المواعظ والإرشاد والأخلاق

اعلم يا أخي في الله أن الله تبارك وتعالى مع كمال غنائه في ذاته عن جميع ما سواه، ونهاية استغنائه عن كافة الأشياء بقضها وقضيضها، يلاحظ في مقام الأمر والنهي جانب الرأفة والرحمة وطرف الأدب والتعظيم، حتى يجد العبد السالك من كلامه نورا يمشي به في ظلمات الأنفس والآفاق، فإذا نظرت وتأملت بعين البصيرة ونور العرفان والشهود في هاتين الآيتين، تجد أن الآية الأولى مشتملة على الأمر، والثانية على النهي، ولا شبهة أن الأمر والنهي متضمنان نوعا من المرارة وجانبا من التحقير والاستعباد، لأن الأمر - ولا سيما من العالي - وهكذا النهي، على خلاف استكبار الإنسان وطمطراقه، ولأجل ذلك شفع الأمر والنهي بالجهات الكاشفة عن الرجاء والأمل، وأن الله تعالى مع كمال عظمته التي لا يمكن إدراكها، والعبد مع نهاية صغره الذي لا ينال حده إلا الله، يخاطب الإنسان ويتوجه إليه ويأمره بلين ورأفة ورفق، ويترك جانب الغلظة، فيقول: (اعبدوا ربكم) حتى يتوجه العبد إلى حكم الفطرة السليمة وأن عبادة الرب الحقيقي لازمة عقلا أمر المولى أم لم يأمر، ثم يقول: (والذين من قبلكم) حتى لا يتأثر الإنسان من توهم أنه مخلوق دون غيره، فيجد أن الكل مخلوق، ثم يردف ذلك بقوله: (لعلكم تتقون) حتى يذوق أن الله يأمل ذلك، ويرجو تقواه وإيمانه وعبادته، ولا يكون الأمر أمر تشديد، ولا نهي غلظة وسلطة. نعم يقول بعد ذلك: (الذي جعل لكم الأرض فراشا)، فيكون هو الرؤوف الرحمن والرحيم العطوف، والذي جعل لكم السماء بناء، وهكذا صنع كذا وكذا (فلا تجعلوا لله أندادا) فإذا كان الله تعالى في وعظه وإرشاده يراعي نهاية الرفق والأدب، ويلاحظ غاية البلاغة والشرف، حتى يقول (وأنتم تعلمون)، مع أن الانسان لا يعلم - حسب كثير من الآيات - شيئا، وأقل شئ قسم بين العباد هو اليقين والعلم. فيا عزيزي ويا أخي وشقيقي إذا كان هو تعالى في هذه المنزلة من التواضع، فأنت لا تكن جبارا متكبرا ولا آثما وعاصيا لمثله العزيز. إلهي وسيدي أرجوا أن تهدينا إلى سواء السبيل، ونأمل أن تعيننا على طاعتك وعبادتك، ولا تؤاخذنا يا رفيق ويا عطوفا بعباده وخلائقه، واجعلنا من عبادك الصالحين المتعظين بوعظك حتى لا نعبد إلا إياك، ونخلص لك عبادتنا وأعمالنا، واهد الغافلين منا وأهل الشدة والغلظة إلى أن يتحققوا بهذه الآيات حتى يكونوا مثالا لنبيك الأعظم ووليك الأفخم. آمين يا رب العالمين.