بعض مباحث فقهية
حول كفر المنافقين: قد مر ذيل بعض الآيات السابقة (1) اختلاف الفقهاء: في أن أهل النفاق المظهرين للإسلام والمبطنين للكفر، محكومون بالإسلام فيترتب عليهم آثاره وأحكامه، من الطهارة وحلية الذبيحة والمناكح وغيرها، أم يحكم عليهم بالكفر وآثاره من النجاسة وغيرها. ومن هذه الكريمة يتبين في الجملة أنهم في نظر الإسلام يعدون من الكفار، فإن قوله تعالى: (والله محيط بالكافرين) يشهد على عدهم كافرين. ودعوى: أنهم الكفار في اللغة، أو أنهم كفار ثبوتا لا إثباتا، غير تامة، لأنها خلاف المتفاهم العرفي منها. نعم لو دل الدليل على أنهم محكومون بالإسلام، يمكن الجمع بينه وبين الآية بالوجه الأخير، لإمكان كونهم كافرين بحسب الآخرة وثبوتا، ومسلمين بحسب الأحكام السياسية والظاهرية. وأما احتمال: كون الآية من تتمة المثال، وأن الذين يحذرون الموت بجعل أصابعهم في آذانهم، من الكافرين الغافلين عن أن الموت والحياة بيد الله تعالى، ولا يمكن الاستعاذة من الأجل المعين من قبل الله تعالى بغيره تعالى، فغير بعيد. ويؤيد هذا الاحتمال: أن الآية اللاحقة من تتمة المثال الثاني، ولو كانت الجملة المزبورة مرتبطة بحال المنافقين، يلزم الفصل بالأجنبي، فعلى هذا تسقط الآية عن الاستدلال لأجل طرو هذا الاحتمال. واحتمال كون المراد من الكافرين أعم من المنافقين وذوي الصيب، غير ممنوع، إلا أنه لا سبيل إلى تعيينه في الآية حتى يتم الاستدلال. وربما يتقوى في النظر: أن المناسب كان هكذا: " والله محيط بهم "، حتى يعد من تتمة المثال، فالعدول من الضمير إلى المظهر، للإيماء إلى أن المثال قد تم أساسه واتضح بنيانه، وإن كانت الآية اللاحقة أيضا من توابعه، فليتدبر جيدا.
بحث آخر: جواز التمثيل تشريحا لمفاسد الفاسقين يظهر من هذه الآيات التمثيلية جواز التمثيل شرعا، تشريحا لمفاسد القوم الفاسقين المفسدين في الأرض، وكشفا عن سرائرهم الخبيثة ومقاصدهم السيئة، فتجوز فضاحتهم بين الناس، ولو كانوا من أهل الذمة، ومتظاهرين بالعمل بأحكامها، فلا حرمة لهم بعد ذلك. اللهم إلا أن يقال بعدم دلالة الآيات على جواز التصدي لذلك لكل أحد، ولا سيما إذا كان في معرض اختلال نظم البلاد بالإفساد.
1- راجع البقرة: الآية 8، مبحث الفقه.