الأشياء الإباحة إلى أن يمنع الشرع بالنهي، وجائز لكل أحد أن يتناولها ويستنفع بها، و ﴿جميعا﴾ نصب على الحال من قوله: ﴿ما في الأرض﴾، والاستواء: الاعتدال والاستقامة، يقال: استوى العود، ثم قيل: استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصد قصدا مستويا من غير أن يلوي إلى شئ، ومنه استعير قوله: ﴿ثم استوى إلى السماء﴾ أي: قصد إليها بإرادته ومشيته بعد خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شئ آخر، والمراد بالسماء جهات العلو، كأنه قال: ثم استوى إلى فوق، والضمير في ﴿فسواهن﴾ ضمير مبهم، و ﴿سبع سموا ت﴾ تفسيره، كقولهم: ربه رجلا، وقيل: الضمير راجع إلى السماء (114)، والسماء في معنى الجنس (115)، ومعنى ﴿فسواهن﴾: عدل خلقهن وأتمه وقومه ﴿وهو بكل شئ عليم﴾ فلذلك خلق السماوات والأرض خلقا محكما متقنا من غير تفاوت على حسب ما اقتضته الحكمة.

﴿وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون (30)﴾ لما ذكر سبحانه إنعامه علينا بخلق السماء والأرض وما فيهما، ذكر نعمته علينا بخلق أبينا آدم (عليه السلام ب? ﴿قالوا﴾، و ﴿جاعل﴾ من جعل الذي له مفعولان، والمعنى مصير ﴿في الأرض خليفة﴾، والخليفة: من يخلف غيره، والمعنى: خليفة منكم، لأن الملائكة كانوا سكان الأرض فخلفهم آدم فيها وذريته، واستغنى بذكر آدم عن ذكر بنيه كما يستغنى بذكر أبي القبيلة في قولك: ربيعة ومضر (116)، أو يريد من يخلفكم، أو خلقا يخلفكم فوحد لذلك، ويجوز أن يريد خليفة مني، لأن آدم كان خليفة الله في أرضه، وهو الصحيح، لقوله: ﴿يا داود إنا جعلنك خليفة في الأرض﴾ (117).

﴿قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها﴾ إنما عرفوا ذلك حتى تعجبوا منه من جهة اللوح، أو عرفوه بإخبار الله تعالى ﴿ونحن نسبح﴾ الواو للحال، كما تقول: أتحسن إلى فلان وأنا أحق منه بالإحسان، والتسبيح: تبعيد الله من السوء، و ﴿بحمدك﴾ في موضع الحال، أي: نسبح حامدين لك ومتلبسين بحمدك ﴿قال إني أعلم﴾ من المصالح في ذلك ما هو خفي عليكم ولا تعلمونه، ولم يبين لهم تلك المصالح، لأن العباد يكفيهم أن يعلموا أن أفعال الله تعالى كلها حسنة وإن خفي عليهم وجه الحكمة، على أنه قد بين لهم بعض ذلك في قوله: ﴿وعلم آدم الأسماء﴾ الآية.

﴿وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين (31)﴾ أي: أسماء المسميات كلها، فحذف المضاف إليه لكونه معلوما مدلولا عليه بذكر الأسماء، لأن الاسم لابد له من مسمى، وعوض منه اللام كقوله: ﴿واشتعل الرأس شيبا﴾ (118)، وليس التقدير: وعلم آدم مسميات الأسماء، فيكون حذفا للمضاف، لأن التعليم يتعلق بالأسماء لا بالمسميات، لقوله: ﴿أنبئوني بأسماء هؤلاء﴾، ومعنى تعليمه أسماء المسميات أنه أراه الأجناس التي خلقها، وعلمه أن هذا اسمه فرس وهذا اسمه كذا، وعلمه أحوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية ﴿ثم عرضهم﴾ أي: عرض المسميات ﴿على الملائكة﴾ وإنما ذكر لأن

في المسميات العقلاء فغلبهم ﴿فقال﴾ للملائكة: ﴿أنبئوني بأسماء هؤلاء﴾ استنبأهم وقد علم عجزهم عن الإنباء على سبيل التبكيت ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي: في زعمكم أني أستخلف في الأرض من يفسد فيها إرادة للرد عليهم، وليبين أن في من يستخلفه من الفوائد العلمية التي هي أصول الفوائد كلها ما يستأهلون لأجله أن يستخلفوا، فبين لهم بذلك بعض ما أجمل من ذكر المصالح في استخلافهم في قوله: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾ (119).

﴿قالوا سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32)﴾ قالت الملائكة: ﴿سبحانك﴾ تنزيها لك عن أن يعلم الغيب أحد سواك، أو تعظيما لك عن أن يعترض عليك في حكمك ﴿لاعلم لنا إلا ما علمتنا﴾ وليس هذا في ما علمتنا ﴿إنك أنت العليم﴾ بجميع المعلومات، وهو صيغة مبالغة للعالم ﴿الحكيم﴾ المحكم لأفعاله.

﴿قال يا آدم أنبهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (33)﴾ ﴿أنبهم﴾ أي: أخبر الملائكة ﴿بأسمائهم﴾ علق الإنباء بالأسماء لا بالمسميات، فلم يقل: أنبئهم بهم، لما قلناه من أن التعليم يتعلق بالأسماء ﴿فلما أنبأهم﴾ آدم أخبر الملائكة ﴿بأسمائهم﴾ أي: باسم كل شئ ومنافعه ومضاره وخواصه ﴿قال﴾ سبحانه للملائكة: ﴿ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض﴾ أي: أعلم ما غاب فيهما عنكم فلم تشاهدوه كما أعلم ما حضركم فشاهدتموه ﴿وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾ أي: ما تعلنونه وما تضمرونه، وفي هذا أن تعليمه سبحانه الأسماء كلها بما فيها من المعاني وفتق لسانه بذلك معجزة أقامها الله تعالى للملائكة دالة على نبوته وجلالة قدره وتفضيله عليهم.

﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (34)﴾ ﴿إلا إبليس﴾ استثناء متصل عند من ذهب إلى أن إبليس من الجن، وكان (120) بين أظهر الألوف من الملائكة مغمورا بهم، ثم استثني منهم استثناء واحد منهم، ويجوز أن يكون منقطعا ﴿أبى﴾ أي: امتنع مما أمر به ﴿واستكبر﴾ عنه ﴿وكان من﴾ جنس كافري الجن وشياطينهم، ولا شك أن الاستثناء متصل عند من ذهب إلى أنه من الملائكة.

وفي الآية دلالة على فضل آدم على جميع الملائكة، لأنه قدمه على الملائكة إذ أمرهم بالسجود له، ولا يجوز تقديم المفضول على الفاضل، ولو لم يكن سجود الملائكة له على وجه التعظيم لشأنه و (121) تقديمه عليهم لم يكن لامتناع إبليس عن السجود له، وقوله: ﴿أرأيتك هذا الذي كرمت على﴾ (122) وقوله: ﴿أنا خير منه﴾ (123) وجه، ولكان يجب على الله تعالى أن يعلمه أنه لم يأمره بالسجود له على وجه تعظيمه وتفضيله عليه، ولما جاز أن يفعل ذلك إذا كان ذلك سبب معصية إبليس، فعلمنا أنه لم يكن ذلك إلا على وجه التفضيل له عليهم.

﴿وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35)﴾ ﴿أنت﴾ تأكيد للضمير المستكن في ﴿أسكن﴾ ليصح العطف عليه، و ﴿رغدا﴾ وصف للمصدر، أي: أكلا رغدا واسعا رافها، و ﴿حيث﴾ للمكان المبهم، أي: أي مكان من الجنة ﴿شئتما﴾ والمعنى: اتخذ أنت وامرأتك الجنة مسكنا ومأوى ﴿وكلا منها﴾ أي: من الجنة كثيرا واسعا ﴿حيث شئتما﴾ من بقاع الجنة ﴿ولا تقربا هذه الشجرة﴾ أي: لا تأكلا منها، والمعنى: لا تقرباها بالأكل، وهو نهي تنزيه عندنا لا نهي تحريم، وكانا بالتناول منها تاركين نفلا وفضلا (124) ﴿فتكونا من الظالمين﴾ أي: الباخسين الثواب لأنفسكما بترك هذا المندوب إليه.

﴿فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتع إلى حين (36)﴾ ﴿فأزلهما﴾ أي: حملهما على الزلة ﴿الشيطان﴾ يعني: إبليس، نسب الزلة إلى الشيطان لما وقعت بدعائه ووسوسته ﴿عنها﴾ عن الجنة ﴿فأخرجهما مما كانا فيه﴾ من المنزلة والنعمة والدعة، وأضاف الإخراج إلى الشيطان لأنه كان السبب فيه، وإنما أخرج الله آدم من الجنة لأن المصلحة اقتضت بعد تناوله الشجرة إهباطه إلى الأرض وابتلاءه بالتكليف وسلبه ثياب الجنة، كما تقتضي الحكمة الإفقار بعد الإغناء والإماتة بعد الإحياء، ومن قرأ: " فأزالهما " (125) فالمعنى: فأزالهما مما كانا فيه من النعيم والكرامة أو من الجنة ﴿وقلنا اهبطوا﴾ خطاب لآدم وحواء، والمراد: هما وذريتهما، لأنهما لما كانا أصل الإنس جعلا كأنهما الإنس كلهم، ويدل عليه قوله في موضع آخر: ﴿اهبطا منها جميعا﴾ (126)، ﴿بعضكم لبعض عدو﴾ والمعنى فيه: ما عليه الناس من التعادي والمخالفة وتضليل بعضهم لبعض، والهبوط: النزول إلى الأرض، والمستقر: موضع الاستقرار أو الاستقرار (127)، ﴿ومتع﴾ أي: تمتع

بالعيش ﴿إلى حين﴾ إلى يوم القيامة، وقيل: إلى الموت (128).

قال السراج (129): لو قيل: ﴿ولكم في الأرض مستقر ومتع﴾ لظن أن ذلك غير منقطع، فقيل: ﴿إلى حين﴾ أي: إلى حين انقطاعه (130).

﴿فتلقى ادم من ربه كلمت فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37)﴾ معنى تلقي الكلمات استقبالها بالأخذ والقبول والعمل بها، أي: أخذها ﴿من ربه﴾ على سبيل الطاعة، ورغب إلى الله بها، أو سأله بحقها ﴿فتاب﴾ الله ﴿عليه﴾.

