بحث اجتماعي حول إفساد الكافرين

الفساد في الأرض المذكور في الآية مورد السؤال، من جهة أن ترك الإيمان وعدم اللحوق بالموحدين في العبادة أو في الذات والصفات، لا يستتبع فسادا في الأرض بحسب التجزئة والتحليل، فكيف يقول القرآن: (إن الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض)؟ضرورة أن الأرض ليست أرض البدن والقلب، فإما يراد منها أرض المنزل والبيت، أو المحلة، أو المدينة، أو قطر المملكة، أو الأرض كلها، ونحن نرى أن كثيرا من الفاسقين الكافرين لا يفسدون ويصلحون، وكثيرا من المؤمنين يفسدون ولا يصلحون. أقول: إن الصلاح والفساد من الطوارئ الخارجة عن اختيار المجتمع البشري بمرتبة، ومندرجة تحت اختيارهم بمرتبة أخرى، وسد طرق الفساد وأبواب الإفساد والإخلال في النظم الجزئي والسياسة المنزلية، وفي النظم الكلي وسياسة البلد والقطر والعالم، لا يمكن إلا بإيجاد الشكل الوحداني والحزب الوحيد، الجامع لشتات إطارات العائلة البشرية، والكافل لمتفرقات أبواب المجتمع العالمي، وهذا الشكل لو كان مختلقا من قبل الناس والمخلوقين، فيختلف فيه الآراء والأنظار، كما نرى كثيرا، ووقع في الاناسي غير مرة ودائما، فلابد من أن يكون العنوان الوحيد المنشأ من قبل مقام معلوم مصدق مقبول لدى العامة، وهو الله تعالى بعنوان الحزب و " حزب الله " (فإن حزب الله هم الغالبون) (1) والمفلحون (2)، وبعنوان الدين الواحد وهو الإسلام، فلو تخلف واحد من الأفراد، فهو يجرئ الناس الآخرين على الخروج عن هذه الوحدة الشكلية والنظامية، فيكون فساد العالم أحيانا منتسبا إليه ومستندا إليه بالبداهة، فعدم اللحوق بصفوف المسلمين ليس فيه شئ، وإنما هو مبدأ ويذر لبذور النفاق والشقاق في قلوب الآخرين، فإذا تعددت الصفوف المتقابلة يلزم الفساد قهرا في الأرض كلها.

إبلاغ وتوجيه

قد كثرت الآيات حول الإيمان بالله والأعمال الصالحة، ولا ينبغي أن يظن الناس أن الأقوال خارجة عن الأعمال، كما هو المتبادر من عمل العاملين، فرب صالح في أعماله طالح في أقواله وخبيث فيها جدا، وكان يعتقد أن الأقوال خارجة عن الأعمال، خلافا للضرورة العقلية القطعية. فالمداومة والتأكيد المستفاد من القرآن العزيز حول هذه النكتة، يوجب انتقال الناس إلى أن مجرد الإيمان والمسائل القلبية، لا يكفي لصلاح الأمة والمجتمع، فإن الفساد في الأرض من آثار الفاسقين الغير المعتقدين، والمنحرفين في الاعتقادات والمسائل الروحية، فما هو ضد الفساد في الأرض تحت قدم الإيمان والعمل الصالح، وحيث إن كثيرا من الأعمال الصالحة، يشكل تشخيصها وتمييزها على الأمم قاطبة، فلابد من تدخل الوحي والرسول فيها، حتى يتبين ذلك، ويكفي للزوم وجود العالم الإلهي في المجتمع، اختلاف الناس في ما هو العمل الصالح، وربما ينتهي الاختلاف في نفس ذلك الأمر إلى الفساد في الأرض. فبالجملة: يتبين هنا أمور:

1 - لابد من الأعمال الصالحة زائدا على الإيمان، للفرار عن الفساد ولإيجاد المحيط الصالح.

2 - إن الأعمال الصالحة ليست واضحة، فلابد هناك من كتاب ورسول ووحي وإيحاء حتى يوضح ذلك ويبينه.

3 - إن ذلك الكتاب هو القرآن الداعي لمجتمع البشر إلى العنوان الفريد، فيقول: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) (3)، وذلك الرسول رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وامناء الوحي والأئمة المنصوبون (عليهم السلام) من قبله وخلفاؤهم المنصوبون من قبلهم (عليهم السلام). فبالجملة تحصل أن تشكيل العائلة الصالحة والمدينة الفاضلة، لا يمكن بمجرد المسائل الفردية والعبادية، بل لابد من تحصيل الأعمال الصالحة التي تنتهي إلى صلاح الأرض في قبال ما تنتهي إلى فسادها.


1- المائدة (5): 56.

2- إشارة إلى سورة المجادلة (58): 22.

3- البقرة (2): 208.