توجيه أخلاقي ووعظ خطابي

اعلم يا أخي في الله ويا محبوبي ويا عزيزي في الدين والدنيا: أن يراعي قاصر والقلم فاتر، وفكري مبتذل، وفهمي بسيط، واطلاعي يسير، وباعي قصير، ومما يؤسف عليه ابتلائي بالبلايا الكثيرة، واتصافي بالصفات السيئة، وبعدي عن وظائف الديانة، وذنبي بالنسبة إلى المسائل الإلهية، وعصياني بالنسبة إلى شروط الإنسانية، ونحمد الله على كل حال، ونشكر على هذه الخصال، ولست آيسا عن شفاعة الشافعين ومعونة أهل اليقين ومعاضدة المتقين بمرافقة المؤمنين، فإنها من أحسن النعم الإلهية وأرقى النحلات الرحمانية، رزقنا الله وإياك كي ترقى إلى ما هو المأمول في آدم، وإلى ما هو المرجو من هذه الصيصية الصغيرة جرما والكبيرة بطنا والعالية غاية والدانية مبدأ. فعليك بالاهتمام بشأنك، ولا تكن قنوعا في هذا الميدان الفسيح، ولا صبورا في هذا الطريق الوسيع، وكن باذلا جهدك في الإنسان الكبير وفي الكون الجامع الذي إليه المصير بعون الملك القدير، ولا تغفل عن الزوايا الموجودة في وجودك، والخلاء المتقدر في سرك، والعدة والاستعداد الذي تحت تصرفك فإن الله فياض جواد عالم قادر، يجذبك بجميع الوسائل الإمكانية، ويعشقك نهاية العشق الإلهية بالحركة الذاتية الموجودة فيك، وبالإمكانات الطبيعية المودوعة لديك، فإنما المنكوس من اتبع سبيل الشيطان، والغير الواصل من خضع لغير الإنسان، والمحجوب عن الفطرة المخمورة من ذل لغير الرحمن، فإنه قد سلك سبل المعاندين بالاختيار، وسار في طريق الملحدين الكافرين بالإرادة والإفكار. فإياك يا أخي وشقيقي - بعد الالتفات إلى مغزى هذه الآيات - أن تكون مثلي، وأن يكون مصيرك مصيري وسبيلك سبيلي، فإني رجل مبتلى بالبلايا، محفوف بالظلمات المحيطة، الحاجبة علي أبواب الخيرات التي نزلت بالفيض الأقدس، ونزل على الدوام بالفيوضات المقدسة، ولكن بعد اللتيا والتي أعشق الصالحين وأحبهم ولست منهم، وهذا باب فتحه الله بحمده علي، وأعطاني منه شيئا، ندعوا أن يستكثر علي به حبه، ويشتد به عشقه ووداده، كي أصل إلى هؤلاء السالكين الصالحين بيمنه وتوفيقه، فيا إلهي ومولاي قد علمتنا الأسماء كلها، فلا قصور من جنابك، وقدمتنا على ملائكتك وكثير من خلقك، فلا بخل ولا جمود من ناحيتك وكلمتني بكلام فيه الألطاف، وخاطبتني بخطاب العزة والاعتراف، وقلت: (يا آدم أنبئهم بأسمائهم)، فيليق أن نقول: سبحانك لا شئ عندنا إلا ما أعطيتنا إنك أنت الجواد الكريم، ولا يخص ذلك بالعلم، فإن الوارد علينا من حياضك المترعة غير محدود، وعطاياك غير محصورة، إلا أن عبدك عاص وخلقك مذنب، فيأمل غفرانك بعد هذه المزيات غير المتناهية والعطيات الغير اليسيرة. يا إلهي ويا سيدي كيف أنسى فضلك علي بالتعليم، الذي هو أشرف شئ في العوالم العلوية والسفلية ؟! وكيف يجوز لي معصيتك ومخالفتك، وقد استحيى منك الملائكة المفضولون، وقدسوك وسبحوك، فهم لو عصوك فلا ضير ولا بأس في بدو الفكر وابتداء النظر مع أن الأمر ينعكس، فوالله يا مولاي ويا إلهي لا أجد أحدا أقل حياء من آدم وولده، إلا من شذ منهم، وهم أئمتنا عليهم السلام والصلاة بما لا سكن لها ولا حد لجوانبها - ولا أتوهم ولا أتخيل في الوجود من يكون مثلي، محاطا بالألطاف السماوية والأرضية، ويعصيك ليلا ونهارا، ولا يدعوك خفية وجهارا، لا خالصا ولا رياء، فوا أسفا ووا سوأتا على مثلي وآخر في خلقي. إلهي وسيدي ومولاي لا تحمد إلا بتوفيق منك يقتضي حمدا ولا تشكر على أصغر منه إلا استوجبت بها شكرا، فمتى تحصى نعماؤك يا إلهي وتكافأ صنائعك يا سيدي وتجازى آلاؤك يا إلهي ؟! ومن نعمك يحمد الحامدون، ومن شكرك يشكر الشاكرون، وأنت المعتمد للذنوب في عفوك، والناشر على الخاطئين جناح سترك، وأنت الكاشف للضر بيدك، كيف لا وقد خلقتني أطوارا. فيا أخي ويا أيها القارئ الكريم غض بصرك عن هذه السطور المظلمة، ونور قلبك بالمعاني النورانية، ولا تكن ممن يتخذ العلم مأكلا فإن شر الناس من استأكل بعلمه، ولا تغتر بتلك المفاهيم الباطلة، فإن كل شئ باطل إلا وجهه، والشيطان هو الغرور وإذا غرك يتبرأ منك، فلا تكن أسوأ من الملائكة المسبحين المفضولين، فضلا عن أن تكن أسوأ من شياطين الإنس والجن المقبوحين. فخذ سبيل الهدى والتزم طريق المصطفى من الرسل والأنبياء - صلى الله على وآله الأصفياء - ولا تتعد طوره، ولا تتجاوز حده، ولا تدخل عقلك في شئ مما وصل إليك، ولا خيالك وذوقك في ما بلغه إليك، وكن بصيرا في تبرئة قلبك عن السمعة والرياء والشك والريب، وحافظا لمسيرك المستقيم عن دخول الشيطان الرجيم، فإنه تعالى يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون، فابدأ شريعة سيد الرسل وطريقته المثلى، باتباع أئمة الهدى - عليهم الصلوات العلى - وكن كتوما باتباع التقية في مواردها، ومثالا لله تعالى بحفظ السر والأخفى من أخيك في الدين والعقبى، ولا تفضحني بخفي ما اطلعت عليه من سري يا سيدي وإلهي على رؤوس الأشهاد آمين يا رب العالمين، ووفقني لأداء ما افترضت علي خلقا وخلقا ومنطقا يا رب العالمين.