المواعظ والحكم والأخلاق

اعلم يا عزيزي في الله وقرة عيني أن اختلاف حالات الناس في الجلوة والخلوة من الأمراض العامة والأسقام السارية، وقلما يتفق لأوحدي من الكملين والخواص من المؤمنين، أن يتخلص عن جميع مراتب النفاق، ويتخلى عن التغطية والتغشية. وهذا مرض يسري وينمو ويزداد من مرتبته الدنيا إلى مراتبه العليا، حتى يهلك صاحبه، ويصير من المنافقين الشياطين أو أسوأ حالا، فإياك وهذه الرذيلة المهلكة الموبقة، وعليك أن تحذر عنها وتجد في دفعها وقلعها، وقلع مادتها، وهي - كما تحرر في محله - حب الدنيا وامتلاء القلب من شؤونها وأحكامها، وفي مقابله الشرة والنسيان والغفلة عن الله والآخرة وأحكامها. وكما أن الكفار فيهم المنافق، وفيهم الصريح المعاند، كذلك المؤمنون فيهم المنافق، وفيهم الخالص الخاص والصريح البارز وقد يتفق أحيانا أن نفاق المؤمن أشد ضرا من نفاق الكافر، فإن البذر السيئ في الأرض المحتلة باحتلال الشيطان، لا يثمر ثمره، بخلاف عكسه، لأنه بذلك ربما تصير الأرض ومحط القلوب والنفوس ظلمانية شيطانية تدريجا.

وقد عرفت فيما مضى أن الإيمان المستودع من النفاق ومن الحجب الغليظة، فإنه يظهر إيمانه ويشتهر بما لا يستمر ويستقر فيه، فإن المنافق الذي يقول عند لقاء المؤمنين آمنا وصدقنا وإنا معكم، ليس منافقا إلا لأن الإيمان ليس في قلبه، وفي حكمه المؤمن بالإيمان المستودع، فإنه أيضا لما يدخل الإيمان في قلبه. اللهم يا إلهي إليك أبتهل، وإليك أتضرع، وأرجو منك أن تعينني على طاعتك وعبادتك بحسن حالك وكرامة وجهك. يا إلهي وسيدي احفظني بحفظك عن النفاق، كثيره وقليله عظيمه وصغيره، واكلأني بكلاءتك عن هذه الصفة المشؤومة والرذيلة المذمومة، التي توجب استحقاقي لسخطك وغضبك بل واستهزائك. يا إلهي وهذا مما لا تقوم له السماوات والأرض. اللهم إليك الأمر وعليك التوكل، فلا تكلني إلى غيرك يا الله.