ومن قرأ: " فتلقى آدم " بالنصب " كلمات " بالرفع (131)، فالمعنى: أن الكلمات استقبلت آدم (عليه السلام) بأن بلغته، والكلمات هي قوله: ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾ (132)، وقيل: هي قوله: " لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " (133)، وفي رواية أهل البيت (عليهم السلام): أن الكلمات هي أسماء أصحاب الكساء (عليهم السلام) (134).

واكتفى بذكر توبة آدم عن ذكر توبة حواء لأنها كانت تبعا له، و ﴿التواب﴾: الكثير القبول للتوبة، وهو في صفة العباد: الكثير التوبة.

﴿قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (38)﴾ كرر سبحانه ﴿قلنا اهبطوا﴾ للتأكيد ولما تبعه من قوله: ﴿فإما يأتينكم منى هدى﴾ أي: فإن يأتكم مني هدى برسول أبعثه إليكم وكتاب أنزله عليكم ﴿فمن تبع هداي﴾ بأن يقتدي برسولي ويؤمن به وبكتابه ﴿فلا خوف عليهم﴾ من العقاب ﴿ولا هم يحزنون﴾ على فوت الثواب، وجواب الشرط الأول الشرط الثاني مع جوابه، كقولك: إن جئتني فإن قدرت أحسنت إليك.

﴿والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحب النار هم فيها خلدون (39)﴾ ﴿والذين﴾ جحدوا رسلنا ﴿وكذبوا﴾ بدلائلنا (135) فـ ﴿أولئك﴾ الملازمون للنار ﴿هم فيها خلدون﴾ أي: دائمون مؤبدون.

﴿يبنى إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون (40)﴾ لما عم سبحانه جميع خلقه بالخطاب، وذكر لهم الحجج على توحيده، وعدد عليهم صنوف نعمائه خص بني إسرائيل عقيب ذلك بذكر ما أسداه إليهم من النعم، فقال: ﴿يبنى إسرائيل﴾ وإسرائيل هو يعقوب لقب له، ومعناه في لسانهم: صفوة الله، وقيل: عبد الله (136) ﴿اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم﴾ أي: لا تخلوا بشكرها واستعظموها، وأراد بالنعمة ما أنعم به على آبائهم من كثرة الأنبياء فيهم، وإنجائهم من فرعون، وغير ذلك مما عدده سبحانه عليهم ﴿وأوفوا بعهدي﴾ أي: بما عاهدتموني عليه من الإيمان بي والطاعة لي ﴿أوف بعهدكم﴾ أي: بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب، وقيل: أوفوا بعهدي في محمد (صلى الله عليه وآله) أن من آمن به كان له أجران، ومن كفر به تكاملت أوزاره، أوف بعهدكم أدخلكم الجنة (137).

﴿وإياي فارهبون﴾ أي: فلا تنقضوا عهدي، وهو من قولك: زيدا رهبته، و ﴿وإياي﴾ منصوب بفعل مضمر يفسره " ارهبون ".

﴿وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون (41)﴾ أي: وصدقوا بما أنزلته على محمد (صلى الله عليه وآله) من القرآن ﴿مصدقا لما معكم﴾ من التوراة ﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ أي: أول من كفر به، أو أول فريق كافر به، أو ولا يكن كل واحد منكم أول كافر به، كما يقال: كسانا الأمير حلة، أي: كسا كل واحد منا حلة، وهذا تعريض بأنه كان يجب أن يكون اليهود أول من يؤمن به، لمعرفتهم به وبصفته، ولأنهم كانوا يبشرون الناس بزمانه، ويستفتحون على الذين كفروا، وكانوا يقولون: إنا نتبعه أول الناس كلهم، فلما بعث كان أمرهم على العكس، كقوله: ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾ (138)، وقيل: الضمير في ﴿به﴾ لما معكم، لأنهم إذا كفروا بما يصدقه فقد كفروا به (139) ﴿ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا﴾ الاشتراء استعارة للاستبدال، كما في قوله: ﴿اشتروا الضللة بالهدى﴾ (140) أي: لا تستبدلوا بآياتي ثمنا قليلا، وإلا فالثمن هو المشترى به، والثمن القليل: الرياسة التي كانت لهم في قومهم خافوا فوتها باتباعه فاستبدلوها بآيات الله.

﴿ولا تلبسوا الحق بالبطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (42)﴾ الباء في قوله: ﴿بالبطل﴾ يجوز أن يكون مثل ما في قولك: لبست الشئ بالشئ: خلطته به، فيكون المعنى: ولا تكتبوا في التوراة ما ليس منها فيختلط ﴿الحق بالبطل﴾، ويجوز أن تكون باء الاستعانة كما في قولك: كتبت بالقلم، فيكون المعنى: ولا تجعلوا الحق ملتبسا مشتبها بباطلكم الذي تكتبونه، ﴿وتكتموا﴾ جزم معطوف على ﴿تلبسوا﴾ بمعنى: ولا تكتموا، أو منصوب بإضمار " أن " أي: ولا تجمعوا بين لبس الحق بالباطل وكتمان الحق، كقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن ﴿وأنتم تعلمون﴾ أنه حق وتجحدون ما تعلمون.

﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (43)﴾.

أي: وأدوا الصلاة بأركانها، وأعطوا ما فرض الله عليكم من الزكاة ﴿واركعوا مع الراكعين﴾ من المسلمين، لأن اليهود لا ركوع لهم في صلاتهم، وقيل: إن المراد به صلاة الجماعة (141).

﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44)﴾ الهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم، و " البر ": سعة الخير، ومنه البر لسعته، ويتناول كل خير، ومنه قولهم: صدقت وبررت، وكانوا يأمرون أقاربهم في السر باتباع محمد (صلى الله عليه وآله) ولا يتبعونه ﴿وتنسون أنفسكم﴾ تتركونها من البر ﴿وأنتم تتلون الكتاب﴾ تبكيت مثل قوله: ﴿وأنتم تعلمون﴾ (142)، يعني: تتلون التوراة وفيها صفة محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿أفلا تعقلون﴾ توبيخ عظيم بمعنى: أفلا تفطنون بقبح ما تقدمون عليه، فيصدكم استقباحه عن ارتكابه فكأنكم قد سلبت عقولكم.

﴿واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين (45) الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم وأنهم إليه راجعون (46)﴾

﴿واستعينوا﴾ في حوائجكم إلى الله ﴿ب?﴾ الجمع بين ﴿الصبر والصلاة﴾، وأن تصلوا صابرين على تكاليف الصلاة وما يجب فيها من إخلاص القلب ودفع الوساوس، أو واستعينوا على البلايا بالصبر عليها والالتجاء إلى الصلاة، وقيل: الصبر: الصوم (143)، ومنه قيل لشهر رمضان: شهر الصبر (144)، ﴿وإنها﴾ الضمير للصلاة أو للاستعانة ﴿لكبيرة﴾ أي: شاقة ثقيلة ﴿إلا على الخاشعين﴾ لأنهم الذين يتوقعون ما ادخر للصابرين على مشاقها فتهون عليهم، والخشوع: التطأمن والإخبات والخضوع واللين والانقياد ﴿الذين يظنون أنهم ملقوا ربهم﴾ أي: يتوقعون لقاء ثوابه ونيل ما عنده، وفي مصحف عبد الله (145) " يعلمون " (146)، ولذلك فسر ﴿يظنون﴾ ب? " يتيقنون "، وكان النبي (عليه السلام) يقول: " يا بلال روحنا " (147)، وقال (عليه السلام): " وجعلت قرة عيني في الصلاة " (148).

﴿يبنى إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنى فضلتكم على العلمين (47) واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (48)﴾ ﴿وأنى فضلتكم﴾ في موضع نصب عطف على ﴿نعمتي﴾ أي: اذكروا نعمتي وتفضيلي إياكم ﴿على العلمين﴾ على الجم الغفير من الناس، كقوله: ﴿باركنا فيها للعلمين﴾ (149)، يقال: رأيت عالما من الناس يراد به الكثرة، أو تفضيلي إياكم في أشياء مخصوصة كإنزال المن والسلوى، والآيات الكثيرة كفلق البحر وتغريق فرعون، وكثرة الرسل فيكم (150) ﴿واتقوا يوما﴾ يريد يوم القيامة ﴿لا تجزى﴾ أي: لا تقضي ﴿نفس عن نفس شيئا﴾ حقا وجب عليها لله أو لغيره، كقوله: ﴿لا يجزى والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا﴾ (151) وهذه الجملة منصوبة الموضع صفة لـ ﴿يوما﴾ والعائد منها إلى الموصوف محذوف تقديره: لا تجزي فيه، حذف الجار ثم حذف الضمير، ومعنى التنكير أن نفسا من الأنفس لا تجزي عن نفس منها شيئا من الأشياء ﴿ولا يقبل منها شفعة﴾ هذا مختص باليهود، فإنهم (152) قالوا: " آباؤنا يشفعون لنا " فأويسوا، لأن الأمة مجتمعة على أن لنبينا صلوات الله عليه وآله شفاعة مقبولة وإن اختلفوا في كيفيتها، وإجماعها حجة ﴿ولا يؤخذ منها عدل﴾ أي: فدية، لأنها معادلة للمفدي ﴿ولا هم ينصرون﴾ يعني: مادلت عليه النفس المنكرة من النفوس الكثيرة، والتذكير بمعنى العباد والأناسي كما قالوا: ثلاثة أنفس.

﴿وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنائكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم (49)﴾ أصل ﴿آل﴾ أهل، ولذلك صغر بأهيل، فأبدلت هاؤه ألفا، وخص استعماله بأولي الخطر والشأن كالملوك وأشباههم (153)، و ﴿فرعون﴾ علم لمن ملك العمالقة، مثل قيصر لملك الروم، وكسرى لملك الفرس ﴿يسومونكم﴾ من سامه خسفا إذا أولاه ظلما، وأصله من سام السلعة إذا طلبها، كأنه بمعنى يبغونكم ﴿سوء العذاب﴾ ويريدونكم عليه، و " السوء " مصدر السيئ، وسوء الفعل قبحه، و ﴿يذبحون﴾ بيان لـ ﴿يسومونكم﴾، ولذلك ترك العاطف، وإنما فعلوا بهم ذلك لأن الكهنة أنذروا فرعون بأنه يولد مولود يكون على يده هلاكه كما أنذر نمرود، فلم يغن عنهما تحفظهما وكان ما شاء الله أن يكون، والبلاء: المحنة إن أشير بذلكم إلى صنيع فرعون، والنعمة إن أشير به إلى الإنجاء.

