بعض بحوث فقهية

ذكر سجدة السهو: ربما يستفاد من الآية الشريفة الترخيص في عبادة الغير، نظرا إلى ظهور الآية، وملازمة السجدة المتعارفة مع انتزاع عنوان العبادة عنه وإن لم يقصد العبادة أو قصد العبادة، فإنه لا يضر بذلك، لأنها ليست إلا ذلك بعنوان التخضع والاحترام والتكريم، كما مر. ربما يقال في مسألة ذكر سجدة السهو في الصلاة: أن ذكر الصلاة على محمد وآل محمد والسلام على النبي بشكل الخطاب، بأن يقول حين السجدة: " السلام عليك أيها النبي "، أو يقول: " الصلاة عليك... " وهكذا، غير صحيح، للزوم العبادة المنهية القبيحة، إلا أن الآية ترخص في ذلك، والقبيح لا يختلف باختلاف الآفاق والأعصار، ولذلك اجتنب المفسرون عن كون سجدة الملائكة عبادة بالإجماع، ويعلم من ترخيصه انتفاء قبحه بطرو المصالح الاخر، كما مر، فتدبر. اللهم إلا أن يقال: إن سجدة الملائكة لآدم هو السجود التكويني، والأمر أيضا أمر تكويني وعصيان الشيطان وإبليس أيضا طغيان تكويني، فإن جميع الملائكة - إلا ما شذ - تحت سيطرة الإنسان، وتحت تسخيره وبأمره، وآدم متصرف فيهم ويأمرهم وينهاهم، وهم يفعلون ما يؤمرون، ولا يعصون آدم بعد ذلك، وإبليس كان من تمام هويته الطغيان والعصيان، وإلى هذه المائدة إشارة في أول هذه الآية، حيث شرع فيها بقوله تعالى: (وإذ قلنا) وختم الآية بقوله تعالى: (وكان من الكافرين) من الأول وطبعا بالنسبة إلى آدم، لا بالنسبة إلى الله تعالى، فإنه خاضع وخاشع وعابد له تعالى. إن قلت: الإباء والاستكبار ظاهران في الاختيار، وأنه لم يكن من ذوي الأعذار والاضطرار، وتصير النتيجة جواز العبادة وانتفاء قبحه، لأن الامتثال هي العبادة، وهو امتثال أمر الله تعالى بالسجدة لآدم. قلت: ظهور الأفعال في الاختيار محل اشكال ومنع، كما ثبت ذلك في الفقه باب الضمانات على إطلاقها، أفلا ترى أنه يصح أن يقال: أحرقت النار وأشرقت الشمس... وهكذا، ومن غير كونها مجازا، فما توهمه الفخر هنا (1) - كسائر توهماته - لا أصل له.


1- راجع التفسير الكبير 2: 235 - 236.