بعض بحوث فلسفية

إن كان الشيطان بمعنى ما فيه الشيطنة، فيكون من المحمولات بالضميمة، ومندرجا في المقولات العرضية، ومن الكيفيات النفسانية، فلا بحث، ولا تدل الآية على شئ، وإن كان الشيطان من العناوين الذاتية، ومن ذاتيات باب الإيساغوجي، ونوعا من الأنواع كالإنسان، فيكون إطلاقه على الإنسان مجازا حسب القواعد الأدبية. وحينئذ ربما تدل الآية على مائدة ملكوتية وقاعدة سماوية، حذرا عن المجازية، وحملا لإطلاق الشيطان على الإنسان حملا حقيقيا، وذلك لأن شيئية الشئ بكماله وصورته الجوهرية، دون الكماليات الثانوية والصور العرضية، فحقيقة الإنسان وما به إنسانية الإنسان، ليس ما في جنبه اللابشرط كالأشكال والهيئات الخاصة، بل هي بما تحل في مادته المطلقة الباقية، والمحفوظة المتبدلة في الصور حسب الحركة الجوهرية. وتلك الصورة والسيرة الباطنية ربما تتشكل بشكل الماشي المستوي القامة، وربما تتشكل بأشكال سائر الحيوانات والأنواع، وتصير بحسب الباطن في الحركة الحقيقية الطبيعية منتهيا إلى الطبائع الاخر، وذلك لعدم تحدد طبيعته بما يتعصى عن قبول أية صورة أمكنت مادتها عن حلولها فيها، حسب ما تحرر منا في " قواعدنا الحكمية ". وإلى ذلك يرجع المسخ وسائر أنحائه، فإن الكون دائم النسخ والمسخ، وإذا كان يراهم الله تعالى بما هم عليه من الواقعية، الحاصلة لهم في الحركة التضعيفية الانحطاطية، يصح أن يعبر عنهم بالشياطين، لأنهم واقعها، أولئك كالأنعام وأضل سبيلا. فبالجملة: تشير الآية الشريفة - حسب الاحتمال الأخير - إلى هذه القاعدة، فلا تلزم المجازية التي هي خلاف الأصول العقلائية، فليتأمل جيدا.