إشعار بحثي ومكاشفة إيقانية

حول استناد القرآن إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): قد خاطب الناس في هذه الآية بقوله: (اعبدوا ربكم)، وقال في الآية الأخرى المذكورة آنفا: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله) (1)، وعندئذ يطلع البحث الإلهي حول أن المخاطبة، هل هي من الله تعالى، أو من الرسول، أو منهما؟بعد الفراغ عن أن التفصيل بين الآيات في هذه المرحلة والمشكلة، بأن هذه الآية من الله تعالى والآية الكذائية من الرسول غير صحيح، كما تحرر، فمن قائل: إن المخاطبة من الله والنسبة إلى غيره من المجاز، لأنه رسول وواسطة لحكاية كلام الله تعالى، وليس هو مشرعا ولا مخاطبا بالاقتباس، وهذا هو رأي الأكثر وعلماء الشريعة قاطبة في كيفية استناد الكتاب العزيز إليه تعالى وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمين الوحي (صلى الله عليه وآله وسلم). وربما يقال: إن من هذا الخلاف في النسبة، يظهر الاتفاق في المنتسب إليه في وجه خارج عن أفق الناس خواصهم، فضلا عن عوامهم، وتفصيله في مباحث الوحي والتنزيل وكيفية الإيحاء ونزول جبريل. وإجماله: أن المسافر إلى الله تعالى، بعد الفوز بالوحدة برفض سرابيل الكثرة، ونزع نسب المادة والمدة وخلع نعالي الفعل والفكرة، يتصل روحه القدوسية بسماء الرفعة، فتخرق أبصار القلوب حجب النور، وتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحهم معلقة بعز قدسه، ومتدلية بنور شوكته، فلا يبقي ولا يذر شيئا من جلباب البشرية إلا ويطرحها من ورائه، فيصير يده الذي يفعل بها ولسان الذي يتفوه به، ورجله التي يمشي بها، فكلامه كلامه وصحبته صحبته ونسبته نسبته، فإذا فرغ عن هذه السفرة الأخيرة الصعودية والعرضية، يشرع بالسفرة الرابعة الخلقية، ويرجع إلى الناس بما ينطق به، ولا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى) (2)، ففي هذه الآية بالنسبة إلى الآية الأخرى إشعار بهذه المائدة الملكوتية والمعجون السرمدي، فلتكن على بصيرة من الأمر حتى يظهر لك حقيقة القصة ومخ القضية وحتى يطلع الفجر (وما هو بالهزل) (3)، و (أليس الصبح بقريب) (4).


1- النحل (16): 36.

2- النجم (53): 3 - 5.

3- الطارق (86): 15.

4- هود (11): 83.