الإعراب وبعض المسائل النحوية

قوله تعالى: (وإذ) حرف عطف، وقد مر الكلام في " إذ " الأولى، وهذه عطف عليها على المعروف بينهم، خلافا للبحر (1)، وقيل: زيادة (2)، وهو غلط، وقيل: عامله " أذكر "، وقيل: عامله فعل محذوف، أو فعل " أبى " (3)، وفي " البحر " محذوف، والقرينة قوله تعالى، (اسجدوا)، والمحذوف: انقادوا وأطاعوا إذ قلنا للملائكة اسجدوا (4)، واختاره نظرا إلى بطلان مقالة المشهور، لأن زمان " إذ " الأولى غير زمان " إذ " الثانية، غافلا عن أن حديث الزمان في أفعاله تعالى عليل، بل المحرر في الأصول عند بعض خلو الأفعال عن الأزمان وإنما هي ملحقة بها، ولذلك قال سيدنا الأستاذ البروجردي (رحمه الله): إن النحاة قالوا: " مقترنا بأحد الأزمنة الثلاثة "، وهذا أمر يكشف عن خلوها عنها في ذواتها، فاغتنم. والذي يحتمله الآية أن الواو يحتمل الاستئناف والعطف، وفي جواز الحال إشكال وإن أمكن عندنا هنا تصحيحه وحيث إن الآية بحسب الاعتبار متأخر عن الآيات الثلاث السابقة وعن الآية التي قبلها وتكون الكل - حسب النظر الابتدائي - مترتبة على نهج التربية بعد الإرادة المتعلقة بجعل الخلافة، فلا يكون هنا إلا الاستئناف وبيان ما تحقق والإتيان بواو و " إذ " ثانيا لتشديد التنبيه، وحيث إن القرآن كتاب في الاعتبار يخاطب الأمة الإسلامية يكون كلمة " إذ " متعلقة بفعل عام، ككلمة " اعلموا " و " اذكروا " و " التفتوا " وأمثال ذلك، ولعل " إذ " هنا يفيد معنى " إذا "، أي بعد ما ثبت تقدم آدم إذا قلنا للملائكة اسجدوا له. والله العالم. (قلنا للملائكة اسجدوا لادم) ولم يذكر قراءة الكسر ولا التنوين معه، مع أنه لو كان منصرفا يجب هنا الإعراب، فتدل الآية على مسألة أدبية كما مر، وما في " مجمع البيان ": من أن الأصل في همزة الوصل أن تكسر لالتقاء الساكنين، ولكنها ضمت من " اسجد " لاستثقال الضمة بعد الكسرة (5)، فإنه أجنبي عن مسألتنا هذه، ضرورة أن " اسجد " من سجد يسجد، فيكون الهمزة مضمومة حسب الموازين الصرفية. قوله تعالى: (فسجدوا إلا إبليس) جواب للأمر أو حكاية جواب، أنه حكاية عن الأمر التكويني وعن القصة السابقة، ثم إن إبليس منصوب، ويقرأ مفتوحا لما مر، وإنما الكلام في الاستثناء، والأقرب أنه من المتصل، لما مر أن الملائكة أعم من الملائكة الذين لا يعصون الله، ومن ذوات الأجنحة مثنى وثلاث ورباع، ومن قوله تعالى (جاعل الملائكة رسلا) (6) ولو لم تكن هذه الآية منصرفة إلى طائفة خاصة، فالكل - حتى إبليس - رسل الله تعالى بالمعنى الأعم للرسالة، وسيظهر بعض الكلام حوله. وربما يستدل بهذه الآية على وجود الاستثناء المنقطع في الكتاب العزيز، خلافا لجمع من الأعلام، بل والفقهاء العظام، نظرا إلى أنه كلام خلاف البلاغة والفصاحة، وتشبث بعضهم لحل موارد كثيرة ظاهرة في الانقطاع، ومنها قوله تعالى: (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما) (7) وغير ذلك من الآيات الآتية إن شاء الله تعالى. والحق جواز ذلك، بل هو في كثير من المواقف من أسرار البلاغة وبدائع الفصاحة، ونرجوا المعذرة لأجنبية البحث عن بحث الإعراب. قوله تعالى: (أبى واستكبر وكان من الكافرين) في محل نصب على كونه صفة " إبليس " أو حال، أي آبيا مستكبرا والكل ضعيف، ولا بأس بكونه خبرا بعد خبر عن مبتدأ محذوف، أو جواب لسؤال مقدر، لأنه بعد ما ترك السجدة يجوز أن يسأل فما صنع؟أبى واستكبر، ولا بأس بكونه في محل التعليل، لمعلومية الحال من المقال. وعلى كل تقدير: هذا من المواضع التي يشكل تتميمها حسب القواعد البدوية، دون التحقيقية، فإن مقتضى قواعد الأدب لزوم الدليل الرابط بين قوله تعالى: (أبى واستكبر) وقوله تعالى: (إبليس) بمثل " الذي " وغيره، أي إبليس الذي أبى واستكبر. وسكوت مثل ابن حيان في المقام يشهد على أن المشكلة لا تنحل حسب قواعد النحو وإن كانت منحلة حسب قواعد الأدب الأعلى.

تذنيب

يستدل بها على قول الفراء، حيث قال: إن المستثنى محكوم بنقيض المستثنى منه (8)، وقول الكسائي: إنه استثناء عن الاسم، صحيح، وإلا لم يكن وجه لقوله تعالى: (أبى واستكبر) لكفاية نفس الاستثناء، فيعلم منه أن الاستثناء ليس إلا عن الاسم دون الفعل، كي يثبت نقيضه، وهو عدم السجدة (9)، ومن الأغرب قول " البحر ": إن الاستثناء إن كان فعلا فالمستثنى منه فعل، وإن كان اسما فالمستثنى منه اسم (10)، والعذر أنهم فهموا النحو ولم يعرفوا الأصول، فإن كلمة الاستثناء تستعمل في إخراج المستثنى عن المستثنى منه بما أنه مورد الحكم ومنتسب إلى ما فيه، ولكن ذلك بحسب الاستعمال دون الحقيقة والجد، وأما بحسب الجد فهي قرينة على عدم الجد. هذا، مع أن الآية لا تدل على قول الكسائي، لزيادة المعنى بإتيان جملتي " أبى واستكبر ".


1- راجع البحر المحيط 1: 152.

2- راجع الجامع لأحكام القرآن 1: 291.

3- البحر المحيط 1: 152.

4- نفس المصدر.

5- راجع مجمع البيان 1: 81.

6- فاطر (35): 1.

7- الواقعة (56): 25 - 26.

8- البحر المحيط 1: 154.

9- نفس المصدر.

10- راجع البحر المحيط 1: 154.