﴿وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون (50)﴾ ﴿فرقنا بكم البحر﴾ فصلنا بين بعضه وبعض حتى صارت فيه مسالك لكم، يقال: فرق بين الشيئين وفرق - بالتشديد - بين الأشياء، والمعنى في ﴿بكم﴾ أنهم كانوا يسلكونه ويتفرق الماء عند سلوكهم، فكأنما فرق بهم، ويجوز أن يراد بسببكم وبسبب إنجائكم، ويجوز أن يكون في موضع الحال بمعنى: فرقناه متلبسا بكم.

وروي: أن بني إسرائيل قالوا لموسى: أين أصحابنا لا نراهم؟فقال: سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم، قالوا: لا نرضى حتى نراهم، فقال: اللهم أعني على أخلاقهم السيئة، فأوحى الله إليه: أن قل بعصاك هكذا، فصارت فيها كواء فتراءوا وسمع بعضهم كلام بعض (154) ﴿وأنتم تنظرون﴾ إلى ذلك وتشاهدونهم لا تشكون فيه.

﴿وإذ وا عدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51)﴾ أي: وعدنا موسى أن ننزل عليه التوراة، وضربنا له ميقاتا ذا القعدة وعشر ذي الحجة، وقيل: أربعين ليلة، لأن الشهور عددها بالليالي (155)، ومن قرأ ﴿وا عدنا﴾ فلأن الله تعالى وعده الوحي، ووعد هو المجئ للميقات إلى الطور ﴿ثم اتخذتم العجل من بعده﴾ أي: من بعد مضيه إلى الطور ﴿وأنتم ظالمون﴾ باتخاذكم العجل إلها.

﴿ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون (52) وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون (53)﴾

﴿من بعد ذلك﴾ أي: من بعد ارتكابكم الأمر العظيم ﴿لعلكم تشكرون﴾ النعمة في العفو عنكم ﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ﴾ أعطينا ﴿موسى الكتاب والفرقان﴾ أي: الجامع بين كونه كتابا منزلا وفرقانا فارقا بين الحق والباطل يعني التوراة، كقولك: رأيت الغيث والليث، أي: الرجل الجامع بين الجود والجرأة، ونحوه قوله: ﴿ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضيآء وذكرا﴾ (156) أي: الكتاب الجامع بين كونه فرقانا وضياء وذكرا، ويجوز أن يريد ب? ﴿الكتاب﴾: التوراة ﴿و﴾ ب? ﴿الفرقان﴾: البرهان الفارق بين الكفر والإيمان من العصا واليد وغيرهما من الآيات، أو الشرع الفارق بين الحلال والحرام، أو انفراق البحر، أو النصر الذي فرق بينه وبين عدوه، كقوله: ﴿يوم الفرقان﴾ (157) يريد يوم بدر.

﴿وإذ قال موسى لقومه يقوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم (54)﴾ ﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ قال موسى﴾ لعبدة العجل من قومه بعد رجوعه إليهم: ﴿يقوم إنكم﴾ أضررتم ﴿أنفسكم باتخاذكم العجل﴾ معبودا، والبارئ: الذي برأ (158) الخلق بريئا من التفاوت ومتميزا بعضهم من بعض بالصور والأشكال المختلفة ﴿فتوبوا إلى﴾ خالقكم ومنشئكم ﴿فاقتلوا أنفسكم﴾ أي: ليقتل بعضكم بعضا، أمر من لم يعبد العجل أن يقتل من عبده.

روي: أن الرجل كان يبصر ولده وقريبه فلم يمكنهم إمضاء أمر الله سبحانه، فأرسل الله عليهم ضبابة (159) لا يتراءون تحتها، وأمروا أن يحتبوا (160) بأفنية بيوتهم، وأخذ الذين لم يعبدوا العجل سيوفهم فقتلوهم إلى المساء حتى دعا موسى وهارون، وقالا: يا رب هلكت بنو إسرائيل، البقية البقية، فكشفت الضبابة ونزلت التوبة، فسقطت الشفار من أيديهم وكانت القتلى سبعين ألفا (161).

﴿ذلكم﴾ إشارة إلى التوبة مع القتل ﴿خير لكم عند بارئكم﴾ من إيثار الحياة الفانية، وكرر ذكر بارئكم تعظيما لما أتوا به مع كونه خالقا لهم ﴿فتاب عليكم﴾ تقديره: ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم ﴿إنه هو التواب الرحيم﴾ القابل للتوبة عن عباده، الرحيم بهم.

﴿وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصعقة وأنتم تنظرون (55)﴾ قيل: إن القائلين هذا القول هم السبعون الذين صعقوا (162)، أي: لن نصدقك في قولك ﴿حتى نرى الله﴾ عيانا، وهي مصدر من قولك: جهر بالقراءة، كأن الذي يرى بالعين جاهر بالرؤية والذي يرى بالقلب مخافت بها، وانتصابها على المصدر، لأنها نوع من الرؤية فنصبت بفعلها كما تنصب القرفصاء (163) بفعل الجلوس، أو على الحال بمعنى ذوي جهرة، و ﴿الصعقة﴾ نار وقعت من السماء فأحرقتهم، وقيل: صيحة جاءت من السماء (164)، والظاهر أنه أصابهم ما ينظرون إليه فخروا صعقين ميتين.

﴿ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (56)﴾ ثم أحييناكم ﴿من بعد موتكم﴾ لاستكمال آجالكم ﴿لعلكم تشكرون﴾ نعمة الله بعدما كفرتموها إذ رأيتم بأس الله في رميكم بالصاعقة، أو لعلكم تشكرون نعمة البعث بعد الموت.

﴿وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبت ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (57)﴾ وجعلنا ﴿الغمام﴾ يظلكم، وكان ذلك في التيه سخر الله لهم السحاب يسير بسيرهم يظلهم من الشمس، وينزل بالليل عمود من نار يسيرون في ضوئه ﴿وأنزلنا عليكم المن والسلوى﴾ كان ينزل عليهم الترنجبين مثل الثلج، ويبعث الله الجنوب فتحشر عليهم السلوى وهي السماني فيذبح الرجل منها ما يكفيه ﴿كلوا من طيبت ما رزقناكم﴾ على إرادة القول ﴿وما ظلمونا﴾ يعني: فظلموا بأن كفروا هذه النعمة وما ظلمونا، فاختصر لدلالة وما ظلمونا عليه.

﴿وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58)﴾ ﴿القرية﴾ بيت المقدس، وقيل: أريحا من قرى الشام (165)، أمروا بدخولها بعد التيه، و ﴿الباب﴾ باب القرية، وقيل: هو باب القبة التي كانوا يصلون إليها (166)، وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى، أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا، وقيل: السجود أن ينحنوا داخلين ليكون دخولهم بخشوع (167)، وقيل: طؤطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فلم يخفضوها (168) ﴿وقولوا حطة﴾ هي فعلة من الحط كالجلسة والركبة، وهي خبر مبتدأ محذوف، أي: مسألتنا حطة، والأصل النصب بمعنى: حط عنا ذنوبنا حطة، فرفع ليعطي معنى الثبات، كقوله: ﴿فصبر جميل﴾ (169).

وروي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال: " نحن باب حطتكم " (170).

﴿وسنزيد المحسنين﴾ أي: ومن كان محسنا منكم كانت تلك الكلمة سببا في زيادة ثوابه، ومن كان مسيئا يغفر له ويصفح عن ذنوبه.

﴿فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون (59)﴾ أي: فخالف الذين عصوا ووضعوا مكان ﴿حطة﴾، ﴿قولا غير الذي قيل لهم﴾ أي: ليس معناه معنى ما أمروا به، ولم يمتثلوا أمر الله، وقيل: إنهم قالوا مكان " حطة ": " حنطة " (171)، وقيل: قالوا: حطا سمقاثا (172)، أي: حنطة حمراء استهزاء منهم بما قيل لهم (173)، وفي تكرير ﴿الذين ظلموا﴾ زيادة في تقبيح أمرهم، وإيذان بأن إنزال العذاب عليهم لظلمهم، و " الرجز " العذاب، وروي: أنه مات منهم في ساعة واحدة أربعة وعشرون ألفا من كبرائهم (174).

﴿وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين (60)﴾

عطشوا في التيه فاستسقى موسى لهم ودعا لهم بالسقيا ﴿فقلنا اضرب بعصاك الحجر﴾ واللام إما للعهد والإشارة إلى حجر معلوم، فقد روي: أنه حجر حمله معه من الطور، وكان حجرا مربعا له أربعة أوجه كانت تنبع من كل وجه ثلاث أعين، لكل سبط عين تسيل في جدول إلى السبط الذي هي له (175)، وإما للجنس، أي: اضرب الشئ الذي يقال له: الحجر، فقد روي عن الحسن: أنه لم يأمره أن يضرب حجرا بعينه، قال: وهذا أظهر في الحجة وأبين في القدرة (176)، ﴿فانفجرت﴾ أي: ضرب فانفجرت ﴿منه اثنتا عشرة عينا﴾ لكل سبط عين ﴿قد علم كل أناس﴾ يريد كل سبط ﴿مشربهم﴾ عينهم التي يشربون منها ﴿كلوا﴾ على إرادة القول ﴿واشربوا من رزق الله﴾ مما رزقكم الله من الطعام والشراب وهو المن والسلوى وماء العيون، وقيل: الماء ينبت منه الزروع والثمار فهو رزق يؤكل منه ويشرب (177)، ﴿ولا تعثوا﴾ العثي: أشد الفساد، أي: لا تتمادوا في الفساد ﴿مفسدين﴾ أي: في حال إفسادكم.

﴿وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام وا حد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (61)﴾ ﴿وإذ قلتم﴾ نسب قول أسلافهم إليهم ﴿يا موسى لن نصبر على طعام وا حد﴾ أرادوا بالواحد مالا يختلف ولا يتبدل، ولو كان على مائدة الرجل ألوان عدة يداوم عليها كل يوم لا يبدلها جاز أن يقال: لا يأكل فلان إلا طعاما واحدا، ويراد بالوحدة: نفي التبدل والاختلاف ﴿فادع لنا﴾ أي: لأجلنا ﴿ربك يخرج لنا﴾ أي: يظهر لنا ويوجد لنا ﴿مما تنبت الأرض من بقلها﴾ البقل: ما أنبتته الأرض من الخضر، والفوم: الحنطة، ومنه فوموا لنا أي: اختبزوا، وقيل: هو الثوم (178).

