بحث فقهي

قد اشتهر في محله حرمة الإعانة على الإثم (1)، وربما يستدل عليها بقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) (2)، وعندئذ يتوهم التعارض بينه وبين قوله تعالى: (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) كما أشير إليه. وقد عرفت كيفية الجمع بين قوله تعالى: (قالوا أتتخذنا هزوا) و (قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) (3)، وسيأتي كيفية الجمع - حسب الأصول العقلية - بين الآيتين الأخيرتين.

إلا أنه ربما يمكن دعوى: أن الإعانة على الإثم والعدوان ليست من المحرمات الشرعية، بل هي من المقبحات العقلية العرضية، ويكون قوله تعالى: (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) قرينة على ذلك، وصار إلى الحكم الإرشادي دون التحريم الشرعي. وبالجملة: يخطر بالبال أن يقال: إن الإعانة على الطغيان والإثم والكفر ممنوع حتى عليه تعالى، وفي الموارد التي يمدهم الله في طغيانهم: إما يكون ذلك لا عن استحقاق فهو أفحش، وإن كان عن استحقاق ويتمكن من ترك الإعانة فيجب، وإن لا يتمكن يلزم عدم قدرته وإرادته تعالى، وهو أشد فسادا وأظهر بطلانا. ولأجل ذلك وأمثاله يلتزم الفقيه في هذه الآيات بالتأويل والتوجيه، المنتهي إلى تحديد الله تعالى أيضا في عموم نفوذ قدرته وحكمته، حذرا عن سوء الأدب إلى ساحته ومقامه، غفلة عن أنه في ذلك ربما يلزم الفساد الأكثر وسوء الأدب الأشد، وتكون الآية المشار إليها - المشتملة على النهي - دليلا على أن المراد بقوله تعالى: (يمدهم في طغيانهم يعمهون) أنه يتركهم ويدعهم ويكلهم إلى أنفسهم، ويفوض الأمر إليهم، ويخرجون بذلك عن حكومته تعالى في اعتبار كما لا يخفى. وسيظهر في البحوث الآتية - المتكفلة بهذه المسألة - كيفية حل المعارضة بين الإرادة التشريعية التحريمية والتكوينية الإمدادية، فاغتنم.


1- راجع عوائد الأيام: 26.

2- المائدة (5): 2.

3- البقرة (2): 67.