الإعراب والنحو
(يكاد البرق): جملة بيانية بشهادة الألف واللام، فإنه إشارة إلى (برق) في الآية السابقة، وكأنه توضيح لما أصابهم في أبصارهم من البرق، بعدما مضى في الآية السابقة توضيح ما أصابهم من ناحية السمع، فإنهم حذرا من الموت يجعلون أصابعهم في آذانهم، ولأجل المحافظة على سمعهم وحياتهم كانوا يصنعون ما صنعوا، وأما أبصارهم فهي في معركة الهلاك. وقيل: مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وفي حكم جواب قائل قال: كيف حالهم مع ذلك البرق؟فأجيب: (يكاد البرق يخطف أبصارهم) (1). (كلما أضاء لهم) هذه الجملة أيضا بيان لما كانوا يصنعون، بعد كونهم في معرض الإصابة من ناحية أبصارهم. والمعروف عنهم أن " كلما " منصوب على الظرفية، وناصبها الفعل المتأخر، وقد عرفت أنها كلمة وحدانية كحرف الشرط ولو كانت مركبة، ولكنها منسلخة عن معنى التركيب. وقيل: " ما " مصدرية (2)، وقيل: وقتية، أي كل وقت (3)، ولا بأس بكونها مصدرية وقتية تدل بمجموعها على التكرار. وفيه تأمل كما سيظهر. (مشوا فيه) جواب الشرط، ولا حاجة في مثله إلى الفاء. ويمكن أن يقال: إن حرف العطف بين جملة (يكاد البرق) وجملة (كلما أضاء لهم) محذوف. وقيل: الجملة استئناف ثالث (4)، وهو غير جيد، لأن الجمل المستأنفة هي الغير المرتبطة بحسب المعنى مع السوابق، وإلا فلا منع من كون جميع الجمل مستأنفة، لإمكان كون الواو استئنافيا. (وإذا أظلم عليهم قاموا) من الحالية المترادفة أو المتداخلة، فيكون السابقة أيضا حالية محذوفة الواو الحالية. وقيل: جواب سؤال ثالث واستئناف آخر (5). (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم) عطف إما على المجموع المحصل من المعاني الحاصلة من الجمل السابقة، أو على الجملة الأخيرة، ويحتمل الحالية والاستئنافية بناء على جواز كون الواو استئنافيا، ومن الغريب اتفاقهم على قراءة (أبصارهم) بالكسر على العطف على اللفظ دون المحل، مع جواز العطف على المحل، كما في آية الوضوء، وأما إعادة الجار فهي جائزة، لا واجبة بالضرورة. وأما مفعول شاء فمحذوف، وهو على ما ذكروه من سنخ الجزاء، أي ولو شاء الله إذهاب سمعهم لذهب به. وفيه برودة. والأولى أن يقال: ولو شاء الله إهلاكهم - أو ما يشبه ذلك - لذهب بسمعهم وأبصارهم، أو يقال: ولو شاء الله خسرانهم الاجتماعي... (إن الله على كل شئ قدير) في محل التعليل للجملة الشرطية، أو للجمل التمثيلية، أو للمجموع.
مسألة
حول رجوع الضمير إلى المحذوف: اختلفوا في جواز رجوع الضمير إلى المحذوف في الكلام على أقوال، ثالثها التفصيل بين المرجع المدلول عليه بالدال الذي من سنخه، وبين ما يدل عليه دلالة عامة. مثلا: يجوز في مثل قوله تعالى: (اعدلوا هو أقرب للتقوى) (6)، فإن المرجع هو العدل الذي هو مادة " اعدلوا "، ولا يجوز في غير هذا المورد. ويدل هذه الآية الشريفة أيضا على جوازه، لأن الضمير في قوله: (مشوا فيه) يرجع إلى الممشى المحذوف، ويدل عليه كلمة " مشوا ". اللهم إلا أن يقال: إنه يرجع إلى البرق، لأنه وإن لم يجز المشي في البرق حقيقة، ولكنه يجوز الإسناد إليه مجازا، لحسن الاستعمال ولطف الكلام.
1- الكشاف 1: 84، البحر المحيط 1: 89، روح المعاني 1: 175.
2- روح المعاني 1: 175.
3- نفس المصدر.
4- الكشاف 1: 86، التفسير الكبير 2: 80، البحر المحيط 1: 90، روح المعاني 1: 175.
5- البحر المحيط 1: 90، روح المعاني 1: 162.
6- المائدة (5): 8.