بعض المباحث الأصولية

حول مفهوم الشرط: اعلم: أن من القضايا التي ذكروا لها المفهوم القضية الشرطية، معتقدين أن أداة الشرط - والقدر المتيقن منها " إن " الشرطية - تفيد التعليق، وأن الجزاء معلق على الشرط، ونتيجة التعليق انتفاء الحكم بسنخه عن الشرط، فإذا قيل: إن جاءك زيد فأكرمه، تكون نتيجة أداة الشرط تعليق الوجوب على المجئ، فإذا انتفى المجئ فلا وجوب لإكرام زيد على الإطلاق. وربما يمكن الاستدلال بالآية الأولى وهكذا الثانية على فساد هذه المقالة، ضرورة أن جملة (فأتوا بسورة من مثله) ليست - كما مر - للتعجيز، بل العلم بالعجز يحصل بعد ذلك بمضي الزمان ومراجعة الشاهدين والأعوان من غير أن يكون الآية معجزة وموجبة لتعجيز الناس عن الإتيان بمثله. فعلى هذا تكون هيئة الأمر بعثا نحو الإتيان كهيئة الأمر بالإكرام، فيلزم التعليق، مع أن التعليق هنا باطل، لأن المتكلم ليس بصدد ذلك، بل المتكلم بصدد توجيه المرتابين، ويكون جملة الشرط توطئة إلى الجملة الثانية بصورة القضية الشرطية، وليس المتكلم في مقام أن يقول: وإن لا ترتابوا فلا تأتوا بمثله، كما لا يخفى. ومن هنا يظهر وجه الاستدلال بالآية الثانية على عدم دلالة أداة الشرط ولا القضية الشرطية - لا بالدلالة الوضعية، ولا الالتزامية - على المفهوم، فإن قوله تعالى: (فاتقوا النار) ليس معلقا على قوله تعالى: (فإن لم تفعلوا) حتى يلزم منه عدم لزوم الاتقاء إذا أتوا بمثله، ضرورة أن إمكان الإتيان بالمثل، لا يستلزم عدم لزوم التجنب عن تلك النار، التي هي أمر واقعي تكويني لا ربط لها بالتشريع والرسالة، فاغتنم. أقول: قد تحرر منا في قواعدنا الأصولية: أن حديث المفهوم لا يستند إلى الوضع (1)، وهاتان الآيتان خصم القائلين بالوضع. ولكنه مستند إلى مقدمات الإطلاق، ولا منع من تمامية تلك المقدمات في مورد دون مورد لقيام القرائن على خلافهما، كما في الآيتين، وأما القول بالمفهوم فهو غير تام صناعة، وإن كان الفقيه في الفقه يلتزم به أحيانا، بعد إقراره بعدم أساس له في الأصول، والتفصيل في محله.

بقي شئ

حول استفادة العموم من مقدمات الحكمة لو كان ما ذهب إليه جمع من الأصوليين، وهو دلالة الجمع المحلى بالألف واللام على العموم الاستغراقي حقا للزم أن يكون كل واحد من الإنسان والحجر وقود النار. ودعوى: أن القرينة دليل على أن مصب العام خاص، أو أن المراد الجدي أخص من المراد الاستعمالي، غير مسموعة في أمثال هذه الآيات، فتكون هي دالة على أن الادعاء المزبور باطل، والعموم مستفاد من مقدمات الإطلاق، وهي هنا مهملة فلا تخلط. ومن هنا يظهر وجه دلالة قوله تعالى: (أعدت للكافرين) على ما سلكنا في الأصول. وتوهم التخصيص باطل وغلط في الإخباريات، فإنه يتم في القوانين الإنشائية.


1- راجع تحريرات في الأصول 5: 7.