بحث أصولي

قد أنكرنا في قواعدنا الأصولية أساس الحقيقة الشرعية، وأن للشرع المقدس الإسلامي تأسيسا في اللغات وأوضاعا خاصة، بل الألفاظ المستعملة في الكتاب والسنة، مرادة فيهما بما لها من المعاني اللغوية والمفاهيم العرفية والمتبادرات السوقية، وأن الإسلام ليس صاحب اختراع في أصل الاستعمال، ولا صاحب إبداع في مواد اللغات (1). نعم ربما يتفق أحيانا استعمال بعض اللغات في المعنى الخاص، ويكثر ذلك إلى حد لا نحتاج في فهم الخصوصية إلى القرينة، وعندئذ يحصل الحقيقة في محيط المتشرعة، ولا بأس بدعوى مهجورية المعنى اللغوي الموسع بطلوع المعنى الخاص لبعض اللغات، ومن تلك الألفاظ والمواد كلمة " الإيمان " ومشتقاتها، فإنها بحسب المعنى اللغوي عامة، ويمكن أن يعد الكافر في كفره والمنافق بالنسبة إلى نفاقه، مؤمنا معتقدا مصدقا مذعنا، وهكذا الألفاظ المشابهة. ولكن لكثرة استعماله في الإيمان بالله وباليوم الآخر وبالرسالة في ابتداء الإسلام، صار حقيقة في ذلك، بحيث يتبادر من قوله تعالى: (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) أن المراد هو الإيمان بالله... إلى آخره، ولو كان في بعض المواقف قرائن خاصة أحيانا، كما في المقام أيضا، لأن الآيات السابقة تشهد على المراد من هذه الآية، ولكن الأمر بلغ إلى حد لا يتقوم بها، كما لا يخفى وقد بحثوا ذلك في الفقه. ثم بعد ذلك، وبعد طلوع الإسلام وظهور الدولة الحقة، وصلت نوبة الحقيقة الأخرى لهذه الكلمة الشريفة، وصارت موضوعة بالوضع التعيني، لكثرة الاستعمال في الإيمان بالله وبالرسول وبعلي وأولاده (عليهم السلام) في محيط الشيعة، وما ربما يستظهر من بعض الآيات: أن المؤمن فيها هو المؤمن بالمعنى الأخير، غير واقع في محله، إلا مع قيام السنة القطعية والحجة الإلهية، فلا تخلط.


1- راجع تحريرات في الأصول 1: 185.