وجوه البلاغة والمعاني

الوجه الأول: حول عدم عطف الآية بالسابقة يخطر بالبال أن مقتضى المقال الإتيان بالواو العاطف، حذرا عن توهمات باردة، مثل كون الموصول مبتدأ أو خبرا لمحذوف أو مذكور متأخر، ولكن الأقرب إلى أسلوب البحث والكلام أن توجيه الناس إلى العبادة غير توجيههم إلى الاعتقاد بخالق السماوات والأرض، فإن الثاني ربما يحتاج إلى ذكر الجهات مجموعا، بخلاف الأول، فإن الناس بعد اعتقادهم بأن الله خالق كل شئ يعبدون غيره، فلابد من انعطافهم عن الباطل إلى الحق بالتفاتهم إلى أن الله ربكم، وفي ذلك يلزم عبادته، وأيضا مع قطع النظر عن الربوبية، هو جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء، فهو كذا وكذا، فلابد من اختصاص العبادة به تعالى. هذا، مع أن بين النعت الأول والثاني اختلافا في المعنى جدا، فلأجل التوجه إلى أن ربوبيته لهم ليست في المرحلة الأولى من جعل الأرض فراشا، مع أن العكس مقدم بحسب الطبع، لابد من حذف العاطف حتى يستقل النعت الثاني.

الوجه الثاني: حول سياق الآيتين في هذه الآية والتي تقدمت نظام خاص يناسب الذوق ونهاية المتانة والبلاغة، فإن الشروع في إقامة البرهان والأخذ في إفادة المنبهات، يكون من الصغير إلى الكبير، ومن الأقرب إلى الأبعد، أولا إنه الذي خلقكم، ثم إنه هو الذي خلق من قبلكم من الآباء والأمهات والقبائل والعشائر، ثم إنه الذي جعل لكم الأرض فراشا، وهذا شروع في الأدلة الآفاقية على الأنفسية، ومنه قوله: وهو الذي جعل لكم السماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا، وبعد قيام هذه الحجج المترتبة بالطبع أردف كلامه بقوله: (فلا تجعلوا لله أندادا).

الوجه الثالث: حول جعل الأرض فراشا هذه الآية لأجل كونها في محط توجيه الخلق إلى عبادة الله، اشتملت على ما يرغبهم إليها وإن لم يكن بحسب الواقع صحيحا، ضرورة أن الأرض لم تجعل فراشا لأجل الإنسان، فإن الأفعال الإلهية والأعمال الربانية تستند إلى الغاية القصوى وهي ذاته تعالى، والأرض جعلت فراشا حسب عللها الطبيعية وأسبابها المقتضية، المنتهية إلى افتراشها في موضع وعدم افتراشها في موضع آخر مع أن كثيرا من الكرات السماوية تكون مفروشة من غير كونها مسكونة. أقول: لهذا الكلام وجهان: الأول: ما يأتي في البحوث العقلية، وأن غاية الأفعال الإلهية ماذا؟الثاني: ما يتعلق بالبحوث الأدبية، وعلى هذا المنظر يصح أن يقال: إن اللام كثيرا ما يأتي للغاية المصطلح عليها في النحو، والمعبر عنه في الكتب العقلية بما إليه الحركة، في قبال ما لأجله الحركة، وعلى هذا تنحل المعضلة المزبورة، فإن الأرض مفروشة إلى استفادة الخلق منه، فيكون ثمرة افتراش الأرض للإنسان، وإن لم يكن أصل جعله فراشا لأجل سهولة الأمر عليهم في معاشهم ونومهم وحياتهم. وأما حل المشكلة الأخيرة: وهو أن الأرض ليست مفروشة بمجموعها، فهو أن افتراش كثير من قطعاتها يكفي، مع أن من الممكن أن تكون الجبال دخيلة في حسن الفراش وفي الانتفاع منه بالنحو الأعلى والأليق. هذا، مع أن الألف واللام في كلمة " الأرض " لا تدل على الاستغراق.

