بعض المسائل اللغوية والصرفية

الآية الحادية والثلاثون والثانية والثلاثون والثالثة والثلاثون من سورة البقرة قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾

المسألة الأولى: حول كلمة " آدم " قال في " الأقرب ": آدم - بالمد -: أبو البشر، جمعه أوادم، والأسمر، جمعه ادم وادمان (1)، وفي " تاج العروس ": وآدم صفي الله أبو البشر وشذ أدم محركة جمعه أوادم (2). وقال الجوهري: أصل " آدم " بهمزتين لأنه أفعل، إلا أنهم لينوا الثانية، فإذا احتجت إلى تحريكها جعلتها واوا وقلت: أوادم في الجمع، لأنه ليس لها أصل في الياء معروف، فجعلت الغالب عليها الواو، عن الأخفش (3)، وعن ابن بري: كل ألف مجهولة لا يعرف عماذا... إلى أن قال: فإنها تبدل واوا حملا على ضوارب. واختلف في اشتقاق آدم، فقال بعضهم: سمي آدم لأنه خلق من أدمة الأرض. وقال بعضهم لأدمة جعلها الله فيه، وقال الزجاج: يقول أهل اللغة: لأنه خلق من تراب، وكذلك الأدمة، لأنها شبهت بلون التراب، وفي بعض الأشعار جعل آدم اسم قبيلة، لأنه قال في شعره: بلغوا بها، فأنث وجمع وصرف آدم ضرورة (4). وفي كتب التفسير: أن آدم إن كان مأخوذا من أديم الأرض، فإذا نكرته صرفته، وإن كان مأخوذا من الأدمة والسمرة، فإذا نكرته لم تصرفه (5). وفيه نظر عندنا، لأنه على كل تقدير غير منصرف لاجتماع الوزن والعلمية فيه، ولو كانت مادته من الألوان والعيوب، لأن ما هو المستثنى فيها هي هيئة " أفعل " كأسود وأعور، دون مادته، ولذلك لم يرد في الكتاب العزيز إلا ممنوعا. ثم إن ما هو مورد نظري: هو أن آدم هل هو علم شخصي لموجود خاص، وهو أول موجود من هذا النوع، كما هو ظاهر الكل، وصريح جماعة من المفسرين، ومعتقد الأمة الإسلامية ظاهرا؟وعندي فيه نظر، لقوة احتمال كون آدم اسم أبي البشر، الصادق على كل إنسان تولد منه البشر فإنه أبو البشر، وهو ظاهر اللغة بدوا، ويؤيده: أنه صفي الله، لأن الإنسان صفي الله في قبال سائر الأنواع. ويؤيد ذلك: أنه في الآية السابقة يريد الله أن يجعل في الأرض خليفة، وهو نوع آدم المتحقق بشخصه، ولذلك نسب الملائكة إليه الفساد والإفساد والسفك، ويؤيده أن الجمع المصرح به في كتب اللغة غير مأنوس في أسماء الأشخاص والأعلام الشخصية، بخلاف أسماء الأجناس. هذا، مع صدق آدم على كل واحد من بني آدم على وجه الصحة والحقيقة، دون المجاز والتوسع، فإذا قال الإنسان: " كيف أصنع أنا هذه الرذيلة مع أني آدم ؟! " ليس فيه شائبة المجاز ولا داعي إلى تعدد الوضع، مع أنه يدخل عليه أحيانا الألف واللام: " الآدم " ففي شعر شاعر: وكلهم يجمعهم بيت الأدم محركة مريدا به " الآدم " كما مر، وإتيانه محركة من الشواهد، وإلا فالأعلام الشخصية على نعت خاص، ولا يختلف فيه الحركات بالضرورة، فكون " آدم " في هذه الآيات - في أوائل سورة البقرة - آدم شخصية خاصة بعيد جدا، بل هو طبيعة الإنسان. نعم لا بأس بأن يكون الآدم الأول في الأرض اسمه آدم من العربي أو العجمي، أوله أصل آخر بعيد، متقلب في الأزمان إلى أن وصل إلينا، وإلى عصر العرب في منطقة الحجاز وشاطئ بحر الأحمر. والله الأعلم. وغير خفي عليك: أن قصة آدم المذكورة في القرآن، ربما تختلف بحسب اختلاف موضوعها الشخصي والكلي، فلو كان كليا، فيكون ما في هذا المضمار، رمزا إلى مسائل عالية راقية بعيدة عن الأفهام، وتكون كنايات في الباب، بخلاف ما إذا كان شخصيا، فإنه يشكل فهم كثير من المسائل حوله وحول الجنة والزوجة والملائكة والخروج والشيطان والخلود والهبوط، وغير ذلك مما يرتبط به من المعضلات الإسلامية والديانات السماوية، وسيمر عليك بعض ما عندنا في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى. ويكفيك عن ذلك كله قوله تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) (6) فلو كان آدم الشخصي مورد قصة السجدة والملائكة وإبليس فلا معنى لقوله تعالى: (ولقد خلقناكم) بصيغة الجمع والخطاب للحاضرين في شبه الجزيرة (ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة)، ومن هنا ربما ينفتح لك أبواب السماء بماء منهمر، فلا تكن من الغافلين. وفي سورة طه آيات للسائلين الجاهلين وإشعارات إلى القانتين الذاكرين، وأن آدم وزوجه فيها كأنهما كل إنسان وزوجه، لأن آدم وزوجه من جنسه وصنفه في مقابل سائر الأنواع. قال الله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس أبى * فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) (7) مع أن آدم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يشقى فإن الذين شقوا ففي النار (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) (8) مع أن تلك الجنة التي كان أبونا آدم فيها ليست جنة الخلد التي وعد المتقون اتفاقا عقلا ونقلا إلى أن يقول فيها: (قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو) (9) مع أنهما كانا نفرين اثنين، فلا يناسبهما خطاب الجمع، ولا نسبة العداوة إليهما، لأن إبليس عدوهما، فيعلم منه أنهما كانا كثيرين، وأن إبليس كان منهما وفيهما. (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) (10) مع أن آدم كان من النبيين التابعين للهدى، فكيف يأتيه الهدى، ولا يضل ولا يشقى مع أنه كان قد شقي بالخروج من الجنة، كما في الآية السابقة، فيعلم منه أن ما هو موضوع البحث هو نوع آدم، وأن كلمة " آدم " موضوعة لمعنى كلي لا لموجود شخصي خارجي. وسيمر عليك شواهد اخر في ذيل البحوث الآتية على هذا المسلك الإبداعي إن شاء الله تعالى.

