بعض المباحث الكلامية

للأشعري أن يستدل بهذه الآية الشريفة - كما مر في نظائرها الكلام الإجمالي - على مقالته الفاسدة: بأن الله تعالى يفعل ما يشاء ولو كان قبيحا بحسب عقولنا، أفلا ترى أن الكريمة تشعر بقبح صنع المنافقين، ومع ذلك إن الله يعينهم ويمدهم على ذلك القبيح، ولا شبهة في أن الإعانة على الأمر القبيح: إما قبيح، أو أقبح، مع أنه تعالى نهى عن الإعانة على الإثم والعدوان والطغيان والعصيان. وبالجملة: لابد من حل هذه المشكلة، وهو إما الاعتقاد بمقالتهم، أو اتخاذ سبيل إلى الجمع بين الآيتين، وحكم العقل بالقبح في الكل مشكل جدا. بل هناك تقريب يوجب مقبحية أعظم مما سلف: وهو النهي عن عمل منكر مع الإتيان به، والالتزام بذلك كله غير ممكن.

ومن العجيب: أن المعتزلي يتخذ لحل المشاكل الكثيرة في الآيات - حسب معتقداتهم - طريق التأويل والتوجيه، وهذا خلاف الإنصاف في الاجتهاد، وخلاف الوجدان في المتعارف في الاستعمالات، بعد كون بنائهم على أخذ المسائل العقلية من الأدلة اللفظية والكتاب والسنة، فإنهم بذلك يتميزون عن الفلاسفة وأهل الإدراك والعقل، فلا تخلط ولا تغفل. أقول: هذه المشاكل لأهل التحقيق البالغين إلى نصاب الكشف واليقين، والواصلين إلى مقام الشهود والعين، منحلة وواضحة. وإجماله: أن إمداد الله ومدهم ليس بلا توسط، فلو كان ذلك مع التوسط فالواسطة: إما من المكلفين بأفعالهم الاختيارية، كإخوانهم يمدونهم في الغي، أو الواسطة من الأمور العينية الخارجية المندرجة تحت نظام قانون الأسباب والمسببات. فإن كان من قبيل الأول فهم قد نهوا عن الإمداد والإعانة، ولكنهم إذا عصوا الله ورسوله بالتردد معهم، فلا شبهة في أن ما يصنعون، لا يكون خارجا عن مملكته وحكومته، وحدود نفوذ إرادته على الوجه المحرر في محله، وسيأتي في هذا الكتاب بعونه وقدرته. وإن كان من قبيل الثاني فلا يكون ذلك موجبا لخروجهم عن الاختيار بعدم الاستمداد وبذلك المدد الواصل، فلو لم يخرجوا بالاختيار عن النفاق فلا يلومن إلا أنفسهم، لأن النظام الأتم الأحسن على قانون العلة والمعلول، فيصل كل إلى ما هو الميسر له. والله هو المحيط.