الوجه الرابع: حول المواهب الكلية والعبادة لله تعالى من المشاكل المتبادرة: أن الأرض مفروشة لأمور أخر ولسائر الحيوانات، فلا يكون فرشها للخلق والإنسان موجبا لإيجاب العبادة ولزوم الخضوع والخشوع لله تعالى، بل الأدلة الأخر أيضا غير كافية، لأنه تعالى خلق سائر الأشياء وعللها السابقة، وجعل السماء بناء للكل، وأنزل من السماء ماء للكل، والأرزاق والثمرات مقسومة على الكل. غير خفي: أن هذه التوجيهات ليست في مقام إفادة أن هذه المفاعيل والآثار، مخصوصة بالإنسان بحسب الخلقة والاستفادة، بل كل هذه الآيات تجري مجرى التنبيه إلى أن العاقل والمتفكر، لابد وأن تكون عبادته لله الذي صنع كذا وكذا، وحيث إن الإنسان من جملة المرتزقين من هذه المواهب الجزئية والكلية ويتوقع منه الشكر والحمد، لكونه أهل التدبير والتفكير، خص بالذكر من غير أن يلزم المناقشات المزبورة. وإن شئت قلت: هذه التنبيهات لانتقال الإنسان إلى قوته الدراكة العاقلة، وإلى أن العقل يدرك لزوم عبادة من هو يصنع كذا وصنع كذا، ولا يجوز أن يقابل إله العالم: بأن هذه الأمور لا تختص بي حتى أقوم بواجبك، فإنه إن أدرك حقيقة الأمور، وأدرك أن له اختصاصا، وهو العقل بمعنى خاص، يتوجه إلى لزوم القيام بالتكليف والوظيفة في محراب العبادة وغيره.

الوجه الخامس: حول إطلاق البناء على السماء إطلاق البناء على السماء من المجاز، لأنه المصدر، ولذلك قيل: هو بمعنى المبني (1)، وقيل: البناء مصدر، ويصح حقيقة إطلاقه على السقف (2)، وهو الظاهر من المروي عن ابن عباس (3). والذي هو الحق أن السماء بمعنى الفلك في مصطلح القدماء، مما لا أساس له، ولا يمكن حمل كلامه تعالى على ما عليه تلاميذ بطلميوس وأصحابه، وقد مضى شطر من البحث حوله، ويزيدك ايضاحا بحوث آتية إن شاء الله تعالى. وأما السماء بمعنى الجو المتراكم الأخضر المتوهم ثبوت الأنجم عليها وانسجامها فيها وتركيزها عليها، فليس هو شيئا يطرح حتى يحتاج إلى البناية والعمد والإحكام. وعلى هذا يشكل حل هذه المشاكل المتبادرة إلى الذهن جدا. والقول بأن السماء هي الكرة الفوقانية، فإنها تنحفظ بالجاذبة العمومية، فيكون محفوظا وسقفا، أبرد من الثلج، كما في " المنار " (4)، ضرورة أن الكرة الفوقانية لا تعد سقفا بالنسبة إلى الأرض حتى يكون بناء، ففي الآية الناطقة بأن السماء سقف مرفوع، إشكال يأتي تحقيقه في ذيلها. نعم هذه الآية الشريفة لا تدل إلا على أن السماء بناء وبناية ومن الأمور المنتظمة، ولا يتكرر في هذه الجملة كلمة " لكم "، حتى يقال بأن البناء ليس لهم وللمخلوقين في الأرض، ولو فرضنا دلالتها على أنه جعل لهم السماء بناء فهو أيضا صحيح، لأن نفع هذه البناية يعود إليهم، لأجل أن الحركة الاعتدالية موقوفة على هذه الكرات المنتظمة. والله العالم بحقايق الأمور. ويمكن أن يقال: المقصود بيان أن السماء - وهي جهة العلو التي تشتمل على الهواء المجاور للأرض - فإنها بناء وبناية ومبنية على أساس لولا الربط المعتبر الملحوظ، لما يستقر على الأرض أحد، لكونها متحركة، فلابد للمحافظة على سكانها من تبعية الهواء للأرض في التحرك، كما تحرر في محله. ويشهد لذلك: أن السماء الذي انزل منه الماء هو السماء الذي جعلها بناء، فيكون ما يقرب من الأرض.