قيل: إنهم كانوا قوما فلاحة فنزعوا إلى أصلهم، ولم يريدوا إلا ما ألفوه وضروا به (179) من الأشياء المتفاوتة، كالبقول والحبوب ونحو ذلك (180).

- 64 ﴿قال أتستبدلون الذي هو أدنى﴾ أي: هو أقرب منزلة وأدون مقدارا، والدنو والقرب يعبر بهما عن قلة المقدار، فيقال: هو أدنى (181) المحل وقريب المنزلة، كما يعبر بالبعد عن عكس ذلك، فيقال: بعيد المحل وبعيد الهمة، يريدون الرفعة والعلو ﴿اهبطوا مصرا﴾ أي: انحدروا إليه من التيه، ويمكن أن يريد الاسم العلم، وصرفه مع اجتماع السببين: العلم والتأنيث لسكون وسطه، وإن أريد به البلد فما فيه إلا سبب واحد ﴿وضربت عليهم الذلة﴾ أي: جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم، فهم فيها كما أن من ضربت عليه القبة يكون فيها، أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب، كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه، فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة: إما على الحقيقة، وإما لتفاقرهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية ﴿وباؤا بغضب من الله﴾ أي: صاروا أحقاء بغضبه من قولهم: باء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما تقدم من ضرب الذلة والمسكنة وكونهم أهل غضبه ﴿بأنهم كانوا يكفرون﴾ أي: بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء قتلوا زكريا ويحيى وشعيبا وغيرهم ﴿بغير الحق﴾ معناه: أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم، لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا ﴿ذلك﴾ تكرار للإشارة ﴿بما عصوا﴾ بسبب معصيتهم واعتدائهم حدود الله في كل شئ.

﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صلحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (62)﴾ ﴿إن الذين آمنوا﴾ بألسنتهم وهم المنافقون ﴿والذين هادوا﴾ تهودوا، يقال: هاد وتهود إذا دخل في اليهودية، وهو هائد والجمع هود ﴿والنصارى﴾ جمع نصران، يقال: رجل نصران، وامرأة نصرانة، والنصراني الياء فيه للمبالغة كالتي في أحمري، لأنهم نصروا المسيح ﴿والصابئين﴾ من صبأ إذا خرج من الدين، وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية، وعبدوا الملائكة أو (182) النجوم ﴿من آمن﴾ من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا ﴿وعمل صلحا فلهم أجرهم﴾ الذي يستوجبونه بإيمانهم وأعمالهم، ومحل ﴿من آمن﴾ رفع بالابتداء، وخبره: ﴿فلهم أجرهم﴾، لتضمن ﴿من﴾ معنى الشرط، والجملة خبر ﴿إن﴾، أو نصب بدل من اسم ﴿إن﴾ والمعطوف عليه، وخبر ﴿إن﴾: ﴿فلهم أجرهم﴾.

﴿وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون (63) ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين (64)﴾ ﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ أخذنا ميثاقكم﴾ بالعمل على ما في التوراة ﴿ورفعنا فوقكم الطور﴾ حتى قبلتم وأعطيتم الميثاق، وذلك أن موسى (عليه السلام) جاءهم بالألواح، فرأوا ما فيها من التكاليف الشاقة فأبوا قبولها، فأمر جبرئيل فقلع الطور من أصله ورفعه فوقهم، وقال لهم موسى: إن قبلتم وإلا ألقي عليكم، حتى قبلوا وسجدوا لله تعالى ملاحظين إلى الجبل، فمن ثم يسجد اليهود على أحد شقي وجوههم ﴿خذوا﴾ على إرادة القول، أي: قلنا: ﴿خذوا ما آتيناكم﴾ من الكتاب ﴿بقوة﴾ أي: بجد ويقين وعزيمة ﴿واذكروا ما فيه﴾ وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه ﴿لعلكم تتقون﴾ رجاء منكم أن تكونوا متقين ﴿ثم توليتم﴾ ثم أعرضتم عن الميثاق والوفاء به ﴿فلولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ وتوفيقه للتوبة ﴿لكنتم من الخاسرين﴾ لخسرتم.

﴿ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين (65) فجعلناها نكلا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين (66)﴾

﴿السبت﴾ مصدر سبتت (183) اليهود إذا عظمت يوم السبت، المعنى: ﴿ولقد﴾ عرفتم ﴿الذين اعتدوا منكم﴾ أي: جاوزوا ما حد لهم في السبت من تعظيمه واشتغلوا بالصيد، وذلك أن الله ابتلاهم فما كان يبقى حوت في البحر إلا ظهر يوم السبت، فإذا مضى تفرقت، فحفروا حياضا عند البحر وشرعوا إليها الجداول، فكانت الحيتان تدخلها فيصطادونها يوم الأحد، فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم، ﴿فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾ أي: كونوا جامعين بين القردية والخسوء ﴿فجعلناها﴾ يعني: المسخة ﴿نكلا﴾ عبرة تنكل من اعتبرها، أي: تمنعه ﴿لما بين يديها﴾ لما قبلها ﴿وما خلفها﴾ وما بعدها من الأمم والقرون، لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين فاعتبروا بها، واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين، أو أريد بما بين يديها ما بحضرتها من الأمم ﴿وموعظة للمتقين﴾ الذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم، أو لكل متق.

﴿وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجهلين (67) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون (68)﴾ كان في بني إسرائيل شيخ موسر قتله قرابة له ليرثوه، فطرحوه على طريق سبط من أسباط بني إسرائيل، ثم جاءوا يطلبون بدمه، فأمرهم الله أن يذبحوا ﴿بقرة﴾ ويضربوه ببعضها ليحيى فيخبرهم بقاتله ﴿قالوا أتتخذنا هزوا﴾ أتجعلنا أهل هزؤ أو مهزوءا بنا أو الهزؤ نفسه ﴿قال أعوذ بالله أن أكون من الجهلين﴾ أي: من المستهزئين، ليدل على أن الاستهزاء لا يصدر إلا عن الجاهل، وقرئ: " هزؤا " (184) و: " هزءا " (185) مثل كفؤا وكفؤا، وبالضمتين والواو فيهما ﴿قالوا ادع لنا ربك﴾ أي: سل لنا ربك، وكذا هو في قراءة عبد الله (186) ﴿ما هي﴾ سؤال عن حالها وصفتها، وذلك أنهم تعجبوا من بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيى، فسألوا عن صفة تلك البقرة العجيبة الشأن ﴿قال﴾ موسى ﴿إنه﴾ سبحانه ﴿يقول إنها بقرة﴾ لا مسنة ولا فتية، فرضت البقرة فروضا أي: أسنت ﴿عوان بين ذلك﴾ أي: نصف وسط بين الصغيرة والكبيرة، وجاز دخول ﴿بين﴾ على ﴿ذلك﴾، لأنه في معنى شيئين حيث وقع مشارا به إلى ما ذكر من الفارض والبكر، وجاز أن يشار به إلى مؤنثين لأنه في تأويل ما ذكر وما تقدم ﴿فافعلوا ما تؤمرون﴾ أي: ما تؤمرونه بمعنى تؤمرون به، ويجوز أن يكون بمعنى أمركم أي: مأموركم، تسمية للمفعول بالمصدر كضرب الأمير.

﴿قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر النظرين (69) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشبه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون (70) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون (71)﴾

﴿فاقع﴾ توكيد لـ ﴿صفراء﴾ (187)، ولم يقع خبرا عن " اللون "، و ﴿لونها﴾ فاعله، لأن اللون من سبب الصفراء ومتلبس بها، فلا فرق بين أن يقول: صفراء فاقع لونها وصفراء فاقعة، وعن وهب: إذا نظرت إليها خيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها (188).

والسرور: لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه، وقولهم: ﴿ما هي﴾ مرة ثانية تكرير للسؤال عن حالها وصفتها ليزدادوا بيانا لوصفها.

وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " لو اعترضوا أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم، والاستقصاء شؤم " (189).

﴿إن البقر تشبه علينا﴾ أي: إن البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا أيها نذبح ﴿وإنا إن شاء الله لمهتدون﴾ إلى البقرة المراد ذبحها، أو إلى ما خفي علينا من أمر القاتل.

وفي الحديث: " لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد " (190) أي: لو لم يقولوا: ﴿إن شاء الله﴾.

﴿لا ذلول﴾ لم تذلل للكراب (191) وإثارة الأرض ﴿ولا﴾ هي من النواضح، فـ ﴿تسقى الحرث﴾ و ﴿لا﴾ الأولى للنفي والثانية مزيدة لتوكيد الأولى، لأن المعنى: لا ذلول تثير (192) وتسقي، على أن الفعلين صفتان لـ " ذلول "، كأنه قيل: لا ذلول مثيرة وساقية ﴿مسلمة﴾ سلمها الله تعالى من العيوب، أو معفاة من العمل سلمها أهلها منه، أو مخلصة اللون من سلم له كذا إذا خلص له ﴿لاشية فيها﴾ لم يشب صفرتها شئ من الألوان، فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها، وهي في الأصل مصدر وشاه وشيا وشية: إذا خلط بلونه لونا آخر، ومنه ثور موشي القوائم ﴿قالوا الآن جئت بالحق﴾ أي: بحقيقة وصف البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها ﴿فذبحوها﴾، وقوله: ﴿وما كادوا يفعلون﴾ استبطاء لهم واستثقال لاستقصائهم، أي: ما كادوا يذبحونها وما كادت تنتهي سؤالاتهم، وقيل: وما كادوا يذبحونها لغلاء ثمنها (193)، وقيل: لخوف الفضيحة في ظهور القاتل (194).

فأما اختلاف العلماء في أن تكليفهم كان واحدا وهو ذبح البقرة المخصوصة باللون والصفات أو كان متغايرا وكلما راجعوا تغيرت مصلحتهم إلى تكليف آخر فمذكور في كتاب مجمع البيان (195)، فمن أراد ذلك فليقف عليه هناك.

والنسخ قبل الفعل جائز، وقبل وقت الفعل غير جائز، لأنه يؤدي إلى البداء.

