البلاغة والمعاني ونكتهما

النكتة الأولى: وجه تأخير هذه الآية ربما يخطر بالبال السؤال: عن وجه تقديم الشرطية الأولى على الشرطية الثانية المذكورة في هذه الآية، مع أن الأمر بالإيمان كان ينبغي أن يقدم على النهي عن الإفساد، وعندئذ نقول: من الممكن أن يقال: إن المنافقين بعد ما كانوا مقرين في الصورة بالإيمان بالله وباليوم الآخر فيحاجونهم: بأنكم إن كنتم تؤمنون بالله وباليوم الآخر، فلا تفسدوا في الأرض، وبعدما أقروا: بأنا مصلحون، فيدلونهم إلى أن يؤمنوا إيمانا خالصا، مثل ما يؤمن الناس والآخرون.

أو يقال: إن الآية السابقة تكفلت بمقام التخلية عن المفاسد والرذائل والمهلكات والبليات، وهذه الآية تعرضت للتجلية والتحلية، فإنها بعد ذاك بحسب المراتب المحررة في الفلسفة العملية والحكمة التطبيقية. أو يقال: إن القائل في الآية الأولى والمحاجة السابقة كان منهم - كما عرفت تقريبه - فهو لا يقول إلا بالنهي عن الإفساد، فإذا عرف من حالهم أنهم يظنون أنهم مصلحون، فقيل لهم: لو كنتم مصلحين فآمنوا حقيقة كإيمان الناس. أو يقال: إنه لم يكن النظر إلى إيمانهم، لما لا منفعة فيه ولا خير منه، بل المقصود مقصور على تركهم الإفساد ومنعهم عن التضاد والفساد، ولكنهم لما قالوا: (إنما نحن مصلحون) عرض عليهم إذا كان الأمر كما زعمتم، فآمنوا كما آمن الناس، ولا تكونوا منافقين بإبطان الكفر وإظهار الخلوص.

النكتة الثانية: حول قائل القول اختلفوا في القائل هنا - أيضا - في أنه الله تعالى أو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو غيرهما، والذي هو المستفاد من الآية أنها ليست في مقام بيان خصوصية القائل، وكأنه لا يترتب عليه أثر مطلوب، وقد احتملنا فيما سلف كون القضية فرضية حكاية عن مقتضيات أحوالهم، ولكنه ربما لا يناسب الإتيان بالفعل الماضي في الجواب. اللهم إلا أن يقال: إن الفعل في تلو الشرطية فارغ عن الاقتران بالأزمنة، كما لا يخفى. وبالجملة: الإتيان بالمجهول لا يكون للتوهين هنا ولا للتعظيم، بل لما لا نظر للمتكلم إليه ولا خصوصية له.

النكتة الثالثة: حول التشبيه بإيمان الناس إن تشبيه المفرد بالمفرد له معنى واضح، وتشبيه الجملة بالجملة بعد إرجاعهما إلى المفرد أيضا كذلك، فإذا قيل لهم: آمنوا كما آمن الناس، فمعناه: فليكن إيمانكم مثل إيمان الناس. وأما تشبيه الجملة بها مع بقائهما على حالهما، فربما يشكل تصوره، لرجوعه إلى التشبيه في النسبة والربط، مع أن المقصود هي المشابهة في المسند وخصوصيته، مع أن النسبة والربط لا يتحملان التشبيه، والذي يظهر من الشريفة هو التشبيه في الجملتين، وأن ذلك جائز، فإذا قيل: زيد أسد، كما أن عمرا ثعلب، ويريد بذلك أن حدهما في الشجاعة والجبن واحد، ودرجتهما في الشجاعة والجبن واحدة. وفي المقام أيضا أريد أن يؤمنوا كما آمن الناس في أصل الإيمان، لا في كيفيته ودرجته وخصوصيته، ويدعوهم إلى أن يؤمنوا وينسلكوا في مسلك المؤمنين، كما أن الناس انسلكوا وانخرطوا فيه. فالتشبيه المزبور إن رجع إلى تشبيه المفرد بالمفرد، يلزم كون المأمور به بقوله تعالى: (آمنوا كما آمن الناس) مقيدا، ولازمه أنهم كانوا مؤمنين ومشتركين مع الناس في أصل الإيمان، ومختلفين معهم في مراتبه وخصوصيته. وإن كان على الجملة فلا يستفاد منه إلا الدعوة إلى الإيمان، ويكون التشبيه ترغيبا به وموجبا لانبعاثهم نحوه، وترك تثبتهم في الكفر والنفاق والجحود والإلحاد، فافهم واغتنم، ويظهر في بعض البحوث الآتية ثمرات أخرى مترتبة على هذه النكتة.

