القراءة والإعراب

قوله تعالى: (صم بكم عمي) أخبار لمبتدأ محذوف: أولئك صم وبكم وعمي، بحذف حرف العاطف، ويمكن أن يكون المحذوف ضمير الجمع: هم صم بكم عمي، على أن تكون الأخبار خبرا بعد الخبر كما قال ابن مالك: وأخبروا باثنين أو بأكثرا عن واحدكهم سراة شعرا (1) وذلك عندي محل المناقشة، فإن الخبر الثاني لا يكون خبرا إلا بإرجاع النظر ثانيا إلى المبتدأ، فيكون المبتدأ محذوفا، ويحتمل أن يكون " صم " خبرا والآخران وصفان له، أو الثالث وصف الثاني أيضا. ودعوى: أن المحذوف هو ضمير " هم " دون " أولئك " (2) أو العكس، غير واضحة، لإمكان كل واحد منهما، سواء كانت الآية تتمة المثال، أو كانت من أوصاف المنافقين. نعم بناء على أن أولئك للإشارة إلى البعيد، فإن كانت الآية وصف حالهم تكون لفظة أولئك أولى بالحذف، ومن المحتمل كون المحذوف فاء العطف، أي صم فبكم فعمي، فهم لا يرجعون. وسيظهر له نكتة راقية في بحوث اخر. ثم إن المحكي عن ابن مسعود وحفصة: صما بكما عميا على النصب (3). وهذا يتحمل وجوها: من كونها مفعولا ثانيا لترك، ومن كونها منصوبة على الحال من المفعول في " تركهم "، ومن كونها منصوبة بفعل محذوف، ومن كونها منصوبة على الحال من الضمير في (لا يبصرون)، ومن كونها منصوبة على الذم (4). وبذلك الوجوه يختلف كونها من تتمة التمثيل، أو من أوصاف المنافقين. وغير خفي: أن توصيف المنافقين بأنهم لا يبصرون، ثم بأنهم العميان، من التكرار، وهكذا القول بالحالية. وأما القول بأن النصب على حذف الفعل، فهو شنيع، لأن كل كلام غلط يصحح بالحذف والإيصال. وأما النصب على الذم فلا يوجب كون الجملة بلا محل من الإعراب، فيلزم ما أشرنا إليه. فقراءة النصب غلط جدا. فعلى هذا تكون الآية تتمة حال المنافقين على أحد الوجوه السابقة. نعم على القول بأنها دعاء وجملة إنشائية، يكون حذف الفعل مناسبا كما لا يخفى. قوله تعالى: (فهم لا يرجعون) جملة خبرية معطوفة على جملة خبرية أو إنشائية، فإن احتمال كون الجملة الأولى دعاء عليهم قوي، فتكون الثانية عطفا على الدعاء المستجاب ومترتبة عليه، وأما احتمال كونها أيضا دعاء (5) فهو بعيد جدا، ولا يناسبه الفاء، ولا يرجعون من الرجوع اللازم هنا بالضرورة، ولا معنى لحذف المفعول به. نعم ما هو المحذوف هو مبدأ الرجوع ومحل الرجوع، فاحتمال حذف المفعول به - كما في كلمات المعربين هنا - من الاشتباه الواضح (6).


1- الألفية، ابن مالك: مبحث الابتداء، البيت الأخير.

2- روح المعاني 1: 169.

3- البحر المحيط 1: 82.

4- راجع البحر المحيط 1: 82.

5- روح المعاني 1: 170.

6- البحر المحيط 1: 83.