القراءة والاختلاف المحكي فيها

1 - قرأ الأعمش: " أنبوني " بغير همز (1).

2 - عن أهل المدينة والبصرة: " هؤلاء " بمدة واحدة (2)، والباقون على مدتين في كل القرآن (3). وإذا التقت همزتان مكسورتان من كلمتين، نحو (هؤلاء إن كنتم صادقين) و (على البغاء إن أردن تحصنا) (4) فعن ورش وقنبل: يبدلان الثانية ياء ممدودة، إلا أن ورشا - وفي خصوص الآيتين - يجعل الياء مكسورة. وقالون والبزي يلينان الأولى ويحققان الثانية (5) وأما اختلاف القراء في قراءة " بالسوء " الا فيطلب من محله وهكذا في ساير الهمزات المتصلة في الكلمتين على اختلاف الحركات.

3 - قرأ الجمهور " أنبئهم " بالهمز وضم الهاء، وعن ابن عباس يكسر الهاء، ولا يخفى اشمئزازه. وما في " البحر " من أن: الوجه أنه أتبع حركة الهاء لحركة الباء، ولم يعتد بالهمزة، لأنها ساكنة، فهي حاجز غير حصين (6). انتهى، غير وجيه، لأن مقتضى تعليله لزوم ذلك في مطلق الأمر من باب الإفعال مع أنه في ما إذا كان ما قبله ساكنا لا يسكن الهاء فيقال: " اضربهم " بضم الهاء.

4 - وقد قرأ: " أنبيهم " بالياء دون الهمزة.

5 - وعن جماعة كالأعرج والحسن وابن كثير: " أنبهم " بغير الياء والهمزة، مثل أعطهم، وعن ابن جني: يجوز إبدال الهمزة ياء ومنه أعطيت. وفيه: أنه ليس من الهمزة، كما لا يخفى، وأما أنبيت بالياء فهي غير ثابتة. ومنه يظهر ما عن الأخفش في قريت وأخطيت وتوضيت، فإن التبديل بلا دليل، مع أنه ليس قانونا حتى يرجع إليه في كل مورد، ومنه تبديلها واوا في مثل رفوت، مع أنه قيل: والجيد رفأت، ولا فرق بعد الجواز بين الشعر وغيره، والتمسك بالضرورة من ضيق الخناق وضعف الحال وفتور الاستدلال.

6 - في موارد التقاء ياء المتكلم المتحرك ما قبلها وهمزة القطع المفتوحة، جاز بحسب الأدب، في القراءة وجهان: التحريك والإسكان، وهنا قرأ على الوجهين (7)، فتأمل.

7 - قراءة اليماني واليزيدي " علم " مجهولا (8)، وإذا جاز تعدي " أعلم " إلى ثلاثة، كما قال ابن مالك: إلى ثلاثة رأى وعلما * عدوا إذا صار أرى وأعلما (9) جاز تعدي " علم " بالتشديد.

8 - حكي عن عبد الله: عرضهن.