النكتة الرابعة: حول اللام من " الناس " اختلفوا في الألف واللام من " الناس "، هل هو للجنس أم للعهد؟وعلى الثاني هل هو عهد خارجي أو عهد ذكري؟وعلى كل تقدير هل يكون المعهود إليه هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه من المؤمنين، كما عن ابن عباس (1)، أو هم المؤمنون فقط، أم هم من أبناء جنسهم، كعبد الله بن سلام، كما عن جماعة من الصحابة، أم هم الطائفة الخاصة الكمل؟وجوه واحتمالات (2)، لا وجه لتعيين واحد منها ولو وردت المآثير عليه، لعدم تعين المراد بها، كما تحرر، والذي هو مقتضى شؤون البلاغة هو العموم، وذلك لأن خصوص النبي وأصحابه، كانوا في مرتبة من الإيمان لا يتوقع ذلك من المنافقين المبتدين. اللهم إلا أن يقال: بأنه من تشبيه الجملة بالجملة على ما عرفت منا. هذا، مع أن المناسب هنا هو الترغيب بالإيمان، وتسهيل الأمر عليهم، بأن الناس هم المؤمنون، فالإيمان أمر بسيط يتمكن منه كل الناس، مع أن فيه تحذيرا من جنود الإسلام، وأن الناس كلهم آمنوا، ولم يبق منهم إلا أنتم، نعم ليس المقصود كل الناس على العموم الاستغراقي، بل هو الناس في محيط الحجاز ومدنها وقراها، بل يمكن أن يكون النظر إلى كفهم عن النفاق، وزجرهم عن الإظهار والإبطان، وإلى أن يؤمنوا كما آمن الناس بأديانهم ورسلهم وكتبهم، وليسوا منافقين في ذلك، فلا يبطنوا أمرهم.

وبالجملة: يندفع شبهة ترد على ظاهر الآية وهي: أن قوله تعالى: (كما آمن الناس) إخبار عن إيمان الناس، وظاهرها الجمع والعموم الاستغراقي بالضرورة، مع أن الأمر ليس كذلك، لأن أكثر الناس غير مؤمنين. وجه الاندفاع: مضافا إلى إمكان كون العمومات وألفاظها غير مستوعبة إلا بعد مقدمات الإطلاق، فيكون الآية في المشبه به مهملة، أي أن المشبه به هي الطبيعة الجنسية المهملة، لا العامة المستوعبة، يمكن أن نقول: بأن المقصود أن يرفضوا نفاقهم، ويكونوا مؤمنين كسائر الناس، وغير منافقين في ديانتهم واعتقادهم، سواء كانوا يهوديا أو نصرانيا أو حنفيا، مسلما أو صابئا، أو غير ذلك، بل تشمل الآية - من هذه الجهة - تمام المشركين الذين يظهرون شركهم، فإنهم مؤمنون بشركهم وبكفرهم، ومعتقدون بذلك، فالمنافق أسوأ حالا من جميع الناس، لما فيه من الشر الكثير والإفساد العام فنهوا عنه. والإنصاف: أن الوجه الأول هو المتعين.

