توجيه أخلاقي وفيه أسرار إلهية

إعلم يا أيها الآدمي بل ويا آدم: أنت بحسب الخلقة الأولية، وبحسب الفطرة الإلهية مسجود الملائكة أجمعين أكتعين، فكلهم خاضعون ساجدون ومسخرون عندك، حسب مراتب وجودك ومراحل حقيقتك ومنازل مسيرك وسفرك، وقد أمر الله بذلك، وكان الله تعالى ربك رؤوفا بك عطوفا عليك رحيما رحمانا، اصطفاك خليفة، وعلمك ما لم تكن تعلم، واستعرضك كي تجد الملائكة مقامك ومنزلتك، وبعد ذلك كله خضعت الملائكة وسجدت تكوينا لك، وتلك الملائكة الأعلون والأسفلون امتثلوا أمر الله تعالى امتثالا دائميا سرمديا، وأطاعوا أمر الله تعالى إطاعة مسجلة في ذواتهم، وانقيادا لا يتصور وراءه تكوينا وتشريعا. فإذا كانت هذه الحقيقة في انتظارك، وتلك البارقة اللاهوتية في خميرتك، وهذه المائدة الكلية الجامعة في جوارك، فهل إلى التخلية عن الرذائل الذاتية، والتخلية عن الخبائث الصفاتية، وعن المفاسد الأفعالية والأباطيل الأقوالية، قصور وفتور ؟! كلا إنه خلاف العدالة، وضد الإنصاف والاقتصاد، فإن إبليس أبى واستكبر، وتفوق بإبائه واستكباره على هذه الملائكة وهؤلاء الأماجد والسابقين، بإضلالك سوقك إلى النار والشيطنة والانحطاط والهجرة والمحجورية. فيا أخي ويا نفسي وشقيقي: كيف الأمر وأنت ساجد للشياطين، والملائكة سجد لك، أنت مطيع الأبالسة وملائكة الله تطيعك، أنت منقاد لك الخلائق الطاهرة القديسة المنزهة، تنقاد أنت للجان، والشيطان عدوك وعدو الله تعالى. فوالله أنت مظهر لا يستحيي من كل شئ، وأنت أرذل من الحيوان وأضل سبيلا، فعليك بالانتباه عن نومة الغافلين، والالتفات إلى منازل السائرين، والابتعاد عن أن تكون من الكافرين الآبين المستكبرين، ولتخف يا صديقي من حشرك مع الشيطان والشياطين، فإن الملائكة تجرك إلى الجنة، وإبليس يجرك إلى النار، وأنت تساعده بترك اتباع الشرع، وبامتثال أوامر الهوى والنفس، فإن الخيرات والعوامل الباعثة نحو العواقب الكريمة غير متناهية، وأما الشرور فتنتهي إلى إبليس الذي لا يتمكن إلا بمعاونتك، أفما سمعت عن بعض أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " شيطاني آمن بي " (1). شير را بچه همى ماند بدو * تو به پيغمبر چه مى مانى بگو (2)؟إلهي إن عبدك المكتفي بهذه الصحائف والسطور، بعيد عن كافة البوارق والنور، فإليك الابتهال والإنابة والتوبة، فأعنا يا خير معين.


1- راجع كنز العمال 11: 413 / 31936.

2- مثنوى معنوى، دفتر دوم، بيت 2202.