الموعظة الحسنة والنصيحة

اعلم يا أخي: إن الكتاب الإلهي كتاب الوعظ والإرشاد والتنبيه والتوجيه، وفيه هذه الجهة وتلك القسمة أقوى وأعظم شأنا من سائر الأمور الأخر، وفي جميع الهدايات أيضا يلاحظ جانب الإرشادات الخاصة بأنحاء التعابير المختلفة، ليخرجكم من الظلمات إلى النور، ويهديكم إلى الصراط المستقيم، والخلاص من الجحيم. فإذا يقول: (آمنوا كما آمن الناس) فعليك الإجابة بالأجوبة القلبية والقالبية، وعليك الإصغاء والاستماع إلى ندائه ورأيه عملا وعلما، ولا تكن كالمنافقين ومن يحذو حذوهم في الخروج إلى حد الإفراط أو التفريط، حتى لا تكون من المؤمنين قلبا وعلما ولا من المؤمنين عملا وقالبا، بل اللازم مراعاة الحد الأوسط، واتخاذ الحد العدل والخط المستقيم من الابتداء إلى الانتهاء، وعدم الانحراف عنه ولو لحظة، وذلك لا يحصل بمجرد تلاوة الكتاب، أو كتابة تفسيره، أو مراجعة كتب المفسرين وغير ذلك، بل هو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالجد والاجتهاد، كما قال الشاعر الفارسي: كجا تواند دم از مقامات عارفي زد كسى كه چون نى بشب ننالد چونى بصد جا كمر نبندد (1) فإياك أن تكون من السفهاء في لسان القرآن، وإياك أن تشملك هذه الكريمة الشريفة واحذر عن التشبه بالمنافقين، وقد عرفت أن من النفاق الرياء، والمراؤون يتبعون أهواءهم، وهم في النفاق آكد من المنافقين، لما أن إيمانهم ودعي غير راسخ ولا حقيقي، فهو والمنافق عند ظهور النشأة البرزخية سيان، ولا يجوز أن تتخيل اختصاص ذلك بالمرائي، بل كل إنسان كان نظره وقلبه متوجها إلى غيره تعالى - في فعاله وصنيعه - فيه نوع نفاق، ويقول بلسان الحال: (أنؤمن كما آمن السفهاء)، ويجاب بقول الله تعالى: (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون).


1- كذا في الأصل مأخوذا من كتاب " برگى از ديوان حكيم صفاى سپاهانى " ولكن الصحيح: صفا به رندى كجا تواند دم از بيانات عارفي زد * هر آنكه نالد به ناله ء نى، چونى به هر جا كمر نبندد ومطلعه: چنين شنيدم كه لطف يزدان به روى جوينده در نبندد * درى كه بگشايد از حقيقت بر اه? عرفان دگر نبندد.