بعض المسائل الأصولية

حول دلالة الألف واللام على الاستغراق: اختلفوا في أصول الفقه: في أن الجمع المحلى بالألف واللام يفيد العموم الاستغراقي بالوضع، أو بمقدمات الحكمة (1)، فالمعروف عن جمع هو الأول، وربما يناقش عقلا في المسألة: بأن عروض هيئة الجمع والألف واللام وإن كان في عرض واحد، إلا أن الألف واللام لأجل إفادة التعريف، يوجب استغراق مفاد الجمع، والجمع لا يدل على الاستغراق، بل يدل على العام المجموعي، كقولك: رأيت زيدين - بالتثنية -، وجاءني زيدون ورجال مثلا، والمسألة تطلب من الأصول، وهي واضحة الطريق، كما لا يخفى. والذي هو التحقيق: أن الألف واللام هنا لا تفيد التعريف لما لا معنى له، وغاية ما يستفاد منه: أن المدخول لعدم تمكنه من التنوين لعدم اجتماعه مع الألف واللام، لا يكون يفيد النكرة والإهمال، فيدل بالمقدمات العقلية على العموم والسريان. وربما يستدل على هذه المسألة الأصولية بقوله تعالى (من الثمرات)، حيث إنه لو كان الجمع المحلى بالألف واللام يفيد الاستغراق، للزم المناقضة بينه وبين التبعيض المستفاد من كلمة " من "، وحمل هذه الكلمة على غير التبعيض، غير موافق لأسلوب الكلام ولظاهر الآية الشريفة، كما هو الظاهر جدا، وقد مر شبه ذلك في قوله تعالى: (ومن الناس)، ومر أيضا بعض البحث حول المسألة سابقا. ولأحد أن يقول: بأن الآية لا تدل على هذه المقالة الأصولية، لأن المناقضة تكون بين كون العموم الاستغراقي مرادا جدا، وأما إذا قلنا بأنها تفيد الاستغراق إنشاء، لقيام القرينة على عدم إرادته تعالى للعموم جدا، فلا يتم توهم المناقضة قطعا، ولكنه وإن صح إمكانا، ولكنه في موارد التخصيص وقيام القرينة المنفصلة لا المتصلة، فإن الإرادة الاستعمالية لو كانت كافية، للزم جواز ذلك في المحلى بلفظة " كل "، مع أنه لا يصح أن يقال: من كل الثمرات، إلا إذا أريد من كلمة " من " غير التبعيض. ومما يشهد على أن الجمع المحلى بالألف واللام لا يدل بالوضع على العموم دخول " كل " عليه، فافهم واغتنم.


1- راجع كفاية الأصول: 217، وتحريرات في الأصول 5: 201.