مسألة فقهية

حول دلالة الآية على أصالة التعبدية: قد مر في مطاوي الأبحاث الماضية: الإشارة إلى أن هذه الآية لا تقتضي إلا لزوم صرف الوجود من العبادة شرعا، أو ترشد إلى ذلك، وقال بعضهم: إنه أمر بكل العبادة. وهو مختار " التبيان " (1). وفي كلام صدر المتألهين: أن المختار عندنا أنه أمر بما تيسر من العبادة (2). انتهى. والذي نريد الإشارة إليه: هو أن من المسائل الخلافية في الأصول والفقه: أن الأصل في الأوامر هي كونها عبادية أم لا؟وقد تحرر منا في محله: أن التعبدية والتوصلية ليستا من تبعات الأمر، ولا من أوصافه، فإن الأمر في جميع المراحل له معنى واحد، وإنما التعبدية والتوصلية من خصوصيات المتعلقات. ثم إن مقتضى إطلاق الأدلة - كما تحرر - عدم التعبدية. وأما الأدلة اللفظية من الآية والرواية فهي مذكورة في الأصول والفقه، ومقتضى فهم الشيخ (قدس سره) أن هذه الآية ربما تدل على أصالة التعبدية، ضرورة أن إيجاب المندوبات غير جائز للزوم الخلف، فتكون الآية ناظرة إلى أن ما هو في الشرع من الواجب والمندوب، لابد وأن يؤتى به عبادة إلا ما خرج بدليل خاص من إجماع وغيره، فتكون هذه الآية من تلك الآيات المستدل بها على أصالة التعبدية (3). وأنت خبير بأن الأمر لا يقتضي إلا إيجاد متعلقه، وإذا امتثل المكلف يسقط حسب الأصل العقلائي، فلا تجب العبادة حسب هذه الآية الآمرة واحدة. هذا إذا قلنا بأنها في مقام إيجاب عبادة الله تعالى. وأما ما هو الحق: أن هذه الآية وأشباهها كلها في مقام الردع عن عبادة الأوثان والأصنام، وفي موقف إرشاد العقلاء وأهل الفهم إلى أن العبادة لا تليق إلا للرب الذي خلقكم، لا الرب الذي علمكم كمعلم العلوم المتعارفة، ولا الرب الذي يربيكم ويحافظ عليكم ويدافع عنكم كالمستخدمين عليكم، فالذي يليق وينبغي له العبادة هو الرب الخالق لكم ولمن قبلكم، فلو شئتم أن تبعدوا فاعبدوا الله لا غيره، وأما لزوم عبادته تعالى أو وجوبها الشرعي ولو مرة واحدة، فهو غير ثابت بهذه الآية، فضلا عن وجوب الكل، أو وجوب ما تيسر. وقد تبين فيما سلف: أن هيئة الأمر في أمثال هذه الآيات لا يعقل أن تكون للإيجاب التكليفي، فلا تخلط وكن على بصيرة من أمرك.


1- تفسير التبيان 1: 99.

2- راجع تفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 2: 45.

3- راجع حول الآيات المستدل بها مطارح الأنظار: 62 - 64.