الوجه السادس: حول " من " في (من السماء) تكون كلمة " من " الأولى في قوله تعالى: (من السماء) للابتداء حسب النظر الأقوى، ففي ذلك بلاغة، لأن مبدأ المطر من السماء، فإن المراد من الماء هو ماء المطر، وما هو من السماء، وهو المطر، وما هو من الأرض بانضمام الحرارة الخاصة - من الشمس، أو من الأرض - بعد تصاعدها، هو السحاب الحامل للأبخرة، وهي ليست ماء المطر، فلا ينبغي الخلط بين ما هو من السماء وما هو من الأرض، وقد وقع الخلط الكثير في كلمات أرباب النظر من أهل التفسير، غافلين عما هو الظاهر من الآية الشريفة. ثم إن في تنكير الماء رمزا إلى أن ما هو من السماء هو ماء المطر المنتهي أحيانا إلى بعض المياه الاخر، وإلا فالمياه العالمية ليست من السماء، وليس المقام موقف توضيح كيفية خلق المياه والسماوات والأرض، كما ترى أن المفسرين بمجرد وجود كلمة الأرض والسماء، يدخلون في البحوث الأجنبية عن الآية وحدود دلالتها وما يرتبط ببلاغتها وفصاحتها.

الوجه السابع: حول المناقضة بين الفاء ونسبة الفعل إليه تعالى في (فأخرج به) ربما يخطر بالبال أن في قوله تعالى: (فأخرج به) مناقضة، وذلك لأن نتيجة الفاء، هو أن الخروج معلول النزول ومترتب عليه، وعلى هذا لا يناسب نسبة الخروج إلى الفاعل الإلهي، ولو كان الأمر بيد الله بعد النزول أيضا، لكان المناسب أن تصدر الآية بالواو، فالجمع بين الفاء ونسبة الفعل إليه تعالى يوهم خلاف البلاغة والأدب. أقول: سيظهر تحقيق هذه المسألة في البحوث الراجعة إلى الفلسفة، وما ينبغي أن نشير إليه هنا: هو أن في هذا الجمع تنبيها وإرشادا إلى أن حصول الخروج، كما يكون متقوما بالعلل الطبيعية، تقوم بالعلة الإلهية، ولا يكفي إحداهما عن الأخرى، فليتأمل. هذا، مع أن الفاء يفيد الترتيب، لا معلولية المعطوف للمعطوف عليه، فلعل هي في المقام لإفادة أن إرادة الله تعالى للإخراج بعد إرادته للإنزال، فبين الإرادتين ترتيب، وهذا ليس معناه حدوث الإرادة الثانية، فلا تكن من الغافلين.

الوجه الثامن: حول المناقضة في (من الثمرات) " من " في قوله تعالى: (من الثمرات) للتبعيض، وعلى هذا يتوهم المناقضة، فإن الجمع المحلى بالألف واللام، يفيد العموم حسب الوضع عند الأصحاب، إلا من شذ، والتبعيض يناقض العموم، ولأجل ذلك يمكن أن يوجه قول من توهم: أن " من " هنا للتبيين، أي فاخرج به رزقا لكم من الثمرات، أو قيل: " من " تكون زائدة (5). وسيظهر تحقيق المسألة في المباحث الأصولية حول الآية الشريفة، وقد تحرر عندنا فيها: أن الجمع المحلى بالألف واللام لا يفيد الاستغراق وضعا، بل كلمة " كل " وأمثالها أيضا كذلك (6). ثم إن " من " لابد وأن يكون للتبعيض، ضرورة أن كثيرا من الفواكه والثمرات ليست من الماء النازل من السماء. وفي تقديم جملة (من الثمرات) على جملة (رزقا) إشعار بأن الإخراج متعلق بالثمرة أولا، والرزق غاية الإخراج، وهي متأخرة بحسب الوجود العيني والخارجي وإن كان متقدما بحسب الذهني والنفساني، وفي تنكير الرزق إشعار بأمر واقعي، وهو أن جميع الأرزاق ليس من الماء السماوي والأمطار النازلة بالضرورة. وربما يشعر إعادة كلمة " لكم " هنا وعدم إعادتها في الجملة السابقة بأن مسألة جعل السماء بناء، ليس منافعه راجعة إلى ساكني الأرض خاصة، بل هو أمر عام يشترك فيه الأسفلون والأعلون وقد مر منا الإشارة إلى هذه النكتة في ذكر الوجوه حول هذه الجهة.