﴿وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون (72) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون (73)﴾

خوطبت الجماعة لوجود القتل فيهم ﴿فادارأتم﴾ أي: اختلفتم ﴿فيها﴾ واختصمتم في أمرها، لأن المتخاصمين يدرأ بعضهم بعضا أي: يدفعه، أو تدافعتم بأن طرح بعضكم قتلها على بعض فدفع المطروح عليه الطارح، أو دفع بعضكم بعضا عن البراءة واتهمه ﴿والله مخرج﴾ أي: مظهر ﴿ما كنتم تكتمون?﴾ - ه من أمر القتل (196) ولا يتركه مكتوما، وهذه جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه وهما " ادارأتم " و " قلنا "، والضمير في ﴿اضربوه﴾ إما أن يرجع إلى النفس على تأويل الشخص، أو إلى القتيل لما دل عليه قوله: ﴿ما كنتم تكتمون﴾، ﴿ببعضها﴾ ببعض البقرة، والتقدير: فضربوه فحيي ﴿كذلك يحى الله الموتى﴾ فحذف لأن ما أبقي يدل على ما ألقي، روي: أنهم لما ضربوه قام بإذن الله وأوداجه تشخب دما، وقال: قتلني فلان، فقتل ولم يورث قاتل بعد ذلك (197) ﴿ويريكم آياته﴾ دلائله على أنه قادر على كل شئ ﴿لعلكم تعقلون﴾ أي: تعملون (198) على قضية عقولكم في أن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء النفوس كلها، لعدم الاختصاص حتى لا تنكروا البعث.

وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتل (199) مع تقدمه، لأن الغرض ذكر قصتين كل واحدة منهما تختص بنوع من التقريع، فلو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة وذهب الغرض في ذلك.

﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهر وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغفل عما تعملون (74)﴾ ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك﴾ المعنى في ﴿ثم﴾ استبعاد القسوة من بعد ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها من إحياء القتيل وغير ذلك من الآيات ﴿فهي﴾ في قسوتها مثل الحجارة ﴿أو أشد قسوة﴾ منها، والمعنى: أن من عرفها شبهها بالحجارة أو قال: هي أقسى من الحجارة، أو من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بجوهر أقسى منها ﴿وإن من الحجارة﴾ بيان لفضل قسوة قلوبهم على الحجارة، والتفجر: التفتح بالسعة والكثرة، والمعنى: أن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير ﴿وإن منها لما يشقق﴾ أي: يتشقق، أدغم التاء في الشين، أي: ينشق طولا أو عرضا فينبع منه الماء ﴿وإن منها لما يهبط﴾ أي: يتردى من أعلى الجبل، والخشية مجاز عن انقيادها لأمر الله، وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تفعل (200) ما أمرت به ﴿وما الله بغفل عما تعملون﴾ أيها المكذبون، ومن قرأ بالياء (201) فالمراد: عما يعمل هؤلاء أيها المسلمون.

﴿أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلم الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (75)﴾ الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمين، أي: ﴿أفتطمعون أن يؤمنوا﴾ لأجل دعوتكم فيستجيبوا ﴿لكم﴾ كما قال: ﴿فامن له لوط﴾ (202)، ﴿وقد كان فريق منهم﴾ أي: طائفة من أسلاف اليهود ﴿يسمعون كلم الله﴾ في التوراة ﴿ثم يحرفونه﴾ كما حرفوا صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآية الرجم ﴿من بعد ما عقلوه﴾ أي: فهموه وضبطوه ولم يبق لهم شبهة في صحته ﴿وهم يعلمون﴾ أنهم كاذبون، يعني: إن حرف هؤلاء فلهم سابقة في ذلك.

﴿وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون (76) أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون (77)﴾

﴿وإذا لقوا الذين آمنوا﴾ يعني: اليهود ﴿قالوا آمنا﴾ بأنكم على الحق، وبأن محمدا (صلى الله عليه وآله) هو النبي المبشر به في التوراة ﴿وإذا خلا بعضهم إلى بعض﴾ أي: صاروا في الموضع الذي ليس فيه غيرهم ﴿قالوا﴾ أي: قال بعضهم لبعض ﴿أتحدثونهم بما فتح الله عليكم﴾ بما بين لكم في التوراة من صفة محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿ليحاجوكم به عند ربكم﴾ ليحتجوا عليكم بما أنزل ربكم في كتابه، جعلوا محاجتهم به وقولهم: هو في كتابكم هكذا محاجة عند الله، كما يقال: هو عند الله هكذا، أو هو في كتاب الله هكذا بمعنى واحد، أو يكون المراد ليكون لهم الحجة عليكم عند الله في إيمانهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) إذ كنتم مخبرين بصحة أمره من كتابكم ﴿أفلا تعقلون﴾ أن ذلك حجة عليكم ﴿أولا﴾ يعلم هؤلاء اليهود ﴿أن الله يعلم ما يسرون﴾ من الكفر ﴿وما يعلنون﴾ من الإيمان.

﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون (78)﴾ ﴿أميون﴾ لا يحسنون الكتابة فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما فيها ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ أي: التوراة ﴿إلا أماني﴾ إلا ما هم عليه من أمانيهم: أن الله يعفو عنهم ولا يؤاخذهم بخطاياهم وأن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وقيل: إلا أكاذيب مختلقة (203) من علمائهم فيقبلونها على التقليد (204)، كما قال أحدهم: هذا شئ رويته أم تمنيته، أي: اختلقته، وقيل: إلا ما يقرؤون (205)، من قول الشاعر: تمنى كتاب الله أول ليله (206) وهذا من الاستثناء المنقطع كقوله: ﴿مالهم به من علم إلا اتباع الظن﴾ (207)، ﴿وإن هم﴾ أي: وما هم ﴿إلا يظنون﴾ أي: يشكون وهم متمكنون من العلم بالحق.

﴿فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (79)﴾ ﴿فويل للذين يكتبون الكتاب﴾ المحرف ﴿بأيديهم﴾ تأكيد، كما تقول: رآه بعينه وسمعه بأذنه، والويل: كلمة التحسر والتفجع وهو في الآية العذاب ﴿ليشتروا به ثمنا قليلا﴾ أي: ليأخذوا به ما كانوا يأخذونه من عوامهم من الأموال، وصفه بالقلة لأن متاع الدنيا قليل، وقوله: ﴿مما يكسبون﴾ أي: من الرشى.

﴿وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون (80)﴾ وقالت اليهود: ﴿لن تمسنا النار﴾ أي: لن تصيبنا النار ﴿إلا أياما معدودة﴾ أي: قلائل أربعين يوما عدد أيام عبادة العجل، وعن مجاهد: قالوا: مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما (208)، ﴿فلن يخلف الله عهده﴾ متعلق بمحذوف تقديره: إن اتخذتم عنده عهدا فلن يخلف الله عهده، و ﴿أم﴾ إما أن تكون معادلة لهمزة الاستفهام بمعنى: أي الأمرين كائن على سبيل التقرير، لأن العلم واقع بكون أحدهما، وإما أن تكون منقطعة بمعنى: بل أتقولون.

﴿بلى من كسب سيئة وأحطت به خطيته فأولئك أصحب النار هم فيها خلدون (81) والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحب الجنة هم فيها خلدون (82)﴾

﴿بلى﴾ إثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله: ﴿لن تمسنا النار﴾ أي: بلى تمسكم النار على سبيل الخلود بدلالة قوله: ﴿هم فيها خلدون﴾، والسيئة هنا: الشرك، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة (209) وغيرهم (210) وهو الصحيح، لأن ما عدا الشرك لا يستحق به الخلود في النار عندنا (211) ﴿وأحطت به خطيته﴾ أي: أحدقت به من كل جانب كقوله: ﴿وإن جهنم لمحيطة بالكافرين﴾ (212)، أو أهلكته كقوله: ﴿إلا أن يحاط بكم﴾ (213) و ﴿أحيط بثمره﴾ (214)، والمراد: سدت عليه طريق النجاة، وقيل: المراد بذلك الإصرار على الذنب (215).

وفي قوله: ﴿والذين آمنوا﴾ الآية وعد لأهل التصديق والطاعة بالثواب (216) الدائم كما أوعد قبله أهل الجحود والإصرار على الكبائر الموبقة بالعقاب الدائم.

﴿وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمسكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون (83)﴾ ﴿لا تعبدون﴾ إخبار في معنى النهي، كما يقال: تذهب إلى فلان تقول له كذا وكذا، يراد به الأمر، وهو أبلغ من صريح الأمر والنهي، لأنه كأنه قد سورع إلى امتثاله فأخبر عنه، ويؤيده قراءة عبد الله وأبي: " لا تعبدوا " (217)، ولابد من إرادة القول، ويدل عليه قوله: ﴿وقولوا﴾، وتقدير قوله: ﴿وبالوالدين إحسانا﴾: وتحسنون بالوالدين إحسانا أو أحسنوا، وقيل: إن قوله: ﴿لا تعبدون﴾ جواب القسم، لأن أخذ الميثاق في معنى القسم، كأنه قيل: وإذ أقسمنا عليهم لا تعبدون (218)، وقيل: معناه أن لا تعبدوا فلما حذف " أن " رفع (219)، كقوله: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى (220)

﴿وذي القربى﴾ أي: وبذي القربى أن تصلوا قرابته، وباليتامى أن تعطفوا عليهم بالشفقة والرأفة، وبالمساكين أن تؤتوهم حقوقهم ﴿وقولوا للناس حسنا﴾ أي: قولا هو حسن في نفسه لإفراط حسنه، وقرئ: " حسنا " (221) و " حسنى " (222) على المصدر كبشرى، وعن الباقر (عليه السلام): " قولوا للناس ما تحبون أن يقال لكم " (223) ﴿وأقيموا الصلاة﴾ أي: أدوها بحدودها وأركانها ﴿وآتوا الزكاة﴾ أعطوها أهلها ﴿ثم توليتم﴾ هذا على طريق الالتفات، أي: توليتم عن الميثاق وتركتموه ﴿إلا قليلا منكم﴾ وهم الذين أسلموا منهم ﴿وأنتم معرضون﴾ عادتكم الإعراض عن المواثيق.

﴿وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون (84)﴾ ﴿لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم﴾ أي: لا يفعل ذلك بعضكم ببعض، جعل غير الرجل نفسه إذا اتصل به أصلا أو دينا، وقيل: المعنى فيه أنه إذا قتل غيره فكأنما قتل نفسه لأنه يقتص منه (224) ﴿ثم أقررتم﴾ بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه ﴿وأنتم تشهدون﴾ عليها، وقيل: أنتم تشهدون اليوم يا معاشر اليهود على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق (225).

