بحث علمي عرفاني

من المسائل المحررة في الفنون العالية: أن للأشياء المتأخرة وجودا كينونة سابقة عليها، على نعت الإجمال غايته والبساطة نهايته، وأن الموجودات الواقعة فيما لا يزال، وفي أفق الأزمان والأحيان، لها نحو وجود يسانخ الآفاق السابقة، ويعانق النشآت القبلية، فكما أن تلك النشآت بريئة عن الأحداث والمواد ولواحقها، كذلك تلك الوجودات والانعكاسات، فيكون جميع المتأخرات عكوسا للعاليات، وإن للعاليات إظلالا في السوافل، ولنعم ما قال العارف الفندرسكي: چرخ با أين اختران خوش نقش بس زيباستى صورتي در زير دارد آنچه در بالاستى (1) وإلى هذا النمط العرفاني والمائدة الملكوتية السبحانية وردت الآية والروايات، وعبر في لسان الشرع عن هذه العوالم بعالم الذر، إشارة إلى الإجمال والبساطة العرفية المشهودة في الذرات، وسيأتي تحقيقه في ذيل الآية المناسبة إن شاء الله تعالى. وربما كان النظر هنا في قوله تعالى: (آمنوا كما آمن الناس) إلى عموم الناس وإيمانهم في عالم الغيب والذر، حيث قال الله تعالى: (ألست بربكم قالوا بلى) (2)، ضرورة أن عموم الناس ما كانوا مؤمنين، وحمل الألف واللام على خلاف ظاهره خلاف الظاهر، حسب ما تحرر في محله عند جمع من الأصحاب رضوان الله عليهم. فالآية بحسب الظاهر إنما تكون شاهدة على مسألة أصولية، كما مر، وعلى مسألة عرفانية علمية بحسب الباطن والتأويل.

وغير خفي أن الأمر هنا يناسب المعنى العرفاني، لأن المنافقين كانوا بحسب الباطن غير مؤمنين، فأمروا أن يؤمنوا في الباطن، كما آمن الناس في عالم الذر والباطن، وعندئذ يناسب التعبير عن هذا الإيمان عند الجهلة بالسفاهة، لأنه لم يكن عن العلم بالعلم، ولكنهم هم السفهاء، لما أنهم أيضا كانوا مؤمنين في ذلك العالم، ولكن لا يعلمون. والله العالم بحقائق آياته.


1- والصحيح: نغز وخوش وزيباستى.

2- الأعراف (7): 172.