الوجه التاسع: حول التفريع في (فلا تجعلوا لله أندادا) قضية القواعد الأولية أن تكون الهيئة في قوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادا) للتحريم، فتكون زجرا بداعي إفادة الحرمة الذاتية، ولكن المناسبة المشهودة من ابتداء الآية السابقة إلى هنا، تقضي بأنها للإرشاد، فإنه تعالى أخذ في توجيه الناس إلى العبادة، بذكر العلل والموجبات العقلية، وبالتنبيه إلى الأسباب الإنسانية والأصول الأخلاقية، وأن الله الذي هو ربكم ورب السابقين عليكم، والذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء، والله الذي أنزل من السماء ماء لكم، وأخرج به رزقا لكم من أنواع الثمرات لا ينبغي أن تجعلوا له أندادا. وهذا أحسن طريقة في الأدب والبلاغة، فإن في النهي خشونة لا يتحملها الإنسان الطاغي والبشر المتمرد، بخلاف هذه السبيل التي تلائم الطباع كلا، وتناسب الآراء المختلفة والمعاندين من الملحدين والمشركين. ومن هنا يظهر وجه الإتيان بالفاء، وأن ذكر جميع هذه النعم والموائد والعوائد والآلاء والنعماء، مقدمة وتوطئة لما هو المقصود بالذات، بأن يطرحوا الأنداد والشركاء والأضداد والأصنام والمعبودات ويتمسكوا بعبادة الله، ولأجل الاهتمام بشأن عبادة الله تعالى أتى باسم الذات وبالعلم الشخصي. وغير خفي: أن التوجيهات السابقة على مدار الأسماء الكلية والصفات العامة، ثم بعد ذلك انتقل إلى ذكر العلم الشخصي انتقالا من الكلي إلى الجزئي، ولأن اللازم في العبادة أن يكون العبد متوجها إلى الله الشخصي، لا إلى الكلي ولو كان لا ينطبق إلا على الجزئي والشخصي الخاص. وما قد يتوهم: أن المقام من باب ذكر المظهر مقام المضمر غير تام، بل المقام من باب توجيه العباد من الكليات الفطرية إلى القضية الشخصية.

الوجه العاشر: حول المناقضة المتوهمة في ذيل الآية ربما يخطر بالبال مناقضة بين النهي عن جعل الأنداد لله تعالى، وبين قوله تعالى: (وأنتم تعلمون)، وذلك لأنهم إذا كانوا عالمين فلا معنى لارتكابهم عبادة الأصنام والأنداد، ولا للنهي عن ذلك، ولو كانوا جاهلين فلا موقع لقوله: (وأنتم تعلمون). ودعوى أنهم كانوا عالمين بما هو الحق، ومع ذلك يعبدون اللات والعزى، جزاف غير صحيحة جدا، وينافيه ما حكاه القرآن عن قولهم بأنهم يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى. فما الحيلة في الفرار عن هذه المناقضة؟ويمكن أن يقال: إن قوله تعالى: (وأنتم تعلمون) تحريكهم إلى الاتباع والانصراف عن الشرك وعبادة الأوثان، وفي ذلك نوع تعمية أدبية وإصلاح لمجتمع العرب في ذلك الوقت، وتوجيه إلى أنه ينبغي أن يعلموا هذه الأمور، بل هم يعلمون، وغير ذلك من العبائر المتعارفة في هذا المقام. ويحتمل أن تكون الآية ناظرة إلى جميع الجاعلين الأنداد لله تعالى في أعمالهم وأفعالهم والذين لم يجعلوا ولكنهم في معرض الجعل وهم عالمون بعدم صحة ذلك، فالآية تعرضت لتنبيه الأمة إلى ترك عبادة غير الله، سواء كان من عبادة الأوثان أو كان من قبيل الرياء، فالخطاب عام، وقوله تعالى: (وأنتم تعلمون) أيضا بلحاظ عموم العالمين، وإن كان فيهم من لا يعلم بقبح فعاله وفساد صنعه، ومن الممكن أنه أريد بذلك أنهم يعلمون في المستقبل تبعات أفعالهم الفاسدة وأعمالهم الباطلة. وعن مجاهد وغيره: أن المراد بذلك أهل التوراة والإنجيل دون غيرهم، أي تعلمون ذلك في الكتابين (7). انتهى. وأنت خبير: بأن المشكلة والأزمة لا تنحل بذلك، لأن الذين يجعلون الأنداد ليسوا معاندين لله تعالى، مع علمهم بعدم صحة فعلهم، بل هم يصنعون ذلك جهالة، ولم يعهد من أهل الكتاب جعل الأنداد قبل الإسلام، ولو أريد بالأنداد التثليث المعروف عن النصارى، أو اتخاذ الابن المعهود عن اليهود، فهو يرجع إلى الشرك في الجهات الأخر غير العبادة، والآية ظاهرة في الزجر عن الشرك فيها، كما لا يخفى.