المسألة الثانية: سائر كلمات الآية الأولى قد مرت معاني كلمات " الأسماء " و " كل " و " الملائكة ". وأما معاني " العرض " و " الإنباء " وسائر الحروف، فهي واضحة، وسيمر عليك في محله بعض شبهات الصدق والكذب، وكيفية نسبة الصدق إلى المتكلم وإلى الكلام. وذكرنا في ذيل قوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم) أن الاسم يطلق على الكلمات والألفاظ، وهي أمور تكوينية، وعلى الوجودات الخارجية التكوينية أيضا، ذات عقل كانت أو غير ذات عقل، كما مر أن كل الأشياء في نظر من ذوي العقول، فانتظر حتى حين.

المسألة الثالثة: حول كلمة " الحكيم " قد مرت معاني كلمات " التسبيح " و " العلم " وسائر الحروف في هذه الآية، وبقي منها " الحكيم ". قال في " الأقرب ": " الحكيم ": العالم صاحب الحكمة المتقن للأمور، جمعه حكماء. وفيه أيضا: الحكمة: العدل والعلم والحلم والنبوة. وقيل: ما يمنع من الجهل، وكل كلام موافق للحق. وقيل: وضع الشئ في موضعه، وصواب الأمر وسداده، جمعه حكم (11). وربما يجئ الحكيم بمعنى المحكم، فإن فعيل تجئ لمعان شتى، كما ذكرنا في " رسالة في الشواذ "، ومنه " الذكر الحكيم "، فإنه من قوله تعالى: (كتاب أحكمت آياته) (12). وسيمر عليك في البحوث العرفانية ما يفيدك لفهم اسم " الحكيم "، ومرتبته بين الأسماء الإلهية، وقد جاء في الكتاب العزيز ذكر " الحكيم " في سبع وستين موضعا مقدما على " العليم " ومؤخرا عنه ومؤخرا عن " العزيز " ومقدما على " الخبير " ومقرونا ببعض الأسماء الاخر، ومنه " تواب حكيم "، " واسعا حكيما "، " علي حكيم "، و " القرآن الحكيم "، و " الكتاب الحكيم "، و " الذكر الحكيم "، ويمكن أن يكون هو من الحكمة في هذه المواضع أيضا، إما حقيقة أو ادعاء.

المسألة الرابعة: حول سائر اللغات قد مرت معاني " القول " وكيفية النسبة إليه تعالى، و " آدم " و " الأسماء " و " العلم " و " الغيب " و " السماء " و " الأرض ". وقد بقي جملة من لغات الآية الثالثة. فمنها: النبأ محركة: الخبر، يقال: أتاني نبأ من الأنباء، وقال في الكليات: النبأ والأنباء لم يردا في القرآن إلا لما له وقع وشأن عظيم جمعه أنباء (13). انتهى ما في " الأقرب ". الإنباء والتنبئة بمعنى واحد، متعديان إلى المفعولين، وإلى المفعول الثاني بالباء، فيقال: أنبأه الخبر. وبالخبر. وفي كون النبأ مطلق الخبر، أو الخبر المخصوص وجهان بل قولان يرد الثاني قوله تعالى: (نبأ عظيم) (14) و (عن النبأ العظيم) (15) فإن النبأ لو كان فيه العظمة والتوقير يكون التقييد في غير محله، اللهم إلا أن يقال: بأنه الأعم لإمكان كون النظر إلى شدة العظمة والشأن، مع أن من المتعارف في الأدب توصيف الشئ بما فيه، ويسمى بالتجريد والتقييد، ولكنه يلزم منه المجاز. ومنها: الإبداء والكتمان، وهما الإظهار والإخفاء، والظاهر أنهما الأعم من إظهار ما في القلب أو ما في الخارج، ومن الكتمان في القلب أو في الدولاب والمخابئ.


1- أقرب الموارد 1: 7.

2- راجع تاج العروس 8: 182.

3- راجع الصحاح 5: 1859.

4- راجع تاج العروس 8: 182.

5- مجمع البيان 1: 179.

6- الأعراف (7): 11.

7- طه (20): 116 - 117.

8- طه (20): 118 - 119.

9- طه (20): 123.

10- طه (20): 123.

11- أقرب الموارد 1: 219.

12- هود (11): 1.

13- راجع أقرب الموارد 2: 1259.

14- ص (38): 67.

15- النبأ (78): 2.