النكتة الخامسة: حول اشتمال الآية على الترغيب إن من وجوه البلاغة كون الكلام مشتملا على موجبات الرغبة والترغيب إلى ما هو المقصود والغرض وما هو المأمول والمطلوب، وأن يكون الكلام متفهما لجانب الفطرة والسلامة، وإن لوحظ فيه نهاية التفنن وغاية الدقة ولحظات الخطابة، فإذا أصغى إلى قوله تعالى أحد المنافقين أنه يقول: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يتوجه ويتنبه إلى أن الناس عموما قد آمنوا، فإن بنى على الإيمان فينسلك في سلك الناس، وإن لم يؤمن فيخرج من طائفة الاناس، وينخرط طبعا في سلك الأنعام والدواب. وبعبارة أخرى: من لم يؤمن كما آمن الناس، أمره دائر بين أن يؤمن فيكون من الناس، وبين أن لا يؤمن فيكون من غير الناس. والسر كل السر أن الآية لاشتمالها على العموم الأفرادي، تلفت النظر إلى هذه الجهات والنكت، وأن المخاطب بقوله: (آمنوا) إن كان من الناس فقد أقرت الآية بأن الناس آمنوا، فلا معنى للدعوة، وإن كان المخاطبون بها غير مصغين إلى ندائها وغير عاملين بمقتضاها، فهم ليسوا من الناس، لأن الناس كلهم آمنوا. وان شئت قلت: يستخرج هنا من عموم الحكم حال المفرد، كما تحرر في الأصول في قصة لعن بني أمية قاطبة (3). ومن العجيب: أن هذه المقابلة المشهورة بين الناس والمخاطبين في قوله تعالى: (آمنوا كما آمن الناس) تكون معلقة على إيمانهم، فإن آمنوا فلا يشملهم خطاب (آمنوا)، لأنهم بعد الإيمان من الناس ومن المؤمنين، وإن لم يؤمنوا فالخطاب باق على دعوته وهم غير منسلكين في الناس، لأن من كان منهم قد آمن، فافهم واغتنم.

النكتة السادسة: حول قائل هذه الأقوال يظهر مما مر تمام الكلام في فاعل (قالوا) وهم جمع من الناس الذي يستفاد من قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله...) إلى آخره، ولا يلزم أن يكون الفواعل في الأفعال السابقة متحدة بالشخص، ولا برهان عليه، كما أن قضية كون الآية مشتملة على السؤال والجواب الفرضيين عدم الاحتياج إلى الفاعل رأسا، كما هو الظاهر، فالخلاف فيه أيضا في غير محله.

النكتة السابعة: حول خروج الآية عن حد النفاق يخطر بالبال الإشكال، وربما يصعب حل هذا الإعضال وهو: أن الآيات السابقة إلى هذه الآية وما بعدها، مخصوصة بحال المنافقين الذين يبطنون واقعهم ويظهرون خلافه، فعلى هذا كيف يصح أن يقال: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء)، مع أن هذا إظهار لواقعهم المبطون والمختفي على المؤمنين؟هذا مع أن فيه التجاوز والتثريب بالنسبة إلى المؤمنين بعدهم من السفهاء، وهذا خلاف ما كانوا يخادعون بإظهار الإيمان حسب الآيات السابقة، ويقولون: آمنا بالله وباليوم الآخر، وقد مر الكلام فيما كانوا يخدعون به، وما كانوا لأجله يخدعون، فإن الكل ينتفي بعد ما أجابوا بذلك الجواب الفاحش المعلن، فهل إلى حل هذه المعضلة من سبيل؟أقول: هنا أجوبة واحتمالات (4) إلا أن الاعتماد عليها مشكل: مثلا ربما يقال: إن الآية حكاية عما كان بينهم بعضهم مع بعض. وفيه: أن جمعا من المفسرين - كالفخر وغيره (5) - قالوا: إن الفاعل هو الله تعالى أو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو المؤمنون، وإذا كان الأمر كما توهموه فالظاهر أن الجواب أيضا يتوجه إليهم، ولا معنى لكونه مقالة وقعت بينهم أنفسهم، كما لا يخفى. وربما قيل: إن المقاولة فرضية. وفيه: أن القول بالفرض قول نادر، واحتمال قوي، ولكن حل المعضلة لا يمكن بناؤه عليه إلا عند الضرورة. وأما قول الشاعر: كريم إذا أمدحه أمدحه والورى معي وإذا ما لمته لمته وحدي فلا يشهد عليه لإمكان كونه من الادعاء والمجاز، كما لا يخفى. ومن الممكن دعوى: أن ذلك كان بمحضر المؤمنين، ولكنه من المسارة، وقد أظهره عالم السر والنجوى، وغير ذلك مما يذكر أو يحتمل.

