بعض بحوث أصولية

اختلفوا في مباحث العام والخاص في أن العمومات اللفظية تحتاج إلى مقدمات الحكمة على نحو ما تحرر في مسألة المطلقات، فذهب صاحب الكفاية (رحمه الله) إلى الحاجة (1)، والوالد المحقق - مد ظله - إلى عدمها مستدلا: بأن أداة العموم وضعت لاستيعاب المدخول، فلا معنى لاحتياجها إليها (2) ويدل على خلافه هذه الآية الشريفة، فإن قوله تعالى: (آمنوا كما آمن الناس) لو دل على العموم الاستغراقي يلزم الكذب بالضرورة، فيعلم منه أن دلالة الجمع المحلى بالألف واللام على العموم، منوط بكون المتكلم في مقام بيان إفادة العموم، وإما إذا كان في مقام إفادة الإهمال، فلا يستفاد منه العموم والاستيعاب، فهذه الآية تشهد على مختار " الكفاية " وجمع آخر.

أقول: تحقيق هذه المسألة في الأصول (3)، والذي هو مورد النظر: أن هذه الآية ربما تكون منصرفة إلى جماعة المدنيين والحجازيين، ومع وجود الانصراف يسقط الاستدلال، لأن الانصراف في حكم القيد المتصل، الذي يصح للمتكلم أن يتكل عليه في كلامه وخطابه. هذا، مع أن كون الجمع المحلى باللام مفيدا للعموم بالوضع، محل إشكال (4)، وما هو القدر المتيقن عند أهله هي كلمة " كل " وأمثالها. هذا، وقد مرت احتمالات المفسرين حول المراد من الناس، وأن الألف واللام للعهد، والمقصود هم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتباعه دون العموم، أو المقصود هم جماعة اليهود وأتباع عبد الله بن سلام، كما عليه وجوه أصحاب التفسير، وإنا وإن أبطلنا مقالتهم، ولكن للخصم المناقشة في الاستدلال بمجئ الاحتمال. والذي هو الأقرب في أمثال هذه الآيات: هو أن الأداة الموضوعة للاستيعاب، ليست تفيد الاستيعاب التام إلا عند عدم القرينة، وبعد تمامية مقدمات الإطلاق، فتكون في الآية نوع شهادة على تلك المسألة الأصولية إنصافا.

تنبيه

في قوله تعالى: (ألا إنهم هم السفهاء) سؤال متوجه إلى الضميرين: فإن الضمير الأول مفاده معلوم، والضمير الثاني ليس مفاده عين الأول، لما فيه من الشناعة والاشمئزاز، بل مفاد الآية هكذا: ألا فهم أنفسهم السفهاء، وهم ذواتهم السفهاء، فهل هناك حذف مضاف، أم يكون الضمير الثاني ذا وضع آخر؟وبالجملة: اختلفوا في الأصول في حقيقة الضمائر، وأنها هل هي معان اسمية، أم حرفية؟فالأكثر ذهبوا إلى الأول (5)، واختار الوالد المحقق - مد ظله - حرفيتها مستدلا: بأنها إشارات إلى المراجع، وكما أن الأسماء التي يشار إليها ليست إلا حروفا حقيقة، كذلك الضمائر (6)، وعندئذ يشكل الأمر في أمثال هذه الآيات. فإنها لو كانت للإشارة إلى المراجع للزم تكرار حروف الإشارة، وهذا فيه نوع ركاكة إذا لاحظناها بالقياس إلى بعض الألسنة الأخرى، وإذا كانت الضمائر أسماء للمراجع على خلاف التحقيق قطعا، فأيضا تحدث مشكلة أخرى، وهي أن قوله تعالى: (ألا إنهم هم السفهاء) يرجع إلى هذا: ألا إن المنافقين المنافقون السفهاء، وهذا خلاف المقصود، لأن النظر إلى أن كل منافق سفيه. والله العالم.


1- راجع كفاية الأصول: 217.

2- راجع مناهج الوصول 2: 233 - 234.

3- راجع تحريرات في الأصول 5: 201.

4- راجع تحريرات في الأصول 5: 210.

5- راجع تحريرات في الأصول 1: 132.

6- مناهج الوصول 1: 98.