الوجه الحادي عشر: حول تنكير " أندادا " في سياق النهي (لا تجعلوا لله أندادا) إن النكرة في سياق النفي تفيد العموم، من غير فرق بين كونه مفردا أو جمعا، بل في الإتيان به جمعا إشعار أو نص في أنه لا يجوز أن يجعل له تعالى أي ند، سواء كان ندا في الذات، أو في الصفات، أو في الأفعال، أو في العبادة والاستعانة. وربما يشعر بتعميم النظر ذكر الاسم الخاص، الذي هو العلم للذات المستجمعة لجميع الكمالات والصفات، واللائقة لجميع المحامد والعبادات والاستعانات، كما يشعر ذكر الاسم العلم لها بأن وجه النهي وعلة الزجر، أن هذه الذات تكون كذا، ولا ذات تشابهها وتماثلها وتعد شريكها وندها وضدها.

الثاني عشر: حول عدم القدرة على جعل الأنداد التكليف يلازم قدرة المكلف على المكلف به، وعلى هذا الأصل يلزم من النهي عن جعل الأنداد لله تعالى، اقتدار الناس على إحداث الأنداد وجعلها له، على أن الضرورة قاضية بأن مجرد جعل الند له تعالى، لا يكفي لكونه ندا له تعالى. أقول: قد مر أن النهي هنا للإرشاد إلى قباحة جعل الند، وأما المراد من الجعل، فهو في المسائل الاعتقادية والجانحية بمعنى الاعتقاد والبناء والالتزام به، فيكون النهي مرشدا إلى سوء هذا الاعتقاد، وسوء الالتزام بالشريك في الذات أو الصفات أو التأثير، فهذا النهي متوجه إلى عموم الناس المختلفين في جعل الأنداد، ويزجر الكتاب العزيز جميع الفرق المختلفة عن هذه الناحية طرا وكلا، وأما في المسائل العملية والجارحية فهو بمعنى التشريك في العبادة، بجعل الغير دخيلا، إما في نفس العبودية، أو في التحرك والانبعاث نحو العبودية، فعلى كل حال المفهوم واحد، والنهي ليس إلا الزجر الاعتباري عن الطبيعة المتعلقة بها، ولكن تختلف الجهات باختلاف الإضافات والأطراف، كما لا يخفى.


1- الكشاف 1: 94.

2- البحر المحيط 1: 93، روح المعاني 1: 188.

3- راجع تفسير الطبري 1: 162.

4- راجع تفسير المنار 1: 187.

5- تقدم مصادر هذين القولين في بحث الإعراب والنحو.

6- راجع تحريرات في الأصول 5: 207 وما بعدها.

7- مجمع البيان 1: 61، وراجع تفسير الطبري 1: 164.