9 - وحكي عن أبي: ثم عرضها (10). ومما يؤسف عليه أن جماعة من الجهلة - لعدم نيلهم حقائق الكتاب العزيز - توسلوا إلى ما لا يفقهونه، وتمسكوا بعصم الكوافر، فرارا عن التسويلات ناظرين فيه إلى تخليص الكتاب من الأغلاط. وقد مر أن كثيرا من القراء قد لعبوا بالكتاب الإلهي، وكان سبب ذلك على حدس قوي بعض السياسات الموجودة في الأقطار العربية حوالي الحكومات البدوية، كي لا يتوجه المسلم إلى روح الإسلام وصلابة الأمر ولا يدوروا حول أهل بيت الوحي، فلاعبوا بهم في هذه الأمور الوضيعة النازلة الابتدائية المطابقة لفهم نوع الناس الحمقى، ومن الغريب وصولهم إلى مقاصدهم الفاسدة وأغراضهم الكاسدة بتبعيد الملة عن ضوء الإسلام، وتسفير الشعب عن بلدة فاضلة أسست لعلي (عليه السلام) وأهل بيته بيد الله تعالى وبإبلاغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقعوا فيما وقعوا وضلوا وأضلوا جيلا كثيرا لعنهم الله فأنى يرجعون. فليقرأ القارئ الكريم البصير الخبير، ويعلم من هذه السطور المختصرة تفصيلا كبيرا من سياسة السلطات الاستعمارية الاستثمارية، وقد التفت بعضهم بعد ما " في الصيف ضيعت اللبن ". أعاذنا الله من شر أنفسنا آمين رب العالمين. بحوث الإعراب وبعض المسائل النحوية قوله تعالى: (وعلم آدم) يحتمل فيه العطف والاستئناف، والثاني غير مناسب لقوله تعالى: (ألم أقل لكم إني أعلم) فإنه يورث الربط بين هذه الآيات وبين الآية السابقة، حيث قال: (إني أعلم ما لا تعلمون). والمعطوف عليه: إما جملة محذوفة، وهو قول: " فجعل فيها الخليفة " نظرا إلى الحاجة إليه في تتميم الكلام، كما في " البحر " (11) البعيد عن الصواب، أو أنها جملة " قال " من قوله تعالى: (وإذ قال) وظاهره أنه معناه: وإذ علم ربك (12)، وهو غير صحيح، لأنه كلام متأخر لفظا ومعنى عن الآية السابقة، وليس في عرضها. نعم هو عطف على " ربك "، أي علم ربك آدم، ولابد من الفاعل المذكور. وأما الجملة المحتاج إليها بزعم " البحر " فهي على تقدير كون إجراء المشتق في قوله تعالى: (جاعل في الأرض) بلحاظ زمان المستقبل لا الحال، وهو خلاف الظاهر، فهو تعالى جاعل، والملائكة تقول: كذا وكذا، فلا حاجة إلى المحذوفة حتى تكون هي المعطوف عليها. قوله تعالى: (الأسماء كلها ثم عرضهم) سيمر عليك وجه اختلاف الضميرين - إن شاء الله تعالى - وربما يستدل بها على جواز إرجاع الضمير المخصوص بالعقلاء على غير العقلاء فيستخرج من الآية مسألة نحوية، ولكنها ممنوعة، لما سيمر عليك، ومن هذا ما في بعض الأدعية الرجبية: " لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك " (13). قوله تعالى: (إن كنتم صادقين) اختلفوا في جواب الشرط، فقيل: هو محذوف يدل عليه السابق، وهو المعروف المعهود عنهم (14)، والمخالف هم الكوفيون وأبو زيد وأبو العباس معتقدين أن الجواب في نحو هذه المسألة هو المتقدم (15). والإنصاف: أن الخلاف في غير محله، لعدم الدليل على لزوم تأخر الجواب مطلقا. وتوهم: أن العامل - وهو الشرط في الجزاء - لا يتقدم عليه الجزاء، غير جائز، لتقدم المعمول على العامل في المفرد والمركب والحروف والأفعال، وإلا يلزم التكرار، وهذه الآية أيضا تدل على جوازه ويساعد عليه الذوق والوجدان. قوله تعالى: (سبحانك) قد مر في ذيل قوله تعالى: (نسبح بحمدك) ما يتعلق به. وبالجملة: قيل: هو يشبه " لبيك "، فيكون تثنية، أي تلبية بعد تلبية، وتسبيحا بعد تسبيح (16). وأورد عليه: بلزوم كون " سبحان " جمع السبح، ويلزم أن يكون مرفوعا لا منصوبا، وأنه لم يسقط النون للإضافة (17). وفي الكل نظر، بل هو محذوف منه الياء، وليس النون للجمع إلى آخره. نعم لا وجه لقياسه به، إلا وروده مع " لبيك " في كثير من الأدعية، ولا يلزم أن يكون منصوبا بالفعل من جنسه، كما اشتهر، فيكفي أن يكون المحذوف ما يناسبه: أريد سبحانك وتنزيهك أو أطلب، ويجوز الرفع، أي مطلوبي سبحانك، إلا أنه لم يعهد الرفع في موارد الاستعمال من الكتاب وغيره. وأما الكسائي فقال: بأنه منصوب على النداء (18)، وهو لطيف، إلا أنه يرجع إلى أنه: يا من