والذي هو الأقرب إلى الذهن ما خطر ببالي القاصر وإن استشهدته بعد ذلك في بعض المحكيات عن أهل الفضل وهو: أن في أمرهم بالإيمان كما آمن الناس، وفي ترغيبهم بالإسلام كما أسلم عموم الطائفة وعموم البشر كافة، نوع هتك بالنسبة إليهم، وأنهم لا يكونون من الناس وهم أضل من كل فرد من أفرادهم، وإذا هم أرادوا الجواب عن ذلك بعد ما لاحظوا تغطية أمرهم ونفاقهم، فقالوا - حينئذ -: أنؤمن نحن كما آمن السفهاء والعوام والأراذل والمبتدون، هيهات إنا لسنا مثلهم، فإنا مؤمنون كما آمن الأخصون والمختصون. وفي اعتبار آخر ربما يظهر من السؤال والجواب: أن المؤمنين كانوا يريدون بذلك إفشاء سرهم وإعلان أنهم من المنافقين غير المؤمنين، ولأجل ذلك أمروهم بالإيمان بعد ما قالوا: إنا آمنا بالله وباليوم الآخر، ففي الأمر بعد الدعوى المزبورة إشعار بأنهم عندهم غير مؤمنين، وهم كاذبون في دعواهم، فأجيبوا من قبلهم بما فيه أيضا خدعة وإبطان، فإن في الاستفهام الإنكاري إعادة دعواهم الأولى، وهي إيمانهم، وفي التشبيه على نعت التقييد - أو في تشبيه الجملة بالجملة - إرغام لأنف المسلمين بسبهم وهتكهم، فأخفوا بعد ذلك أيضا أمرهم، مقرونا بأن إيمان الناس لا يعتمد عليه، وهو من الإيمان المتزلزل غير المستقر.

النكتة الثامنة: حول نسبة السفاهة إلى المسلمين ربما يخطر بالبال: أن رد ما صنعوه بالمسلمين وما نسبوه إليهم من السفاهة، غير لائق بالكتاب الإلهي، فإذا هم كانوا من المتجاسرين بالنسبة إليهم، والمعادين لهم بنسبتهم إلى الجهالة والسفه، فلا يرخص ذلك في حق الآخرين، ولا سيما الكتاب العزيز. ولكنه خطور ناشئ عن قلة التدبر في أطراف المسألة، وهو أن الإسلام حين طلوعه كان يحتاج إلى الإمدادات الغيبية والإعانة الإلهية، والمسلمون في بدو الإسلام يمسون الحاجة ويلمسونها لما لا يجاذبهم إلا التشويق الإلهي، وأنه تعالى يعاضدهم حتى في هذه المراحل، فلو كان العدو اليهودي يسبهم ويهينهم، فيجيبهم الله تبارك وتعالى، فسيتقوون بذلك أحسن التقوية جدا، حتى يدافعوا عن اعتقادهم وعن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي هذا الكلام نهاية البلاغة وغاية الدقة، مع أن مقتضى المجاوبة أنه أريد نفي السفه عن الآخرين وعن المنتسبين إلى السفاهة في كلامهم، فيفيد الحصر للقرائن الخاصة. وأما توهم إفادة تعريف المسند أو أمثال ذلك الحصر في الكلام، فهو عندنا غير تام، كما حررناه في علم الأصول (6).