﴿ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديرهم تظهرون عليهم بالاثم والعدوان وإن يأتوكم أسرى تفدوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزى في الحياة الدنيا ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغفل عما تعملون (85)﴾ ﴿ثم أنتم هؤلاء﴾ استبعاد لما أسند إليهم من القتل والإجلاء والعدوان بعد أخذ الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم، يعني: ثم أنتم بعد ذلك هؤلاء المشاهدون، يعني: أنكم قوم آخرون غير أولئك المقرين تنزيلا لتغير الصفة منزلة تغير الذات، كما تقول: رجعت بغير الوجه الذي خرجت به، وقوله: ﴿تقتلون﴾ بيان لقوله: ﴿ثم أنتم هؤلاء﴾، وقيل: ﴿هؤلاء﴾ موصول بمعنى " الذين " (226).

وقرئ: ﴿تظهرون﴾ بحذف التاء (227) و " تظاهرون " بإدغامها (228)، والأصل تتظاهرون، أي: تتعاونون عليهم ﴿وإن يأتوكم أسرى﴾ وقرئ: " أسرى " (229) ﴿تفدوهم﴾ أي: وأنتم مع قتلكم من تقتلون منهم إذا وجدتموه (230) أسيرا في أيدي غيركم فديتموهم، وقتلكم وإخراجكم إياهم من ديارهم حرام عليكم كما أن تركهم أسارى في أيدي غيركم حرام عليكم، فكيف تستجيزون قتلهم ولا تستجيزون ترك فدائهم من عدوهم ؟! وقرئ: ﴿تفدوهم﴾ لأن الفعل بين اثنين، و ﴿هو﴾ ضمير الشأن و ﴿محرم عليكم إخراجهم﴾ خبره، ويجوز أن يكون مبهما تفسيره ﴿إخراجهم﴾، ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب﴾ أي: بالفداء ﴿وتكفرون ببعض﴾ أي: بالقتال والإجلاء، وذلك أن قريظة كانوا حلفاء الأوس، والنضير كانوا حلفاء الخزرج، فكان كل فريق منهم يقاتل مع حلفائه، فإذا غلبوا خربوا ديارهم وأخرجوهم، وإذا أسر رجل من الفريقين فدوه.

والخزي: قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير، وقيل: الجزية (231) ﴿ويوم القيمة يردون إلى أشد العذاب﴾ الذي أعده الله لأعدائه، وقرئ: " تردون " (232) و " يعملون " بالتاء والياء (233).

﴿أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون (86)﴾ أي: رضوا ب? ﴿الحياة الدنيا﴾ عوضا من نعيم الآخرة ﴿فلا يخفف عنهم﴾ عذاب الدنيا بنقصان الجزية وكذلك عذاب الآخرة ﴿ولا هم ينصرون﴾ أي: لا ينصرهم أحد بالدفع عنهم.

﴿ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون (87)﴾ ﴿الكتاب﴾ التوراة، آتاه إياها جملة واحدة ﴿وقفينا﴾ أي: أتبعنا، من القفا، وقفاه به: أتبعه إياه، أي: أرسلنا على إثره كثيرا من الرسل، كقوله: ﴿ثم أرسلنا رسلنا تترا﴾ (234)، و ﴿عيسى﴾ بالسريانية: أيشوع، و ﴿مريم﴾ بمعنى الخادم ﴿البينات﴾ المعجزات الواضحات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والإخبار بالمغيبات ﴿وأيدناه بروح القدس﴾ بالروح المقدسة، كما يقال: حاتم الجود، لأنه لم تضمه الأصلاب والأرحام الطوامث، وقيل: بجبرئيل (235)، وقيل: باسم الله الأعظم الذي كان يحيي الموتى بذكره (236).

والمعنى: ﴿ولقد آتينا﴾ يا بني إسرائيل أنبيائكم ما آتيناهم ﴿أفكلما جاءكم رسول﴾ منهم بالحق ﴿استكبرتم﴾ عن الإيمان به، فوسط بين الفاء وما تعلقت به همزة التوبيخ والتعجيب من شأنهم، ويجوز أن يريد: ولقد آتيناهم ما آتيناهم ففعلتم ما فعلتم، ثم وبخهم على ذلك، ودخول الفاء لعطفه على المقدر، ولم يقل: وفريقا قتلتم لأنه أريد الحال الماضية، لأن الأمر فظيع فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب.


1- آية: 255.

2- أورده في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 32، وتفسير الكشاف: ج 1 ص 334.

3- في نسخة: يظلانه.

4- في بعض النسخ: الغيابتين، وفي أخرى: الغبابتين. وما أثبتناه لما في الصحاح من أن الغياية (بيائين) كل شئ أظل الانسان فوق رأسه، مثل: السحابة والغبرة والظلمة ونحو ذلك. (الصحاح: مادة غيي).

5- ثواب الأعمال للصدوق: ص 130.

6- معاني الأخبار للصدوق: ص 24، رسائل المرتضى: ج 3 ص 301.

7- هو أبو عمرو، عامر بن شراحيل الكوفي الشعبي، كان فقيها ومن كبار التابعين، روى عن مائة وخمسين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن لا يخفى أنه عند علماء الشيعة مذموم مطعون، وقد روى عنه أشياء ردية. مات بالكوفة سنة 104 ه?. (الكنى والألقاب للقمي: ج 2 ص 361، ووفيات الأعيان لابن خلكان: ج 2 ص 227).

8- حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 1 ص 154.

9- تفسير ابن عباس: ص 3 و 253، وعنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 44.

10- انظر تفصيل الأقوال ومن ذهب إليها في التبيان: ج 1 ص 47 - 49، وتفسير البغوي: ج 1 ص 44، وتفسير ابن كثير: ج 1 ص 34.

11- في نسخة زيادة: المبسوطة.

12- البيت ليزيد بن الحكم كما نسبه إليه الزجاج وابن الأنباري والقالي، وروى الحريري في درة الغواص عن الأصمعي قال: أنشدني عيسى بن عمر بيتا هجا به النحويين، وذكر البيت. انظر معاني القرآن واعرابه: ج 1 ص 61، وخزانة الأدب: ج 1 ص 110 - 112، والمقتضب: ج 1 ص 236 وفيه: " قتال " بدل " جدال ".

13- مسند أحمد: ج 3 ص 153، ومستدرك الحاكم: ج 2 ص 13.

14- المصنف لابن أبي شيبة: ج 12 ص 369 و 372، و ج 14 ص 524، طبقات ابن سعد: ج 3 ص 364، نصب الراية للزيلعي: ج 3 ص 428 و 429 و 430 و 434، بداية النهاية: ج 4 ص 348.

15- نوح: 27.

16- الزهراوان: سورتا البقرة وآل عمران كما في الحديث. انظر مستدرك الحاكم: ج 1 ص 560.

17- في بعض النسخ: ملتبسين.

18- الأنبياء: 49.

19- في نسخة: أي.

20- كذا ذكره المصنف هنا وفي مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 39 بلفظ " يبثون "، لكن في تفسير العياشي: ج 1 ص 26 ح 1، والبحار: ج 21 ص 21، والبرهان: ج 1 ص 53، والصافي: ج 1 ص 58 و 59 بلفظ " ينبئون ".

21- هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي أبو يوسف، حليف بني عوف بن الخزرج، أسلم عند قدوم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة، قيل: كان اسمه الحصين فسماه النبي (صلى الله عليه وآله) عبد الله وشهد له بالجنة. روى عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وعنه ابناه، شهد مع عمر فتح بيت المقدس والجابية، مات بالمدينة سنة ثلاث وأربعين. (الاستيعاب: ج 3 ص 921).

22- القصص: 83.

23- في نسخة: موضع.

24- انظر لسان العرب: مادة فلج.

25- في نسخة زيادة: يجوز.

26- هود: 48.

27- الانعام: 38.

28- العنكبوت: 32.

29- أبو عمرو، هو زبان بن العلاء البصري، أحد القراء السبعة، سمع أنس بن مالك، وعنه أحمد الليثي وأحمد اللؤلؤي، عالم بالعربية والشعر، توفي عام 154 ه?. (فهرست ابن النديم: ص 48، وطبقات الشعراء: ج 1 ص 288، وتاريخ التراث العربي: مج 1 ج 1 ص 153).

30- هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن الزبان التميمي، أحد القراء السبعة، ولد بالكوفة سنة 80 ه?، أخذ القراءة عرضا عن الأعمش وحمران بن أعين وغيرهما، كان عالما بالقراءات، بصيرا بالفرائض، إليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم، توفي سنة 156 ه?. (المعارف لابن قتيبة: ص 263، وفهرست ابن النديم: ص 29، وغاية النهاية للجزري: ج 1 ص 261 - 263، وأعيان الشيعة: ج 6 ص 238).

31- هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي بالولاء الكوفي المعروف بالكسائي، أحد القراء السبعة، كان إماما في النحو واللغة والقراءات، قرأ على يد حمزة، كان يؤدب الأمين بن هارون الرشيد ويعلمه الأدب، توفي بالري وكان قد خرج إليها بصحبة هارون الرشيد وذلك سنة 189 ه?. (وفيات الأعيان: ج 2 ص 457، والكنى والألقاب: ج 3 ص 112).

32- البقرة: 200.

33- البقرة: 19.

34- القصص: 34.

35- الأنبياء: 101.

36- راجع تفصيل ذلك في كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 128 - 129، وتفسير البغوي: ج 1 ص 45.

37- في نسخة: كما.

38- في نسخة: أبوه.

39- في الكشاف: ج 1 ص 47.

40- مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 42.

41- وأبو علي هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفسوي النحوي، فارس ميدان العلم والأدب، وإمام وقته في علم النحو، أقام بحلب وصنف كتبا لم يسبق إلى مثلها، ولد بمدينة " فسا " سنة 288 ه?، وتوفي ببغداد سنة 377 ه?. (الكنى والألقاب: ج 3 ص 4).

42- في الحجة في علل القراءات: ج 1 ص 201.

43- راجع التبيان: ج 1 ص 377. وأبو جهل هو عمرو بن هشام بن مغيرة المخزومي، كان من أشد الناس عداوة للنبي (صلى الله عليه وآله)، وقتل كافرا يوم بدر.

44- قاله الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 47.

45- في بعض النسخ: فبأن.

46- في نسخة: سماعه.

47- في نسخة: كأنها.

