الإعراب والنحو

قوله تعالى: (الذي جعل لكم الأرض فراشا) صفة ثانية للموصوف المذكور في الآية السابقة وقيل: إنه صفة الصفة (1)، وهو - مضافا إلى بطلانه في محله - لا يصح فيما نحن فيه، فإن الصفة الأولى من الموصولات، والموصول لا يوصف، واختلفوا في محل هذه الصفة من الرفع والنصب، وعلى النصب في أنه منصوب بما سبق أو بالإضمار، أو يكون منصوبا على المفعولية لقوله (تتقون) (2) وما هو الأقرب هو النصب على الوجه الثاني، ويكون وصفا لقوله: (ربكم)، ويحتمل كونه مفعولا لقوله: (اعبدوا) بحذف حرف العطف، أي اعبدوا الذي جعل لكم... إلى آخره. وفي كون " جعل " متعديا إلى مفعولين، فيكون " فراشا " مفعولا ثانيا أو إلى واحد، ويكون حالا (3)، والأول أولى، لأن الآيات المتعرضة لخلق الأرض كثيرة، وهذه الآية كأنها بصدد بيان: أن الأمور كلها بيد الله جوهرها وعرضها، فجعل الله لكم الأرض فراشا، لا أن الله خلق لكم الأرض وكانت الأرض بطبعها فراشا، فإن الافتراش من تبعات الأرض وأوصافها التي تقبل الجعل، كما لا يخفى على أهله. وغير خفي: أن من المحتمل أن يكون قوله تعالى: (الذي) مبتدأ، وخبره قوله: (فلا تجعلوا) (4)، ودخول الفاء على الخبر محل خلاف، وهذه الآية تدل على جوازه، ويكون فصلا في تلك المسألة النحوية المختلف فيها، ولكن الشأن أن الأمر ليس كما توهم كما لا يخفى. قوله تعالى: (والسماء بناء) فيه من الاحتمالات ما مضى، ويحتمل كون الواو للحال فيقرأ: " والسماء " بالرفع، وهكذا " البناء ". قوله تعالى: (وأنزل من السماء ماء) يحتمل كونه حالا، والعطف متعين، إلا أنه ليس عطفا على قوله: (جعل لكم الأرض فراشا) بل معطوف على قوله: (جعل لكم... السماء بناء وأنزل من السماء ماء). وفي كلمة " من " خلاف: قيل: هو للابتداء (5)، وقيل: هو للتبعيض، ويحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف، على أن تكون في موضع الحال من " ماء " والقول بأن المضاف محذوف - أي من مياه السماء (6) - غلط، والأقوى من بين الاحتمالات أنه متعلق بكلمة " أنزل "، والمراد من " السماء " هو معناه المعروف، وسيمر عليك لطف تكرار السماء. قوله تعالى: (فأخرج به من الثمرات رزقا لكم) هذه الجملة عطف، وفي حكم التعليل لما سبق، مع غاية الدقة المرعية في إسناد الفعل إليه تعالى، وسيمر عليك تحقيقه ولا تنافي بين كون الإخراج معلول الإنزال، مع كون كل واحد من الإخراج والإنزال مستندا إليه تعالى، فلا تكن من الغافلين. واختلفوا في كلمة " من ": فقيل: هي للتبعيض (7)، وقيل: هي للابتداء (8)، وقيل: هي زائدة (9)، وقيل: هي للتبيين والمبين (10) جملة (رزقا لكم) وفي جملة (رزقا لكم) احتمال كونه حالا، واحتمال آخر: وهو أن يكون مفعولا لأجله أي أخرج به من الثمرات لأجل كونها رزقا لكم، وهنا احتمال آخر أي أخرج به بعض الثمرات مرزوقا لكم. والذي هو الأقرب من بين هذه الاحتمالات: أن " من " للتبعيض باعتبار تقسيم الرزق، لا باعتبار خروجها من الماء، أي أخرج من الماء من الثمرات ما هو رزق لكم، لما أن من الثمرات ما ليس رزقا لكم، وهذا لا ينافي أن يكون جميع الثمرات من الماء. وسيظهر في بحوث البلاغة ما ينفعك في هذه المرحلة من البحث. قوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادا) الفاء لإفادة الغرض والنتيجة، ولا بأس بدعوى: أن الجمل السابقة تشتمل على معنى الشرط، أي إذا كان ربكم كذا وكذا (فلا تجعلوا لله أندادا) وقد مضى احتمال كونه خبرا للمبتدأ المزبور، وعن أبي الحسن: تقوية ذلك، متخيلا: أن الرابط تكرار الاسم المظهر (11)، وتفصيله في النحو، والذي يسهل الخطب أنه كلام معوج وخارج عن نطاق الأدب. قوله تعالى: (وأنتم تعلمون) حال من ضمير (فلا تجعلوا)، وما في " روح المعاني ": والمفعول مطروح، أي وحالكم أنكم أهل العلم والمعرفة والنظر وإصابة الرأي (12). انتهى. لا يخلوا عن تأسف، فإن الجملة الحالية لا تخرج عن كونها حالا، ولو كان المحذوف ما ذكره يلزم أن يكون الجملة خبرا لمبتدأ محذوف، أي وحالكم أنكم تعلمون، فلا تخلط.


1- البحر المحيط 1: 97، روح المعاني 1: 187.

2- راجع البحر المحيط 1: 97.

3- راجع نفس المصدر.

4- البحر المحيط 1: 97.

5- البحر المحيط 1: 98.

6- البحر المحيط 1: 98.

7- الكشاف 1: 94.

8- روح المعاني 1: 189.

9- البحر المحيط 1: 98.

10- الكشاف 1: 94.

11- البحر المحيط 1: 97.

12- راجع روح المعاني 1: 191.