بعض بحوث كلامية

من الغريب في تفاسير كافة المفسرين - كما أشرنا إليه - تدخلهم في ما هو أجنبي عن التفسير، وصارت أحجام تفاسيرهم ضخمة، غافلين عن أن التورم غير السمن، وفي المقام بحثوا عن أفضلية الملائكة وآدم والأنبياء، وأطالوا البحث بما لا يرجع إلى محصل، ولا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يضر ولا ينفع في شئ من المقامات فإن من راقب الناس مات هما. وربما يستدل بهذه الآية على بطلان الجبر، وأنت خبير بما في مقالة المجبرة، فإنهم لا ينكرون إسناد الأفعال إلى الأشخاص، كما لا ينكر أكابرهم الحسن والقبح العرفي والعقلائي، بل ينكرون العقلي منهما، وعندئذ تكون النسبة في محيط العرف والعقلاء حقيقة لا مجازا، ضرورة أن الألفاظ موضوعة بالأوضاع العقلائية العرفية، لا العقلية، فسل السيوف الكثيرة - من الأغماد الباطلة الكاسرة - على الجبابرة المجبرة من ناحية الاستدلالات اللفظية - كما نسلك أحيانا في هذا السفر والتفسير - من الغفلة عن روح مقالتهم وسر مرامهم وموقفهم من العالم. نعم حسب الموازين العقلية الصرفة، وحسب البراهين الفلسفية والحكمة الإلهية، بل والمكاشفات الإيمانية والمشاهدات العرفانية، يكون الجبر من الأباطيل، إلا أن التفويض أبطل الأباطيل وإبليس الأبالسة، ولذلك ورد في أحاديثنا من قال بالجبر فهو كافر، ومن قال بالتفويض فهو مشرك، وإنما الأمر بين الأمرين (1). فعلى هذا ينكشف أخسئية التفويض من الجبر، ومكفيك لذلك ذهاب مثل الفخر إلى الجبر في تفسيره، لما يدافع عن استدلالات القوم، ويمضي من غير كلام خذله الله تعالى، ومثل القاضي إلى خلافه (2)، ولو كانوا أتوا الحقائق من أبوابها، ولم ينحرفوا عن الجادة الصحيحة والصراط السوي، لنالوا العلوم ولو كانت في الثريا. فيا للأسف من البلاء والمصيبة والكارثة، الحالة على الأمة الإسلامية من اليوم الأول، وهو يوم الاثنين، قاتلهم الله فأنى يؤفكون، ويقولون ما ليس في قلوبهم، طمعا في الدنيا وحطامها، وخوفا من أهلها وحكامها. اللهم عجل فرج وليك الحجة بن الحسن (عليه السلام) كي يظهر الحق لأهله.


1- راجع بحار الأنوار 5: 53 / 88 و 25: 329 / 3.

2- راجع التفسير الكبير 2: 335.