48- في بعض النسخ: كأنها.

49- في نسخة: بطن بعضكم.

50- في نسخة: يؤمنوا.

51- في نسخة زيادة: من.

52- الأحزاب: 23.

53- التوبة: 61.

54- كذا في جميع النسخ لكن الظاهر أن الصحيح: يكونوا.

55- في نسخة زيادة: بعض.

56- وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو والأعرج وابن جندب وشيبة ومجاهد وشبل وابن محيصن والزيدي. راجع التبيان: ج 1 ص 68، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 139، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 309، والاملاء للعكبري: ج 1 ص 10، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 87، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 57.

57- في نسخة: لأن قوام النفس به.

58- في بعض النسخ: السبب.

59- التوبة: 125.

60- في نسخة: أو. .

61- الخور - بالتحريك -: الضعف. (القاموس المحيط والصحاح: مادة خور).

62- وصدره: وخيل قد دلفت لها بخيل. والبيت منسوب لعمرو بن معد يكرب ضمن قصيدة بعث بها إلى دريد بن الصمة عندما التمس منه زواج أخته ريحانة فأجابه ومطله. انظر الكشاف: ج 2 ص 60، وخزانة الأدب: ج 9 ص 257، والمقتضب: ج 2 ص 413، والخصائص: ج 1 ص 368.

63- وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر، والأعرج وشيبة وأبي جعفر ومجاهد وشبل وأبو رجاء وأبو حاتم. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 141 والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 227 - 229، والحجة في القراءات لأبي زرعة: ص 88، والتيسير في القراءات: ص 72، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 60.

64- في نسخة: المؤمنين.

65- في بعض النسخ زيادة: بوجه.

66- القيامة: 40.

67- الشورى: 40.

68- هو الحسن بن أبي الحسن بن يسار، أبو سعيد البصري، مولى الأنصار، كان فصيحا زاهدا، وكان حافظا واعظا بارعا في وعظه، وكان راويا عن كثير من الصحابة، ولد لسنتين بقينا من خلافة عمر، ونشأ بوادي القرى، وتوفي سنة 110 ه? وهو ابن ثمان وثمانين. (تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 2 ص 263 - 270، وميزان الاعتدال للذهبي: ج 1 ص 254، وحلية الأولياء لأبي نعيم: ج 2 ص 131، وأمالي السيد المرتضى: ج 1 ص 106).

69- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 68.

70- الدرص: ولد الفأرة واليربوع والهرة وأشباهها، ونفقه: جحره، والمثل يضرب لمن يعني بأمره ويعد حجة لخصمه فينسى عند الحاجة. راجع مجمع الأمثال للميداني: ج 1 ص 432، والقاموس المحيط: مادة (درص).

71- الطلبة - بكسر اللام -: ما طلبته. (القاموس المحيط: مادة طلب).

72- التوبة: 69.

73- يوسف: 15.

74- هو عنترة بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي، أشهر فرسان العرب في الجاهلية، ومن شعراء الطبقة الأولى، من أهل نجد، أمه حبشية اسمها: زبيدة، سرى إليه السواد منها، وكان من أحسن العرب شيمة ومن أعزهم نفسا، يوصف بالحلم على شدة بطشه، وفي شعره رقة وعذوبة، اجتمع في شبابه بامرئ القيس الشاعر، وشهد حرب داحس والغبراء وعاش طويلا، قتل نحو سنة 22 قبل الهجرة. (الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 130، والأغاني: ج 8 ص 240، وخزانة الأدب: ج 1 ص 62، وشرح الشواهد: ص 164، وآداب اللغة: ج 1 ص 117).

75- راجع ديوانه: ص 64، وخزانة الأدب: ج 9 ص 165. أي: فتركته قتيلا تنهشه السباع والوحوش وتقتضم أصابعه وزنديه.

76- أصاخ له: استمع. (القاموس المحيط: مادة صاخ).

77- البيت لقعنب بن أم صاحب الغطفاني كما في شرح درة الغواص: ص 130، وراجع لباب الآداب: ص 403 مادة " اذن ". وأذنوا: أي استمعوا، ومعناه لا يحتاج إلى بيان.

78- انظر لسان العرب: مادة (صوب).

79- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 5، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 82، واختاره الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 79.

80- داجية: مظلمة، ومنه دجا الليل إذا أظلم. (القاموس المحيط: مادة دجا).

81- خفقت الراية: اضطربت. (الصحاح: مادة خفق).

82- خفت الريح: أي سكن. (الصحاح: مادة خفت).

83- في نسخة: فرضا.

84- في بعض النسخ: أو.

85- الأنبياء: 17.

86- في بعض النسخ: يصلح.

87- في بعض النسخ: يصح.

88- الملك: 2.

89- أراد بالمقلة: الأرض الحاملة للمخلوقات عليها، وبالمظلة: السماء التي تغطيها كالقبة.

90- الأخبية جمع خباء، وهو من الأبنية ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر. (القاموس المحيط: مادة خبا).

91- في نسخة: خصكم.

92- في نسخة: أو.

93- في بعض النسخ: السؤر.

94- يونس: 38.

95- الاسراء: 88.

96- الأنبياء: 98.

97- في نسخة: أكرم.

98- في نسخة: جنان.

99- محمد: 15.

100- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 109.

101- انظر أسباب النزول للواحدي: ص 27 في أحوال نزول هذه الآية.

102- أخرجه في جامع الأصول: ج 5 ص 11 ح 2119 عن سلمان الفارسي، ورواه أيضا في كنز العمال: ج 2 ص 87 ح 3266 و 3267 و 3268 عن علي (عليه السلام) وابن عمر، وفي المستدرك للحاكم: ج 1 ص 497 عن أنس، وفي الترغيب والترهيب للمنذري: ج 2 ص 480 - 481 وقال: ورواه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين.

103- في بعض النسخ: تخوف.

104- آل عمران: 159.

105- في بعض النسخ: بسبب إضلالهم.

106- في بعض النسخ: ساغ.

107- رواه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 119.

108- رواه الضحاك وعطاء عن ابن عباس كما في تفسير السمرقندي: ج 1 ص 105.

109- قاله الهمداني في الفريد في إعراب القرآن: ج 1 ص 262.

110- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 107، والأخفش في معاني القرآن: ج 1 ص 217 وعنه في التبيان: ج 1 ص 126.

111- في نسخة زيادة: وهاشم.

112- ص: 26.

113- مريم: 4.

114- البقرة: 30.

115- في نسخة زيادة: واحدا.

116- في نسخة زيادة: في.

117- الاسراء: 62.

118- الأعراف: 12.

119- قال في التبيان: ج 1 ص 159 ما لفظه: وقوله: * (ولا تقربا هذه الشجرة) * صيغته صيغة النهي، والمراد به الندب عندنا، لأنه دل الدليل على أن النهي لا يكون نهيا إلا بكراهته للمنهي عنه، والله تعالى لا يكره إلا القبيح. وفي تفسير الميزان قال (قدس سره): فهما إنما ظلما أنفسهما في ترك الجنة، على أن جزاء المخالفة للنهي المولوي التكليفي يتبدل بالتوبة إذا قبلت ولم يتبدل موردهما، فإنهما تابا وقبلت توبتهما ولم يرجعا إلى ما كانا فيه من الجنة، ولولا أن التكليف إرشادي ليس له إلا التبعة التكوينية دون التشريعية، لاستلزام قبول التوبة رجوعهما إلى ما كانا فيه من مقام القرب. انظر تفسير الميزان: ج 1 ص 131.

120- وهي قراءة حمزة والأعمش والحسن والأعرج وطلحة وأبي رجاء. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 153، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 236، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 312، والحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 10، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 161.

121- طه: 123.

122- في نسخة ليس فيها: " أو الاستقرار ".

123- قاله ابن عباس والسدي. راجع تفسير ابن عباس: ص 7، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 108.

124- محمد بن السري بن سهل البغدادي المعروف بابن السراج، أبو بكر، أديب، نحوي، لغوي، صحب المبرد وقرأ عليه كتاب سيبويه في النحو، ثم اشتغل بالموسيقى، ثم رجع إلى كتاب سيبويه ونظر في دقائقه وعول على مسائل الأخفش والكوفيين، وخالف أصول البصريين في مسائل كثيرة، وأخذ عنه عبد الرحمن الزجاجي وأبو سعيد السيرافي وأبو علي الفارسي وعلي بن عيسى الرماني وتوفي كهلا، من تصانيفه: شرح كتاب سيبويه في النحو، احتجاج القراء في القراءة، جمل الأصول، الاشتقاق، الشعر والشعراء. (سير النبلاء: ج 9 ص 266، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 5 ص 319 - 320، ووفيات الأعيان لابن خلكان: ج 1 ص 636 - 637، ومعجم الأدباء: ج 18 ص 197 - 201، والكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 8 ص 6 و 62).

125- حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 1 ص 165.

126- قرأه ابن عباس ومجاهد وابن كثير. راجع التبيان: ج 1 ص 166، والسبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 153، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 312، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 165.

127- الأعراف: 23.

128- نسبه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 128 - 129 إلى ابن مسعود، والماوردي في تفسيره: ج 1 ص 109 إلى مجاهد.

129- راجع الخصال للصدوق: ج 1 ص 270 ح 8، ومعاني الأخبار أيضا: ص 125 ح 1.

130- في بعض النسخ: بدلالاتنا.

131- وهو قول ابن عباس على ما في تفسير الماوردي: ج 1 ص 110.

132- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 8، وحكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 1 ص 183.

133- البقرة: 89.

134- وهو قول الزجاج. راجع التبيان: ج 1 ص 187.

135- البقرة: 16.

136- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 8.

137- البقرة: 22.

138- قاله مجاهد كما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 68.

139- انظر تفسير الماوردي: ج 1 ص 115، وتفسير البغوي: ج 1 ص 68، والكشاف للزمخشري: ج 1 ص 134.

140- هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من أكابر الصحابة وهو من أهل مكة، ومن المقربين من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن السابقين إلى الاسلام، وأول من جهر بقراءة القرآن الكريم بمكة، وكان خادم رسول الله الأمين، يدخل عليه كل وقت، وكان له مصحف يعرف باسمه، ويقال: إنه نظر إليه عمر يوما وقال: وعاء ملئ علما، ولي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بيت مال الكوفة، ثم قدم المدينة في خلافة عثمان، فتوفي فيها عن نحو ستين عاما، وكان قصيرا جدا، يكاد الجلوس يوارونه، وكان يحب الإكثار من التطيب، فإذا خرج من بيته عرف جيران الطريق أنه مر، من طيب رائحته. (الإصابة: ت 4955، وغاية النهاية: ج 1 ص 458، والبدء والتاريخ: ج 5 ص 97، وصفة الصفوة: ج 1 ص 154، وحلية الأولياء: ج 1 ص 124).

