بعض المباحث الأصولية والفقهية

احتياج العموم إلى مقدمات الحكمة: قد مر منا مرارا: أن اختلاف الأصوليين في إفادة الجمع المحلى باللام لا يرجع إلى محصل، لظهور كثير من المواقف المشتملة عليه في العموم غير المستوعب، ومنها قوله تعالى: (للملائكة) وقوله تعالى: (يسفك الدماء) فالضرورة قاضية بالاحتياج إلى مقدمات الحكمة في حصول العموم الأصولي والعام الاستيعابي في موارد الجمع المحلى بالألف واللام، مثل قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) وغير ذلك.

اشتراط العدالة في الخليفة: ثم إنه ربما يتوهم من هذه الآية: عدم اشتراط العدالة في الخليفة، ولا بد أن يكون أفعال الخليفة والآثار المترتبة على وجوده، أكثر خيرا من شرورها، فإن من يجعله الله تعالى خليفة في الأرض هو الخليفة عنه تعالى - حسب الظاهر - وهو السفاك المفسد، إلا أنه لمكان الخيرات الكثيرة في وجوده يجوز جعله خليفة.

اشتراط العدالة في خليفة الرسول: ومن هنا يظهر بحث كلامي، كان ينبغي الإيماء إليه في البحث السابق: وهو أن خليفة الرسول أيضا لا يعتبر أن يكون عادلا، كما عليه جمع من المتكلمين، كيف وخليفة الله يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فخليفة الرسول لا بأس بأن يعتبر كذلك، ولا سيما إذا كان مفسدا قبل تصدي الخلافة وعادلا حين الخلافة، بل يكفي كون أفعاله الخيرة أكثر لكونه خليفة، فلا منع من تصدي الظالمين لعهد الله تعالى وعهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). أقول: هذا - مضافا إلى منافاته ومناقضته لصريح قوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) (2) - أن ظهور الآية الشريفة في أن المجعول في الأرض هو خليفة عن الله غير بعيد، ولكن المفسد والسفاك ليس ذلك المجعول، لأن من هو مورد الجعل هو طبيعة الإنسان حسب القضية المهملة، أي الإنسان بحسب القدرة والقوة جعل خليفة الله، ولكن هذا لا ينافي خروج الآحاد والأفراد منها عن الحدود المعينة الإلهية بالإفساد والإلحاد، فيكون غير صالح لخلافة الله في الأرض، حسب خروجه عن الطينة والهوية الأصلية والطبيعة الأولية. هذا، مع أن هذه الخلافة في الآية هي التكوينية ولا تقاس بالخلافة التشريعية، فلو اقتضت الأدلة اعتبار العدالة فيها فلا تنافيها هذه الآية، ولا تناقض بين الأدلة، نظرا إلى الجمع بين الآيات والأخبار، ولو كان المراد من المجعول خصوص آدم الصفي، ويكون المراد من المفسد طائفته وقبيلته، كما عليه المفسرون، فالإشكال مندفع، ولكن مرامهم باطل.


1- المائدة (5): 1.

2- البقرة (2): 124.