مبحث عرفاني

قد أجمع المسلمون على قبح الأمر بالعبادة للغير، والسجدة لآدم - حسب الظاهر - توجب كونه مسجودا له، ولا يكون قبلة، كما مر بتفصيل، وعند ذلك يتبين حقيقة الأمر لأهله، ويظهر واقعية المسألة الإلهية لأرباب الذوق وأصحاب الإيمان والعرفان، وهو أن السجدة لا تقع إلا لله تعالى لما لا يعقل وقوعها لجهة ناقصة في آدم، بل هي لجهة كمالية فيه، وإذا كان الحمد لله رب العالمين دون غيره، فالسجدة تقع لله تعالى دون غيره. وما يتوهم أنه كفر وإلحاد، ويتصدى لحل المشكلة إما بصرف الآية عن ظهورها البتي إلى أن اللام علة أو غاية، أو أنه سجود انقياد وخضوع، أو أنه سجود تكويني لا تشريعي، فكله ذهول عن مغزى المرام (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (1) وقضاء الله لا يتخلف ولا يختلف. فما يقوله الشاعر: اگر مؤمن بدانستى كه بت چيست * يقين كردى كه حق در بت پرستى است (2) نعم التحديد والتقييد بالحدود عين الإلحاد والكفر، ولما لا يتمكن العرف وعوام الناس من تخلية أنفسهم عنه، أمر الله تعالى بعبادة الله تعالى، مع أنه أيضا لا يعقل إلا بعد تصور عنوان نفساني وصورة قلبية علمية، وهو أيضا كفر في وجه وإيمان في وجه. فإن كانت صورة آدم والصورة الذهنية من الله تعالى، مورد النظر بما هو هو، بأن ينظر فيه، فهو الإلحاد، وإن كانت " اسجد " و " اركع " ناظرين بها، فهو طريق الوصول إلى الله تعالى، ففي الحديث: " كلما ميزتموه في أرق أوهامكم، مخلوق لكم مردود إليكم " (3). وأما دعوى: أن العبادة النازلة وعبادة النازلين، تجب على أن تكون واقعة لمن في رتبهم وفي حدودهم، فيعبدون دائما الرب المقيد إلى أن يصلوا إلى الرب المطلق، فهي غير مسموعة، لذهوله عن سعة وجود الرب المطلق، وأن كل مقيد في المطلق، ومع كل مقيد مطلق، فالوجود الإطلاقي السعي الذاتي قريب من كل أحد، وهو أقرب إليكم من حبل الوريد.


1- الإسراء (17): 23.

2- راجع گلشن راز، الشبستري.

والعبارة في الأصل ناقصة.

3- انظر بحار الأنوار 66: 293.