141- حكاه عنه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 134.

142- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 134 مرفوعا.

143- فتح الباري لابن حجر: ج 11 ص 345، المعجم الصغير للطبراني: ج 1 ص 262، مسند أبي حنيفة: ص 54، جامع مسانيد الامام أبي حنيفة: ج 1 ص 406، البداية والنهاية لابن كثير: ج 6 ص 30، تفسير القرطبي: ج 10 ص 167. .

144- الأنبياء: 71.

145- في نسخة: منكم.

146- لقمان: 33.

147- في بعض النسخ: لأنهم.

148- راجع تفصيله في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 1 ص 288.

149- رواه الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 139، وابن الأثير في الكامل: ج 1 ص 187.

150- وهو قول الأخفش، ونسبه الطبري إلى بعض نحويي البصرة. راجع معاني القرآن: ج 1 ص 264، وتفسير الطبري: ج 1 ص 319.

151- الأنبياء: 48.

152- الأنفال: 41.

153- في نسخة: خلق.

154- الضبابة: السحابة، الغيمة. (لسان العرب: مادة ضبب). 4) احتبى بالثوب: اشتمل أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها. (القاموس المحيط: مادة حبا).

155- رواها عن ابن عباس الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 122 - 123، وعن أبي صالح السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 120.

156- قاله الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 123، والبغوي أيضا في تفسيره: ج 1 ص 74.

157- القرفصاء: أن يجلس الرجل على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبي بالثوب. (الصحاح: مادة حبا).

158- نسب هذا القول الطبري في تفسيره: ج 1 ص 329 إلى الربيع.

159- قاله ابن زيد. راجع تفسير الماوردي: ج 1 ص 125.

160- قاله عكرمة عن ابن عباس كما في تفسير ابن كثير: ج 1 ص 94.

161- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 9، وعنه الطبري في تفسيره: ج 1 ص 339 - 340.

162- ذكره السيوطي في الدر المنثور: ج 1 ص 173 باسناده عن مجاهد وعكرمة.

163- يوسف: 18 و 83.

164- العياشي: ج 1 ص 45 ح 47، وعنه البحار: ج 7 ص 46.

165- قاله عكرمة عن ابن عباس ومجاهد وابن زيد. راجع تفسير الطبري: ج 1 ص 343 - 345.

166- في نسخة: سمقاتا.

167- قاله ابن عباس وابن مسعود. راجع تفسير ابن عباس: ص 9، وتفسير الطبري: ج 1 ص 344 ح 1030.

168- حكاها الشيخ في التبيان: ج 1 ص 268 عن ابن زيد.

169- حكاه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 77 عن ابن عباس وعطاء.

170- ذكره عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 144.

171- حكاه في الكشاف: ج 1 ص 144.

172- نسبه الشيخ في تبيانه: ج 1 ص 275، والماوردي في تفسيره: ج 1 ص 129 إلى الربيع بن أنس والكسائي.

173- ضروا به: تعودوه. (الصحاح: مادة ضرا).

174- قاله الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 145 وقال: ويدل عليه قراءة ابن مسعود: " وثومها ".

175- في بعض النسخ: داني.

176- في نسخة: و.

177- في نسخة: سبت.

178- وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر والكسائي وشعبة. راجع السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 157، والتبيان: ج 1 ص 293، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 247، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 250.

179- قرأه حمزة وإسماعيل والمفضل وعبد الوارث. انظر كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 157، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 315، والبحر المحيط: ج 1 ص 250.

180- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 148.

181- في نسخة زيادة: كما يقال: أسود هالك.

182- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 148.

183- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 151، ونحوه السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 128 - 129.

184- رواه الطبري في تفسيره: ج 1 ص 390، وعنه السيوطي في الدر المنثور: ج 1 ص 190، ونحوه السمرقندي في تفسيره: ج 1 ص 129، والقرطبي أيضا في تفسيره: ج 1 ص 452.

185- الكراب: حرث الأرض للزرع. (القاموس المحيط: مادة كرب).

186- في نسخة زيادة: الأرض.

187- قائل ذلك ابن عباس. راجع تفسيره: ص 11، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 141.

188- نسبه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 142 إلى وهب.

189- في ج 1 - 2 ص 136 فراجع.

190- في نسخة: القتيل.

191- رواها الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 153.

192- في نسخة: تعلمون.

193- في نسخة: القتيل.

194- في نسخة: تعقل، وفي أخرى: تقبل.

195- وهي قراءة ابن كثير وابن محيصن. راجع كتاب السبعة في القراءات لان مجاهد: ص 160، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 248، وتفسير البغوي: ج 1 ص 87، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 267.

196- العنكبوت: 26.

197- في بعض النسخ: مختلفة.

198- نسبه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 150 وابن كثير أيضا في تفسيره: ج 1 ص 111 إلى ابن عباس ومجاهد.

199- قاله الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 49، وأورده في مجمع البيان: ج 1 - 2 ص 145 ونسبه إلى الكسائي والفراء.

200- البيت غير منسوب لأحد، وعجزه: وآخره لاقى حمام المقادر. انظر العين للفراهيدي: ج 8 ص 390، ولسان العرب: مادة " مني "، والكشاف: ج 1 ص 157.

201- النساء: 157.

202- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 1 ص 152 - 153.

203- هو قتادة بن دعامة بن وائل السروسي البصري التابعي، ولد أعمى، سمع أنس بن مالك وغيره من التابعين، وروى عنه جماعة من التابعين، توفي سنة 117 ه?، وقيل: 118 ه? وهو ابن ست وخمسين، وقيل: ابن خمس وخمسين. (تهذيب الأسماء واللغات: ج 2 ص 157).

204- ذكره البغوي في تفسيره: ج 1 ص 89 وزاد: عطاء والضحاك والربيع وأبا العالية.

205- انظر التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام): ص 304 - 305 ح 147، والتبيان: ج 1 ص 325، وتفسير الميزان: ج 1 ص 216.

206- التوبة: 49.

207- يوسف: 66.

208- الكهف: 42.

209- قاله عكرمة والربيع بن خيثم على ما حكاه عنهما البغوي في تفسيره: ج 1 ص 89، وأورده المصنف في مجمع البيان: ج 1 ص 148 ونسبه إلى عكرمة ومقاتل.

210- في نسخة: بالصواب.

211- حكاه عنهما الزمخشري في كشافه: ج 1 ص 159، وأبو حيان في بحره: ج 1 ص 282.

212- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 162، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 159.

213- راجع معاني القرآن وإعرابه للزجاج: ج 1 ص 162، والبغوي في تفسيره: ج 1 ص 90.

214- البيت لطرفة بن العبد، وعجزه: وأن اشهد اللذات هل أنت مخلدي؟راجع ديوانه: ص 31، وخزانة الأدب: ج 1 ص 119 و 463، و ج 8 ص 507 و 579.

215- بفتح الحاء والسين وهي قراءة حمزة والكسائي ويعقوب والمفضل وخلف والأعمش. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 162، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 250، والتيسير في القراءات للداني: ص 74، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 316، وتفسير البغوي: ج 1 ص 90، والبحر المحيط: ج 1 ص 284.

216- قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ونافع والحسن وأبي وطلحة بن مصرف. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 162، والبحر المحيط: ج 1 ص 285.

217- الكافي: ج 2 ص 165 ح 10.

218- ذكره الرازي في تفسيره: ج 3 ص 171.

219- حكاه الزمخشري في تفسيره: ج 1 ص 160، والبغوي أيضا في تفسيره: ج 1 ص 90.

220- قاله الزمخشري في تفسيره: ج 1 ص 160، والرازي أيضا في تفسيره: ج 1 ص 172.

221- قرأه الكوفيون. راجع التذكرة في القراءات السبعة لابن غلبون: ج 2 ص 317، والسبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 163، والبحر المحيط: ج 1 ص 291.

222- وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر. راجع التبيان: ج 1 ص 334، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 163، والبحر المحيط: ج 1 ص 291.

223- قرأه حمزة والحسن وابن وثاب وطلحة وابن أبي إسحاق وعيسى والأعمش والنخعي. انظر الحجة في علل القراءات السبع لأبي علي الفارسي: ج 2 ص 109، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 317، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 1 ص 291.

224- في نسخة: وجدتموهم.

225- حكاه الرازي في تفسيره: ج 3 ص 174 عن الحسن.

226- وهي قراءة عبد الرحمن السلمي كما نسبه إليه ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 15، وزاد في البحر المحيط: ج 1 ص 294: ابن هرمز.

227- قرأه الحرميان وأبو بكر والمفضل ويعقوب وخلف. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 317، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 252 - 253، والبحر المحيط: ج 1 ص 294.

228- المؤمنون: 44.

229- وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة والربيع والسدي والضحاك. راجع تفسير ابن عباس: ص 13، وتفسير الحسن البصري: ج 1 ص 107، وتفسير الماوردي: ج 1 ص 156، والتبيان: ج 1 ص 340 وقال: وهو أقوى الأقوال.

230- قاله الضحاك عن ابن عباس كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 1 ص 340، والماوردي في تفسيره: ج 1 ص 156.

231- في نسخة: تفهمه.

232- فصلت: 5.

233- وهو قول الأخفش في معاني القرآن: ج 1 ص 319، والزجاج في معاني القرآن: ج 1 ص 171، والزمخشري في الكشاف: ج 1 ص 164.

234- حكاه الرازي في تفسيره: ج 3 ص 180 ونسبه إلى المبرد.

235- قاله الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 59، وعنه الرازي في تفسيره: ج 3 ص 180.

236- اختلفوا في إرم عاد، فقال بعضهم: هو اسم قبيلة، وقال آخر: هو اسم مدينة، ثم اختلفوا فيها، فمنهم من قال: هي أرض كانت فاندرست، ومنهم من قال: هي الإسكندرية وإليه ذهب الزمخشري، ومنهم من قال: هي دمشق، وروى آخرون: هي مدينة باليمن بين حضرموت وصنعاء بناها شداد بن عاد. (معجم البلدان: ج 1 ص 212).