مطلوبي سبحانك، فلا تغفل. قوله تعالى: (لا علم لنا) هذه الآية تدل على أن كلمة " لا " تكون للسلب التام أيضا، وليست متوغلة في السلب الناقص، كما قال ابن مالك: وما سواه ناقص والنقص في * فتي وليس زال دائما قفي (19) على خلاف محرر في الأصول والنحو، فلا خبر في هذه الآية لكلمة " لا "، لأنهم يريدون نفي الجنس، كما قال به سيبويه في كلمة الإخلاص " لا إله إلا الله "، وقد مر بعض البحث حوله في قوله تعالى (لا ريب فيه). والذي هو الحق: أنه لا يعقل النفي التام، أي السلب كلما وقع يكون ناقصا، لأنه لا يمكن سلب الجنس على الإطلاق، لأنه من الأمور الموجودة في الذهن، فكيف يسلب عنه ؟! فإذا يسلب عنه الوجود الخاص، وهو الكون الخارجي، وهذا يرجع إلى السلب الناقص قهرا، كما لا يخفى على أهله. فما اشتهر بين أبناء الأصول والمعقول وطائفة من النحويين - بل كلهم - من وجود بعض الحروف والأفعال السالبة بالسلب التام، غير صحيح، كما أن الإثبات التام لا معنى له، لأنه في جميع المجهولات يريدون الخاص لا العام حتى إذا قيل: الله موجود، فإنه لا يراد إثبات الوجود على النحو العام حتى يشمل الوجود الذهني، فاغتنم ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا من ذي قبل إن شاء الله تعالى. قوله تعالى: (إلا ما علمتنا) يحتمل أن يكون " ما " مصدرية وقتية، ويؤيده حذف العائد، ويحتمل الموصولة، وعلى التقديرين يكون في موضع النصب على الاستثناء، ويحتمل كونه في موضع رفع بناء على كون الاستثناء مفرغا، فيكون اسم " لا " محذوفا، وهو مرفوع، وفي كون الرفع على البدل بحث في محله، ومن ذلك يظهر ما في " البحر " (20)، وقد علمت وجه كون " ما " في موضع نصب على التقديرين فيما مر آنفا. بقي شئ: أن إضافة كلمة " سبحان " إلى ضمير الخطاب يوهم الإشكال، ضرورة أنه ولو كان مفعولا، لا يستفاد من الإضافة معنى محصل. إلا إذا قلنا بأنه مفعول مطلق نوعي، أي سبحتك نوع تسبيحك إياك، لا نعرف كيفية التسبيح اللائق بحضرتك. فيكون عاملا في المفعول به، وهو " إياك " في عين كونه مفعولا مطلقا نوعيا محذوف العامل، فاغتنم. قوله تعالى: (يا آدم) مضموم على النداء، ولا تدل الآية على أنه علم لشخص خاص، كما ظنه المفسرون، لأنه غير منصرف، فيكون من قبيل المنادى النكرة المقصودة، فقياس هذه الآية بآيات (يا عيسى)، (يا نوح) (يا داود) (21) في غير محله. هذا، مع أنه يمكن أن يكون من قبيل أعلام الأجناس، فيكون في حكم المعرفة. قوله تعالى: (فلما أنبأهم) فيه وجهان: أن يكون مترتبا على الجملة المذكورة لفظا، وأن يكون مترتبا على الجملة المحذوفة معنى، وهو قولك: فأنبئهم، فلما أنبأهم، ضرورة أنه لابد من الإنباء والامتثال بعد الأمر بالإنباء. قوله تعالى: (قال ألم أقل لكم) استفهام تقرير والنتيجة إثبات لخصوصيات المقام وما في كتب النحو: من أن الهمزة المقرونة بالنفي للتقرير، لآيات كثيرة (22)، غير صحيح، لعدم ثبوت المدعى بها، كما لا يخفى. والضرورة قاضية بجواز قولك: " لا " في جواب: ألم يضفك زيد؟وألم يقبل الله منك عملك؟فلا تكن من الخالطين الجاهلين. قوله تعالى: (أعلم غيب) يجوز عقلا أن يقرأ " غيب " بالجر، نظرا إلى أن " أعلم " اسم أضيف إليه، وهو إما بمعنى فاعل أو أفعل التفضيل، والثاني لو أمكن أحسن.


1- راجع البحر المحيط 1: 146.

2- مجمع البيان 1: 75.

3- راجع نفس المصدر.

4- النور (24): 33.

5- راجع البحر المحيط 1: 147.

6- البحر المحيط 1: 149.

7- راجع حول الأقوال إلى البحر المحيط 1: 149.

8- نفس المصدر: 145.

9- راجع الألفية، ابن مالك: مبحث " اعلم وأرى "، البيت 1.

10- راجع البحر المحيط 1: 146.

11- راجع البحر المحيط 1: 145.

12- نفس المصدر.

13- انظر مصباح المتهجد: 739.

14- البحر المحيط 1: 146.

15- راجع نفس المصدر.

16- البحر المحيط 1: 147.

17- نفس المصدر.

18- البحر المحيط 1: 147.

19- راجع الألفية، ابن مالك: مبحث كان وأخواتها، البيت 9.

20- راجع البحر المحيط 1: 147.

21- راجع البحر المحيط 1: 148.

22- راجع البحر المحيط 1: 150.