النكتة التاسعة: حول عدم العلم بالسفاهة قد عرفت أن السفه بحسب أصل اللغة من الجهل، فعلى هذا إذا قيل في حقهم: (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) فهو في قوة أن يقال: ألا إنهم هم الجاهلون، ولا يدرون أنهم جاهلون، فيكون جهلهم جهل مركب لا بسيط، ولأجل ذلك وإفادته ربما اختلفت هذه الآية في الاستدراك عن الآية السابقة، فهناك إنهم لا يشعرون ولا يملكون شعورا، لأن الفساد والإفساد من الأمور البديهية التي يشخصها ذوو الألباب الأولية، فضلا عن الأحبار وأمثالهم، فإذا قصروا عن ذلك فهم لا يشعرون، ولا يكونون من ذوي الشعور والإدراك الإحساسي، بخلاف الإيمان في هذه الآية، فإنه من الأمور الكلية المحتاجة إلى دقة النظر والتدبر والتفكر، ولكنهم قاصرون عن ذلك، وجاهلون بقصورهم، فيكون جهلهم مركبا. إن قلت: بناء على هذا يتولد مشكلة: وهي أن الجاهل المركب المعتقد بمقالته، معذور في فعاله وصنعه واعتقاده الباطل، فلا يصح توبيخهم وتثريبهم على أمورهم، ولا يصح عدهم من السفهاء. قلت: قد فرغنا عن حل أمثال هذه المعضلات والمشكلات في الآية السابقة، وذكرنا بتفصيل: أن الاهتمام بشأن المسلمين حين طلوع الإسلام، كان مما يجب على صاحب الإسلام، حفاظا على الإسلام ودفاعا عن حق المسلمين. هذا، مع أنهم بالجهل المركب لا يخرجون عن السفه الواقعي. ومن هنا يظهر: أن المحذوف ومفعول (لا يعلمون) هي سفاهتهم، ويمكن إبداع الاحتمالات الأخر التي مرت في الآية السابقة بأنحائها، ويحتمل أن لا يكون للفعل مفعول مخصوص، لأن النظر مقصور في توصيفهم بمطلق الجهل.

النكتة العاشرة: حول تعارض المتوهمة في الآيات ربما يخطر بالبال مناقشة: وهي المعارضة المتوهمة بين قوله تعالى في ابتداء هذه الآيات: (وما هم بمؤمنين)، وقوله تعالى: (آمنوا كما آمن الناس)، فإن التشبيه يتضمن التقييد، ونتيجة التقييد: أن من خوطب بالإيمان المقيد كان هو مؤمنا في أصل اللغة، مع أنهم ما كانوا مؤمنين. وفيه أولا: أن مجرد التقييد لا يدل على ما توهم، لإمكان كون المأمور به مقيدا بقيد، والمأمور غير واجد للإيمان رأسا، فيكون الواجب عليه هو المعنى المقيد، كما لا يخفى. وثانيا: قد عرفت منا: أن التشبيه تارة يكون من قبيل تشبيه المفرد، فهو يلازم التقييد، وأخرى يكون من تشبيه الجملة بالجملة، فهو ليس مورثا للتقييد، بل هو ترغيب بالامتثال والائتمار، فإذا قيل لهم: آمنوا كما آمن الناس، فلا يريد إلا تشبيه الجملة بالجملة، أي فلتؤمنوا يا أيها المنافقون أو الكافرون، كما آمن الناس وكما اعتقدوا بالإسلام، وانسلكوا في سلكهم. وهذا نظير ما إذا قيل للعصاة: يا أيها العاصون أطيعوا الله كما أطاعه أصدقاؤكم، فلاحظ وتدبر جيدا.


1- راجع تفسير الطبري 1: 127، والدر المنثور 1: 30.

2- راجع البحر المحيط 1: 67، وروح المعاني 1: 144.

3- راجع كفاية الأصول: 223.

4- راجع روح المعاني 1: 144.

5- راجع التفسير الكبير 2: 66.

6- راجع تحريرات في الأصول 5: 318 - 324.