الإعراب والنحو
قوله تعالى: (أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق) عطف، أي مثلهم كصيب من السماء، وقيل: " أو " هنا بمعنى الواو، لأن المثالين واحد، وقيل: بمعنى " بل "، لأن في هذا التمثيل اشتدت فضاحة المعاندين المنافقين، وقيل: هو للإبهام، وقيل: هو للتفصيل والإباحة والتخيير (1). والذي يظهر مما مر: أن لكلمة " أو " معنى واحدا، وإنما اختلاف الخصوصيات يستند إلى القرائن الحافة. والكاف في موضع رفع بناء على العطف. والحق: أنه حرف لا موضع له. وفي جر " الصيب " احتمالان: أحدهما أنه مجرور بالكاف، والثاني أنه مجرور بالمضاف المحذوف، أي هو " كأصحاب الصيب "، أو " كذوي صيب "، وإنما قدر الجمع، لقوله تعالى: (يجعلون) بناء على أحد الوجوه الآتية، وإلا فلا حاجة إلى حذف المضاف، فضلا عن تقدير الجمع. هذا، مع أن إرجاع الضمير إلى المقدر الذهني جائز، وقيل: التقدير: " أو كمطر صيب من أمطار السماء "، فلا تكون كلمة " من " لابتداء الغاية، بل هي للتبعيض (2). وهذا واضح الفساد. (فيه ظلمات) أي تكون فيه ظلمات، أو السماء الذي فيه ظلمات، أو حال كونه فيه ظلمات، أو (فيه ظلمات) على الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر، وتكون الجملة في محل الصفة، أو جملة مستقلة محذوف حرف عاطفها، أي " كصيب من السماء وفيه ظلمات ". ويحتمل في الآية أن يكون الكاف زائدا، واختاره بعضهم، مدعيا عدم الحاجة إليه، لأنه عطف. والحق: أنه على تقدير الزيادة يكون معناه: " مثلهم صيب من السماء "، وقد مر بيانه في التمثيل الأول. قوله تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق) في قوة: " فيجعل المصابون بالصيب أصابعهم في آذانهم ". وقيل: الجملة لا محل لها من الإعراب، لأنها جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟(3) وقيل: موضعها الجر، لأنها في محل الوصف ل? " أصحاب " أو " ذوي " المحذوف. وقيل: هي في موضع النصب على الحالية من ضمير " فيه " (4). والأظهر أن الألف واللام إشارة إلى الصواعق الخاصة، ولا حاجة إلى تقدير الضمير العائد إلى " الصيب "، فما في " البحر ": من أن المقدر " من صواعقه " (5) غير صحيح، ولو كان الممثل كليا والتمثيل كليا، يكون الألف واللام مفيدا للاستغراق والعموم على الوجه المحرر في محله. قوله تعالى: (حذر الموت) مفعول لأجله على المشهور. وقيل: فيه نظر، لأن قوله تعالى: (من الصواعق) مفعول لأجله (6)، ولعل لأجله قال الفراء هو منصوب على التمييز (7) ويرجع في الحقيقة إلى النكرة، أي حذرا من الموت. والذي يظهر لي: أن الآية لو كانت هكذا: " يجعلون حذر الموت أصابعهم في آذانهم من الصواعق " لصح المعنى، ويكون سبب الجعل في الآذان هي الصواعق، وسبب هذا السبب خوف الموت والتحرز من الموت، ولا منع من تعقيب المفعول لأجله بمفعول لأجله أيضا. وغير خفي: أن تسمية متعلقات الفعل وخصوصياته بالأسماء المختلفة، لا يورث أن يكون المفعول لأجله مفعولا واقعا، بل هو من توابع الفعل، أو من الأسباب المنتهية إلى الفعل، وهو الجعل في هذه الآية، ولا شبهة في إمكان نقل الأسباب والعلل المختلفة المترتبة بعضها على بعض. ويحتمل أن يكون مفعولا مطلقا لمحذوف، أي " يحذرون حذر الموت "، ولا يخفى شناعته.
1- البحر المحيط 1: 85، روح المعاني 1: 171.
2- انظر البحر المحيط 1: 85.
3- البحر المحيط 1: 86.
4- البحر المحيط 1: 86.
5- نفس المصدر.
6- البحر المحيط 1: 87.
7- الجامع لأحكام القرآن 1: 220.