بعض التوجيهات الأخلاقية والإرشادات الروحية

يا أخي في الله وشقيقي في الإسلام وصديقي في الإيمان بهذا الكتاب العظيم والسفر الفخم: إذا كنت تتلو هذه الآيات الفاخرة والمنسجمات الإلهية، فلتكن من المتفكرين فيها، لا بعين العلم والأدب، ولا بنظر الفلسفة والكلام والفقه والأصول وعلوم الأيام، فإنها كلها حجب الله النورانية، وظلمات فيها الشياطين الجزئية والكلية، المانعة عن الوصول إلى المرام المقصود وغاية المأمول، بل النظر فيها أنه تعالى كيف يكون له الرحمة الرحيمية والرحمانية بالنسبة إلى المرتبة الإنسانية، مع نهاية غنائه عن الخلق وتربيته ؟! وأنه تعالى كيف رافق آدم في إسكانه مؤنسا له مع زوجه في الجنة، وهيأ له أسباب الراحة والاستراحة من جوانب شتى، بعد ما وفقه للغلبة على الملائكة أجمعين، واختصه بالخلافة في الأرض مع ما كان يعلم منه من الأول وبالسجود له وصيرورته مسجودا له ومظهرا له تعالى في صفة المسجودية ؟! هذا كله بالنسبة إلى الرحمة الرحيمية. ثم بالنسبة إلى الرحمة الرحمانية، فأسكنه الدار المحفوفة بالفواكه والأزهار، وأنت هو ذاك آدم بحسب الفطرة والطينة، وفيك تلك القوة المسجود لها والغالبة، ولك تلك الجنة المربوبة بتربية الله تعالى من جهة الشرائط والمعدات والمقتضيات، فعندك كل شئ، إلا أنه تعالى لسياسة روحية، ولافتتان جسمي أخلاقي وخلقي نهى عن القرب من الشجرة، وربما لم يكن الصلاح في المجعول، وإنما كان الصلاح في الجعل ونفس النهي، وعند القياس بين تلك النعم والرحمة وهذا النهي، يتبين لك حدود التجري عليه تعالى وتقدس، ومقادير الظلم والتجاوز في هتك حرمته وحريمه، ويظهر لك خبث فعلك وصنعك، ومع ذلك كله وإن أخرجك الله مما كنت فيه لسوء سريرتك الثانوية، ولكن أقرك في الأرض ومتعك إلى حين، كي يتمكن جنابك من التوبة، وعلمك شرطها بتلقين الكلمات الدخيلة في كسر ظلمة روحك، وتبديل فساد خلقك إلى الخلق اللائق لأن يتوب عليك وتاب عليك، فإنه التواب الرحيم. فهل بعد ذلك وذاك لا تتدبر في تلك الشجرة المنهي عنها في القرآن، النابتة في العالم الصغير والكبير، ولم يأن حين التفاتك إلى صلاحك وإصلاح الناس، بالاجتناب عن فروع تلك الشجرة، والمنهيات الإلهية والمبغوضات الشرعية، والإتيان بالواجبات الربانية والحدود المقدسة المذكورة في الكتاب والسنة، كي لا تكون من الظالمين والمتجاوزين على حقوق الناس وأشباهك ونظائرك، وكي لا تكون من القاعدين التاركين جهاد النفس والجهاد في الله بمحاربة عدو الله الجزئي الباطني والظاهري، وقلع المعاندين وقمع المشركين والمنافقين، التابعين لتلك الشجرة النابتة في جهات شتى في العالم الصغير والكبير، وهذه الشجرة هي التي نبتت في الغرب والشرق شجرة، ملعونة منهي عن التقرب إليها في كل زمان ومكان، وبكل شكل من الأشكال الخبيثة والمهيجة، الظاهر صلاحها وحسنها، المبطون خبثها وفسادها، بعناوين شتى سياسية وغير سياسية، فكل الاتجاهات الباطلة وجميع الحكومات الفاسقة والفاسدة، داخلة في هذه الشجرة. فإذا هبط آدم العالم بأحكام العالم والإنسان العارف المسجود للملائكة، إلا إبليس العاصي عن أمر الله والزال والمضل، فعليه بعد ذلك لفت النظر إلى ما يأتيه من هدى الله، وإلى اتباع هداية الله على وجه لا يكون عليه خوف ولا حزن. فعليك يا شقيقي وأخي في الله وفي ديني النظرة العميقة في كيفية طينتك الطيبة المعجونة بأسماء الله والمركبة من صفاته وكيفية المحافظة على تلك الطينة والفطرة الإلهية، وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وكيفية التجنب عن ظلمات بعضها فوق بعض، والموجبة لصيرورة تلك الطينة المخمورة طينة وفطرة محجوبة بحجب روحانية وظلمانية، وما ذلك إلا بالتدبر والتفكر في المعاشرين وفي حضور المجالس الباطلة والمحافل العاطلة معهم، والتفكر والتأمل في مخالفة النفس، فإن في مخالفة النفس معرفة الرب، كما ورد عن الرسول الأعظم الإسلامي (صلى الله عليه وآله وسلم) (1). ويا روحي وقلبي ويا صديقي وحبيبي: إن من اتبع هدى الله وكرامته وتوجيهاته وإرشاداته القرآنية والإلهامية، لاخوف عليهم على الإطلاق، لاخوف بالنسبة إلى المسائل الدنيوية، ولا يحزن على الأمور الراجعة إلى معيشته وحياته الفردية والاجتماعية، ولا بالنسبة إلى البرزخية والأخروية، فهل ترى في نفسك ذلك إذا خلوت مع الله، وعشت في الانزواء، أم تجد الخوف والحزن، فيعلم منه أنك لم تتبع هدى الله، ونعوذ بالله أن تنسلك في قوله: (والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) فنرجو الله تعالى لك ولراقم هذه السطور عافية طيبة وحسن الختام.


1- راجع بحار الأنوار 67: 72 / 23.